2015/12/12

دفتر عاملة.. قصة بقلم: مارينا سوريال

دفتر عاملة
مارينا سوريال

اول يوم لها فى عملها كان منذ خمسة عشر عام انها تذكره كما هو الى الان ..رغم انها توقفت عن التسجيل فى دفترها الان وهى تغوص فى فراشها القديم متكورة تحاول ان تدفء جسدها من البرد الشديد لقد تذكرته الان ..ربما صوت المطر من حثها على الشعور بهذا ..

كان فى يوم ممطر استيقظت قبل امها وجلست تنتظر ..تذكرت ركضها محاولة السير خلف ابيها بقدمه الواسعة فكانت تلهث ..رات صورتها كتب بجوارها ..المهنة :عاملة ...

الان عادت لتنتبه لذلك الصياح اليومى انها تعرف بصوته جيدا انه يبدا مع الدخول الى العمل فى السابعة صباحا ولاينتهى قبل انتهاء وردية الصباح فى الساعة الثالثة ..انها س التى لا تحل فى المكان قبل ان يرتج باسمها ..قبل ان يستيقظ المبنى توقظه هى بصياحها المتذمر ..

تركض جيئة وذهابا تطوق المكان بشرشوبها تسمع صوت المياه وهىتندفع على الارض ..صوت ضربات يدها تملىء المكان صدى..هى الثانية التى تحضر الى هنا دائما منذ ان اتت الى هنا  .جميعهن يحفظن المراكز ودائما ما تبدا المعارك بينهن على صاحبة المركز الاول حتى تهدا لتبدأ المعركة من جديد ..لكنها هى لم تحاول ان تستحوذ على الاولى بل اكتفت بالثانية لذلك كانت هى محبوبة من الجميع لانها ليست مصدر عراك من جديد...

هذا الثانى انه ..لالالا ربما الثالث ..لا تذكرت انه لهااذن انه الاول اه نسيت سأنزل بالدرج واحدا بعد ولكن ..مهلا لما عليه ان اهبط واحد لما عليه الهبوط دائما كانت تتمتم بصوت مرتفع تلفتت الاخرى تنصت اليها ضربت بيدها ألتوت شفتاها سخرية:مجنونة..عجوز

تتضرع ..تستيقظ ..مع التضرعات ..تحضر طعامها بهدوء تتسلل قبل ان يستيقظوا انها لا تتحمل رؤيتهم ...فى الصباح هكذا هى "س" استيقظت زوجة اصغر ابنائها تثابت لها فى ضجر اكملت طريقها خفضت "س"صوتها وهى تلعنها سرا تردد:اين كان عقلى ؟لم اختر له سوى تلك ..

تصعد سلالمها المعتادة لاحظت اليوم فقط الصوت ..صوت سعالها وصدرها الذى يعلو ويهبط تلتقط انفاسها بشق الانفس جلست على السلم لم يكن هناك احدا انها المرة الاولى تركت الظلام يغطى جدران المكان يترك بصمات النوم والصمت تغلف جدرانه ربما ذلك افضل جدا ..انها اول الواصلين تذكرت ال15 عاما السابقة لما تصل اولا دائما

انه منتصف الشهر لا يمر تطول الايام فكيف كانت تمر فى السابق ام انها تتناسها كى تمضى ..

تنتظر المساء انه لها ..اخر ما تبقى للعجوز سرا صغيرا تبتسم كطفلة ..انها تكتب عن هؤلاء العجائز رفيقاتها ..اه لو علمن بهذا ..انها محظوظة اكثر من العجوز "م" التى تسكن فى الطابق الاول كما تعمل هل كتب عليها انه قدر كما تقول هى ان تكون اول الواصلين وفى الطابق الاول من كل شىء الا انه الاسفل فى كل شىء !!..

ذلك الصمت صوت زمجرة الصباح انه كما هو منذ اعوام لا يتغير يزداد قوة ففقط تستيقظ هى ايضا ..تلمح بجوارها ذلك الدفتر المهترىء ..انه جوارها دائما ..تسمع صوت الرياح تضرب نافذتها المنخفضة تتذكر البرد فترتجف قليلا ..يرن هاتفها على تلك النغمة المعهودة انه موعد العمل والاستيقاظ تنظر لصورتها على شاشة هاتفها تتمتم :العجوز اللعينة ..

منذ15 عام كان الكل جديد..المبنى والطلاء رائحة الادراج والمقاعد ..كل شىء ..كل شىء..حتى هن ..كنا جديدات !!هل صرن قديمات الى هذا الحد ؟..

خطر لها هذا وهى تراقب ..تراقب"م" وهى تبكى بصمت بدموع غزيرة كانت تراقبها غير مصدقة بعد كل هذا العمر ستحول للتحقيق ..جلست تبكى كانت هناك من تصرخ وتركض غاضبة كانت تعلم ان "م"تبكى الان ليس من اجلها بل من اجل حبه جديدة عمرها عامان..منذ عامان كانت "م"تركض هناك فى الجوار منهكمة لا تجيب ترفع شرشوبتها فى عجلة وسرعة تضرب الارض بلمعانها ..كانت تفعل كل شىء على عجل واتقان كعادتها كانت الوحيدة التى تكبرهن جميعا كانت هنا من اعوام قبل حضورهن ..

كانت بمثابة رئيستهن فى العمل بحكم الخبرة كانت تسير من خلفها تتابع بنظرها اشارات يدها ..كان العمل بسيط لكنها لم ترفع عينها عن حركة يدها وعيناها وهى تحكى وتصف عملها وكانها من تقوم بكل العمل وكان عملها هو الاعظم فلو تحطم تحطم معه كل شىء..تكبرها باعوام لكنها ظلت رئيستها ولم تناديها سوى بالريسة كل هذا العمر ..علمت انها جاءت هنا كمغتربة وظلت هكذا الى الان عندما تتحدث تتحدث عن هناك ..سألتها فى يوم تمزح ما بالك هذا بحر ولديكم ايضا فما الفارق ؟..قالت لا انت لم تعرفى طعم بحر هناك ..لم تستطع ان تردها كان عليها ان توافق ..تنتظر اجازتها بشغف لانها ستسافر الى هناك تتحضر كل عام للرحيل وكانها ستغادر ارض الوطن فى احدى الدول البعيدة تتحدث عن ابيها الذى يقطن الغرفة العلوية التى تطل على البحر من نافذتها الوحيدة تتحدث عنه بغيره.. انه الوحيد الذى قطن الدور العلوى وشم رائحة البحر من الاعلى انه ابى..ابى انا ...

لم تعد تتحدث عن هناك بل اصبح مجرد ذكرى عن ابيها لكن البحر اختفى ..كان عليها ان تغالب دموع انها دموع تتساقط منها تحاول ان تدركها ولا تقدر عليها ..كان الصبى الاكبر هناك منذ زمن لم يعد لها ..كانت ابن اربعة عشر عام عندما ابح لديها وليدها كانت الجدة هى الام بينما تحولت هى لشقيقته الكبرى ..كانت تبتسم نادرا ما تذكر انها سرقت منه الجبن المعلب انه فاكتها التى تحب !!..الصغير لم يغفر كانت تردد هذا لهن ..انها تبكى رددن بذهول ذلك الجوه العابس والجامد المتشقق وكانه صخور تأبى ان تنكسر كيف يتشقق ويخرج من بين صخوره ماء!! انه كالعين المسحوره وذلك الصبى عصاتها ..طردها قالت طردنى ..رحل ابى والصبى كلاهما فى يوم ..انقطعت اجازتها منذ خمسة اعوام لم يعد لديها هناك بل هنا فقط فى الطابق الاول ..كانت هى والصغير ..وذلك العجوز ...تنعته بالصغير الا يكبر ابدا تهمس احداهن فترمقها بغضب..انه لا يكبر ورث داء لجدا لم يراه من قبل ولن يفعل ..كان لا يتذكر الحروف ولا يجيد النطق كل ما احب من الحياه كان نول يرسم عليه مثل جده الذى لم يعرفه ولا "م"عرفته ولكنها تعرف انه فى عائلتها من اصيبوا به ..قالت ولكنى لست الاولى التى تتزوج من قريب لم يحدث هذا مع صبيى انا ...

كانت تدلك جسده برفق كان صوت الفجر يرن فى اذنها انه يوم عروسه تعرف هذا ..ستكون هناك اخرى غيرها الان وهى ستقبل هذا بصمت او بغير صمت ..مرعام..هى لم تصمت او تقبل!كانت الفتاة تشبهها حيث كانت من هناك تكبرها ربما مع صغيرها الاول باربع اعوام فقط ولكنها مثلها طفلة فلما تغار منها ..تسأل نفسها وتجيب لا ادرى..تراقب صبيها المريض من بعيد تهمس يظل رجلا مهما كانت علته !..

تكتب "س" برفق فى دفترها تعرف انه مهترىء لا تستطيع ان تستبدله باخر تخشى ان يفقد بعض كلماتها التى كتبتها فى السابق انه الدفتر كل ما ستتركه منذ اعوام فكرت ماذا لو رحلت تطلعت بغرفتها الصغيرة التى ورثتها بالكاد عن اهلها المغتربين ..تفكر احيانا هل كانت ستكون افضل لو ولدت وسط بيت وسط حقل صغير ربما فدان مثلا ..لم تكن ستفترق عن شقيقاتها وربما لتذكروها دائما وربما ايضا تزوجت وانجبت هى الاخرى ..يقولون لها انها احبت التعليم عنهن ..لكنها لم تقدر على الافصاح يوما ربما روادتها فكرة الذهاب الى جامعة اى جامعة مثل بنات المدينة لكنها لم تفصح للعلن ولا مرة واحدة بذلك ..كن سيسخرن وامها ستندب حظها ..تعليم ..التعليم للصبية ما كنت بحاجة اليه ان تتعلمى الاحرف وصفها وقد فعلت ..كانت تسعد ان لديها سرا صغيرا تخفيه عن الجميع فى تلك الغرفة الضيقة وعندما ينام الجميع ..تعلمت عيناها ان تقرأ مجلاتها المسروقة فى الظلام..لم تشارك سرها هذا سوى مع صديقتها الوحيدة التى شاركتها بتلك السرقة فى طريقهن للعودة كان ذلك العجوز الذى قارب عمره من عمر الطريق لا يعرفن متى ينام اويستيقظ لكنه دائما هنا جالس على ذلك المفترق يضع جرائده على تلك القماشة ويفترش الى جوارها فيما يبدو انه فى ثبات عميق ..تقترب من وجه ترفع يديها امامه تهمس للاخرى هل هو ضرير ..تلمح تلك الصور تقترب منها ترفعها تبدا فى تصفحها وهو لا يبدوا ساكنا تتراجع تلمحها الاخرى يركضن..كان يتبادلن المجلات المسروقة فيما بينهن لا تدرى كيف اكتشفتها شقيقتها الكبرى لا تعرف سوى انها واجهت يد امها ..لم يتح لها المكان ان تبكى مساء بعد ان عاد ابيها لم تستطع ان تجعل امرها ينكشف ماذا تفعل الان ؟ستتحمل عقابها من يد الام لكن يد ابيها الثقيلة لن تتحملها ..فى الصباح التالى حملت حقيبتها الصغيرة واستعدت لتسير مسافاتها المعتادة لمدرستها القديمة ..كان عليها ان تقدم كل فترة بعض ازواج من الطيور التى استطاعت الام تربيتها فى عشتها فى الاعلى ..لقد احبت تربيتها بيدها كانت تتيح لها رؤية الاعلى هذا ..ساعة كل يوم هى ما تستطيع بقاءه هناك تروى عطش وجوع الطيور ..لم تدرك ان الاعلى سيغلق بعد قليل على يد قاطن فى الاعلى سئم صوتهم فى الاعلى الى جواره لم تمتلك الام سوى الاذعان لكنها تدبرت ام عشه صغيرة فى تلك الحجرة الضيقة لتربى فيها ازواج قليلة تبيعهم عندما ينضجن ..تبكى عليهن مثل الصغار لا انها لم تبكى لرحيل شقيقاتها او شقيقها عندما فر هاربا ليعبر الحدود ويغيب فى ارض غريب ..لكنها بكت الطيور..طيورها بحرقه ..اطلقت عليهن الاسامى تلك الفرخة سعاد وتلك مايسة وهذا اكرم وصغيرهن كريم ...كانت تعتقد ان امها فقدت عقلها ..لم يستطع ابوها ابدا الرحيل...كان عمله هنا فى تلك الغرفة السفليه القابعة تحت ستة عشر شقة اخرى ..يحتاجون الىه ..ليس الان هكذا كان يردد وهو يتذكر قريته البعيدة ..اخبرها عنها مرة واحدة فى السابق قال لها انه كان هناك ارض قيراط وكان هناك بيت صغير لم يعد هناك الان ...اخبرها لو استطاع لعاد بهن ..كان ذلك بعد ان رحل شقيقها ..كان يتمتم لن يرانى وانا ارحل ..لن يحملنى ..لن يحملنى ..لم تستطع ان تخبره انها ستفعلها وتحمله ..كان سيغضب منها لذا صمتت ..

رفعت رأسها عن ذلك الدفتر قبل ان تتذكر ..تتذكره شعرت بوخز اين هو الان ؟هل هناك اخرى بالطبع هناك اخرى ولديه اطفال تعرف هذا ..يضرب الهواء نافذتها بفوة تنكمش اكثر على فراشها عليها ان تنا م الان هكذا علمت جسدها..منذ ان علمته كيف يكتب كل ما يحدث معه كل ليلة فى ذلك الدفتر ..لقد تركته ليكون هو سرها الصغير الان ..كان تستلذ ان ليدها سرا ..ليس للاخريات ..واحيانا تقول لا بل لهن بالطبع ..انهن مثلها كل واحدة تحتفظ بسر صغير..والا كيف يستيقظن بكل نشاط صباحا ليركضن الى ادوراهن ...ادوار ترتفع كل عام ..طابقا بعد الاخرى ولا اخرى جديدة تاتى لمساعدتهن ..انهن الوحيدات من قبلن ان يمكثن داخل تلك الجدران ..حتى الجدران اعتادت عليهن وصار من الصعب عليها ان تتقبل اخرى همست لها العجوز الكبرى"م" من قبل ان الارض لا تقبل ان تريها بريقها الا اذا دبت بها شرشوبتها هى فقط وليست اخرى ...تضحك وتجيب وهل تعرفك الارض انت وشرشوبتك ؟تغضب وتجيب بصرامة بالطبع انها عمرا ..انه لى كيف تنسانى انها لا تفعل ...انها فقط من تحمل اسرارى وتبقى عليها سرا ..انها ارضى وتلك الشرشوبة ومكنستى هم امناء السر ..اتعرفين افكر فيهن فى المساء نعم افعل ولكن كمن اكمل معهن اسرارى ..الصغير لم يعد لى بل اصبح لها ينام فى حضنها ولا يأنس لصوتى كما الماضى ..ولكن هناك صغير اخر الان اجيب..تسرح نعم اريد ان اطعمه كل شىء...

الله واحد ملوش تانى ..اه ها هو طابقى كنت اعلم ان اليوم ليس كاخر كنا ننتظر هذا اليوم منذ اسبوعان نرتجف نتمنى الا يحدث ما نخشاه لن يستمعوا لها لم اهتم الى اى مدى كنت متورطة معها ..وانما كنت اخشى عليها ..منذ 15 عام كنت اكرهها افكر الان فى ما يحدث من كنت اكرهها اخشى عليها اليوم اكتشفت من طول المدة انها صارت كأم لى رغم سنوات ليست بالفارق الكبير ولكن ما حدث هو هذا طول المدة علمنا الوحدة ..الحب..كرهت ان تكون فى نهاية الطوابق هنا تعلمت ان ابقى حيث يمكن للطوابق ان تدعمنا لان من يسيرون عليها لا ينظرون حتى لاثار اقدامهم على طوابقنا صار الطابق لى كمنزل كبيتى ...الذى ارعاه ربما بذلت فيه الجهد اكثر..اراقب من نافذته"م" تروى ازهار الحديقة التى تحاوطنا!

"كيف تنسين امرا كهذا ؟كانت تصرخ بوجهها ..نراقب نحن من بعيد

"بلهاء بلا عقل من فى عمرك تجلس فى بيتها هل تظنين هذا بيتك انت من شارك فى السرقة ..نعم انت لصة

تصمت ..تبكى ...انها لا تجيد الحديث..لاتعرف سوى البكاء لكنهم لا يعرفون لغتها تلك ..

حسنا اريد الرحيل ..تعرف انها لا تقدر ترددها دوما وكانها تعطيها قوة ما تعرف انها لن تحصل عليها ..سترحل ..سارحل هكذا رددت وكانها فى ثبات ..قلت سترحل !ولكن كيف ..لم اكن العاملة الوحيدة هنا التى جاءت معها كانت ايضا "ر"قدمت بعدها بثلاثة اشهر..كانتا اقدم اثنتين هاهنا.."ر" تتحس ذراعها اصابع يديها اللواتى تحاوطهن الشاش تكظم المها...تتكتم على ألم اصابع قدمها اللواتى اصابتهن بمقصها فى لحظة غضب فازالت ما ازالت من الجلد المحيط به غير عابئة ..كنا نظن انها ستاكل كتفها ايضا من شدة غضبها !!...لكنها لم تفعل ..رأيت تندفع تحاول الحديث ..جميعا صمتنا ولكن هى تحدثت ..همست احداهن كنا نظنها تكرهها ..اليما يخططان كلتاهما معا..كنا نقطن طوابقنا ..لم يدركن انها صارت بيوتا وصرنا جيرة ..لم نعرف اننا يمكننا ان نتحدث باسم الاخريات سوى ذلك اليوم ..ولكنها ايضا رحلت ....

ليست هناك تعليقات: