بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفـلاقـة
كلية الآداب،جامعة عنابة الجزائر
تكتسي العلاقة بين الدين والسياسة أهمية بالغة في زمننا الراهن،وهذا ما جعلها تحظى بعناية فائقة من لدن العديد من المفكرين،والباحثين المعاصرين،فقد أثارت إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة الكثير من الجدل،والنقاش،حيث كتبت دراسات عدة في هذا المجال،غير أن هناك زاوية لم تلق العناية الكافية،إذ نلاحظ وجود ثغرة في معالجة هذه العلاقة الجدلية من جانب فلسفة الحق السياسي،والأخلاقي.
وفي هذا السياق يأتي كتاب: «الدين والسياسة من منظور فلسفي»الذي صدر بإشراف المفكر الدكتور محمد المصباحي؛الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط،وضم بين دفتيه دراسات متنوعة لعدد من الباحثين،والمفكرين المتميزين.
فالكتاب يناقش جملة من الإشكاليات المتصلة بالدين،والسياسة من منظور فلسفي،ويسمح بتكوين نظرة شاملة عن جملة من المداخل،والرؤى،والأطروحات الفلسفية التي قاربت العلاقة الشائكة بين الدين،والسياسة كما يخلق تراكماً نوعياً من خلال تركيزه بصورة مباشرة،وواضحة على العلاقة بين الدين،والسياسة انطلاقاً من منظور فلسفي،فهو يثير جملة من المناقشات العلمية،والموضوعية التي تُساهم في تنمية الوعي بالكثير من المسائل،والقضايا المتصلة بجدلية الدين والسياسة.
ووفق ما جاء في تقديم الأستاذ محمد المصباحي للكتاب،فالأسئلة الفلسفية،والسياسية،والدينية الشائكة التي توجّه أبحاث الكتاب متباينة،ومتشعبة في منطلقاتها،ومباحثها،وأغراضها،وما يوحدها هو الرغبة في المعرفة،والمداولة،والحوار،وذلك دون رغبة في الادّعاء باحتكار المعرفة اليقينية،أو افتتان بموت الحقيقة،أو تقاعس عن البحث عنها.
وذكر أن العلاقة بين السلطة الدينية،والسلطة السياسية كانت منذ البداية،وستظل كذلك دائماً علاقة إشكالية،وهذا ما يجعل عدم إمكانية البث في شأنها على نحو قطعي جازم،وخاصة أن هذه العلاقة تكاد تتخذ أشكالاً لا متناهية حسب تطور ثقافة كل مجتمع،واللحظة التاريخية التي يوجد فيها،غير أن الأزمنة المعاصرة عرفت استفحالاً تراجيدياً للطابع الإشكالي لعلاقة الدين بالسياسة،وهذا ما حوّلها إلى أزمة عميقة يعاني من انعكاساتها العالم قاطبة،كما ترهن مصير كتل بشرية،وحضارية برمتها كالعالمين العربي،والإسلامي.وأشار إلى أن عودة الدين بقوة،وبصورة مفاجئة كقوة سياسية،وثقافية مؤثرة في مجرى حياة المجتمعات المعاصرة شرقاً،وغرباً في العقود الأخيرة من القرن العشرين، حتم إعادة النظر في كل الأسئلة القديمة بكيفية جديدة تفتح الباب لنوع من التراضي الإيجابي بين المجالين المتقابلين،الدين،والسياسة، بتوسط الفلسفة حتى لا يحدث انفجار سياسي-ديني كوني هائل، وفي نظره أن أول الأسئلة«التي يتعين العودة إليها في حلة جديدة هو أمن الحكمة استبعاد الديني عن الفضاء العمومي حفاظاً على حرمته ووقاره،وتفرّغه للرعاية الروحية للفرد،أم أن الوفاء لقواعد اللعبة الديمقراطية يقتضي الاعتراف بالديني كشريك،وفاعل سياسي أساس له الحق في أن تُحترم نظرته إلى الكون،وما يترتب عنها من أنماط سلوكية خاصة،ضمن مراعاة للقوانين،والمساطر،والأعراف المتفق عليها من لدن الجميع»(ص:7-8).
وفي ختام تقديمه للكتاب ذكر أن القصد الأصلي من الأبحاث التي يضمها هذا الكتاب هو الوقوف على عيّنة من التأملات،والمناقشات النظرية التي قام بها جملة من الفلاسفة،والمفكرين الغربيين(أمثال موبز،سبينوزا،ميشيل فوكو،ليو شتراوس،كارل شميت،جون رولز،هيجل،وغيرهم)،والمسلمين(ابن خلدون،الغزالي،الفارابي،إخوان الصفا،الماوردي،علي عبد الرزاق،إلخ)،قصد الاستئناس بها للإجابة على جملة من الأسئلة،وهذا لا يعني الدعوة إلى تعليق الحكم بشأن«العلاقة بين الديني والسياسي؛لأننا معنيون أكثر من غيرنا بحل التوتر القائم بينهما تدعيماً للروح الديمقراطية،التي نعتبرها شرطاً قبلياً لإثبات مشروعية الفلسفة نفسها.وموازاة لذلك،نؤمن بأن تدعيم الفلسفة،باعتبارها المجال المشترك الذي يسمح بالتعايش الخلاّق بين الدين والسياسة،هو أحد الشروط التي لا غنى عنها لتربية الحس الديمقراطي لدى المواطنين،وتعبئة عقولهم،وإرادتهم للدفاع عن المكتسبات الديمقراطية التي ستظل هشّة على الدوام،على أن لا يتم استخدام الفلسفة من أي جهة كانت لخدمة مآربها الخاصة،أو لترويضها وتهجينها كيما تصبح قوة عمومية منزوعة من سلاحها النقدي الذي هو سر وجودها»(ص:13).
المبحث الأول من الكتاب كتبه الدكتور أحمد يوسف؛الأستاذ بكلية الآداب،والعلوم الإنسانية بجامعة وهران بالجزائر،وجاء تحت عنوان: «خطاب الدين والسياسة-دراسة سيميائية في الأنساق الرمزية-»،وقد أشار في تمهيده إلى صنفين من الأنظمة السياسية،أنظمة تسمح لخطاب الدين أن يُعبر عن حضوره تعبيراً مباشراً،وبذلك فالرموز تكون ذات خصيصة تقريرية،وذات وظائف تربوية،واجتماعية،وسياسية،وهذا ما يظهر بيناً على مستوى التطابق،وأنظمة أخرى يتلبس موقفها من الدين بعض الغموض،حيث لا تتيح لخطابه التعبير عن أشكاله الرمزية إلا عن طريق الإيحاء،ويبرز الحضور الباهت على مستوى التقاطع.
وذكر الدكتور أحمد يوسف أن الأنظمة السياسية التي أحدثت قطيعة مع الدين«واختارت العلمانية(المتطرفة)،فإنها تلغي المستويين السيميائيين التقريري،والإيحائي على صعيد نظرية التعبير.في حين يحاول الخطاب السياسي أن يضطلع بملء الفجوات التي أحدثها الفكر العلماني في المجتمعات الإسلامية المعاصرة؛وذلك بالسعي إلى تثبيت حالة الهدنة المؤقتة بين سلطتيهما الرمزيتين.وبما أن الدين والسياسة كليهما يمثل نشاط السلوك الإنساني فإنه يعد أرضية خصبة للدراسات السيميائية التي تدرس أنساق العلامات الدالة،وتتقفى آثار المعنى»(ص:16).
وركز في دراسته السيميائية للأنساق الرمزية التي يتضمنها خطاب الدين،والسياسة على البعدين النظري،والعملي المتلازمين،وذكر أن البعد النظري يشتمل على ثلاثة أسيقة هي:المعرفي،والاجتماعي،والثقافي.
كما يتفرع البعد العملي بدوره إلى ثلاثة مستويات أولها مستوى التطابق الذي يتجلى في آليات التناص التي يوظفها الخطاب السياسي،ومستوى التقاطع،بحيث يتقاطع الديني،والسياسي مع مقتضيات الاقتصاد،وضرورات الاجتماع في المجتمعات الاستهلاكية لينتج نسقاً رمزياً يلوّن اللغة،والخطاب.
أما مستوى التناظر فهو يعكس وضعاً غير متطابق بين النسقين الرمزيين لخطاب الدين،والسياسة،ويقع ضمن محورين أفقي،وعمودي،ويخلق حالة من التوترات تؤول بدورها إلى افتقار حياة الأفراد،والمجتمعات إلى ذلك الضرب المنشود من التوازنات في الحياة العامة.
أما الأستاذ الدكتور الزواوي بغوره؛الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الكويت،فقد سعى في بحثه الموسوم ب:«الأنطولوجيا التاريخية والموقف من الإسلام»إلى تجلية موقف الفيلسوف الفرنسي«ميشيل فوكو1926-1984م» من الإسلام بمناسبة الثورة الإيرانية خصوصاً،ومن الدين عموماً،وذلك من خلال تحليل مجموعة من النصوص التي تندرج في إطار هذا الموضوع.
وذكر الدكتور الزواوي بغوره في عرضه لموقف ميشيل فوكو من الإسلام أن قراءة،وتحليل المقالات التي خصها ميشيل فوكو لحدث الثورة الإيرانية تكشف عن جملة من الأفكار المتعلقة بالوضع السياسي في إيران،وعن جملة من المعطيات السياسية،والاقتصادية،والاجتماعية المتعلقة بإيران،وبالأسرة الحاكمة،وبطبيعة حكمها،وبعلاقاتها الخارجية،كما ذكر أن ميشيل فوكو اعترف أنه من الصعب عليه أن يحكم على الحكومة بوصفها فكرة أو مثالاً،ولكنها أثارت إعجابه بوصفها«إرادة سياسية»،وكما قال فقد أعجبته في جهدها من أجل تسييس بنى اجتماعية،ودينية لا تنفصل،وذلك من أجل الإجابة على أسئلة حاضرة،وفتح بعد روحي في السياسة، كما أن الأسئلة التي طرحها ميشيل فوكو تعكس محاولته لفهم تفرد حدث الثورة الإيرانية الذي شكل معضلة سياسية،وتاريخية للمفكرين،والسياسيين،وقد لاحظ الدكتور بغوره أنه على الرغم من طرح ميشيل فوكو لأسئلة متعلقة بطبيعة الحدث،ومستقبله إلا أنه لم يهتم بالبديل الذي تحمله الثورة،واكتفى بوصف الحدث،وقد عبر في إحدى مقالاته عن عجزه عن تصور المستقبل.
وخلص الباحث في ختام ورقته إلى أن التحليل الذي قدمه ميشيل فوكو للإسلام بمناسبة الثورة الإيرانية يعكس بعض الجوانب من فلسفته،ومنها على وجه الخصوص مفهومه للفلسفة بما يتضمنه من تشخيص للحاضر،ومن اهتمام بالمختلف،وبما يتضمنه من نقد،وحرية.
وفي نظر فوكو فمختلف أشكال السلطة متماثلة،بما أن السلطة علاقة تقوم على القوة في وضع استراتيجي معين،وتخضع للتحول في أشكالها،وآلياتها،وتقنياتها،وعلى الرغم من أن عبارة«السياسة الروحية»تحمل مفارقة ظاهرة،إلا أنها تعد في نظر فوكو بمثابة مطلب أخلاقي،وحق سياسي على السلطة أن تضمنه لمواطنيها.
تعرض المفكر الدكتور محمد المصباحي في ورقته إلى موضوع: «التحالف بين الفلسفة والدين بوصفه مخرجاً لأزمة الحداثة السياسية عند ليو شتراوس»،وأشار في البدء إلى أن الرجوع للتراث الفلسفي الكلاسيكي في توافقه مع التراث الديني الوسطوي لفهم أزمة الحداثة،وتقويمها،وعلاجها هو عنوان مشروع ليو شتراوس(1899-1973م)،وذلك في علاقة جدلية تتراوح بين الاستمرار،والتقابل بين الحداثة،وما قبلها،وقد جاء موقفه هذا بمثابة رد فعل مضاد على هيمنة إشكالية«النهايات» على الزمن الحديث،فأمام أزمة الحداثة السياسية لم يجد شتراوس بُداً من الانخراط في سلك منتقديها ولكن ذلك تم بطريقته الخاصة،حيث فاجأ الجميع بالقول إن الحداثة نفسها هي علة أزمة الحداثة،كما أنه كان يعتبر الفلسفة خطراً على السياسة،والدين معاً،وهذا ما حدا به إلى جعل هاجس التقابل بين السياسة واللاهوت(الثيولوجيا)،هو المتحكم في تأويله للمسألة الدينية،وقد اختار منذ البداية خوض معركة إعادة النظر في الفلسفة السياسية في جبهتين:جبهة نقد الحداثة،وجبهة نقد«نقد الحداثة».
وقد كان التضاد بين السياسة،والفلسفة أو بين المدينة والحكمة هو نقطة انطلاق شتراوس في تحليله لأزمة الحداثة السياسية،عبر تاريخ الفلسفة،وقد استخلص شتراوس من شروحه على جمهورية أفلاطون صعوبة إبرام اتفاق بين الفلسفة،والسلطة السياسية لتدبير شؤون المدينة،ذلك أنهما يذهبان في اتجاهين متعارضين على أكثر من مستوى.
وينبه الدكتور المصباحي إلى أن انتقاد ليو شتراوس للحداثة السياسية لا يعني أنه كان ينتصر لعودة الفلاسفة،أو الكهنة لتحمل مسؤولية الحكم السياسي سواءً على المستوى السياسي،أو القضائي،وإنما كان يعني ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المعطى الديني،فرجل الدين ضروري للمجتمع كونه يُنبه إلى بُعده الروحي الغامض،وهذا البعد قد يكون وراء المعنى الذي يكتنزه الإنسان.
وفي الختام أشار الدكتور محمد المصباحي إلى أن مشروع شتراوس السياسي يرمي إلى ربط السياسي بالديني بتوسط الفلسفة،أو بالأحرى توسط تاريخ الفلسفة من خلال جعل الماضي ترياقاً لعلاج أزمة الحاضر،كما ذكر أن «فكرة اتصال الحكمة بالشريعة،وفكرة الكتابة المضطهدة التي تُخفي غموض الإنسان،وهما الفكرتان اللتان استوحاهما شتراوس من الفارابي،وابن رشد عن طريق ابن ميمون، كحل لأزمة الحداثة السياسية تُبرزان أهمية العودة إلى تاريخ الفلسفة لاستلهام مخرج للأزمات التي تعترض إنسان اليوم»(ص:121).
وقد عرض الباحث الدكتور محمد الشيخ من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في ورقته المعنونة ب: «فصل المقال فيما بين الدين واللاهوت من اتصال عند كارل شميث»رؤية كارل شميث لجدلية الدين والسياسة من خلال الأحاديث التي أدلى بها،وذكر أن أحاديث المفكر السياسي،والحقوقي الألماني كارل شميث(1888-1985م) عن أمر«الدين»عديدة حتى أنها تكاد لا تُحصى،ولا تعد،فثمة الكثير من الملاحظات التي أبداها عن الدين،ولاسيما في صلته بالسياسة،وقد تجلت في تضاعيف مصنفاته،ومن بينها دراسته عن«اللاهوت السياسي»،وكتابه عن«مفهوم الشأن السياسي»،الذي يعتبر الكتاب الوحيد الذي خصصه المفكرون السياسيون المحدثون بغاية تناول دلالة«الشأن السياسي»،وٍرأى الباحث أن الصلة بين السياسة والدين تنجلي عند كارل شميث من جانب أن ثمة تماثلات عجب بين المفاهيم الحقوقية السياسية من جهة،و المفاهيم اللاهوتية من جهة أخرى.
و أوضح الباحث مصطفى حنفي في ورقته رؤية جون رولز للمسألة الدينية،حيث عنون بحثه ب: «جون رولز والمسألة الدينية: الحرية والتسامح»،وذكر في المقدمة أن ورقته تشتغل على زاوية محددة من زوايا التفكير الفلسفي السياسي المعاصر في المسألة الدينية،وتحديداً على الجانب الأخلاقي الموصول بمبدإ التسامح في بناء صرح نظرية العدالة السياسية عند جون رولز.
ورأى في بحثه أنه لا جدال في قوة الأطروحة الفلسفية التي تعلن عنها كتابات جون رولز عن العدالة في دائرة الفكر السياسي المعاصر،ويزداد جلاء قوتها عند إدراك «موقعها في سياق مشروع تجديد الفلسفة السياسية الليبرالية،وإعلانها ضرورة الارتفاع إلى مستوى آخر من الفكر والتفكير تأخذ مأخذ الجد أولوية قيمة التسامح في مواجهة مشكلة التعايش السلمي بين الأشخاص ذوي التوجهات الأخلاقية،والدينية المختلفة،ولم يكن هذا الأمر سهلاً،ولا متيسراً،فقد كانت الخطوة الفلسفية الأساس التي خطاها رولز في هذا الاتجاه تعلن عن رغبته في استئناف القول الفلسفي في السياسة من وجهة عملية تروم الجواب على مستوى آخر أغنى،وأعمق عن السؤال الأخلاقي السياسي الذي دشن القول فيه من قبل سلفه أفلاطون»(ص:145-146).
وبخصوص قضية التسامح،والمصلحة المشتركة فقد ذهب الباحث إلى أن جون رولز يُعرف حرية الضمير باعتبارها إقداماً على فعل ما نريد،ولكن بصورة محدودة تحدها المصلحة المشتركة من أجل النظام العام،والأمن،وقد تناول جون رولز موضوع التسامح في سياق نظرية العدالة،ورأى الباحث أن نظر رولز في التسامح واحد في المعنى،وإن تعددت نعوته،وأوصافه،وصياغته الدقيقة لمبادئ العدالة تعتبر من أهم،وأجمل ما خطته الفلسفة السياسية المعاصرة في موضوع النظر السياسي في الدين.
وعالج الباحث عمر بوفتاس من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في دراسته موضوع: «أخلاقيات السياسة»باعتبارها شكلاً من أشكال الأخلاقيات التطبيقية،وسعى إلى تحديد أبرز العلاقات الممكنة بين السياسة،والدين،والأخلاق،كما سلط الضوء على نماذج من الأخلاقيات السياسية،واعتبر أنه إذا كانت«أخلاقيات السياسة»المعاصرة تؤكد على ضرورة تخليق الشأن السياسي مثله مثل باقي شؤون المجتمع الحديث،فإن اهتمامها في هذا الإطار ينحصر في إطار«الأخلاق الجماعية» دون الفردية،فالأخلاق الجماعية ترتبط بقيم تنبع من الطابع الاجتماعي للإنسان،الذي يلزمه التعايش،والمشاركة،والتضامن،والتعاون مع الآخرين.
وذهب الباحث إلى القول إن« أخلاقيات السياسة شأنها شأن باقي فروع الأخلاقيات التطبيقية،لا تلغي الأخلاق المعيارية،بل ترتئي ضرورة الفصل بين مجالين:مجال الشأن الخاص الذي هو مجال الأخلاق الفردية المعيارية التي تستمد من الأديان والفلسفات الأخلاقية الكلاسيكية؛ومجال الشأن العام الذي هو مجال الأخلاق الجماعية التي تنظم شؤون الجماعة السياسية،وشؤون الجماعات المنضوية تحتها،وخاصة منها الجماعات المهنية،والاختصاصية،والعلمية،وهذا هو ميدان(الأخلاقيات التطبيقية)، »(ص:178).
وقارب الأستاذ عبد العلي معزوز في ورقته موضوع:«الدين والدولة عند هيجل»،حيث رأى أن الدولة في فلسفة هيجل السياسية هي العقلاني في ذاته،ولذاته،وهي التجسيد الفعلي للروح الموضوعي،وفي نظر هيجل أنه لا يمكن تصور غاية للدولة غير الحرية،ولا تجد فكرة الدولة ما يبررها إلا في تحقيق الحرية الملموسة،الحرية المتعيَّنة في الواقع،أما الدين حسب هيجل فهو وعي الروح المطلق بذاته،وبالنسبة للعلاقة بين الدين والدولة ذكر الباحث أن ما يستنبط من تعريفات هيجل فالدين يهم الداخل،أو يهم الحياة الداخلية،أي الشعور الديني في مرحلة أولى،والوعي الديني في مرحلة متطورة،بينما الدولة تهم الخارج أي التنظيم الخارجي التشريعي،والقانوني،والمؤسسي.
وناقش الأستاذ عز العرب لحكيم بناني من كلية الآداب بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس قضية«الخلافة والملك»، وعرض موقف ابن خلدون،وموقف علي عبد الرزاق،كما أوضح تصور سبينوزا للدين،والسياسة.
وتطرق الدكتور عبد الحق منصف لموضوع:«الدين والمجتمع والسلطان السياسي في الفكر الإسلامي»،وتوصل بعد مناقشته المستفيضة لهذه القضية ،وقراءته لمجموعة من النصوص التي أدلي بها في الموضوع إلى مجموعة من الخلاصات العامة من أبرزها أن الجسد،وحاجاته شكلا قاعدة للنظرية الاجتماعية على مستوى التمثل،و«أنه على الرغم من ارتباط الدين بالدولة في تاريخ المجتمعات الإسلامية،وعلى الرغم من كونه أصبح إحدى المؤسسات التي تحتكرها الدولة،فقد ظل أحد مكونات استمرار الحياة الاجتماعية،ولم يكن الدين في الأصل،أي من حيث كونه وازعاً أخلاقياً داخليا،أداة تخريب،وترهيب،وتدمير للمؤسسات،والساحات العمومية والأفراد؛إنه يمس العلاقة الحميمية بين الفرد وربه»(ص:248).
ورأى الباحث عبد الرزاق الدواي في دراسته الموسومة ب:«في التسامح والحقّ في التنوع الثقافي»أن ما يمكن أن يمنح عملية المثاقفة الواعية حظوظاً كبيرة للنجاح هو إعمال مبدإ التسامح،وتفعيله باعتباره قيمة أخلاقية،وقانونية عالمية،قوامها احترام المبادئ الأساس لحقوق الإنسان،والإقرار بالحريات الأساس للآخرين،وبحقوق الاختلاف،والتنوع الثقافي،وذلك من شأنه أن يُسهم فعلياً في تهيئة أجواء معنوية،وفكرية ملائمة تشجع على قبول مُراجعة الآراء،والمواقف القبلّْية المتخذة إزاء الآخرين،وثقافتهم،إضافة إلى أنها تحث على ممارسة النقد،والنقد الذاتي،وذلك سعياً إلى تحسين المعرفة بثقافة الطرف الآخر بقدر الإمكان.
وفي القسم الفرنسي ناقش الباحث جوزيف معلوف:«مسألة الحقيقة في الأديان»من خلال وقوفه مع مجموعة من القضايا الرئيسة التي تتصل بمسألة الحقيقة،وتجلياتها في مختلف الأديان.
عنوان الكتاب:الدين والسياسة من منظور فلسفي.
تحت إشرف:محمد المصباحي.
اشترك في تأليفه مجموعة من الباحثين.
مكان النشر وتاريخه:منشورات عكاظ،الدر البيضاء،المملكة المغربية،2011م.
عدد الصفحات: 271 صفحة.
كلية الآداب،جامعة عنابة الجزائر
تكتسي العلاقة بين الدين والسياسة أهمية بالغة في زمننا الراهن،وهذا ما جعلها تحظى بعناية فائقة من لدن العديد من المفكرين،والباحثين المعاصرين،فقد أثارت إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة الكثير من الجدل،والنقاش،حيث كتبت دراسات عدة في هذا المجال،غير أن هناك زاوية لم تلق العناية الكافية،إذ نلاحظ وجود ثغرة في معالجة هذه العلاقة الجدلية من جانب فلسفة الحق السياسي،والأخلاقي.
وفي هذا السياق يأتي كتاب: «الدين والسياسة من منظور فلسفي»الذي صدر بإشراف المفكر الدكتور محمد المصباحي؛الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط،وضم بين دفتيه دراسات متنوعة لعدد من الباحثين،والمفكرين المتميزين.
فالكتاب يناقش جملة من الإشكاليات المتصلة بالدين،والسياسة من منظور فلسفي،ويسمح بتكوين نظرة شاملة عن جملة من المداخل،والرؤى،والأطروحات الفلسفية التي قاربت العلاقة الشائكة بين الدين،والسياسة كما يخلق تراكماً نوعياً من خلال تركيزه بصورة مباشرة،وواضحة على العلاقة بين الدين،والسياسة انطلاقاً من منظور فلسفي،فهو يثير جملة من المناقشات العلمية،والموضوعية التي تُساهم في تنمية الوعي بالكثير من المسائل،والقضايا المتصلة بجدلية الدين والسياسة.
ووفق ما جاء في تقديم الأستاذ محمد المصباحي للكتاب،فالأسئلة الفلسفية،والسياسية،والدينية الشائكة التي توجّه أبحاث الكتاب متباينة،ومتشعبة في منطلقاتها،ومباحثها،وأغراضها،وما يوحدها هو الرغبة في المعرفة،والمداولة،والحوار،وذلك دون رغبة في الادّعاء باحتكار المعرفة اليقينية،أو افتتان بموت الحقيقة،أو تقاعس عن البحث عنها.
وذكر أن العلاقة بين السلطة الدينية،والسلطة السياسية كانت منذ البداية،وستظل كذلك دائماً علاقة إشكالية،وهذا ما يجعل عدم إمكانية البث في شأنها على نحو قطعي جازم،وخاصة أن هذه العلاقة تكاد تتخذ أشكالاً لا متناهية حسب تطور ثقافة كل مجتمع،واللحظة التاريخية التي يوجد فيها،غير أن الأزمنة المعاصرة عرفت استفحالاً تراجيدياً للطابع الإشكالي لعلاقة الدين بالسياسة،وهذا ما حوّلها إلى أزمة عميقة يعاني من انعكاساتها العالم قاطبة،كما ترهن مصير كتل بشرية،وحضارية برمتها كالعالمين العربي،والإسلامي.وأشار إلى أن عودة الدين بقوة،وبصورة مفاجئة كقوة سياسية،وثقافية مؤثرة في مجرى حياة المجتمعات المعاصرة شرقاً،وغرباً في العقود الأخيرة من القرن العشرين، حتم إعادة النظر في كل الأسئلة القديمة بكيفية جديدة تفتح الباب لنوع من التراضي الإيجابي بين المجالين المتقابلين،الدين،والسياسة، بتوسط الفلسفة حتى لا يحدث انفجار سياسي-ديني كوني هائل، وفي نظره أن أول الأسئلة«التي يتعين العودة إليها في حلة جديدة هو أمن الحكمة استبعاد الديني عن الفضاء العمومي حفاظاً على حرمته ووقاره،وتفرّغه للرعاية الروحية للفرد،أم أن الوفاء لقواعد اللعبة الديمقراطية يقتضي الاعتراف بالديني كشريك،وفاعل سياسي أساس له الحق في أن تُحترم نظرته إلى الكون،وما يترتب عنها من أنماط سلوكية خاصة،ضمن مراعاة للقوانين،والمساطر،والأعراف المتفق عليها من لدن الجميع»(ص:7-8).
وفي ختام تقديمه للكتاب ذكر أن القصد الأصلي من الأبحاث التي يضمها هذا الكتاب هو الوقوف على عيّنة من التأملات،والمناقشات النظرية التي قام بها جملة من الفلاسفة،والمفكرين الغربيين(أمثال موبز،سبينوزا،ميشيل فوكو،ليو شتراوس،كارل شميت،جون رولز،هيجل،وغيرهم)،والمسلمين(ابن خلدون،الغزالي،الفارابي،إخوان الصفا،الماوردي،علي عبد الرزاق،إلخ)،قصد الاستئناس بها للإجابة على جملة من الأسئلة،وهذا لا يعني الدعوة إلى تعليق الحكم بشأن«العلاقة بين الديني والسياسي؛لأننا معنيون أكثر من غيرنا بحل التوتر القائم بينهما تدعيماً للروح الديمقراطية،التي نعتبرها شرطاً قبلياً لإثبات مشروعية الفلسفة نفسها.وموازاة لذلك،نؤمن بأن تدعيم الفلسفة،باعتبارها المجال المشترك الذي يسمح بالتعايش الخلاّق بين الدين والسياسة،هو أحد الشروط التي لا غنى عنها لتربية الحس الديمقراطي لدى المواطنين،وتعبئة عقولهم،وإرادتهم للدفاع عن المكتسبات الديمقراطية التي ستظل هشّة على الدوام،على أن لا يتم استخدام الفلسفة من أي جهة كانت لخدمة مآربها الخاصة،أو لترويضها وتهجينها كيما تصبح قوة عمومية منزوعة من سلاحها النقدي الذي هو سر وجودها»(ص:13).
المبحث الأول من الكتاب كتبه الدكتور أحمد يوسف؛الأستاذ بكلية الآداب،والعلوم الإنسانية بجامعة وهران بالجزائر،وجاء تحت عنوان: «خطاب الدين والسياسة-دراسة سيميائية في الأنساق الرمزية-»،وقد أشار في تمهيده إلى صنفين من الأنظمة السياسية،أنظمة تسمح لخطاب الدين أن يُعبر عن حضوره تعبيراً مباشراً،وبذلك فالرموز تكون ذات خصيصة تقريرية،وذات وظائف تربوية،واجتماعية،وسياسية،وهذا ما يظهر بيناً على مستوى التطابق،وأنظمة أخرى يتلبس موقفها من الدين بعض الغموض،حيث لا تتيح لخطابه التعبير عن أشكاله الرمزية إلا عن طريق الإيحاء،ويبرز الحضور الباهت على مستوى التقاطع.
وذكر الدكتور أحمد يوسف أن الأنظمة السياسية التي أحدثت قطيعة مع الدين«واختارت العلمانية(المتطرفة)،فإنها تلغي المستويين السيميائيين التقريري،والإيحائي على صعيد نظرية التعبير.في حين يحاول الخطاب السياسي أن يضطلع بملء الفجوات التي أحدثها الفكر العلماني في المجتمعات الإسلامية المعاصرة؛وذلك بالسعي إلى تثبيت حالة الهدنة المؤقتة بين سلطتيهما الرمزيتين.وبما أن الدين والسياسة كليهما يمثل نشاط السلوك الإنساني فإنه يعد أرضية خصبة للدراسات السيميائية التي تدرس أنساق العلامات الدالة،وتتقفى آثار المعنى»(ص:16).
وركز في دراسته السيميائية للأنساق الرمزية التي يتضمنها خطاب الدين،والسياسة على البعدين النظري،والعملي المتلازمين،وذكر أن البعد النظري يشتمل على ثلاثة أسيقة هي:المعرفي،والاجتماعي،والثقافي.
كما يتفرع البعد العملي بدوره إلى ثلاثة مستويات أولها مستوى التطابق الذي يتجلى في آليات التناص التي يوظفها الخطاب السياسي،ومستوى التقاطع،بحيث يتقاطع الديني،والسياسي مع مقتضيات الاقتصاد،وضرورات الاجتماع في المجتمعات الاستهلاكية لينتج نسقاً رمزياً يلوّن اللغة،والخطاب.
أما مستوى التناظر فهو يعكس وضعاً غير متطابق بين النسقين الرمزيين لخطاب الدين،والسياسة،ويقع ضمن محورين أفقي،وعمودي،ويخلق حالة من التوترات تؤول بدورها إلى افتقار حياة الأفراد،والمجتمعات إلى ذلك الضرب المنشود من التوازنات في الحياة العامة.
أما الأستاذ الدكتور الزواوي بغوره؛الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الكويت،فقد سعى في بحثه الموسوم ب:«الأنطولوجيا التاريخية والموقف من الإسلام»إلى تجلية موقف الفيلسوف الفرنسي«ميشيل فوكو1926-1984م» من الإسلام بمناسبة الثورة الإيرانية خصوصاً،ومن الدين عموماً،وذلك من خلال تحليل مجموعة من النصوص التي تندرج في إطار هذا الموضوع.
وذكر الدكتور الزواوي بغوره في عرضه لموقف ميشيل فوكو من الإسلام أن قراءة،وتحليل المقالات التي خصها ميشيل فوكو لحدث الثورة الإيرانية تكشف عن جملة من الأفكار المتعلقة بالوضع السياسي في إيران،وعن جملة من المعطيات السياسية،والاقتصادية،والاجتماعية المتعلقة بإيران،وبالأسرة الحاكمة،وبطبيعة حكمها،وبعلاقاتها الخارجية،كما ذكر أن ميشيل فوكو اعترف أنه من الصعب عليه أن يحكم على الحكومة بوصفها فكرة أو مثالاً،ولكنها أثارت إعجابه بوصفها«إرادة سياسية»،وكما قال فقد أعجبته في جهدها من أجل تسييس بنى اجتماعية،ودينية لا تنفصل،وذلك من أجل الإجابة على أسئلة حاضرة،وفتح بعد روحي في السياسة، كما أن الأسئلة التي طرحها ميشيل فوكو تعكس محاولته لفهم تفرد حدث الثورة الإيرانية الذي شكل معضلة سياسية،وتاريخية للمفكرين،والسياسيين،وقد لاحظ الدكتور بغوره أنه على الرغم من طرح ميشيل فوكو لأسئلة متعلقة بطبيعة الحدث،ومستقبله إلا أنه لم يهتم بالبديل الذي تحمله الثورة،واكتفى بوصف الحدث،وقد عبر في إحدى مقالاته عن عجزه عن تصور المستقبل.
وخلص الباحث في ختام ورقته إلى أن التحليل الذي قدمه ميشيل فوكو للإسلام بمناسبة الثورة الإيرانية يعكس بعض الجوانب من فلسفته،ومنها على وجه الخصوص مفهومه للفلسفة بما يتضمنه من تشخيص للحاضر،ومن اهتمام بالمختلف،وبما يتضمنه من نقد،وحرية.
وفي نظر فوكو فمختلف أشكال السلطة متماثلة،بما أن السلطة علاقة تقوم على القوة في وضع استراتيجي معين،وتخضع للتحول في أشكالها،وآلياتها،وتقنياتها،وعلى الرغم من أن عبارة«السياسة الروحية»تحمل مفارقة ظاهرة،إلا أنها تعد في نظر فوكو بمثابة مطلب أخلاقي،وحق سياسي على السلطة أن تضمنه لمواطنيها.
تعرض المفكر الدكتور محمد المصباحي في ورقته إلى موضوع: «التحالف بين الفلسفة والدين بوصفه مخرجاً لأزمة الحداثة السياسية عند ليو شتراوس»،وأشار في البدء إلى أن الرجوع للتراث الفلسفي الكلاسيكي في توافقه مع التراث الديني الوسطوي لفهم أزمة الحداثة،وتقويمها،وعلاجها هو عنوان مشروع ليو شتراوس(1899-1973م)،وذلك في علاقة جدلية تتراوح بين الاستمرار،والتقابل بين الحداثة،وما قبلها،وقد جاء موقفه هذا بمثابة رد فعل مضاد على هيمنة إشكالية«النهايات» على الزمن الحديث،فأمام أزمة الحداثة السياسية لم يجد شتراوس بُداً من الانخراط في سلك منتقديها ولكن ذلك تم بطريقته الخاصة،حيث فاجأ الجميع بالقول إن الحداثة نفسها هي علة أزمة الحداثة،كما أنه كان يعتبر الفلسفة خطراً على السياسة،والدين معاً،وهذا ما حدا به إلى جعل هاجس التقابل بين السياسة واللاهوت(الثيولوجيا)،هو المتحكم في تأويله للمسألة الدينية،وقد اختار منذ البداية خوض معركة إعادة النظر في الفلسفة السياسية في جبهتين:جبهة نقد الحداثة،وجبهة نقد«نقد الحداثة».
وقد كان التضاد بين السياسة،والفلسفة أو بين المدينة والحكمة هو نقطة انطلاق شتراوس في تحليله لأزمة الحداثة السياسية،عبر تاريخ الفلسفة،وقد استخلص شتراوس من شروحه على جمهورية أفلاطون صعوبة إبرام اتفاق بين الفلسفة،والسلطة السياسية لتدبير شؤون المدينة،ذلك أنهما يذهبان في اتجاهين متعارضين على أكثر من مستوى.
وينبه الدكتور المصباحي إلى أن انتقاد ليو شتراوس للحداثة السياسية لا يعني أنه كان ينتصر لعودة الفلاسفة،أو الكهنة لتحمل مسؤولية الحكم السياسي سواءً على المستوى السياسي،أو القضائي،وإنما كان يعني ضرورة الأخذ بعين الاعتبار المعطى الديني،فرجل الدين ضروري للمجتمع كونه يُنبه إلى بُعده الروحي الغامض،وهذا البعد قد يكون وراء المعنى الذي يكتنزه الإنسان.
وفي الختام أشار الدكتور محمد المصباحي إلى أن مشروع شتراوس السياسي يرمي إلى ربط السياسي بالديني بتوسط الفلسفة،أو بالأحرى توسط تاريخ الفلسفة من خلال جعل الماضي ترياقاً لعلاج أزمة الحاضر،كما ذكر أن «فكرة اتصال الحكمة بالشريعة،وفكرة الكتابة المضطهدة التي تُخفي غموض الإنسان،وهما الفكرتان اللتان استوحاهما شتراوس من الفارابي،وابن رشد عن طريق ابن ميمون، كحل لأزمة الحداثة السياسية تُبرزان أهمية العودة إلى تاريخ الفلسفة لاستلهام مخرج للأزمات التي تعترض إنسان اليوم»(ص:121).
وقد عرض الباحث الدكتور محمد الشيخ من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في ورقته المعنونة ب: «فصل المقال فيما بين الدين واللاهوت من اتصال عند كارل شميث»رؤية كارل شميث لجدلية الدين والسياسة من خلال الأحاديث التي أدلى بها،وذكر أن أحاديث المفكر السياسي،والحقوقي الألماني كارل شميث(1888-1985م) عن أمر«الدين»عديدة حتى أنها تكاد لا تُحصى،ولا تعد،فثمة الكثير من الملاحظات التي أبداها عن الدين،ولاسيما في صلته بالسياسة،وقد تجلت في تضاعيف مصنفاته،ومن بينها دراسته عن«اللاهوت السياسي»،وكتابه عن«مفهوم الشأن السياسي»،الذي يعتبر الكتاب الوحيد الذي خصصه المفكرون السياسيون المحدثون بغاية تناول دلالة«الشأن السياسي»،وٍرأى الباحث أن الصلة بين السياسة والدين تنجلي عند كارل شميث من جانب أن ثمة تماثلات عجب بين المفاهيم الحقوقية السياسية من جهة،و المفاهيم اللاهوتية من جهة أخرى.
و أوضح الباحث مصطفى حنفي في ورقته رؤية جون رولز للمسألة الدينية،حيث عنون بحثه ب: «جون رولز والمسألة الدينية: الحرية والتسامح»،وذكر في المقدمة أن ورقته تشتغل على زاوية محددة من زوايا التفكير الفلسفي السياسي المعاصر في المسألة الدينية،وتحديداً على الجانب الأخلاقي الموصول بمبدإ التسامح في بناء صرح نظرية العدالة السياسية عند جون رولز.
ورأى في بحثه أنه لا جدال في قوة الأطروحة الفلسفية التي تعلن عنها كتابات جون رولز عن العدالة في دائرة الفكر السياسي المعاصر،ويزداد جلاء قوتها عند إدراك «موقعها في سياق مشروع تجديد الفلسفة السياسية الليبرالية،وإعلانها ضرورة الارتفاع إلى مستوى آخر من الفكر والتفكير تأخذ مأخذ الجد أولوية قيمة التسامح في مواجهة مشكلة التعايش السلمي بين الأشخاص ذوي التوجهات الأخلاقية،والدينية المختلفة،ولم يكن هذا الأمر سهلاً،ولا متيسراً،فقد كانت الخطوة الفلسفية الأساس التي خطاها رولز في هذا الاتجاه تعلن عن رغبته في استئناف القول الفلسفي في السياسة من وجهة عملية تروم الجواب على مستوى آخر أغنى،وأعمق عن السؤال الأخلاقي السياسي الذي دشن القول فيه من قبل سلفه أفلاطون»(ص:145-146).
وبخصوص قضية التسامح،والمصلحة المشتركة فقد ذهب الباحث إلى أن جون رولز يُعرف حرية الضمير باعتبارها إقداماً على فعل ما نريد،ولكن بصورة محدودة تحدها المصلحة المشتركة من أجل النظام العام،والأمن،وقد تناول جون رولز موضوع التسامح في سياق نظرية العدالة،ورأى الباحث أن نظر رولز في التسامح واحد في المعنى،وإن تعددت نعوته،وأوصافه،وصياغته الدقيقة لمبادئ العدالة تعتبر من أهم،وأجمل ما خطته الفلسفة السياسية المعاصرة في موضوع النظر السياسي في الدين.
وعالج الباحث عمر بوفتاس من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء في دراسته موضوع: «أخلاقيات السياسة»باعتبارها شكلاً من أشكال الأخلاقيات التطبيقية،وسعى إلى تحديد أبرز العلاقات الممكنة بين السياسة،والدين،والأخلاق،كما سلط الضوء على نماذج من الأخلاقيات السياسية،واعتبر أنه إذا كانت«أخلاقيات السياسة»المعاصرة تؤكد على ضرورة تخليق الشأن السياسي مثله مثل باقي شؤون المجتمع الحديث،فإن اهتمامها في هذا الإطار ينحصر في إطار«الأخلاق الجماعية» دون الفردية،فالأخلاق الجماعية ترتبط بقيم تنبع من الطابع الاجتماعي للإنسان،الذي يلزمه التعايش،والمشاركة،والتضامن،والتعاون مع الآخرين.
وذهب الباحث إلى القول إن« أخلاقيات السياسة شأنها شأن باقي فروع الأخلاقيات التطبيقية،لا تلغي الأخلاق المعيارية،بل ترتئي ضرورة الفصل بين مجالين:مجال الشأن الخاص الذي هو مجال الأخلاق الفردية المعيارية التي تستمد من الأديان والفلسفات الأخلاقية الكلاسيكية؛ومجال الشأن العام الذي هو مجال الأخلاق الجماعية التي تنظم شؤون الجماعة السياسية،وشؤون الجماعات المنضوية تحتها،وخاصة منها الجماعات المهنية،والاختصاصية،والعلمية،وهذا هو ميدان(الأخلاقيات التطبيقية)، »(ص:178).
وقارب الأستاذ عبد العلي معزوز في ورقته موضوع:«الدين والدولة عند هيجل»،حيث رأى أن الدولة في فلسفة هيجل السياسية هي العقلاني في ذاته،ولذاته،وهي التجسيد الفعلي للروح الموضوعي،وفي نظر هيجل أنه لا يمكن تصور غاية للدولة غير الحرية،ولا تجد فكرة الدولة ما يبررها إلا في تحقيق الحرية الملموسة،الحرية المتعيَّنة في الواقع،أما الدين حسب هيجل فهو وعي الروح المطلق بذاته،وبالنسبة للعلاقة بين الدين والدولة ذكر الباحث أن ما يستنبط من تعريفات هيجل فالدين يهم الداخل،أو يهم الحياة الداخلية،أي الشعور الديني في مرحلة أولى،والوعي الديني في مرحلة متطورة،بينما الدولة تهم الخارج أي التنظيم الخارجي التشريعي،والقانوني،والمؤسسي.
وناقش الأستاذ عز العرب لحكيم بناني من كلية الآداب بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس قضية«الخلافة والملك»، وعرض موقف ابن خلدون،وموقف علي عبد الرزاق،كما أوضح تصور سبينوزا للدين،والسياسة.
وتطرق الدكتور عبد الحق منصف لموضوع:«الدين والمجتمع والسلطان السياسي في الفكر الإسلامي»،وتوصل بعد مناقشته المستفيضة لهذه القضية ،وقراءته لمجموعة من النصوص التي أدلي بها في الموضوع إلى مجموعة من الخلاصات العامة من أبرزها أن الجسد،وحاجاته شكلا قاعدة للنظرية الاجتماعية على مستوى التمثل،و«أنه على الرغم من ارتباط الدين بالدولة في تاريخ المجتمعات الإسلامية،وعلى الرغم من كونه أصبح إحدى المؤسسات التي تحتكرها الدولة،فقد ظل أحد مكونات استمرار الحياة الاجتماعية،ولم يكن الدين في الأصل،أي من حيث كونه وازعاً أخلاقياً داخليا،أداة تخريب،وترهيب،وتدمير للمؤسسات،والساحات العمومية والأفراد؛إنه يمس العلاقة الحميمية بين الفرد وربه»(ص:248).
ورأى الباحث عبد الرزاق الدواي في دراسته الموسومة ب:«في التسامح والحقّ في التنوع الثقافي»أن ما يمكن أن يمنح عملية المثاقفة الواعية حظوظاً كبيرة للنجاح هو إعمال مبدإ التسامح،وتفعيله باعتباره قيمة أخلاقية،وقانونية عالمية،قوامها احترام المبادئ الأساس لحقوق الإنسان،والإقرار بالحريات الأساس للآخرين،وبحقوق الاختلاف،والتنوع الثقافي،وذلك من شأنه أن يُسهم فعلياً في تهيئة أجواء معنوية،وفكرية ملائمة تشجع على قبول مُراجعة الآراء،والمواقف القبلّْية المتخذة إزاء الآخرين،وثقافتهم،إضافة إلى أنها تحث على ممارسة النقد،والنقد الذاتي،وذلك سعياً إلى تحسين المعرفة بثقافة الطرف الآخر بقدر الإمكان.
وفي القسم الفرنسي ناقش الباحث جوزيف معلوف:«مسألة الحقيقة في الأديان»من خلال وقوفه مع مجموعة من القضايا الرئيسة التي تتصل بمسألة الحقيقة،وتجلياتها في مختلف الأديان.
عنوان الكتاب:الدين والسياسة من منظور فلسفي.
تحت إشرف:محمد المصباحي.
اشترك في تأليفه مجموعة من الباحثين.
مكان النشر وتاريخه:منشورات عكاظ،الدر البيضاء،المملكة المغربية،2011م.
عدد الصفحات: 271 صفحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق