الإصلاح
كورقة عمل
بقلم: رولا حسينات
عندما تريد
أن تبدأ حربا عليك أن تحدد عناصر النجاح لخوض هذه الحرب، واحتسابها انتصارا، ونجاح
هذه العناصر مرتبط بقدرتك على إنجازها وفق ما خططت...
هذه العقلية هي في واقع الأمر ضمن أي منظومة
كانت سواء اقتصادية أم سياسية أم اجتماعية، لأنها جميعا تشترك بوجود الهدف الذي تقوم
من أجله باستخدام الاستراتيجيات وتحديد السياسات اللازمة لتحقيقه، وعندما يكون
الخطر واحدا فإنها جميعا تشترك في الهدف العام؛ وهو الأمن القومي ويكون التركيز
على سيناريوهات الإصلاح المحتملة...
بهذه الأيدلوجية نبحث في
عملية الإصلاح في عالمنا العربي، لأنها أشبه بعملية القلب المفتوح والتي يجب أن تكون
على درجة عالية من الدقة والعناية المتفوقة ضمن خط زمني محدد لا يمكن تجاوزه ناهيك
عن متابعتها لضمان نجاحها ...
الواقع العربي وما يشهده من
عمليات انقسام وتفتت بالمنظومة السياسية، والذي انسحب على جميع المنظومات الأخرى
التي شكلت البنية المجتمعية...وما فرضته من
فكر أحادي على مجتمعاتها حيث لم يتجاوز المنظور السياسي خطر التطهير العرقي أو
الحرب الطائفية...
وفي أي دولة في العالم يعتبر
مفهوم التعددية مفهوما أصيلا في بنيتها الديمغرافية، والذي يدرج أشكالا عديدة
للتعددية، فقد تتجاوز التعددية الدينية إلى التعددية السياسية والأيدلوجية
والثقافية وذلك تبعا لاختلاف البعد الحضاري والتاريخي والثقافي لكل منها...وهذا بدوره
يفرز نمطا معينا مميزا للتكوين المجتمعي، بخليط إيجابي تحكمه عقيدة الوحدة...ومن
أهم مقوماته العدالة وتكافؤ الفرص والحرية والتساوي في الحقوق والواجبات، التي
تضمنها الدولة وفق دستورها، ولا يجب استثناء أحد وفق أهواء أو تعصب ...
السؤال الذي يطرحه العقلاء
ممن يقرؤون المشهد في العراق على سبيل المثال: كيف نستطيع إعادة الأمور إلى نصابها
وأن نصل إلى صيغة تفاهم عقلانية تحكم المشهد الدموي هناك بعيدا عن مشجب داعش التي
آن لها أن تنتهي ....؟
إن ما علينا التعامل مع حقيقته هو أن أصعب أنواع
الإصلاح هو الإصلاح الذي يحتاج إلى مواجهة...ولكنه بنفس الوقت من أكثرها نجاحا إن
تحقق...
عند
الحديث عن العراق فإننا أمام موروث إنساني وحضاري وثقافي منذ بدء التاريخ الإنساني
الذي قام على أرضه، ويمكن اعتباره مهد الحضارات القديمة....
فأول منابع نشأة الإنسانية كان
في حضارة ما بين النهرين...فكانت حضارة سومر وآكاد وآشور وبابل والسلوقية والميدية والمناذرة والساسانية والإمبراطورية
الرومانية والبارثية والدولة الإسلامية وغيرها....
هذا التنوع الحضاري أفرز تنوعا آخر... قائما على أساس التعايش
القائم على التسامح واحترام الآخر، ناهيك
عن احترام التعددية بكافة أشكالها لتنصهر جميع فئات المجتمع مهما كانت نسبتها في
البنية التنموية... ومن الطبيعي جداً أن يكون
هناك تعدد في المذاهب، ومن ثم في الآراء والأفكار والتصورات، ولكن الشيء غير
المنطقي هو أن يدّعي أحد أن له وحده حق فهم مذهبه، ومصادرة هذا الحق من الآخرين،
وأن له حق تفسير النصوص حسب فهمه، وليس للآخرين إلا أن يكونوا نسخاً مكررة عنه، واتهام
مخالفيه بالخروج من دائرة الدين.
كما
أن مصطلح التعددية السياسية يعني: الإقرار بوجود تنوع في مجتمع ما، بفعل وجود عدة
دوائر انتماء فيه، ضمن هويته الواحدة ومن هنا يتطور المفهوم إلى تطبيق عملي في
احترام هذا التنوع وقبول
ما
يترتب عليه من خلاف أو اختلاف في العقائد والألسنة والمصالح وأنماط الحياة
والاهتمامات، ومن ثم الأولويات، وإيجاد صيغ ملائمة للتعبير عن ذلك كله بحرية تحترم
المجتمعات...
إنّ إصلاح الأحوال والعلاقات مع
الآخرين يحتاج إلى وقفة لمصارحة النفس ومعالجة حالات الإنسان وتقلبات نفسه، وإذا
تم هذا التعايش على أحسن حال، استطاع الإنسان أن يتوجه إلى البناء المادي و
والمعنوي.
ومن ثم التعايش الذي تنصهر فيه التعددية المجتمعية في
إطار المصلحة العامة، في البناء والتنمية بتعدد أشكالها كالتنمية
الاقتصادية والعلمية ...
وكما أن المطالبة بالانفصال
حق شرعي؛ لما يتضمنه من مطالبة شرعية بتحقيق مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص بين أفراده،
اللذين تجمع بينهم لغة وعادات وتقاليد وثقافة وحضارة ونمط فكري واحد ضمن حيز
جغرافي واحد كما هو إقليم وكردستان شمالي العراق ...فعلينا أن نعي أيضا أن مفهوم الوحدة الجغرافية للوطن الواحد هو حق
أصيل وشرعي لا يمكن المساومة...
وعليه فعلى الأنظمة المتتابعة أن تدرك أن
السياسة الداخلية يجب أن تكون على قدر عال من الوعي والفهم لمفهوم التعددية، والاحتواء
بعيدا عن النزاعات الفردية أو الخلافات الشخصية... وبعيدا عن تصفية الحسابات أو أي
ميول سياسية أو مذهبية وبعيدا عن العقلية المتعصبة...
إن بنية هذه الورقة
تقوم على دعم قيام حكومة توافقية ودعم دولة المؤسسات لا دولة الأفراد... فالعملية الإصلاحية
تبدأ من أعلى إلى أسفل في هذه الحالة، وليس من القاعدة...
إن ما تعنيه كلمة إصلاح
من معنى لا يمكنها الوقوف عند خطأ سابق في التركيز على التنمية والتقدم الفئوي في
ظل سياسة التهميش للكثير من الفئات المجتمعية من مبدأ التسلط والتفرد في القرار...
فقيام حكومة توافقية
تعني وجود ممثلين عن جميع فئات المجتمع في النسيج المجتمعي الواحد بأغلبيتها
وأقليتها...وفق توزيعها الديمغرافي الطبيعي ويعتمد على نسبة تمثيل عادلة دون
استثناء...يرأسها الأصلح أي كان ومن أي نسبة كانت...بعيدا عن المفاهيم العرقية أو
الدينية أو الأيدلوجية أو السياسية... مع التأكيد على أن ينطلق البيان التوافقي من
الشعب.
ويعتبر الحوار والتسامح وقبول الآخر من أهم أسس التعددية وخادما
لمنطق الديمقراطية...وهذا
يعني أنه ليس بالضرورة أن يكون دين الشخص الواحد هو مصدر
الحقيقية المطلقة، وبالتالي افتراض وجود بعض الحقيقة في جميع الأديان الأخرى
على سبيل المثال وهذا يندرج على الفكر
أو الثقافة وغيرها...
إن
قدرة أي تنظيم إرهابي على التجنيد يعتمد على خلخلة الصف وهشاشة النسيج
المجتمعي...والعجز الحكومي عن الاستحواذ على الرضا الشعبي من حيث الشفافية
والعدالة.
ما تستند إليه التنظيمات الإرهابية في عملها
هو استغلال الوضع الداخلي وبخاصة التركيبة الاجتماعية وما يعانيه أفرادها من الضعف
الاقتصادي والتهميش والفراغ، وبخاصة الشباب إن حقيقة ما يقوم به التنظيم الإرهابي،
هو تجنيد الشباب الذين يتمتعون بقوة جسدية لا يمكن تقديرها، و ملئه بالأفكار المسمومة
التي هي في الواقع نابعة من مفهوم الرغبة والحاجة بعيدا عن مفهوم الدين والأصولية
والتكفير، والتي تضمن تحقيقه ببساطة دون تعقيدات، لأن الشباب بحاجة إلى دور بطولي لا
يرتبط بالتزام روحاني بالضرورة، وهذا أساس الحرب الفكرية، أي أن الفراغ الفكري
الذي يعيشه الجيل والذي ساهم المشرع بتفعيله بقصم الرادع الأخلاقي والقيمي المتوافر
بالدين، ومال إلى اتخاذ نمط الحياة الأسهل الذي يعنى بالإطار المادي دون التزام
عقائدي؛ حيث أن الغاية تبرر الوسيلة...
هذا
ما يقوم عليه في الواقع الإرهاب وهذا ما يجب أن نملؤه إن أردنا أن نبدأ حربا عكسية
وإصلاحا جذريا... فالشباب بحاجة إلى عقيدة
والعقيدة الأكثر نجاحا هي العقيدة الدينية التي تعني مفهوم التنمية الفكرية والوعي
الذي يقود إلى الالتزام بعيدا عن التطرف والغلو وهذا يعني تجديد دور الدعاة وأئمة
المساجد وأساتذة الشريعة، وتوحيد الصف مع أجهزة الدولة لأن الطاعون لا يفرق بين
معارض وغيره...
المضمون الذي يجب أن تتضمنه رسالتهم هو إعادة
بناء الفرد وبناء الأسرة وله الصلاحية الكاملة في إصلاح الفرد وتوجيهه بعيدا عن
الشعارات الرنانة، والوقوف على ما يعانيه الشباب من حرمانه من فرص الزواج التي زادت
من فرص الشذوذ والاغتصاب والقضايا الاجتماعية وما يسمى بقضايا الشرف وذلك بتزويجهم
وفق برنامج وطني مع تقديم المساكن والقروض الميسرة..
و إقناع الشباب بالأداء الحكومي بنتائج
يستطيع لمسها على أرض الواقع دون الحاجة إلى وعود كاذبة، هذا ما يستطيعه المشرع
الاستراتيجي ليس ضمن دستور فقط بل ضمن ميثاق وطني يحتكم إليه المتخاصمون، ولا يجعل
فيه خلالا أو فجوة قانونية أو أن يترك على علاته كما في الكثير من الدساتير
العربية...
مع خلق بيئة أداء حكومي نظيفة باجتثاث بؤر
الفساد المتلاعبة بالمال العام، حيث تكمن الحاجة في هذه المرحلة إلى الضرب بيد من حديد
على الفاسدين، ومحاسبتهم العلنية في محاكمات مفتوحة مع بيان عريضة من الأسماء
ومصادرة أموالهم والزج بهم في السجون دون محاولة فاشلة لتهريبهم خارج البلاد وتنفيذ
المشاريع العالقة بسبب الفساد...
الحلول العملية هي أقصر الطرق الإقناعية، لا
يمكننا المساومة على هذا الأمر، فالمرحلة الإصلاحية لا تحتمل خسارة وطن بل تعني
تطهيره من الفساد..
وإعادة التوزيع العادل للمكتسبات الوطنية
وتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص في أي محفل حياتي
كالكفاءة التعليمية والمشاركة في مناصب الدولة سواء في التوظيف أو التدريب
مع أهمية إخضاعهم لبرامج تدريبية تأهيلية تضمن تنمية وتطوير وإصلاح لدولة المؤسسات
بعيدا عن مفاهيم البيروقراطية و الروتينية في بيئة العمل، وتفعيل مشاريع التشغيل الوطني الإجباري...
تقول الحكمة: "الصالحون يبنون
أنفسهم، والمصلحون يبنون الأُمم"، وإذا كان الصالحون يبنون أنفسهم، وهو أمر
جيِّد بلا شك، فإنّ الأُمم والشعوب في حاجة إلى المصلحين الذين يبنون الأُمم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق