د / عمر صوفى محمد
مركز سنورس هو أحد مراكز محافظة الفيوم
المهمة والنشطة ثقافيا ، بل يعد رافدا ثقافيا وإبداعيا مؤثرا فى الواقع الثقافى والأدبى
المصرى. ، وذلك يما يتوافر له من كتاب مبدعين فى مختلف فروع الفكر والأدب.
ففى مجال المسرح نجد كتابا مثل شوقى عبد الحكيم ، وله
عدة مسرحيات مثل (حرب البسوس- الملك معروف
- قصائد مسرحية....وغيرها ) علاوة على دوره البارز فى جمع التراث الشعبى و
تحقيقه، وكذلك أحمد الأبلج (1949- 2014 ) والذى صدرت له عدة مسرحيات مثل : السبيل
، غنائم الملاعين ، أوديب وشفيقة وغيرها، وفى مجال الرواية والقصة تبرز أسماء مثل
أحمد طوسون(1968) وهو كاتب قصصى وروائى وكاتب أطفال غزير الإبداع، وأحمد
قرنى(1967) ، وعلى عبد الباقى ، حيث صدرت
له روايتان ( نهر النار – الجمار ).كما برز فى مجال النقد الأدبى وتحقيق النصوص
الأدبية عدة نقاد مثل: محمد سيد عبد التواب ونبيل الشاهد، أثروا الحياة الأدبية
بالعديد من المؤلفات.
أما فى مجال الشعر ، فقد ساهم العديد من الشعراء فى رفد
الحركة الشعرية بالعديد من الدواوين، ومنهم :
1- أحمد قرنى :
حيث بدأ حياته الأدبية شاعرا ، فيذكر " كنت أرانى
شاعرا ولا شىء آخر ، حتى كانت الحيرة والقلق والرغبة التى تملكتنى أن أغامر "
وذلك لأنه كان يرى أن " الشعر هو الحياة والحلم والرغبة ، سؤال الوجود
والكتابة والتهور والمغامرة والذوبان فى الحروف والكلمات، والبحث عن المعنى الجديد
بالصورة واكتمال النص".
وقد أثمر هذا الافتتان بالشعر عن كتابة ثلاثة دواوين هى
(لكِ العشق والنيل لى 1996- حائط الوقت 1997 – جسد بارد بلا تفاصيل 2001) علاوة
على ديوانين للأطفال هما ( أغنيات للقمر2007 – عصفور وحرف ووطن 2008)، ثم تحول بعد
ذلك الى الإبداع فى مجال الرواية والكتابة للطفل، وحصد عددا كبيرا من الجوائز
الأدبية من مصر والعالم العربى ، وإن كانت ملكاته الشعرية لم تغادره، بل انعكست
على إبداعه الروائى، حيث يكتب الرواية بلغة شعرية مرهفة، لغة صقلت صقلا كقطعة مرمرية
متقنة. ومن قصائده قصيدة بعنوان "
بلا جرعة حلم ..إلى غزة الصامدة " منها :
فى مطلع هذا العام
غزة تخرج شاحبة فى شرفتها
وتداعب طفلها
تخلع معطفها
تنفخ فى يدها كالأطفال
من البرد
تفرش كل أنوثتها فى الحى
يفتتن الشجر العاقر
هل عادت كل الأشجار الجائعة
بلا قطعة خبز
ترتعد الأبواب الواقفة بمفردها فى الليل
وغناء الأطفال يمزق
كل الجدران النائمة
....
2- سيد لطفى
(1976 )
وهو شاعر عامية
متمكن، يكتب الشعر بروح متمردة وحماس متقد ، يحتفىبالطابع المشهدى وتصوير اللحظة
بكل تدفقاتها وحيويتها، بلغة بسيطة واضحة تغلفها لمسة إنسانية مرهفة ، تمزج الوطنى
بالقومى، مثلما هو الحال فى قصيدته "وفاء إدريس"، وهى الفلسطينية التى
فجرت نفسها فى وجه الاحتلال الإسرائيلى عام 2002.ومنها:
كلنا من أب واحد
إحنا وأنتم واليهود والأمريكان
ليه نخانق
ليه نحارب
ليه نعذب روح أبونا فى تربته
يا بن حوا الأرض واسعة
هى جت ع القدس ؟
ننقل القدس السودان
طه قال الأرض طاهرة وأنت طاهر
بس لو تسمع آدان.
....
وقد صدرت له عدة دواوين منها (عادة كل يوم – ديوان وفاء
إدريس- مش عارف )، كما كتب عدة مسرحيات وأشعار للمسرحيات والمهرجانات المحلية
والدولية.
3- أسامة الزينى (1971)
وهو إعلامى وروائىوشاعريحلق بكتاباته الشعرية إلى آفاق
إنسانية رحبة، ويأسره الطابع الوجدانى والوهج الرومانسى والقيم الأخلاقية السامية،والبحث
عن المعنى والقيمة الحقيقية واالسمو النفسى ، بعيدا عن الزيف ، بلغة متدفقة كشلال،
عذبة كنبع ،ويرافق الآداء الموسيقى المعنى والصورة فى قصائده . صدر له ديوانان هما
( طبل الريح 1998 – رائحة الجسد 2001) ثم تحول إلى كتابة االرواية ، فصدرت له أربع
روايات منها ( أنا وعائشة 2011– ضريح الكمانات 2014) والمسرح مثل مسرحيته "
العرض الآخير". وحصد عدة جوائز فى الشعر والرواية والمسرح.
ومن قصائده
قصيدة (أجراس الحداد)، يقول فيها:
عد سريعا
فقد لا يمكننى الانتظار
قد يدركنى الموت
قبل طلوع النهار
وسيسأل عنك المعزون
حين تدق على شرفتى
أجراس الحداد
يكتبون على راحتى
يدرك الأجساد
ولا تدركه الأجساد
4- أحمد عبد الباقى
شاعر فصحى متميز حصل على جائزة سعاد الصباح وصدر له
ديوان بعنوان " كتابة لا تلين " ومن شعره قصيدة بعنوان " مقاطع من
قصيدة الوحشة" منها:
قليل من الفرح الخائف يطل علينا
ويهرب خلف زجاج
البيوت التى انطفأت حولها
جذوة الصاعقة
قليل من الألفة الغائبة
أقابلها فى الشوارع
وهى تئن مع الريح فى
قطع الوحشة الذائبة
لماذا تماوج إيقاع أنفاسنا والغبار
تمازج وقع الكآبة والرعدة الباردة
هل لأن الطريق إلى ألق الأسى
مفروشة بالضياع
أم لأن الذى كان يفتح أضلاعه
للذى لم يكن
....
5- حازم حسين
شاعر وصحفى ،
يكتب بالفصحى والعامية، صدرت له أربعة دواوين ، منها ديوان " زفة واحدة
للأرامل ع الخريطة" ، كما صدرت له مسرحية أقرب إلى المسرح الشعرى هى مسرحية
" دمدم "
يقول فى
قصيدة بعنوان " مقام السيدة زينة
" فى الديوان المذكور
رايح مع الرايحين
راجع وأنا لوحدى
شايل حلاوة الروح
وشايلنى عكازى
الفرحة فى عنيهم
ماسعتش ولا خطوة
غلبت م الدوران فى الساقية متغمى
ما سعتش ولا خطوة
غير بس لأجل الحق
....
6- رمضان الليمونى (1980)
وهو شاعر فصحى متميز، ومثقف مدافع عن حقوق الإنسان ، صدر
له عدة كتب مثل " سم العولمة " و" أمراء الاستعباد " ، كما
صدر له ديوان بعنوان " مأوى المرغوب فيه " عام 2015. يتسم شعره ببعد
فلسفى عميق ونزعة تجريدية ، وتحتشد قصائده
بالآسئلة والإحساس الدائم بالحيرة والأسى من واقع مؤلم، كما يبث فى قصائده روحا
ثورية متقدة حماسة ووطنية. يقول فى إحدى قصائده:
فى مقام الصمت
أنا الصاعد يا أبى
خلف جحافل صمت
أهجر الحرف الذى لم يعد
يجتاز زمرة الوقت
ليحفر خندقا ببقايا أمنيات معلقة
على أبواب حناجرنا
يسترق قلبى
من لحظة خاطفة عندما يمرق الحلم
فيكبل ما تبقى من شجاعة وقوفنا
على منصات التيه المطرز بطعم الوجع
وفوق عزلة
تلقى ما يشرف فى المساء
على الانزواء بين جنباتنا المكسوة
ببقايا ما كان يعرف من لمحة الأمل
.....
7- عبد الرحمن الأبلج (1982)
شاعر فصحى
متميز ،ساعدت دراسته للغة العربية على صقل موهبته الإبداعية ، صدر له ديوان بعنوان
" آيتى.. أن أكلم الناس " ،. يقول فى قصيدة فى رثاء والده الكاتب أحمد
الأبلج:
هذا قضاء الله ..ما دبت خطى إلا على آثــــــــارهن فنــــــاء
الموت كالصحراء ..درس صاخب رغم السكون ..وعبرة رمضاء
واليتم يعنى اليتم. شب أو لا تشب كأس تجرع
مره الأبناء
وعزاؤنا يا "أبلج" الذكرى غدا تحت التراب لنا هناك لقاء
فإلى هنالك دُم سعيدا هانئا وأصب من الفردوس كيف تشاء
***
هذا بالإضافة
إلى ظهور بعض الكتاب على بداية طريق الشعر مثل: راشد الفزارى، ومحمد حميدة ، ومجدى
محمود.. وغيرهم.
ويمكن ان نخلص
بعدة ملاحظات تتصف بها الحركة الشعرية فى سنورس من أهمها:
- تتنوع الكتابة الشعرية فى سنورس ما بين الشعر العمودى
والحر وقصيدة النثر، كما توظف الفصحى والعامية فى التعبير الشعرى، وإن كانت الكفة تميل
لصالح الفصحى.
- هناك حالة من الترحال الأدبى بين الاجناس الأدبية، وهو
ترحال على حساب الشعر، فرغم البداية الحماسية والمبشرة بكتابة الشعر، إلا أن بعض
الشعراء مثل أحمد قرنى وأسامة الزينى تحولوا كلية عن الكتابة الشعرية، لصالح
الرواية والمسرح وأدب الأطفال. وهى ظاهرة ملموسة فى الحركة الإبداعية فى مصر
عموما، وهو ما أثر سلبا على الواقع الشعرى حاليا فى سنورس، وحرم الأجيال الجديدة
من وجود نماذج وورش وندوات شعرية تعزز موهبتهم الشعرية.
- يتركز معظم الشعراء – وهم قلة - فى مدينة سنورس، بينما
يبدو الريف، وهو الجزء الأكبر من المركز ، خارج الخريطة الشعرية، وهو ما يؤدى إلى
طمر مواهب أصيلة ناشئة. خاصة فى ظل قلة واكتظاظ منافذ النشر الورقى الحكومى ،
والتكلفة العالية لدور النشر الخاصة.
- تبدو المرأة خارج الحركة الشعرية فى سنورس تماما ، فلا
توجد شاعرة واحدة تشارك على الساحة فى الكتابة الشعرية. وتبدو العادات والمسئوليات
الملقاة على عاتق المرأة عقبة تحول دون مشاركتها، حتى لو توافرت لها الموهبة
والقدرة على كتابة الشعر.
- لا يمكن القول
بوجود تيار أو سمة مميزة للحركة الشعرية فى سنورس، مثل وجود رؤية شعرية خاصة، ولغة
مميزة للشاعر، وموضوعات أثيرة لديه يركز عليها فى كتاباته،نتيجة عدم الاستمرارية
والترحال الأدبى لدى البعض ، والتوقف عن كتابة الشعر لفترات طويلة لدى البعض
الآخر.
- يجب العمل على جمع الإبداع الشعرى لشعراء سنورس
وتوثيقه ، ليكون متاحا للقراء والنقاد والدارسين، خاصة مع ندرة الدراسات النقدية
عن هذا الإبداع.
*****
مايو 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق