2017/01/15

المقامة الجامعية من كتاب مقامات الكيلاني لماجد هاشم كيلاني

المقامة الجامعية
بقلم: ماجد هاشم كيلاني
حكى لنا حنفي بن تامر وقال:
في يوم رُحت للشيخ , في جامع البلد، وأنا كّلّي جلد , قولت له: يا شيخ، لقد عظم بلائي، واشتد ابتلائي، دعواتك يا شيخنا، ده احنا م الهم شيخنا، فلو سمحت انصحني ، بكلامك وصحصحني، أرجوك هوّن عليّا، مُشكلتي شويّة، ربنا عالم بظروفي , وبعد كده بكيت، وبمسكنة حطّيت، راسي ما بين كفوفي , ..على كِتفي حط إديه، وابتسمت ليّا عنيه ، وكأنّه بيأنّبني، وقال لي : بُص يا ابني، من ربنا القضاء، وعلينا احنا الرضاء، مافيش قُدّامنا غير الرضابحُكمه ، لعل بلاءه لحكمة، هو يعلمها أو خير، ما أحنش شايفينه دلوقت، وهنشوفه مع الوقت!
بعدين عليّا مال، وسكت شوية وقال , : انا مش عايزك تِكفَر, ماحدّش يا ابني يقدر، يمنع قضاه ولا حد,  يقدر وهو محتد، يسأل ربنا ده ليه؟ , أو حكمته من ده أيه؟ , لأنه حر بيجعل , وبيختار وبيفعل، يا ابني ما يشاء، فيمن يشاء، كيفما يشاء، وأينما يشاء، وحينما يشاء، له الخيار المطلق، وله الأمر المطلق، في كل الأشياء، والأموات والأحياء، و(لايسأل عمّا يفعل) .., له حكم فكُل شيء، لأن كل شيء، من خلقه ومن صنعه، ومن حكم في صنعه، يا ابني ما ظلم، وهو ما ظلم حد , ولا هيظلم حد، لأنّه العادل الأحد ، ..سبحانه هو العادل , ولعِلمك لو هتجادل، ربنا برضه أخبرنا، فـ كتابُه عن قدرنا، إنّه متقلّب دايمًا، وإنّه الأفضل والأئمن، إننا نؤمن بقدره , كُله (بخيره وبشرّه) , لإنّه لا محالة , (النعمة زوّالة) ، و(مُحال ثبات الحال)، وكُلّه إلى زوال, وفناء بعد هلاك .
شوف يا ابني.. إيّاك ، تزعل من اللي صابك، وتاخدُه على أعصابك، صدقني (العقل زينة)، للناس الرزينة، العقل هو الوسيلة، المضمونة الجميلة، لمعرفة الحق، وعباده الحق، (ربنا عرفوه بالعقل)، والدين عرفوه بالنقل,.. ولكل مشكلة حل، بالعقل والمعقول، إسأل نفسك وقول، (كيف أكون مليم، وربي بي عليم)، ..سبحانه في علاه، نحن نعبد إياه، ولن نعبد إلّاه، مالنا غيره إله, قولت: ونعم بالله، قال: بص للسما، تلاقيها مُجسّمة، ونجومها دي ليلة، وسحابها ضُليلة، اتفكّر واتامّل، وإفتكر اللي جَمّلْ,  بعد ما خلق وصوّر، وصنع وأبدع وطوّر، اتأمّل صنع الله، في مخلوقات الله ,.. بقا اللي صنع دا كُلّه، بعد ما تشكي وتقول له، على مشكتلك هيعجز ,على حلها؟! ده ما يعجز , شيء في الدنيا عليه، حتى لو بالذي أيه، مش برضة ربنا , ف كتابه قال لنا : (وَمَاكَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَافِي الْأَرْضِ)
عفوًا متآخذنيش، مُشكلتك دي ما تجيش، حاجة ف ناموس الكون، والدنيا دي بحالها، بكل ناسها ومالها، على كل شكل ولون، لعب ومتاع ولهو، وكذب وزهو وبهو، على بهرجة خدّاعة، على أقدار لدّاعة , .. الدنيا كُلّها لعب، إحنا البشر بنلعب، مش برضة ربنا , ف كتابه قال لنا : (وَمَاهَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لهْوٌ وَلَعِبٌ)،..احنا البشر بنلعب , لكن اللى مش بيلعب , هوّا ربنا سبحانه , اللى قال في قرآنه , : (وَمَاخَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)، ..خلق كل شيء ، بنظام من (لا شيء)، وأحصى كل شيء، وكتب كل شيء، ونظم كل شيء، بقدر و بمقدار، وبعظمة و اقتدار.
حدش بيتساب كده، ربنا ما بينساش حد، وما بيسيبش حد، يعيش حياته سُدى، بمزاجه.. مش ربنا , فكتابه قال لنا : (أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى)
الحياة بداية , ولكل بداية نهاية , وبعد النهاية حساب , سريع وبعد الحساب , يا النعيم يا العذاب , ..إنت أصلك أيه ؟.. نُطفة , وما فيش حاجة اسمها صُدفة، كل شيء مترتّب، بنظام و متسبّب ,.. (لكل سبب مسبب)، وربنا بيسبّب، بحكمته الأسباب، ويحيّر الألباب!! , قُصْرُه.. الحزن بيتداوي , وبتخف الآلام، بمرور الأيام، والآخر بيتساوى، كله تحت التراب، أصل الدنيا دي سراب، على رأي (الإمام , الشافعي) الهُمام:
دع الأيام تفعل ما تشاء ...وطب نفسًا إذا حَكَمَ القضاءُ
ولا تجزع لحادثةِ الليالي .......فما لحوادث الدنيا بقاءُ
إنت راجل مسلم، والمطلوب من المسلم , فقط حاجتين اتنين , على رأي الشيخ حسين:
(في الفرح.. شكرًا جزيلًا....في الجرح.. صبرًا جميلًا)
وفي الحالتين هتُثاب، وهتاخُد الثواب! , ..نصيحتي يا ابني ليك، أرجوك الله يخليك، مهما كان القدر، هيسبّب لك كدر، لازم ترضى بيه، وربنا سبحانه، جل وعلا شانه، ترضى بابتلاؤه، يرفع عنك بلاؤه، رضاك بقضاه يرضيه. وافتكر الجملة دي:
(إرضي ربك ... يرضي قلبك)
وخُد بالك يا ابني، ياللي سكوتك عاجبني، الشكوة لغير الله، مذلة بل ملهاة، فحاول تشكي ليه، وإياك لغيره تشكي، لو عاوز تبكي ابكي،ف رحابُه وبين أياديه ,.. لإنّك مهما كان، إسمك برضه إنسان، والإنسان ضعيف، مهما قدر ضعيف، قدام قُدرتُه ، ومالوش غير رحمتُه , وإفتكر أيوب , لمّا اشتكى لله، وصبر على ما بلاه، وربنا نجّاه، من قسوة المكتوب , هو ده رَبّنا ، بيقطع من هنا، ويوصل من هنا، فعلًا هو المعوّض , ربنا يا ابني يعوّض، عليك بكل خير، ولعل بلاؤه خير!,...أستأذنك الآن.., أرفع الآذان، وقت الصلاة قد حان، مسكت فيه بإديّا، قولت له: خلّيك شويّة ، مصلحة الفرد أهم، من الجماعة ياعم!!, ..فبص لي بغضب، زي أبو الغضب، وإنتفض وقام ، ودخل أوضة الإمام ، خوفت أحسن يجيب عصايه، ويجري بيها ورايا، لحد أمّا ارفع الراية .
قال حنفي بن تامر:  فأخدت بعضي بسرعة، وجريت بأسرع سرعة، من الجامع للبيت، وحمدت رب البيت، إن أنا لا اتماديت، فـ كلامي ولا اتمدّيت، ولا حد بشيء عصّبني، ولا حد على شيء غصبني، ولا حد بحاجة ضربني...والختام.

ليست هناك تعليقات: