2017/01/18

الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقة يكتب عن ذكرى المناضل الجزائري الكبير محمد لمين دباغين

في ذكرى المناضل الجزائري الكبير محمد لمين دباغين

بقلم: الدكتور  محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة
قسم الأدب العربي-جامعة عنابة-
     يلاحظ المتتبع لتاريخ الثورة الجزائرية أن المناضل الجزائري الكبير محمد الأمين دباغين لم يحظ بالعناية الكافية من الدراسة والبحث،ولم يلق اهتماماً واسعاً من قبل مختلف الباحثين والمؤرخين،ويمكن أن نستشهد في هذا الصدد بقول المؤرخ الراحل الدكتور يحيى بوعزيز حينما تحدث عن الأمين دباغين قائلاً: «هو أحد المناضلين الكبار الذي شاءت الظروف أن تفرض عليه نوعاً من الحصار والتعتيم،وشاء سلوكه هو أن يطبق عليه الصمت القاتل...إنه الحكيم محمد الأمين دباغين الذي كان يمثل الرجل الثاني في حزب الشعب الجزائري وحركة الانتصار،بعد الزعيم الحاج أحمد مصالي خلال عقدي الثلاثينيات والأربعينيات،إنه رجل منظر وصاحب مواقف،له خبرة كبيرة في النضال الوطني،يتسم بالهدوء،ويفضل العمل بصمت،وفي مجموعات ضيقة محدودة العدد،ويبتعد عن الغوغائية،ويميل إلى الدقة في اقتراحاته و تخطيطاته،وإليه يعود الفضل في تحديد أفكار ومحاور بيان الشعب الجزائري الذي كلف فرحات عباس بتحريره في مطلع عام:1943م،وسلم إلى الولاية العامة وحكومات الحلفاء...،وعندما اتضح انهزام النازية والفاشية،وانتصار الحلفاء في الحرب أواخر عام:1944م،فكّر في إعلان حكومة جزائرية بمنطقة معينة شمال إفريقيا،وتحاور مع الزعيم مصالي الحاج في الأمر فاقتنع بالفكرة...
   إن التفكير في إعلان حكومة في مثل ذلك الظرف عام:1945م يدل على الحذق السياسي للحكيم دباغين الذي عمل على استغلال الظرف،ولكن المحيط لم يكن مناسباً على ما يبدو،ففشل المشروع ولم يتحقق إلا في عام:1958م،وكان ذلك بمثابة إرهاص له على أي حال...»)1(.
         ويمثل كتاب الباحث والكاتب الروائي حميد عبد القادر الموسوم ب:«الدكتور الأمين دباغين:المثقف والثورة»  محاولة متميزة بغرض رد الاعتبار إلى هذه الشخصية النضالية الفذة،فهو واحد من الكتب القليلة التي اهتمت بشخصية الأمين دباغين من مختلف الجوانب،وهو يعكس وفاء الأستاذ حميد عبد القادر لواحد من كبار المجاهدين الجزائريين الأفذاذ الذين يعتبرون من الشخصيات المثيرة للجدل خلافاً لمعظم معاصريه،فقد عالج الأستاذ حميد عبد القادر في دراسته هذه مسيرة الدكتور الأمين دباغين بتفاصيلها،وتوقف مع جهوده منذ أن بدأ مناضلاً في صفوف حزب الشعب،وتتبع خطواته مركزاً على دوره في الحركة الوطنية،وإبان ثورة التحرير المظفرة،والقارئ المتمعن لفصول الكتاب يدرك الجوانب العديدة التي تميز بها كتاب الأستاذ حميد عبد القادر،ومن هذه الجوانب ما يتصل بالمادة العلمية،وما تميزت به من ثراء وغنى في المعلومات والاستنتاجات،ومنها ما يتعلق بالجانب التاريخي،ولاسيما أن المؤلف قدم مجموعة من التفصيلات التي سلط من خلالها الضوء على أوضاع الجزائر خلال الفترة التي سبقت ثورة التحرير الجزائرية،ومنها انتقل إلى الحديث عن شخصية المناضل محمد الأمين دباغين،وقد استند المؤلف في مادة كتابه إلى مجموعة كبيرة من المصادر والمراجع والوثائق التاريخية.
         ولا يختلف اثنان في أن الكتابة عن الشخصيات الثورية ليست بالأمر الهين نظراً لجملة من الأسباب،منها«أن الكتابة عن تاريخ الثورة ما تزال محفوفة بالمخاطر والمزالق لعدم توفر المادة الضرورية للبحث،ولكون بعض الذين شاركوا فيها ما يزالون على قيد الحياة وهم لهم رأي في كل ما قيل ويقال عن مسيرة الثورة وطريقة المعارك مع العدو، ومنها أن الحديث عن معركة جزئية أو حادثة صغيرة ضمن الأحداث الكبرى للثورة فيه خطر من نوع آخر،وهو إمكانية حجب العامل،أو العوامل الرئيسة التي كانت وراء تفاعلات الثورة كلها،وإمكانية السقوط في مهوى الإقليمية الملعونة»)2(.
          قبل التطرق إلى أهم ما حواه الكتاب بين دفتيه تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ الباحث والأديب حميد عبد القادر،هو واحد من الكتّاب الجزائريين الذين عرفوا بتنوع اهتماماتهم الثقافية والأدبية،ولد بمدينة الجزائر،و تخرج من  معهد  العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر،كتب عدة مقالات في مختلف الصحف والمجلات،ومن أهم مؤلفاته:رواية «الانزلاق»،و«مرايا الخوف»،وكتاب«فرحات عباس:رجل الجمهورية»،و«حكايات مقهى مالاكوف»،وكتاب عن شخصية«عبان رمضان»)3(.
 عرض الكتاب:
    قسم الأستاذ حميد عبد القادر كتابه إلى ثمانية فصول،فخص كل قسم بمرحلة تاريخية معينة.
   في مقدمة الكتاب  تحدث عن«محمد الأمين دباغين ومصير البرجوازية الوطنية»،وقدم لمحة عن حياته،وذكر بأنه ينتمي إلى البرجوازية الوطنية وفئة المثقفين الذين عرفوا بمناهضتهم للاستعمار الفرنسي،وخير دليل على ذلك نشاطه الدؤوب في صفوف حزب الشعب الجزائري،ويؤكد الأستاذ حميد عبد القادر على أن الأمين دباغين رغم ما قدمه من تضحيات جمة لخدمة فكرة الثورة المسلحة،بيد أن الذاكرة الشعبية لا تحفظ عنه الشيء الكثير،فقد لحقه النسيان،وكان ضحية الإقصاء،جاء في الملخص الذي قدمه الأستاذ حميد عبد القادر عن مسيرة الأمين دباغين:«ولد الدكتور محمد الأمين دباغين بحسين داي سنة:1917م،استقرت عائلته العريقة في الجزائر العاصمة قادمة من شرشال.أنهى دراسة الطب سنة:1914م،وبرز في حزب الشعب الجزائري بعد أن انخرط في صفوفه سنة:1939م في أوقات عصيبة تميزت بسجن مصالي الحاج،وبظهور جيل جديد من المناضلين الوطنيين.
         يختلف جيل دباغين عن جيل الوطنيين الرواد كونه متحصل على مستوى علمي،وقادم من أوساط اجتماعية برجوازية حضرية نشأ في المدن،على خلاف الجيل الأول الذي ينتمي في الغالب إلى فئة ريفية فقيرة هاجرت إلى باريس وتنتمي إلى الأوساط العمالية،ورافقت مصالي الحاج منذ نجم شمال إفريقيا»)4(.
      الفصل الأول من الكتاب وسمه المؤلف ب«مصالي الحاج يعبد الطريق أمام الأمين دباغين»،وقد تحدث في هذا الفصل عن مسيرة مصالي الحاج ،رائد الحركة الوطنية الجزائرية الذي أسس حزب الشعب الجزائري يوم:11مارس1937م،وتطرق إلى جهوده النضالية المتنوعة التي كان لها الفضل الكبير في تجذر حزب الشعب الجزائري في أوساط الشعب في مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات.
       خصص الأستاذ حميد عبد القادر الفصل الثاني من الكتاب للحديث عن«أوضاع الجزائر عشية الحرب العالمية الثانية»،والتي تميزت بعجز حكومة الجبهة الشعبية التي حكمت فرنسا سنة:1936م عن تطبيق الإصلاحات التي سبق وأن وعدت بها الشعب الجزائري،وعرفت إقصاءً كبيراً للأهالي.
          تحت عنوان«رفض المشاركة في الحرب العالمية الثانية»ذكر المؤلف في الفصل الثالث من الكتاب أن محمد الأمين دباغين رفض  الانضمام إلى صفوف الجيش الفرنسي عند قيام الحرب العالمية الثانية سنة:1939م،دون أن يدفعه هذا الرفض إلى الارتماء في أحضان النازية،وفي سنة:1943م ألقي عليه القبض من طرف السلطات الاستعمارية،ومكث في السجن إلى غاية سنة:1944م.
         وأشار المؤلف إلى حل حزب الشعب الجزائري،وتطرق إلى مواقف مجموعة من المناضلين الذين رفضوا التعامل مع ألمانيا الهتليرية وفي مقدمتهم الدكتور الأمين دباغين.
       وفي الفصل الرابع من الكتاب تحدث المؤلف عن تعيين الأمين دباغين على رأس حزب الشعب الجزائري في ظل غياب مصالي الحاج،ووجوده بالسجن،وذلك في شهر أكتوبر سنة:1942م،وقد تعاطف الأمين دباغين مع«لجنة الحركة الثورية بشمال إفريقيا»،ومع موقفها الذي يؤكد على ضرورة مقاومة الاستعمار الفرنسي،بيد أنه رفض مسايرتها في دعوتها إلى التعاون مع النازيين.
           كما توقف المؤلف في هذا الفصل مع أهم التحولات التي وقعت سنة:1942م،وذكر في هذا الصدد أن النزعة الوطنية اكتسحت مختلف الأوساط،إلى درجة أن فرحات عباس رفض المطالبة بالاندماج،و تحول إلى المطالبة بالفيدرالية،وفي هذه الفترة اشتد حماس الشعب الجزائري بعد الإنزال الأمريكي في الثامن من شهر نوفمبر،وقد اجتمعت مختلف التشكيلات السياسية بغرض ضبط خطة عمل مشتركة.
        وفي الفصل الخامس من الكتاب الذي عنونه ب«صراع مع مصالي الحاج»،تطرق الأستاذ حميد عبد القادر إلى مختلف الخلافات التي وقعت مع مصالي الحاج،و أشار إلى أن الأمين دباغين كان يعتقد بأن مصالي الحاج لا يمكن أن يكون رجل المرحلة الجديدة،واستشهد بما ذكره المناضل حسين آيت أحمد بأن عدداً  كبيراً من المناضلين كانوا متفقين على أن مصالي الحاج لن يكون رجل المرحلة الثورية،و بالنسبة إلى الأمين دباغين فقد كتب عنه يقول:«كان عميق الاستياء من انعدام القدرة الفكرية والسياسية لدى الزعيم مصالي في التحكم في المشاكل،كما لم يكن مرتاحاً لأنه كان يعرف الدسائس التي كانت تحاك ضده من أجل الإساءة إليه لدى القائد الكبير مصالي الحاج... ».
           عنون الأستاذ حميد عبد القادر الفصل السادس من الكتاب ب«الطريق نحو لوس» وتناول فيه جملة من القضايا التي تتصل بتعمق الخلافات في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وأشار في الأخير إلى أن مصالي الحاج تمكن من كسر شوكة خصومه،ووضع حداً لتأثير الأمين دباغين،وقرر إقصاءه من الحزب بسبب اتهامه بتحريك جماعة قسنطينة ضده،وقد استشهد المؤلف بما ذكره المناضل بن يوسف بن خدة الذي أرجع إخفاق الأمين دباغين إلى عدم قدرته على مسايرة العمل الجماعي ورفضه الاستماع إلى انتقادات الآخرين،وأشار إلى أن المقربين منه فقدوا الثقة في شخصيته،وهذا ما أدى إلى عودة أنصار مصالي الحاج بقوة.
        في الفصلين الأخيرين من الكتاب تتبع المؤلف مسار المناضل الكبير الأمين دباغين، بعد التحاقه بثورة التحرير،حينما اتصل به عبان رمضان وأقنعه بضرورة التنقل إلى القاهرة للالتحاق بوفد جبهة التحرير الوطني،وتوقف مع يومياته في القاهرة،وأورد نص رسالة استقالته التي كتبها في شهر أكتوبر بتونس سنة:1959م،ونص رسالة تبرير الاستقالة التي كتبها في:17نوفمبر1959م،وكما هو معروف فقد انسحب الأمين دباغين بعد الاستقلال من العمل السياسي نهائياً إلى أن وافته المنية يوم:21جانفي2003م.

     الهوامش:
(1) ينظر:د.يحيى بوعزيز:رحلة في فضاء العمر،منشورات وزارة المجاهدين-طبعة خاصة-،عالم المعرفة للنشر والتوزيع،الجزائر،2009م،ص:210-211. 
(2)د.أبو القاسم سعد الله:أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر،ج:03،دار البصائر للنشر والتوزيع،الجزائر،2007م،ص:101.
(3) للتوسع بالنسبة إلى السيرة الذاتية للأستاذ حميد عبد القادر ينظر: أعلام مدينة الجزائر ومتيجة،تأليف مشترك:  مسعود كواتي ومحمد الشريف سيدي موسى،منشورات الحضارة،2010م،ط:02،ص:110-11.
    و ينظر: رابح خدوسي:موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين،منشورات دار الحضارة،الجزائر،2002م،ص:217.
(3)   حميد عبد القادر:الدكتور الأمين دباغين المثقف والثورة،منشورات دار المعرفة،الجزائر،2011م،ص:07-08.


ليست هناك تعليقات: