''الخوف ... الوجه الآخر''
عبد الحكيم أوكفيل
مخطئون ... إن كان الخوف كما تعتقدون ...
مخطئون فليس دوما حتميةً توصلك إلى نهاية حكمة و بداية جنون ... للخوف وجه آخر ...
الوجه الذي تُنكرون ...
بعيدا عن فقدان ميزان العقل و التروّي و ما
أشيع عن هذه الأسطورة ... بعيدا عن كلّ الافتراءات الجارية على ألسن جاهلة ... كان و لا يزال الخوف من المجهول دافع الإنسان
إلى الابتكار و التطوّر ... إلى كسر قيود الجهل و السعي للتحرّر ... المنادي
للثورة ضد الانقياد ... الداعي إلى
التمرّد على اليأس و الاستكانة و الاستعباد ... الخوف من المستقبل و ما بجعبته ملأ
جعبة الحاضر بأفكار و إبداعات من عقل ولّد العجب ... الرّهبة من المرض دفعتنا إلى
التفكير في المداواة ... و قبله في البحث و الاكتشاف عن العلّة ماذا تكون؟ ... و لماذا كانت ؟ و كيف بعد كشف السرّ لا
تكون ... بل و فتح أبواب المعرفة لاكتشاف أساليب للتطبيب حديثة ... لِعِلَلٍ أخرى
كثيرة ... و فيها كانت البحوث حثيثة ...
الخوف من الحرب دفع العقل للاهتمام بتحصين
النفس و الحفاظ عليها ... فكان ما كان من روائع الابتكارات العلمية ...
التكنولوجية و التقنية ... بل الخوف من
الانجراف نحو المجهول دفع الإنسان إلى الحوار و بني جنسه ... حتى لا تزورنا أحزان
الماضي ... فصرنا نفهم معنى السّلام بعد تجرّعنا لأنواع المآسي و الآلام ... لأننا
ذقنا أهوال الحرب المريرة ... و أشبعنا منها أنفسنا الضريرة ... نخاف من أن تعود
لنا منتقمة ... نخاف من زمن مماليك الموت ... الجوع ... الفقر و الحاجة ...
نخاف من الهزيمة ... من الخسارة ... فصرنا
إلى النجاح أقرب ... كيف ؟ ... بالتفكير فيما يناسب من سبل و طرائق توصل شغفنا
فيما نريد إلى الهدف المنشود ... فعملت عقولنا على التفكير في علوم و معارف تجعل
حياتنا في اليد أسهل ... ليس لأن الطبيعة البشرية تتطوّر حتمًا ... بل لأن الخوف
من البقاء في الماضي و التخلّف فيه مع تعاقب الزمن يدفعني و يدفعك لأن نبدع في
الحاضر ... و بعد حين نكون متحضّرين لما هو آت ...
الخوف يدفعك إلى التساؤل و التفكير ... إلى
التعمّق في كلّ أمر ...
الخوف يدفعك إلى البحث عن الحقيقة بين هلوسات
و أكاذيب الواقع ....
الخوف يدفعك لأن تتطوّر ...
الخوف يدفعك لأن تُبدع ...
الخوف يدفعك لأن تتحرّر من قيود ماضيك ...
الخوف ينهاك عن الاستسلام للتقاليد البالية
... القديمة السّارية ... يفتح عينيك على الحتميات المفتعلة ... يجعلك فطنا حذرا
...
الخوف من الموت يعلّمك معنى الحياة ...
ينبّهك الخوف إلى أن سيف موت ''داموكلس'' على
رأسك ... فلا تضيّع وقتك فيما لا ينفع ... لا تترك حياتك تهبّ بها رياح العبث و
اللّهو ... لا تتبع أهواء من يريدون استغلالك ... فتكون لهم و لا تكون لنفسك ...
فتُذهب نفسك بذهاب وقتك ...
الخوف من الله يدفعك إلى حبّه ... إلى اجتناب
نهيه و اتباع أمره ... الخوف حاجز يحول و وقوعك في الرذيلة ... '' الخوف جُنّة'' ...
ذاك الوجه الآخر له ...
الخوف ليس هروبا و إنكار ... ليس ردّة فعل مُستهجنة
... ليس مدعاة للسخرية ... ليس ذلك دائما ... الخوف إحساس بالواقع كما هو ...
إدراك له ... انغماس فيه ... ممارسة له ... يجعلك تحيا بروحك و حواسك ... الخوف
يجعلك ''إنسانا'' ...عليك ''أنت'' أن تتأقلم و تجد فيه ما يجعلك تتجاوز هفواتك و
عثراتك ... فيه تعرّي على زلاّتك ... لتغطيها فيما بعد بثوب الصواب و الحكمة ... فأي
جانب أخذته من الخوف ... كان لك منه نصيب ... فلا داعٍ للخوف ... من الخوف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق