بقلم: حسام الدين يحيى
أفتح عيني، أصطدم بسقيفة الحجرة المرصعة بالأزهار المستديرة، تحتضن ضوء القمر المنسدل فوق تلك الستارة الوردية .. فوق نافذة الحجرة.
تنام ابنتي بجانبي بجسدها الصغير، تبدو كالملائكة، ينقصها الجناحان ، أسحب جسدي من الموجودات، يعوي جسدي كذئب جريح في الليالي المقمرة، أترك الفراش منكسرًا، أمتزج بصقيع أخر (هاتور) القابع في خلايا جسدي، تتشبث أقدامي بأرضية البهو أمام تلك الحجرة، رافضة التحرك قيد أُنملة.
تتمدد أصابعي الباردة، تزيح ذلك التوتر الذي يعتليني ، صرير الباب الذي يزاحم رائحة الزعفران في الهواء، مازالت رائحتها تمتلك المكان.
-تتقدم خطواتي مسرعات، أفرد زراعيّ، كمن يحاول أن يحتضن كل العناصر الموجودة في فضائها.
يحتل ضوء القمر الفضي مكانًا فوق وجهي، يمهد لغزو ما تبقى من الجسد المتهالك، أعطي له ظهري، أتجاهله، أعلن رفضي التام لهذه المبادرة التلقائية، وأترك جسدي يتهاوى صامتًا بأحد أركان الحجرة.
أمسح بكفي الدموع المتساقطة فوق وجهي، أفتقدها، أمنع نفسي من دخول غرفتها لأي سبب، تمتد يدي لفتح باب خزينة الملابس، كانت لها منذ عام، قبل أن تتركني هل ماتت حقًا؟!! مازالتُ أتذكر ابتسامتها الهادئة، مازالت أتذكر أهدابها، لايزال جسدي يئنُّ شوقًا لها، أختار ذلك الرداء الأزرق الذي كانت تفضله دائما.. أرتديه..ينساب في رقة الفراشات فوق ملامح جسدي العجوز.
تمتد يدي لدرجٍ آخر، يخرج بعد ثورات التجاذب ، أختار منه طلاءً للشفاه بلون الفضة، يتجسس على شفتي برفق، يخفي بها آثار الماضي السحيق فوق تشققات الشفاه المهملة منذ زمن طويل، فأشعر بقبلاتها الدافئة من جديد.
-تتسلل يدي إلى بهو صدري العميق، لتشعر بتلك النبضات التي مازالت تُصَدِّعُ هذا الوعاء الفارغ، تَسْقُطُ،، تغوص تحت نباتات صدري الذابلات، تريد التوحد بها .
يتسلل صوتها الملائكي إلى أذني، تتساءل:
- ألم تخلد إلى النوم بعد يا أبي؟.
ترتفع عيناي، أنظر إليها من بين انعكاسات الماضي المتناثرات بين أطلال المرآة أمامي، أجيبها بصوت عليلٍ :
-سأودع أمك أولًا.
تسقط دمعة متمردة من عيني، تتناثر شظاياها فوق أرضية الحجرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق