2017/05/14

تطور المقامات في الأدب الأندلسي السرقسطي أنموذجا بقلم: د . باسل مولود الطائي، د . سفانة شعبان الصافي



تطور المقامات في الأدب الأندلسي السرقسطي أنموذجا

د . باسل مولود الطائي               د . سفانة شعبان الصافي

المقدمة

يعد هذا اللون من الموضوعات المرتبطة  بكل ما يخص المجتمع وأفراده من نقد للمهن والأنساب والطباع المختلفة للناس والعادات, والتقاليد والمعاملات اليومية. فهذهِ المقامات تعطي للقارئ صورة للحياة الشعبية العامة, ومن أبرز الصور التي انتقدت من قبل بعض الكتّاب في مقاماتهم ظهور طبقة المتسولين, وتفشي عنصر الكدية في أوساطها, وإن كان طلب المال بشكل غير مباشر, إذ استتر وراء أسلوب منمق وملتو يدفع السامع إلى العطاء والبذل عن طريق الحيلة والخداع, فإن بلاغة الأسلوب والمعرفة بأفانين القول تسحر المتلقي, وتجعله مرهوناً بالمتكلم المخادع.
كما تجد أيضاً تضمين السرقسطي لمقاماته أهم مشكلة تعاني منها المجتمعات البدائية من اعتقاد وتطبيب عند من يدعون تسخيرهم للجن, وهنا يظهر الشيخ السدوسي طبيباً معالجاً بالعرافة والاحتيال, لفتى أصابه المرض ففعل به الأفاعيل, فشقه مائل والزبد من فمه سائل, ويلجأ إلى الجن يستعين بهم في تخفيف آلام مريضه.
فقد تخللت المقامات السردية تفصيلات أسهمت في إطالتها ووقفت بذلك مع الوصف في إطالة هذهِ المقدمات, والتفصيلات الواردة في هذهِ المقدمات يلجأ إليها الكاتب لزيادة الايضاح, حتى أن المقدمات السردية التي جاءت متوسطة الطول لا تكاد تخلو من الوصف والتفصيل في أغلبها, ومن ذلك ما يوجد في المقامة الفارسية:
هناك تفاعل بين أساليب السجع المستخدمة وموضوع المقامة فمن علاماته تفاوت القيمتين القصصية والشعرية فيها من مقامة إلى أخرى بتفاوت نظام السجع المتبع, فأحداث القصة تتقدم ببطء شديد, وتقل معها الحركة وتضعف فيها المشاهد في المقامات المثلثة والمرصعة والموشحة والموحدة, في حين يقوي الايقاع فيها وتتحول فيها الدوال من وسيلة في الأداء إلى غاية في البناء على عكس ما يقع من المقامات المزدوجة المجردة من الترصيع والتدبيج, فإن هذا أثرى أحداثاً وأنشط حركة وأقوى مشاهد, وليست أكمل نظاماً صوتياً وإيقاعياً, ولا أمثل بناء معه, فإنها تبقى كبيرة الطاقة الفنية الجمالية إذا قيست بالنثر المرسل.
وبغية الإحاطة بموضوع البحث ارتأيت مناقشته بثلاثة مباحث يسبقها مبحث تمهيدي:
·       المبحث الأول: خصائص الفن المقامي في الأندلس.
·       المبحث الثاني: السرد في المقامات.
·       المبحث الثالث: الجوانب الغنية في النثر الأندلسي.
المطلب الأول: السجع.
المطلب الثاني: التصريع.
المطلب الثالث: التوازي.
المبحث التمهيدي
في أواخر العصر السابق-عصر سيادة قرطبة- وصلت الأندلس مقامات بديع الزمان ورسائله، وكان من أول المتذوقين لها الناسجين على منوالها ابن شهيد، واكثر ما أعجبه فيها تلك القطع الوصفية، ولذلك أنشأ على مثالها قطعاً في وصف الماء والبرغوث والثعلب والحلوى. وعرضت على أبي المغيرة ابن حزم رسالة لبديع الزمان في الغلام الذي خطب إليه وده بعد أن عذر فعارضها بأخرى([1])، ولكن يبدو أن الاهتمام بمعارضة المقامات لم يكن غرضاً للكتاب حينئذٍ، بل إن الاهتمام بمقامات الحريري حين ظهرت كان أشدَّ، إذ أقبل الكتاب على معارضتها ومنهم ابن شرف القيرواني([2]). ولعل سر ذلك راجع إلى الصلة بين بعض الأندلسيين والحريري، فقد وجد منهم من سمع منه مقاماته، ومن هؤلاء أحمد بن محمد بن خلف الشاطبي،سمعها مع أبي القاسم بن جهور في جمادَى الأولى سنة (505هـ)([3])، ومنهم الحسن بن علي بن الحسن البطليوسي، سمعها منه ببستان ببغداد([4])؛ ومنهم أبو الحجاج القضاعي. ورواها عن تلامذة الحريري عبدالله بن إبراهيم الوادي آشي([5])، وكان لأبي القاسم بن جهور أكبر أثر في نشرها بالأندلس، إذ تلقاه عنه عدد كبير من التلامذة منهم محمد بن خليد التميمي، ومحمد بن عبد الله اللبي، ومحمد بن أحمد بن محرز البطليوسي ساكن إشبيلية. وعنه حدث بها آخرون([6]). وظل الدارسون يتدارسونها بعد هذا العصر الذي نتحدث عنه، ومن أشهرهم الشريشي أبو العباس أحمد، حدثه بها ببلده الشيخ الفقيه أبو بكر بن أزهر الحجري، وهو صِهر ابن جهور، وعنه أخذها، كما حدثه بها أبو بكر بن مالك الفهري، وهو صهر آخر لابن جهور، رواها عن صهره وعن القضاعي أيضاً، وأجازه بها محمد عبدالله بن محمد الحجري عن القضاعي، وحدثه بها الرحالة ابن جبير الذي رواها عن أبي طاهر الخشوعي تلميذ الحريري، وكذلك حدثه بها أبو ذر مصعب الخشني، ولقي بها كثيراً من الشيوخ الآخرين بعد أن شرحها، وأفاد منهم ضَبْط ما احتاج إلى ضبطه.
ويتحدث الشريشي أنه لم يترك شرحاً لها إلا اطَّلع عليه، وعكف على استيفائه، بسيطاً كان أو مختصراً، حتى عثر أخيراً على شرح الفنجديهي، فأعاد النظر في كل ما كان صنعه من قبل([7]). ومن هذا كله صنع شرحه الكبير وشرحين آخرين هما (الأصغر) و(الأوسط).
ومن الأندلسيين الذين شرحوا مقامات الحريري أيضاً محمد بن أحمد بن سليمان المالقي الأصل([8])، ومنهم عبد الله بن ميمون العبدري الغرناطي([9]). وكل هذا يصور مدى اهتمامهم بمقامات الحريري، والشروح التي حصلوا عليها من المشرق, أمّا ما أنتجه الأندلسيون من مقامات سواء أكانت معارضةً للبديع أو للحريري، فإنه يشغل الفترة القائمة بين ابن شهيد حتى القرن التاسع الهجري, وفيما يلي ثبت بأهم ما قدموه في هذا الفن، سواء وصلت صورته أو عُرف اسمه فقط:
1.  مقامتان لأبي عبدالله بن شرف القيرواني.
2.  مقامة لأبي حفص عمر بن الشهيد([10]).
3.  مقامة للأديب أبي محمد بن مالك القرطبي([11]).
4.  مقامة لعبد الرحمن بن فتوح تشبه مقامة ابنشرف النقدية([12]).
5.  مقامة لابن المعلم([13]).
6. مقامة صنعها الفتح بن خاقان على الأستاذ أبي محمد البطليوسي وعليها رد يسمى (الانتصار)، وقد نسبت لابن أبي الخصال فنفاها عن نفسه وتبرأ منها([14]).
7.  مقامة لابن ابي الخصال عارض بها الحريري([15]).
8.  المقامات اللزومية للسرقسطي الاشتركويي([16]).
9.  مقامة لأبي اسحاق بن خفاجة الشاعر لم يبق منها إلا أبيات في ديوانه([17]).
10.  مقامتان لمحارب بن محمد بن محارب الوادي آشي، كتب إحداهما إلى القائل أبي عبد الله بن ميمون، وكتب الأخرى في مدح القاضي بن موسى([18]).
11.  المقامة الدوحية لأبي عبد الله بن عياض اللبلي، وتسمى أيضاً المقامة العياضية الغزلية، وتنسب خطأً أحياناً إلى محمد بن عبد الرحمن بن موسى بن عياض الشاطبي([19]).
12.    سبع مقامات للأديب أبي الحسن بن سلام المالقي.
13.    مقامات في أغراض شتَّى لعبد الرحمن بن محمد السلمي المالقي.
14.    مقامة في أهل غِرناطة لمحمد بن خلف الهمداني الغرناطي.
15.    مقامات لابن القصير عبد الرحمن بن أحمد.
16.  مقامة صنعت في ثلب بعض أعيان مالقة، ونُسبت إلى علي بن جامع الأوسي، فخاف على نفسه مما عسى أن ينجرَّ إليه منهم بسببها فخرج عن ذلك البلد([20]).
17.  مقامة لأبي بكر الكاتب يحيى بن محمد الاركشي تسمى (قسطاس البيان في مراتب الأعيان) وممن ذكر فيها علي بن عبد الله بن خلف الأنصاري([21]).
18.  مقامات لسان الدين بن الطيب، ومنها مقامة السياسة([22])، وقامة وصف البلدان([23])، و(معيار الاختيار في الاختبار في أحوال المعاهد والديار)، و(خطرة الطيف ورحلة الشتاء والصيف)([24]).
19.    مقامة العيد لأبي محمد بن عبد الله الأزدي([25]).
20.    المقامات النخلية لأبي الحسن المالقي([26]).
21.  مقامة (تسريح النصال إلى مقاتل الفصال) لأبي عمر الزجال، ومقامة أخرى له في أمر الوباء([27]). ويفهم من كلام المقري في (أزهار الرياض) أن له عدةَ مقاماتٍ سوى هاتين المذكورتين.
ومن مجموع ما وصل من هذهِ المقامات يستطيع الدارس أن يتبين حقائقَ محددةً عن طبيعة المقامة الأندلسية. فقد انتفت مِن بعضها قصة الكدية والحيلة المقترنة بها، وأصبحت صورةً من رسالة يقدمها شخص بين يدي أمر يرجوه أو أمل يجب تحقيقه، كما أن كثيراً من المقامات الأندلسية أصبح وصفاً للراحة والتنقل في بلاد الأندلس، وفي هذا أيضاً شاركت الرسالة. وكان بعضها يمثل الاتجاه النقدي أو مواقف المنافرة والمفاخرة، أو يؤدي بعض الموضوعات الشعرية كالغزل والمدح والهجاء.
ولما التبست المقامة بالرسالة تؤدي مهمتها، فقدت (العقدة) وفقدت الشخصيتين الخياليتين فيها، وأصبحت على لسان كاتبها، وإذا لم تكن قصة لرحلة فقدت العناصر (الدرامية) جملةً.
وأكثر الذين كتبوا المقامات في الأندلس لم يراعوا أن تكون كتاباً جامعاً، وإنما كان هَمّ الواحد أن ينشئ مقامةً واحدةً أو اثنتين أو بضعَ مقاماتٍ، إلا السرقسطي، فأن اتِّباعه للحريري حتى في الناحية العددية، جملة ينشئ خمسين مقامةً.
المبحث الأول

خصائص الفن المقامي في الأندلس

لقد تعددت خصائص موضوعات الفن المقامي في الأندلس, فجاءت انعكاساً للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي, وسأتناولها بالتفصيل:
أولاً- الاجتماع
هذا اللون من الموضوعات يرتبط بكل ما يخص المجتمعوأفراده من نقد للمهن والأنساب والطباع المختلفة للناس والعادات, والتقاليد والمعاملات اليومية. فهذهِ المقامات تعطي للقارئ صورة للحياة الشعبية العامة, ومن أبرز الصور التي انتقدت من قبل بعضالكتّابفي مقاماتهمظهور طبقة المتسولين,وتفشي عنصر الكدية في أوساطها, وإن كان طلب المال بشكل غير مباشر, إذ استتر وراء أسلوب منمق وملتو يدفع السامع إلى العطاء والبذل عن طريق الحيلة والخداع, فإن بلاغة الأسلوب والمعرفة بأفانين القول تسحر المتلقي, وتجعله مرهوناً بالمتكلم المخادع.
وأبرز المقامات التي تناولت هذا النوع من الأفعال مقامات (الدب, والحمامة, والفردية)([28]), أظهرت هذهِ المقامات طرق الكدية والاستجداء وبينت أفانين الحيل وذُكر أن الشيخ السدوسي يراقصالقرد ويلاعبه ويكلمه محاولاً جلب الانتباه ليفضي بما عنده من حيل, مستغلاً القرد للوصول إلى غايته, فيقول بعد أن شد الناس من حوله, وأرقص القرد وأتعبهوهو يقول: (أيها الناس, اللهو ضروب, والكريم طروب, والأنس خلوب, والدهر طلوب, والناس طالب وملوب, وإنما هي نفوس وقلوب, تحادث بالصقال, وتسرح من العقال, وهي الحاجة والفاقة, والدهر شرة([29]) وإفاقة, وصحبة ورفاقة, وقد تمتعتمبذهِ اللعب, وحظيتم بالراحة من غير تعب, وللضيف حقوق, وترك البر عقوق)([30]), بمثل هذهِ الكلمات يستمر الشيخ السدوسيبمخاطبة الناس للوصول إلى النقود التي هي مراده, وقد يستعمل حيلاً أخرى بجانب الحيلة السابقة, مثل اتخاذ عياله وأطفاله وسيلةًللكدية, فتراه يقول في المقامة نفسها: (وورائي أصيبية أطفال, وورائهم من الصون إغلاق وإقفال, يرتقبون كل قافل, ثم أنشأ يقول:
لولا أطيفال كزغب الحمام


ما بهت بالعدم ولا بالحمام

ولا وردت الماء رنقا ولا


كرعت إلاّ في العذاب الجماء

الطرف وإن يهم ظالع


وكان لولا العدم غمر الجمام

والله ما في الأرض من صاحب


إلاك يا درهم وافي الذمام([31])

فعنصر الكدية تبين فيها تلقائياً عن غير قصد أو تكلف بإظهاره وهذهِ من براعات السرقسطيالفنية([32]), فالشيخ يتدرج بالكدية ولا يصرح بها مباشرة, فهو يقدم ويمهد للوصول إلى الدرهم والدينار, ويذكر- في مقامته- الدرهم علناً, ويصرح بما يشبه التبرير سببه سعيه للحصول عليه, من دون تكلف أو مبالغة في الأسلوب.
وتبرز أمام القارئ لوحة أخرى من لوحات الكدية يكشف فيها السرقسطيأساليب المكدي والشيخ السدوسي وخدعه, وما يملكه من أساليب مبتكرة ومختلفة تلائم تغير المكان والزمان, فتراه يصور ذلك في مقامة الحمامة, وهو يستجدي الناس ويستعطفهم على حمامته المسكينة المريضة, طالباً منهم عتقها لأنها وقعت في مصيدة صياد, فيقول: (أين منك طريد جارح, ليس ببارح, وأسير صائد, ليس بغائد, وشاج باك, أخيذ يضيق به الجو, ونباكلا يفرع فننا, ولا يمر عننا, وقد كان يضيق به الجو, ولا يسعه الدو([33]), فها هو اليوم, في بيت أضيق من القبر, وحال أنكى من إبر الدبر, ساعاته أطول من الدهر, وأنفاسهأقصر من البهر([34]), ولا يقلب ريشا, ولا يسمو عريشا, ولا يلقط حبا, فهل رأيتم كمثلها من فاقد إلف, وعاقدحلف, نزع به الشوق ما نزع, فكفه الدهر ووزع؟ فهل فيكم من يرق لها ويشفق, ويرسل درهمه وينفق, يفك رهنها, ويرد رهنها؟ والله لولا صبية أطفال, وجملة أغفال, أرسلوني وانتظروا, وما لمحوا غيري, ولا نظروا, لأرسلتها كرما, وبوأتها حرما, لكن رجوت عاطفاً, وأملت ملاطفاً, يجعل الدرهم لها فداء, ويهديها إلى إلفها هداء)([35]).
فهو يستعطف الناس لفك رق الحمامة وذلك بإعطائهالمال, فوسيلته في كسب المال أشبه ما تكون بمصيدة يقع فيها كل من لم يعرف, فيميل إلى التعاطف معه,فيسرد قصة كاملة عن هذهِ البائسة, ومالاقته منحبس وحرمان, وصولاً إلى طلبه المباشر للمال, جاعلاً عياله وانقلاب الدهر به حجة وذريعة للتسول.
هذهِ الحيل والممارسات السلوكية المقيتة صورها السرقسطي مشيراً إلى تفشيها في مجتمعه, عاكساً أساليب الكدية الجديدة التي تنوعت بتنوع المجتمع وطبقاته, ودخول أفواج كبيرة من بني ساسان والغجر, وما يحمله هؤلاء من ثقافات وحيل سلوكية معيبة, وانفتاح في العلاقات الاجتماعية.
كما تجد أيضاً تضمين السرقسطي لمقاماته أهم مشكلة تعاني منها المجتمعات البدائية من اعتقاد وتطبيب عند من يدعون تسخيرهم للجن, وهنا يظهر الشيخ السدوسي طبيباً معالجاً بالعرافة والاحتيال, لفتى أصابه المرض ففعل به الأفاعيل, فشقه مائل والزبد من فمه سائل, ويلجأ إلى الجن يستعين بهم في تخفيف آلام مريضه, فيقول: (استعيذوا بالله من هذهِ الأعراض, وسلوه تخفيف الشكايات والأمراض, وجعل يرقيه ويلدده, ما أعصاك, ما أبعدك عن الخير وأقصاك, اخرج يا واغل شغلك شاغل, ابعد يا خاتل, فإنك قاتل, لا تنفذ إلا بسلطان, بعدت من شيطان, والله لئن لم تمر هونا, لأحملنك أونا([36]), وأبوئك من الأرض جونا, وأوسع خونك خونا, ولأجلبن على خيلك ورجلك, ولأريقن ماء سجلك, ولأذهبن بناجلك ونجلك, ولأرسلن عليك من الذكر كتائب, ولأجنبن إليك من الحفظ جنائب وجلائب, تذهب بك في كل مذهب, وتودي بعفريت ومذهب)([37]).
يوجه السرقسطي عنايته في هذهِ المقامة إلى نقدهذهِ الحيل المعيبة, وادعاءانهاتشفي الأمراض والعلل وكيفية اعتقاد الناس وإيمانهم بها, على الرغم مما تحويه من خيالات وأكاذيب بينة, فضلاً عن استغلالهم للقرآن الكريم واستعانتهم به لتحقيق غاياتهم كما في قوله (لا تنفذوا إلا بسلطان) وهي مقتبسة من الآية القرآنية:
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ([38]).
ثانياً- السياسة
لقد وظف السرقسطيمقامات عدة لنقد الأوضاع السياسية الخاصة بإدارة الحكم, وسياسة القضاء, مما يبرز شخصية الحاكم, أو القاضي ويجعلها الثيمة التي تقوم عليها المقامة, والشخصيات الأخرى ما هي إلا محرك لأحداث الحكاية, فنراه في إحدى مقاماته يظهر لنا شخصية القاضي المرتشي وأعوانه الذين يعملون تحت امرته, وتحمل هذهِ إشارة النقد لتغيير الأخلاق ما يجعلها تحرك شرارة النقدوالتغيير لكل الأعراف والعادات المشوهة, والدخيلة التي طالت بعض القضاة والحكام.
فيقول القاضي مخاطباًالسجان: (يا أخا المجان, بلغني أنك تساهم القوم في الغدوات والعشوات, وتسامح في القهوات والنشوات, وإن لك على ذلك حذرا, ما سمعت منك فيه عذرا,وما الذي حملك على ذلك وجرأك, وخلصك من هذهِ التبعة وبرأك؟ وهلا عرفتنا بما صنعت وأديت ما جمعت ومنعت, تختص به دوننا اختصاصا, ولا براك ولا نجاك, ولا اطبعك, ولا رجاك, إلا أن تسلم كل ما في يديك, وتتخلى عما لديك, وإلا فالحديد والسوط الجديد, حتى تعلم ذنوبك, وتتجرع من الذل ذنوبك, قال: فتضاءل لديه تضاؤل الصبي, وأظهر لوثة الغبي, وأعرب وأعجم, وردد وجمجم, وقال: إن الذي نص من ذلك وحصل, قد خلص إليك ووصل, على يدي الكاتب, وقد زعم أنه من الراتب)([39]).
قد يلمحقارئ هذهِ الأسطر تواطؤ العاملين مع الحكام والقضاة, ودورهم في التدليسونشر الباطل لكونهمالأداة التي يستعملها القاضي لمواصلة ظلمه وفساده.
ويطالع القارئأنموذج آخر من القضاة وهو القاضي العادل الذكي, الذي يوظف بصيرته وذكاءه, ويجمع الأدلة, ويسمع أقوال الأطراف المتنازعة, ليحكم بالنهاية بالحق, وهذا ما تجده في إحدى مقامات السرقسطي التي يتعرض السائب فيها إلى الاحتيال من ثلاثة رجال يدعون أن السائب كان عبداً لأبيهم المتوفى, وأنه هرب منهم, فيخاطب السائب القاضي قائلاً: (أيها القاضي الديان, بالذي أمضى حكم الحكمين, إني لحر وابن أحرار أعيان, لا من بني العبيد, ولا من بني القيان, أنمى إلى أب كماء المزن, وحسب كروض الحزن)([40]).
ثالثاً- الدين
لم يكن الغرض الدينيمن المقامات اللزومية غرضاً مستقلاً بذاته, بل تجده غالباً ما يكون مع الأغراض الأخرى ويمهد لها, ولذا لا تكاد تخلو مقامه منه, فالطابع العام لهذهِ المقامات هو الطابع الديني([41]), الذي يميل إلى بث النصح والارشاد والتوعية بأمور الدنيا والآخرة, مع الاستغفار من الذنوب, والتقرب إلى الله عز وجل, وابتغاء مرضاته, لكن في المقامةالموفية (خمسين) نجد الدعاء والالتجاء إلى الله غرضاً قائماً بذاته, فغاية السدوسي أن يعلن توبته, طالباً للمغفرة, فجاء دعاؤه وتدينه على وجه الغاية لا الوسيلة.
يقول الشيخ السدوسي بعد إعلان توبته: (اللهم انه كثر نسياني, وطال عصياني, وتكاثفت ذنوبي, وارقت سلجي وذنوبي,وأفنيت عمري في الأضاليل, وتسوفت بالأماني والتعاليل, حتى قيدوني الهرم, وأوثقني البرم, وناهزني الحمام, وعاجزني الجمام([42]), اللهم إليك رجعت, وبذكرك سجعت, ونوالك انتجعت, اللهم إن فضلك الواسع الرغيب, فاجعلني ممن لا يخيب عن رحمتك ولا يغيب)([43]).
فسمة الخضوع والاستكانة لله واضحة مع ما تحمله من تناغم إيقاعيحزينعم الدعاء.
رابعاً- الغزل والمجون
حوت أكثر من مقامة من المقامات اللزومية معاني الحب والغزل, وظهرت بشكل متناثر بين الفينة والأخرى,إلاّ أنه هناك مقامة خاصة تحدثت عن لواعج الحب وآثاره, ومعاناة العاشق الولهان من الحبيبة, وتبدأ هذهِ المقامة بزيارة السائب لمدينة السلام, لأنها مقر العلم والعلماء, فبينما يدور في أزقتها: (إذ أنا بسرب نساء, يتخايلن بين مرط وكساء, يتأودن تأود الغصون, ويكشفن من الحسن المصون, ويتناجينبألفاظ أعذب من السلوى, وأرق وأقتل من البلوى, وإذا بإحداهن, حسبتها قيمة عليهن, قد أغدقت قناعا, وأبدت امتناعا, فما زالت تلاحظني وتطرف, وانكر منهاوأعرف, وأنا أتبع الآثار, وأولي من الخجل العثار, وتلك تتابع الالتفات, وتشير إلى أن فات ما قد فات)([44]).
فبعد وصف حالاته وكيف تعرف بهذهِ الفتاة, تبدأ المحاورة بينهما وتبدي خفراً وتمنعاً, وهو يبدي ولعاً وتجزعاً, فتخاطبه قائلة:
يا من يريد وصالي


ركبت حد النصال

بيني وبينك يوم


للباتر القصال

إن كنت تزعم حبي


فأين منك وصالي

ودونه بذل حر


جم العلى والخصال

أكرم به من شفيع


إلى المنى ووصال

فما ثنائي قول


ولو وشاه الخصالي

ثم يبث لواعج انتظار لها بعد أن تولت عنه منتظراً يوماً آخرجديداً يلقاهاويطفئ شوقه إليها, فيقول واصفاً مشاعره: (ثم تولت عني, ونفسي تتبعها طريا, وظني يعجم نبعاً وغرباً, إلى أن جن الليل, وساهرني الويل, فبت بليلة زياد, على نماء من الهم, وسالت أوضاحه وغرره, وتباينت عن أصدافها لآليه ودرره خرجت ألتمس جني خبر أو أثر, وأقول: [لا قطع في ثمر ولا كثر])([45]).
فمعاني الحب والعشق قد شملت المقامة بكاملها, وبثت مشاعر أظهرت تمنع المرأة وخفرها, فضلاً عن العذرية والشفافية التي تخللت أوصافه للمرأة, أو محاورته لها.
المبحث الثاني

السرد في المقامات

إن البنية السرديةفي مقامات السرقسطي سلسلة مترابطة تجمعها روابط وظيفية تسهم في إحكام هذا الترابط, وتنطوي هذهِ السلسلة المترابطة على توال منتظم من أفعال السياق السردي, وهذهِ التراكيب الفعلية التي نزعت إليها صيغ الأسلوب السردي تتضمن حركة فاعلة في النص تسهم في تطور الحدث, وتسهم كذلك في إظهاره مترابطاً متسلسلاً ففي السرد: (تكثر الأفعال التي تدل على الحركة, أمّا في الوصففتكثر الأفعال التي تدل على الحالة)([46]), وقد نزع الكاتب إلى استعمال الصيغ الفعلية الماضية في تشكيل البنية السردية, وهذا يتفق وطبيعة السرد الذي يسعى إلى إظهار الأحداث في بعدها الماضي.
وقد شكل السرد عنصراً ثابتاً قامت عليه نصوص المقامات جميعها, كما أن الحوار ظاهرة قارة في هذهِ النصوص, وفي المقامات هناك التئام بين السرد والحوار معاً, فليس من الممكن عملياً فصل السرد عن الحوار في سياق المقامة الواحدة, فكل منهما يؤدي وظيفة تسهم في تطوير الأحداث, وهذا يؤول في النهاية إلى التكامل.

السرد في المقامات اللزومية

يقتصر الأثر-الذي أداهالسرد في مقامات السرقسطي- على التقديم للحوارات التي عملت على كشف الأحداث, فالراوي يقومبسرد أحداث تهيئ للحوار وتقدم له, ووظيفة التقديم التي يقوم بها السرد في المقامات اللزومية تدخل تحت ما يسمى بالخطاب المباشر وهو ذلك الخطاب الذي يقدم فيه الحوار بكلمات الشخصية, فالراوي يدخل قولاً وبعد ذلك مباشرةً يعيد انتاج كلام الشخصية([47]), وقد تراوحت المقدمات السردية بين الطول والقصر,وأن هناك نزعة واضحة إلى الإطالة في هذهِ المقامات؛ ولعل هذا يعود إلى الحيز الذي أخذه الوصف في السرد, فقد التأم الوصف مع مقامته مما ساعد على رسم صورة كاملة تهيئ القارئ للدخول إلى مسرح الأحداث, ويُمَثل على هذا الوصف بالمقامة السردية الآتية: (انحدرت إلى أرض حلوان, فبقيت لهفان أسوان, أقاسي من الخطوب الضروب والألوان, حتى إذا كنت بذي المجاز, من أرض الحجاز, عرض لي بين نجد وتهامة, فتى يتلألأوسامة ويتوقد شهامة, له ما شئت من سيمياءوشارة, وإيماء إلى كرم النجيرة وإشارة مشتملاً للبجاد, ومتقلداً للنجاد, يسمو بهممه إلى النجوم, ويلوذ بالتجهم والوجوم, وتأبى إلا أن تسفر عن محياها الشمائل, وتخبر عن حسامها الحمائل...)([48]), ويستمر هذا الوصف الذي تخلل السرد حتى تتضح شخصية المتكلم عليه, ويمهد للدخول إلى الحوار.
وقد أدت هذهِ المقدمةالسردية أثراً بارزاً في وصف الشخصية التي أسهمت في تطوير سير المقامة وتناميها, ومثله قوله: (طرحتني طوارح الزمن, إلى أرض اليمن, فتقلبت في أرجائها, وتصرفت بين يأسها ورجائها, فبينا أنا منها في عمان انفضالمهازيلوالسمان, وإذا فئام من الناس بعد فئام, ينحدرون من فرادى وتوأم, وإذا بقائم يقص القصص والأنباء, ويحمل من الحديث الكل والأعباء, ينظم تارة وينثر, ويمر هونافي تسمع من شيده, وأنا أترشف من مقاله العذب الزلال, وأجتني من حديثه السحر الحلال...)([49]).
وقد ارتبطت أغلب الأوصاف الواردة بالمقدمات السردية بشخصية الشيخ أبي حبيب السدوسي, فقد أظهرته هذهِ المقامات متخفياً بوسائل عدة ليتمكن من الوصولإلى غايته- المال,ومن ذلكما يوجد في المقامة الثلاثية من وصف تخلل البنية السردية لهذهِ المقامة([50]): (...إلى أن مررت ببعض المدارس, وقد غصت براجل وفارس, وحام وحارس, فإذا بشيخ له صوت حنين, وبكاء وحنين, وتلهف وأنين, وهو من مجلسه على طرف, قد أخذ في ملح من الوعظ وطرف, وأشرف على ذروة من القول وشرف)([51]).
ومن هذا الوصف لشخصية أبي حبيب السدوسي ما يوجد في مقامة الدب: (فبيناأنا يوما في بعض سككها أدور, والصعود ينكرنيوالحدور, إذ سمعت زمرا وقصفا,وجلبة وعصفا, والوالدان يتسابقون إليه تسابق الفراش, ويتهارشون عليه أشر الهراش([52]), وهم يطيرون به عجبا, ويطيلون عليه لجبا([53]), فلمحت ذلك الجمع, وأطلت اللمح فيهواللمع, فإذا بشيخ مزمل في كساء, بين صبية ونساء, يعدو سلاسل, وإذا في يده سلاسل, وحيوان كريه المنظر, باسل يرقص برقصه, ويتوقع مواقع زيده ونقصه, وقد شحا فاه بعود, وأخذ في هبوط من اللهو وصعود...)([54]), فهذهِ المقدمة أسعفت القارئ بتوضيح وافٍ لجو الأحداث العام, ومنه أيضاً: (...فبيناأنا ألتمس الخبير, وأحيي الصغير والكبير, والناس من بين خائض وسابح, وغانم ورابح, وإذا بشيخ كالحنية([55]), والمرنان([56]) يجري مع الدهر في عنان, ويصول من مقوله بصارم وسنان, يدلف في مشيه ويؤذن بغشيه, وقد تلفع بردائه وتقنع, وتنكر على متأمله وتمنع, وبعد لأي ما أومأ بالسلام, وشرع في الكلام, وحسر عن ذراع كالعسيب([57]), وقول كالنسيم أو النسيب...)([58]).
فقد تخللت المقامات السردية تفصيلات أسهمت في إطالتها ووقفت بذلك مع الوصف في إطالة هذهِ المقدمات, والتفصيلات الواردة في هذهِ المقدمات يلجأ إليها الكاتب لزيادة الايضاح, حتى أن المقدمات السردية التي جاءت متوسطة الطول لا تكاد تخلو من الوصف والتفصيل في أغلبها, ومن ذلك ما يوجد في المقامة الفارسية:

(حللتظفار([59]), مشذب المرخ والعفار([60]), نضو الأسفار, رذية([61]) المهامهوالقفار, قد سئمت التأويب([62]) والاساد([63]), وشنت القويم والمناد([64]), وبقيت حران الجوانح, لهفان البوارحوالسوانح, آسى على الحبيب المفارق, ولا آنس بالخيال الطارق, فخرجت استهدي النواسم, واستخبر المطي الرواسم, وإذا بركب قادم, على مثل الخوافي والقوادم([65]), وأمامهم شيخ له منظر ورواء, وتمام واستواء)([66]).
وقد تخلل السرد في الحواراتالتي شغلت حيزاً واسعاً في مقامات السرقسطي, ويقتصر أثر الراوي في هذا السرد على التقديم لقول الشخصيات المتحاورة بكلمات أو جمل, يشير فيها الراوي إلى بدء الحديث, أو كيفيته أو إلى هيأة المتحدث, وأشكال الحركات التي يفعلها في أثناءالحديث, وقد يقوم الراوي بوصف الأحداث, أو التعليق عليها, بما يعمل على تنمية الحدث وتطوره.
فالسردالذي يتخلل الحوار يقوم بدور المقدم للشخصية المتحدثة, كما يقوم بوصف حركات وإيحاءات هذهِ الشخصية, ويعمل على وصف الأحداث وتطويرها, ويلعب الراوي في المقامات اللزومية دورين رئيسين, فهو السارد للأحداث والمتقدم لها, يصف جوها ويظهر الظرف الذي تحصل فيه وكذلك هو المشارك في هذهِ الأحداث, ولعل هذهِ الوظيفة المزدوجة التي يقوم بها الراوي تكسبه سلطة واسعة في إجراء الحدث والتعمق بأسرار بطله, فالأحداث تُقدم عبر منظوره الذاتي, فهو الأسلوب المهيمن على المقامات, وهذا يعني أن الراوي يعكس انطباعاته ورؤيته الخاصة على العالم الفني للمقامة لأنه جزء منه؛ وهذا الدور يتطابق مع أدواره في معظم سياقات المقامات, بل وأدوار الرواة في المقامات التي التزمتبالبنية التقليدية للمقامة([67]). فضلاً عن مشاركته في الأحداث, ولا توجد مقامة تخلو من مشاركة الراوي المطلقة في الأحداث, فدوره لا يقل حضوراً وإيجابية عن الشيخ أبي حبيب السدوسي نفسه.

أثر الفعل في تشكيل البنية السردية

اتخذت البنية السرديةنمطاً بنيوياً واحداً رأيناه مشتركاً بين أغلب المقامات, وقد نزع الكاتب إلى استعمال الصيغ الفعلية الماضيةفي تشكيل بنية هذهِ السلسلة السردية, وعناصر هذا النمط المتسلسل العام توضح أثر الفعل في تشكيل البنية السردية, وغالباً ما تتكون هذهِ السلسلة السردية من تلاحم ثلاث حلقات, تختص الحلقة الأولىبالتقديم للحدث, وترتبط هذهِ الحلقة بشخصية الراوي, فتبدأ بالإخبار عن خروجه في سفر من الأسفار, وغايته من هذهِ الرحلات, وما يواجهه فيهامن صعوبات وهموم. وغالباً ما يوجد فيها حديثاً عن أخلاق الراوي وفلسفته في الحياة, وكأن هذهِ الحلقة صفحة من صفحات مذكرة يومية, أو سيرة ذاتية للسائب بن تمام, وقد تميزتأفعال هذهِ الحلقة بالتنامي عبر توال منتظم تساعد عليه الروابط التركيبية القائمة بين الصيغ الفعليةمن حلقات هذهِ السلسلة. وفيها يتشكل الحدث الرئيس في المقامة, ويأخذ بالتطور, وغالباً ما يكون الراوي في هذهِ الحالة مراقباً للحدث, وقد يشارك فيه.
وتختص أحداث هذهِ الحلقة بشخصية أبي حبيب السدوسي الذي يستعمل طرقاً مختلفة لخداع الآخرين والحصول على أموالهم,فتراه خطيباً واعظاً ينذر الغافلين ويحذرهم, وتراه محاججاًمتمكناً يتحدى العقول بثقة عالية, أو يدعي انقلاب الدهر عليه, أو بعده عن الأهل والوطن, أو جائعاً هالكاً.
وتقوم هذهِ الحلقة في أغلب المواطن على الحوار بين شخوص المقامة, وهذا يضفي مسحة واقعية على أحداث المقامة, ويسهم في تطويرها وتناسبها وغالباً ما يوجد نوعاً من التعاقد الضمني بين الراوي والبطل في حبك عقدة المقامة التي تتشكل في هذهِ الحلقة.
وقد تكتفي بعض المقامات بهاتين الحلقتين, ولكن السلسلة السردية في معجم المقامات تتكون من ثلاث حلقات, فالأفعال السردية في الحلقة الثانية تأخذ بالتنامي إلى أن تصل إلى الحلقة الثالثة والأخيرة, وفي هذهِ الحلقة تتكشف حيل السدوسي فيظهر على حقيقته, وغالباً ما يقوم الراوي بالكشف عن هذهِ الشخصية عن طريق السدوسي نفسه بعد أن يكون قد استوفى غرضه في التخفي.
وفي بعض المقامات لا يوجد عنصر الكشف هذا, وذلك لأن السدوسي لم يلجأ فيها إلى التخفي, ففي بعض رحلاته يكون مصاحباً السائببن تمام بشخصيته الحقيقية السافرة, وفي نهاية الحلقة الثالثة يعلق الراوي على الكيفيةالتي تم فيها الفراق بينه وبين السدوسي, وبهذا فإن الراوي هو الذي يبدأ السلسة, وهو الذي ينهيها, وهكذا يتبين أن كل حلقة من الحلقات مختصة بعمل محدد, كما أن كل حلقة تهيئ للحلقة التي تليها, فالحلقات مترابطة بعضها ببعض, ولعل هذا يعود إلى التزام المقامة بوحدة الموضوع, فوحدة الموضوع تقتضي مثل هذا التسلسل المتراتب, إذ أن الحلقات الثلاث تسير نحو إظهار المضمون وتجلياته, فالأولى تقدم له والثانية تظهر كيفية حدوثه والثالثة تكشفه.
المبحث الثالث

الجوانب الغنية في النثر الأندلسي

لزوم مالا يلزم

اللزوم يعني:(ان يلتزم الناظم والناثر مالا يلزمه)([68]), ويعد هذا الجانب ذا أهمية خاصة في صنع الأسلوب الأدبي؛ ذلك لأنه يساعد في استغلال الطاقة الصوتية الايقاعية الممكنة لخلق معنى دلالي أو وجه جمالي, يشكل ميزة أسلوبية للنص الأدبي, حيث يسخر الكاتب تشابه العناصر الصوتية وتجانسها لهذهِ المهمة في بناء نصوصه, ويقوم الإيقاعفي مفهومه التقليدي على التشابه قبل أي شيء آخر([69]).
وكان لظاهرة اللزوم في النصوص المدروسة أثر فني يجعل المتلقي أو القارئ في عملية تواصل مستمر مع النص, إذ يأخذ أثراً مهماً ليس من السهل تغافله لأنه يكون جزء من بناء النص على المستوى الذهني لدى المتلقي؛ إذ يطرق حواسه بالصوت, ويحرك مخيلته للعمل من أجل إدراك الدلالة الصوتية التي يسوقها الكاتب في النص بمفرداته اللغوية, وبذلك فإن أسلوبالالتزام جاء يحكي مع العناصر الصوتية الأخرى الموظفة في النصوص حكايات المقامات وما تحدثه من مفارقات, فتكون حكاية الصوت ركناً مهماً في إثارة المشاعر التي تهيجها الوحدات الصوتية الصغرى المكررة([70]).
إن التزام الكاتب صوتاً أو صوتين مع وجود السجع وما يحدثه من تساوٍفي أجزاء الكلام مدعاة للزيادة في التناسب, والإغراق في التماثل([71]).
يتبين من كل ما تقدم أن أسلوب الالتزام أضفى على حكايات المقامات طاقة تعبيرية أقوى مما لو كانت خالية من اللازمة الصوتية في أواخر الفواصل أو السجع. والأمثلة في المقامات اللزوميةكثيرةومنها على سبيل المثال, قول الراوي السائب بن تمام وهو يصف لمة من الرجال قد مر بهم في ترحاله: (تنم عن شمائلهم الرياض, وتخجل من إيمانهم الحياض, قد غفلوا عنالعواقب, ولم يشعروا بالزمان المراقب (يحيون بالريحان يوم السباسب), وينتمون إلى أكرم المناصب والمناسب, قد لفهم الشباب في بروده, ورواهم من سلسلةوبرودة)([72]).
إن الأصوات الملتزمة قبل صوت السجع هي (الياء والألف) (والألف والقاف) و(الألف والسين), يتبين في هذا النص حالة من الانتقالات الصوتية المزدوجة؛ إذ عمل اطوتي علىرفع المدى الصوتي, ومن ثم إيصاله إلى أصوات مزدوجة أخرى قد تقترب أو تبتعد من مخارج أصواتها لكنها تسهم في رفع الإيقاع, كما أسهم التجنيس الصوتي الحاصل في لفظتي (بروده وبرودة) في تعضيد حالة الالتزام.

المطلب الأول

السجع

تقوم بنية السجععلى التشابه أو التماثل الصوتي بين نهايات الفواصل في النثر (حيث تواطؤ الفاصلتين من النثر على حرف واحد)([73]), فأهمية فن السجع تأتي في كونه يوفر قيمة جمالية في الشعر والنثر على المستوى الايقاعي والنفسي, ويعمل التشابه في نهاية الفقرات على إعطاء الذهن فرصة أقوى للتلقي والاستجابة المناسبة عن طريق التكرار الصوتي؛ ثم وضع الفراغللاستراحة التي تملؤها بخفاء النغمة المتكررة.
فالسجع هو (نمط تعبيري يعتمد التوازي الصوتي الذي يتلاءم غالباً مع التوازي الدلالي من حيث كان منوطاً بنهاية الفواصل التي تمثل السكتة الدلالية الطبيعية في الأداء اللغوي عموماً)([74]), والسجع على أنواع, فمنها المتوازي والموازي والمرصع والمرصع الناقص, والمطرف([75]), أمّا أكثر الأنواع شيوعاً في مقامات السرقسطي فهو (السجع الموازي), وهذا النوع من السجع يحقق توازناً إيقاعياً عالياً؛ لأنه يؤدي إلى توافق وزني وتوافق تقفية, والسجع في عمومه وحقيقته, وكما يدل عليه معناه اللغوي (أشبه بدوحة ضخمة متشعبة الأغصان, والفروع, ولكنها تقوم على ساق واحدة)([76]), فهذهِ الدوحة الكبيرة المتشعبة إنها هي قاعدة لكل أنواع الفنون الصوتية؛ لأن حالة التلازم الايقاعي للصوت يخلق تشعبات وارتكازات إيقاعيةتتشظىلمدى أوسع.
وهذهِ الإمكانية موجودة في بعض النصوص المقامية كقوله: (فبينما نحن في لمة من الفتيان سبع, قد اعتقلوا رماح الخط, وقياس النبع([77]), ونحن في فلاة بني أسد, بين ذيب عاسل([78]) وأسد, نحاول صيد المها والغزال, ونتذاكر بالنضال والنزال, إذ عن لنا سرب مهى كالقطا الإرسال([79]), وحوالينا ما شئت من أسد خادر, وذيب عاسل, فشددنا وراءها أوزاعاً([80]), ونازعناها الحياة نواعاً)([81]).
يعبر السجع في تكراريته المكانية والزمانية عن إحساس بالوحدة والانسجام, ويمكن القول أنه وقف صوتية يقابلها وقفة دلالية في أغلب الأحيان.
هناك تفاعل بين أساليب السجع المستخدمة وموضوع المقامة فمن علاماته تفاوت القيمتين القصصية والشعرية فيها من مقامة إلى أخرى بتفاوت نظام السجع المتبع, فأحداث القصة تتقدم ببطء شديد, وتقل معها الحركة وتضعف فيها المشاهد في المقامات المثلثة والمرصعة والموشحة والموحدة, في حين يقوي الايقاع فيها وتتحول فيها الدوال من وسيلة في الأداء إلى غاية في البناء على عكس ما يقع من المقامات المزدوجة المجردة من الترصيع والتدبيج, فإن هذا أثرى أحداثاًوأنشط حركة وأقوى مشاهد, وليست أكمل نظاماً صوتياً وإيقاعياً, ولا أمثل بناء معه, فإنهاتبقى كبيرة الطاقة الفنيةالجمالية إذا قيست بالنثر المرسل([82]).

المطلب الثاني

التصريع

المتعارف عليه في النقد الأدبي عند العرب أن ظاهرة التصريع تظهر في الشعر, ولاسيما في مطالع القصائد, وأن السبب الذي يجعل تناولهافي دراسة المقامات هو وجود الشعر بشكل كبير, إذ يعد الشعر من الخصائص الأسلوبية البارزة في المقامة ويشيع في هذا الشعر انتشار ظاهرة التصريع التي ظهرت بشكل واسع, خاصةً إذا ما عُلِمَ أن التصريع يعد قسماً من أقسام السجع في الشعر, وهو من مذاهب العرب المعروفة([83]), يسعون فيه إلى إضفاء نوع من الشحن الجماليعلى الشعر, سواء على الوجهة الدلالية النفسية, أم الوجهة الايقاعية الصوتية, وتأتي أهمية التصريع أنه ترديد صوتي يتخذ له مواقع ذات أهمية نسبية, يمثل فيها شبه استقلال للوحدات الكلامية داخل البيت, إذ يتعين الانتهاء من سيل الأصوات الموقع مع القافية أولاً, وما يقابلها من الوقفة, إذ تسهم في ضبط التوازن والتهيئة للإعادة المنتظمة فيما بعد الشطر الأول من البيت.
كل هذا يجعل الدفقالشعري متوائماً مع الحالة النفسية والمد الشعوري للمنشئ, فأهمية فن التصريع تأتي من كونه يوفر قيمة جمالية في الشعر على المستوى الايقاعي والنفسي, فهو يولد رنة موسيقية منبهة تأتي من صمت نهاية الشطر الأول, الذي يتساوى مع ما يليه في الموقع من الشطر الثاني([84]), وهذا يعمل على إعطاء الذهن فرصة أقوى للتلقي والاستجابة المناسبة عن طريق تكرارالمثير الصوتي, ثم وضع الفراغ الملائم للاستراحة التي تملؤهابخفاء النغمة المتكررة.
يتكون التصريع من شكلين مختلفين,بحسب أهمية كل منهما في احتواء الايقاع, حيث جاء أغلبه تحت عنوان (التصريع في المطالع) والأمثلة على هذا كثيرة أذكر منها:
الدهر ثوب معار


وما على الحر عار([85])

ويقول أيضاً:
استودع الله فتى ماجدا


أمسك على وشك النوى واجدا([86])

وقوله:
يا رب, يا رب, إليك المصير


يدعوك من عبدك طاوي المصير([87])

أمّا النوع الآخر من التصريع الذي يظهر بنسبة أقل من سابقه فهو (التصريع الداخلي) وهو ما جاء في الأشعار مصرعة المطالع, ويقع دائماً في الأبيات القريبة من المطلع في المقطوعات والقصائد من الأشعار مثل قوله:
البدو أولى بالكرام لا الحضر


ما من تميم أمه ولا مضر

شيخ رمى بكيده جمعا حضر


كم دنس في ثوبه وكم ضر

لا فارق الضراء من بنا أضر


ولا غدا من نافع إلا بضر([88])

فالتصريع في هذهِ الأبيات الشعرية قد زاد من الإيقاع؛ ذلك أن الشعر موزون مقفى في أساسه, وهناك قصيدة بني أغلب أبياتها على التصريع الداخلي مما جعل القصيدة تتميز بالإيقاع العالي, قوله:
ماذا الذي ينتابه المنتاب


أما استحيى من ذنبه المرتاب؟

وكل ذي ذنب به يرتاب


إن الكسير شأنه التعتاب

أما له هدي ولا كتاب


وكل ذي حجر له متاب؟

فقل لمن ظهر الفلا يجتاب


تشغلك الأكوار والاقتاب

ودون ما تأتي به كتاب


يحصون ما تحنه الاقتاب([89])

لم يثنه لاح ولا مغتاب


يا ليته قد نفع العتاب

وزاره من ربه اعتاب

يتبين من كل ما تقدم أن السجع قد ساغ على لسان السرقسطي وقلمه, حتىما عادالذهن ينصرف إلى التفكير بالسجع بوصفه زينة لغوية, وتلاعب بالألفاظ كما هو راسخ في الأذهان؛ بل تعدى هذا الحاجز الذي يسيء إلى السجع فناً بلاغياً هدفه إظهار القدرة اللغوية, أو البلاغية المتكلفة.
فالسجع عند السرقسطي ليس تكلفاً بل هو لغة عصره, وتجري على لسان واحد من أهل العصر بانسجام وائتلاف, فالسجع أكبر من أن يقتصر أثره على هذا الهدف المحدود, فهو طاقة إيحائية مكثفة فيها نمو وتحرك وتراجع وتسارع باتجاهات مختلفة([90]).
لقد فرضت روح العصر هذا الواقع, واستجاب لها السرقسطي فضمن المقامات دعوة واضحة, في ضرورة استجابة الإنسان دائماً لدواعي عصره.
كما يمكن القول أن: (قصر الزينة والزخرف في البيان, إنما يوازي تطوراً اجتماعياً عميقاًفي الحضارة, يحتاج إلى استقصاء تاريخي, ومن المناسب أن تربط من حين إلى آخر بين الخصائص الفنية والمراحل الاجتماعية)([91]). فالأديب يكتب بلغة مجتمعه, بحيث تتأثر لغته بنوع ثقافته([92]).
وهنا لابدمن الإشارة إلى أن المقامات اللزومية خالية من السجع المتكلف, ولكن السجع لم يعد فناً متكلفاً فحسب, وإنما أضحى لغة العصر السائدة التي يفترض الواقع الذي يعيش فيه الأديب أن يكتب بها, إذا ما أراد أن يحقق لأدبه الانتشار في واقعه.

المطلب الثالث

التوازي

وهو من المفاهيمالتي احتلت مركزاً مهماً في تحليل الخطاب الشعري, ويرتبط مصطلح التوازي باسم رومان ياكبسون في تأسيسه لنظرية التوازي؛ إذ اعتمد على مجموع الطروحات والملاحظات التي تطرق إليها هوبكنس في مقولته التي طالما استشهد بها ياكوبسن (إن الجانب التطريزي في الشعر, بل قد لا نخطئ حين نقول بأن كل مزخرف يتلخص في مبدأ التوازي وعلى هذا فإن بنية الشعر هي بنية التوازي المستمر)([93]).
ولا يقتصر مصطلح التوازي على المفردات بل يتعداها إلى التراكيب والجمل, لهذا ركز النقاد الأسلوبيينعلى مفهوم التوازي(وعدوه خاصية لصيقة بكل الآداب العالمية قديمها وحديثها,شفوية كانت أم مكتوبة, إنه عنصر تأسيسي وتنظيمي في آن واحد)([94]).
كما لا يقتصر أثر التوازي على الهندسة اللفظية, وإنما يتعداها إلى البنيات التعبيرية في النص, بحيث تختلف طبيعته ودرجاته, وعلائقه تبعاً لضرورة آليات نمو النص وتناسله المحكومة بسيرورة الجذب والأبعاد والاشتباه والاختلاف, كما أن مفهوم التوازي لا يرتبط بالشعر فقط؛ لأن ثمة أنماطاً من النثر الأدبي تتشكل على وفق المبدأ المنسجم للتوازي, ولكن هناك فارقاً تراتبياًبين تواز في الشعر وآخر في النثر حيث أن الوزن هو الذي يفرض بنية التوازي في الشعر, بينما يظهر في النثر أن الوحدات الدلالية ذات الطاقة المختلفة هي التي تنظم بالأساس البنيات المتوازية([95]).
ويمكن القول أن التوازي هو (الترابط الموجود بين الثابت والمتحول, ففي أحد القطبين نجد استعادة ثابت, يمثل تكراراً خالصاً, وفي قطب آخر نجد غياب الثابت والمتحول, وهو بمثابة اختلاف خالص, إن التوازي هو ذلك الشيء المقيم بين هذا الثابت وذاك المتحول)([96]).



الخاتمة

وصلت الأندلس مقامات بديع الزمان ورسائلهفي أواخر عصر سيادة قرطبة. وتعددت خصائص موضوعات الفن المقامي في الأندلس, فجاءت انعكاساً للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والغزل.
تضمين السرقسطي لمقاماته أهم مشكلة تعاني منها المجتمعات البدائية من اعتقاد وتطبيب عند من يدعون تسخيرهم للجن.
لم يكن الغرض الديني من المقامات اللزومية غرضاً مستقلاً بذاته, بل تجده غالباً ما يكون مع الأغراض الأخرى ويمهد لها, ولذا لا تكاد تخلو مقامه منه, فالطابع العام لهذهِ المقامات هو الطابع الديني الذي يميل إلى بث النصح والارشاد والتوعية بأمور الدنيا والآخرة, مع الاستغفار من الذنوب, والتقرب إلى الله عز وجل, وابتغاء مرضاته, فسمة الخضوع والاستكانة لله واضحة مع ما تحمله من تناغم إيقاعي حزين عن الدعاء.
حوت أكثر المقامات اللزومية على معاني الحب والغزل, وظهرت بشكل متناثر بين الفينة والأخرى.
إن البنية السردية في مقامات السرقسطي سلسلة مترابطة تجمعها روابط وظيفية تسهم في إحكام هذا الترابط, وتنطوي هذهِ السلسلة المترابطة على توال منتظم من أفعال السياق السردي, وهذهِ التراكيب الفعلية التي نزعت إليها صيغ الأسلوب السردي تتضمن حركة فاعلة في النص تسهم في تطور الحدث.
شكل السرد عنصراً ثابتاً قامت عليه نصوص المقامات جميعها, كما أن الحوار ظاهرة قارة في هذهِ النصوص, وفي المقامات هناك التئام بين السرد والحوار معاً, فليس من الممكن عملياً فصل السرد عن الحوار في سياق المقامة الواحدة, فكل منهما يؤدي وظيفة تسهم في تطوير الأحداث, وهذا يؤول في النهاية إلى التكامل.
يقتصر الأثر على التقديم للحوارات التي عملت على كشف الأحداث, فالراوي يقوم بسرد أحداث تهيئ للحوار وتقدم له, ووظيفة التقديم التي يقوم بها السرد في المقامات اللزومية تدخل تحت ما يسمى بالخطاب المباشر وهو ذلك الخطاب الذي يقدم فيه الحوار بكلمات الشخصية.
تخللت المقامات السردية تفصيلات أسهمت في إطالتها ووقفت بذلك مع الوصف في إطالة هذهِ المقدمات, والتفصيلات الواردة في هذهِ المقدمات يلجأ إليها الكاتب لزيادة الايضاح, حتى أن المقدمات السردية التي جاءت متوسطة الطول لا تكاد تخلو من الوصف والتفصيل في أغلبها, ومن ذلك ما يوجد في المقامة الفارسية.
تخلل السرد في الحوارات التي شغلت حيزاً واسعاً في مقامات السرقسطي, ويقتصر أثر الراوي في هذا السرد على التقديم لقول الشخصيات المتحاورة بكلمات أو جمل, يشير فيها الراوي إلى بدء الحديث, أو كيفيته أو إلى هيأة المتحدث, وأشكال الحركات التي يفعلها في أثناء الحديث, وقد يقوم الراوي بوصف الأحداث, أو التعليق عليها, بما يعمل على تنمية الحدث وتطوره.
اتخذت البنية السردية نمطاً بنيوياً واحداً مشتركاً بين أغلب المقامات, وقد نزع الكاتب إلى استعمال الصيغ الفعلية الماضية في تشكيل بنية هذهِ السلسلة السردية, وعناصر هذا النمط المتسلسل العام توضح أثر الفعل في تشكيل البنية السردية.
إن كل حلقة من حلقات المقامة مختصة بعمل محدد, كما أن كل حلقة تهيئ للحلقة التي تليها, فالحلقات مترابطة بعضها ببعض, ولعل هذا يعود إلى التزام المقامة بوحدة الموضوع, فوحدة الموضوع تقتضي مثل هذا التسلسل المتراتب, إذ أن الحلقات الثلاث تسير نحو إظهار المضمون وتجلياته, فالأولى تقدم له والثانية تظهر كيفية حدوثه والثالثة تكشفه.
يعد جانب اللزوم ذا أهمية خاصة في صنع الأسلوب الأدبي؛ ذلك لأنه يساعد في استغلال الطاقة الصوتية الايقاعية الممكنة لخلق معنى دلالي أو وجه جمالي, يشكل ميزة أسلوبية للنص الأدبي, حيث يسخر الكاتب تشابه العناصر الصوتية وتجانسها لهذهِ المهمة في بناء نصوصه, ويقوم الإيقاع في مفهومه التقليدي على التشابه قبل أي شيء آخر.
كان لظاهرة اللزوم في النصوص المدروسة أثر فني يجعل المتلقي أو القارئ في عملية تواصل مستمر مع النص, إذ يأخذ أثراً مهماً ليس من السهل تغافله لأنه يكون جزء من بناء النص على المستوى الذهني لدى المتلقي؛ إذ يطرق حواسه بالصوت, ويحرك مخيلته للعمل من أجل إدراك الدلالة الصوتية التي يسوقها الكاتب في النص بمفرداته اللغوية, وبذلك فإن أسلوب الالتزام جاء يحكي مع العناصر الصوتية الأخرى الموظفة في النصوص حكايات المقامات وما تحدثه من مفارقات, فتكون حكاية الصوت ركناً مهماً في إثارة المشاعر التي تهيجها الوحدات الصوتية الصغرى المكررة.
إن أسلوب الالتزام أضفى على حكايات المقامات طاقة تعبيرية أقوى مما لو كانت خالية من اللازمة الصوتية في أواخر الفواصل أو السجع.
تقوم بنية السجع على التشابه أو التماثل الصوتي بين نهايات الفواصل في النثر, فأهمية فن السجع تأتي في كونه يوفر قيمة جمالية في الشعر والنثر على المستوى الايقاعي والنفسي, ويعمل التشابه في نهاية الفقرات على إعطاء الذهن فرصة أقوى للتلقي والاستجابة المناسبة عن طريق التكرار الصوتي؛ ثم وضع الفراغ للاستراحة التي تملؤها بخفاء النغمة المتكررة.
السجع هو نمط تعبيري يعتمد التوازي الصوتي الذي يتلاءم غالباً مع التوازي الدلالي من حيث كان منوطاً بنهاية الفواصل التي تمثل السكتة الدلالية الطبيعية في الأداء اللغوي عموماً, والسجع أنواع, فمنها المتوازي والموازي والمرصع والمرصع الناقص, والمطرف, أمّا أكثر الأنواع شيوعاً في مقامات السرقسطي فهو السجع الموازي, والأخير يحقق توازناً إيقاعياً عالياً؛ لأنه يؤدي إلى توافق وزني وتوافق تقفية, والسجع في عمومه وحقيقته, وكما يدل عليه معناه اللغوي.
يعبر السجع في تكراريته المكانية والزمانية عن إحساس بالوحدة والانسجام, ويمكن القول أنه وقف صوتية يقابلها وقفة دلالية في أغلب الأحيان.
هناك تفاعل بين أساليب السجع المستخدمة وموضوع المقامة فمن علاماته تفاوت القيمتين القصصية والشعرية فيها من مقامة إلى أخرى بتفاوت نظام السجع المتبع, فأحداث القصة تتقدم ببطء شديد, وتقل معها الحركة وتضعف فيها المشاهد في المقامات المثلثة والمرصعة والموشحة والموحدة, في حين يقوي الايقاع فيها وتتحول فيها الدوال من وسيلة في الأداء إلى غاية في البناء على عكس ما يقع من المقامات المزدوجة المجردة من الترصيع والتدبيج, فإن هذا أثرى أحداثاً وأنشط حركة وأقوى مشاهد, وليست أكمل نظاماً صوتياً وإيقاعياً, ولا أمثل بناء معه, فإنها تبقى كبيرة الطاقة الفنية الجمالية إذا قيست بالنثر المرسل.
إن ظاهرة التصريع تظهر في الشعر, ولاسيما في مطالع القصائد, وأن السبب الذي يجعل تناولها في دراسة المقامات هو وجود الشعر بشكل كبير, يتكون التصريع من شكلين مختلفين, بحسب أهمية كل منهما في احتواء الايقاع, أولهما: التصريع في المطالع, وثانيهما: التصريع الداخلي.
إن السجع قد ساغ على لسان السرقسطي وقلمه, حتى ما عاد الذهن ينصرف إلى التفكير بالسجع بوصفه زينة لغوية, وتلاعب بالألفاظ كما هو راسخ في الأذهان؛ بل تعدى هذا الحاجز الذي يسيء إلى السجع فناً بلاغياً هدفه إظهار القدرة اللغوية, أو البلاغية المتكلفة.
السجع عند السرقسطي ليس تكلفاً بل هو لغة عصره, وتجري على لسان واحد من أهل العصر بانسجام وائتلاف,فالسجعطاقة إيحائية مكثفة فيها نمو وتحرك وتراجع وتسارع باتجاهات مختلفة.
يكتب الأديب بلغة مجتمعه, بحيث تتأثر لغته بنوع ثقافته,وترتبط الخصائص الفنية بالمراحل الاجتماعية من حين إلى آخر.
إن المقامات اللزومية خالية من السجع المتكلف, ولكن السجع لم يعد فناً متكلفاً فحسب, وإنما أضحى لغة العصر السائدة التي يفترض الواقع الذي يعيش فيه الأديب أن يكتب بها, إذا ما أراد أن يحقق لأدبه الانتشار في واقعه.
التوازي من المفاهيم التي احتلت مركزاً مهماً في تحليل الخطاب الشعري, ويرتبط مصطلح التوازي باسم رومان ياكبسون في تأسيسه لنظرية التوازي؛ إذ اعتمد على مجموع الطروحات والملاحظات التي تطرق إليها هوبكنس في مقولته التي طالما استشهد بها ياكوبسن إن الجانب التطريزي في الشعر, بل إن كل مزخرف يتلخص في مبدأ التوازي وعلى هذا فإن بنية الشعر هي بنية التوازي المستمر.
لا يقتصر أثر التوازي على الهندسة اللفظية, وإنما يتعداها إلى البنيات التعبيرية في النص, بحيث تختلف طبيعته ودرجاته, وعلائقه تبعاً لضرورة آليات نمو النص وتناسله المحكومة بسيرورة الجذب والأبعاد والاشتباه والاختلاف.
إن التوازي هو ترابط موجود بين الثابت والمتحول, ففي أحد القطبين نجد استعادة ثابت, يمثل تكراراً خالصاً, وفي قطب آخر نجد غياب الثابت والمتحول, وهو بمثابة اختلاف خالص, إن التوازي هو ذلك الشيء المقيم بين هذا الثابت وذاك المتحول.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين






 




قائمة المصادر والمراجع

1.     إبراهيم السعافين: أصول المقامات, دار المناهل, بيروت, 1987.
2.     ابن أبي الخصال: ترسل الفقيه, مخطوطة.
3.     ابن الآبار: التكملة لكتاب الصلة, ج1, ج2, القاهرة, 1955. 
4.     ابن الاثير: المثل السائد, تحقيق: طبانة واحمد الحوفي, النهضة, ط1, القاهرة, 1959.  
5.     ابن بسام الشنترين: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة, ج1, ق1, من ج4, القاهرة, بت.
6.     ابن سنان الخفاجي: سر الفصاحة, تحقيق: عبد المتعال الصعيدي, مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده, القاهرة, 1969.
7.  أبو الطاهر محمد بن يوسف السرقسطي ت(538هـ): المقامات اللزومية, تحقيق: حسن الوراكلي, منشورات عكاظ, الرباط, 1995.
8.     أبو الفرج قدامة بن جعفر: نقد الشعر, تحقيق: محمد عبدالمنعم خفاجي, دار الكتب العلمية, مصر, ب.ت.
9.     إحسان عباس: تاريخ الأدب الأندلسي, عصر الطوائف والمرابطين, دار الشروق, ط1, عمان, 1997.
10.    إحسان عباس: فن المقامات بين المشرق والمغرب, دار المعارف, الإسكندرية, 1986.
11.    أسامة البحيري: تحولات البلاغة- التكوين البديعي, بلا مكان, بلات.
12.  الخطيب القزويني ت(739هـ): الايضاح في علوم البلاغة, تحقيق: رحاب عكاوي, دار الفكر العربي, بيروت, ط1, القاهرة, 1995.
13.    السيوطي: بغية الوعاء, مصر, القاهرة, 1300هـ. 
14.    المقري: أزهار الرياض, مصر, بت. 
15.  حازم عبدالله خضر: النثر في الأندلس في عصر الطوائف والمرابطين, منشورات وزارة الثقافة والإعلام, دار الحرية للطباعة والنشر, بغداد, 1980.
16.    ديوان ابن خفاجة: تحقيق: مصطفى غازي: الاسكندرية, 1369هـ.  
17.    رجاء عيد: مدخل إلى تحليل المقامات اللزومية, منشأة المعارف, الاسكندرية, ط1, ب.ت.  
18.    عبدالقادر أبو شريفة: مدخل إلى تحليل النص الأدبي, دار الفكر, عمان, ط1, 1990.
19.    عبدالكريم الشرقاوي: شرح المقامات, الدار البيضاء, 1993.
20.    عبدالكريم اليافي: دراسات فنية في الأدب العربي, دمشق, ط1, 1963.
21.    عبدالله إبراهيم: السردية العربية, المركز الثقافي العربي, بيروت, 1992.   
22.    عبدالملك مرتاض: بنية الخطاب الشعري- دراسة تشريحية في قصيدة أشجان يمانية, دار الحداثة, بيروت, ط1, 1987.
23.    علي الجندي: فن الاسجاع- صور البديع, الاعتماد, مصر, 1951.  
24.    قصي الحسيني: فن المقامات بالأندلس, دار الفكر, دار القلم, بيروت, ط1, 1979.
25.    محمد عبدالمطلب: قضايا الشعر: الهيئة المصرية العامة للكتاب, د.ت.
26.    محمد فتاح: التلقي والتأويل- مقاربة نسقية, المركز الثقافي العربي, بيروت, الحمراء, ط1, 1994.
27.    مصطفى السعدين: البناء اللفظي في لزوميات المعري- دراسة بلاغية تحليلية, منشأة المعارف, الاسكندرية, 1982.  
28.    مصطفى السعدين: البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث, مطبعة رواي للإعلان, الإسكندرية, 1987.
29.    مصطفى محمد أحمد السيوفي: ملامح التجديد في النثر الأندلسي, عالم الكتب, بيروت, ط1, 1995.
30.    من النص المعياري إلى التحليل اللساني (الشعرية البنيوية انموذجاً) (بحث).
31.    موريس أبو ناصر: الألسنية والنقد الأدبي- في النظرية والتطبيق, دار النهار للنشر, بيروت, 1979.
32.  مي محسن حسين عناد الخلفي: المقامات اللزومية لابن طاهر محمد بن يوسف السرقسطي ت(538هـ)- دراسة أسلوبية, أطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية التربية للبنات, جامعة بغداد, 2005.
33.    نظرية اللغة العربية, خوسيه ماريا ايفانوكس, ترجمة: عبدالكريم راضي, مكتبة الخانجي, د.ت.
34.    يوسف ميخائيل أسعد: سيكولوجية الابداع في الفن والأدب, الهيئة المصرية العامة, 1980.


([1]) ابن بسام الشنترين: الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة, ج1, ق1, من ج4, القاهرة, بت, 1/2/117.
([2])المصدر نفسه,4/1: 154-167.
([3]) ابن الآبار: التكملة لكتاب الصلة, ج1, ج2, القاهرة, 1955, ص27.
([4])المصدر نفسه, ص26.
([5])المصدر نفسه, ص875.
([6])المصدر نفسه, ص495-260-516.وينظر: إحسان عباس: تاريخ الأدب الأندلسي, عصر الطوائف والمرابطين, دار الشروق, ط1, عمان, 1997, ص243.
([7]) الشرقاوي: شرح المقامات, 1: ص3-4 نقلاً عن إحسان عباس: المصدر السابق, ص244.
([8]) السيوطي: بغية الوعاء, مصر, ص11, القاهرة, 1300هـ, 1/2-4.
([9])المصدر نفسه, ص62.
([10]) ابن بسام الشنترين: الذخيرة, المصدر السابق, 1/2: ص184.
([11])المصدر نفسه, ص246.
([12])المصدر نفسه, ص286, وينظر: إحسان عباس: المصدر السابق, ص244.
([13]) ابن بسام الشنترين: الذخيرة, المصدر السابق, ص43.
([14]) ابن أبي الخصال: ترسل الفقيه, مخطوطة, ص73.
([15])المصدر نفسه, ص88.
([16]) السيوطي: بغية الوعاء, المصدر السابق, ص12 نقلاً عن إحسان عباس: المصدر السابق, ص245.
([17]) ديوان ابن خفاجة: تحقيق: مصطفى غازي: الاسكندرية, ص308.
([18]) ابن الآبار: التكملة لكتاب الصلة, المصدر السابق, ص736.
([19])المصدر نفسه, ص515, 421.
([20]) السيوطي: بغية الوعاء, المصدر السابق, ص303.
([21]) السيوطي: بغية الوعاء, المصدر السابق, ص40-41.
([22]) المقري: أزهار الرياض, 1-13, مصر, بت, ص3-15.
([23]) ابن الآبار: التكملة لكتاب الصلة, المصدر السابق, ص525.
([24]) احسان عباس: المصدر السابق, ص246.
([25]) المقري: أزهار الرياض, المصدر نفسه, 1: 30.
([26])المصدر نفسه, 1: 163.
([27])المصدر نفسه, 1: 116.
([28]) مقامات الدب الخمسة والثلاثون: 330, ومقامة الحمامة السابعة والثلاثون: 350, والمقامة الفردية الثامنة والثلاثون: 358.
([29]) شرة: النشاط, المقامات اللزومية: 359, هامش: 15.
([30]) المقامات اللزومية: 358.
([31])المقامات اللزومية, 359, 360.
([32]) قصي الحسيني: فن المقامات بالأندلس: 57.
([33]) الدو: الفلاة الواسعة, المقامات اللزومية: 352, هامش: 25.
([34]) البهر: تتابع النفس وانقضاؤه من الأعباء, المقامات اللزومية: 352, هامش: 27.
([35])المقامات اللزومية: 352.
([36]) أونا: الدعاء والسكينة والرفق, المصدر نفسه: 432, هامش: 22.
([37]) المقامات اللزومية: 426.
([38]) سورة الرحمن: الآية [33].
([39]) المقامات اللزومية: 226, 227.
([40])المقامات اللزومية: 504.
([41]) ينظر: ملامح التجديد في النثر الأندلسي: 285, وينظر: النثر في الأندلس في عصر الطوائف والمرابطين: 344.
([42]) الجمام: الراحة, المقامات اللزومية: 462, هامش: 24.
([43])المقامات اللزومية: 462.
([44])المصدر نفسه: 87-88.
([45]) المقامات اللزومية: 92.
([46]) الألسنية والنقد الأدبي, في النظرية والتطبيق: 133.
([47]) ينظر: نظرية اللغة العربية, خوسيه ماريا ايفانوكس: 279, وينظر: مي محسن حسين عناد الخلفي: المقامات اللزومية لابن طاهر محمد بن يوسف السرقسطي ت(538هـ)- دراسة أسلوبية, أطروحة دكتوراه مقدمة إلى مجلس كلية التربية للبنات, جامعة بغداد, 2005, ص110.
([48]) المقامات اللزومية: 33.
([49]) المصدر نفسه: 41.
([50]) مي محسن حسن عناد الخلفي: المصدر السابق, ص111.
([51]) المقامات اللزومية: 159.
([52]) الهراش: التقاتل, وفي الأصل تقاتل الكلاب, ينظر: المقامات اللزومية: 334, هامش: 7.
([53]) اللجب: الصوت والصياح والجلبة, المصدر نفسه: 354, هامش: 8.
([54]) المصدر نفسه: 330.
([55]) الحنية: القوس, المصدر نفسه: 61, هامش: 12.
([56]) المرنان: القوس, المصدر نفسه: 13.
([57]) العسيب: جريدة من النخل مستقيمة دقيقة ينحى عنها خوصها, المصدر نفسه: 61, هامش: 14.
([58]) المصدر نفسه: 57.
([59]) مدينة باليمن قرب صنعاء, ينسب إليها الجزع الظفاري, وبها مسكن سلوك حمير, المقامات اللزومية: 24, هامش: 1.
([60]) المرخ والعفار: شجرتان, عودهما سريع الوزي, المصدر نفسه: 124, هامش: 3.
([61]) رذية: الناقة المهزولة من السير, لا تقدر أن تلحق بالركاب, المصدر نفسه: 124, هامش: 5.
([62]) التأويب: سير النهار كله إلى الليل, وقيل: هو تباري الركاب في السير, المصدر نفسه: 124, هامش: 6.
([63]) الآساد: سير الليل كله, وقيل: هو أن تسير الإبل بالليل والنهار, المصدر نفسه: 124, هامش: 7.
([64]) المناد: المتمايل, المصدر نفسه: 124, هامش: 9.
([65]) الخوافي: ريشان: إذا ضم الطائر جناحيه خفيت, والقوادم: ما يكون في مقدم جناحي الطائر من ريش, المصدر نفسه: 124, هامش: 11.
([66]) المصدر نفسه: 120.
([67]) ينظر: السردية العربية: 200-201.
([68]) المثل السائد: 1/372.
([69]) ينظر: بنية الخطاب الشعري- دراسة تشريحية في قصيدة أشجان يمانية: 206, 229.
([70]) ينظر: البنيات الأسلوبية في لغة الشعر العربي الحديث: 60, ينظر: البناء اللفظي في لزوميات المعري- دراسة بلاغية تحليلية: 53.
([71]) ينظر: سر الفصاحة: 171, 173.
([72]) المقامات اللزومية: 18.
([73])الايضاح في علوم البلاغة: 547.
([74])التكوين البديعي: 374.
([75])ينظر: صور البديع: فن الاسجاع: 2/16.
([76])صور البديع: فن الاسجاع: 2/17.
([77])القياس: جمع قوس وهو التي يرمى عنها, ينظر: المقامات اللزومية: 441, هامش: 16.
([78])عاسل: المسرع, المضطرب في عدوه, المصدر نفسه: 441, هامش 18.
([79])الارسال: جمع رسل وهو القطيع في كل شيء, المصدر نفسه: 441, هامش 19.
([80])أوزاعاً: الفرق بين الناس, المصدر نفسه: 441, هامش 20.
([81])المصدر نفسه: 436.
([82])مدخل إلى تحليل المقامات اللزومية: 123.
([83]) ينظر: نقد الشعر: 86.
([84]) ينظر: مدخل إلى تحليل النص الأدبي: 78.
([85]) المقامات اللزومية: 35.
([86])المصدر نفسه: 278.
([87])المصدر نفسه: 331.
([88])المصدر نفسه: 36.
([89])الاقتاب: أي الأمعاء والحوايا, المصدر نفسه: 145, هامش: 41.
([90])ينظر: أصول المقامات: 123, وينظر: فن المقامات بين المشرق والمغرب: 151.
([91])دراسات فنية في الأدب العربي: 380.
([92])ينظر: سيكولوجية الابداع في الفن والأدب: 185,195.
([93])قضايا الشعر: 106.
([94])التلقي والتأويل- مقاربة نسقية: 149.
([95])ينظر: قضايا الشعر: 108.
([96])من النص المعياري إلى التحليل اللساني (الشعرية البنيوية انموذجاً) (بحث): 392.

ليست هناك تعليقات: