سؤال المنهج في التراث العربي الاسلامي للباحث المغربي محمد بنعمر
عن مركز نماء للبحوث والدراسات بالمملكة العربية السعودية - الرياض 2017 صدر للباحث المغربي محمد بنعمر دراسة بعنوان :
-سؤال المنهج في التراث العربي الاسلامي
نظرا لان النص يحظى بموقع مركزي في العلوم الإسلامية ،فان جميع العلوم التي نشأت ونمت في أحضان الحضارة العربية الإسلامية كانت علوما خادمة للنص تحقيقا وتوثيقا واستمدادا وبيانا....
مما للنص ان يشكل سلطة مرجعية لجميع العلوم التي ظهرت في التراث العربي الإسلامي... .
وهذا الاشكال هو الذي تدور عليه مباحث لكتاب و تدور عليه محاوره الكبرى في إبراز اهمية المنهج في تعامله مع النص وحضوره في التراث العربي الاسلامي.
ومماحملته مباحث هذه الدراسة ان اكتشاف المنهج يعد من أنفس ما اهتدى إليه العقل البشري في تعامله مع المعرفة اوفي إنتاجه وتحصيله للعلم.
كما سعت الدراسة الى الرد على القول الذي يتبنى نسبية المنهج من حيث الحضور والتأثير و الإعمال والتواجد والممارسة في التراث العربي الإسلامي .
فهذه الفكرة كما كشفت عنها الدراسة لم تلق الرواج المناسب والمناصرة المؤكدة والنجاح بين الباحثين والمشتغلين والدارسين لنظم المعرفة و تاريخ الأفكار ولمناهج العلوم في التراث العربي الإسلامي.
لان المنهج بصفة عامة هو مسالك ضابطة واليات منظمة موصلة إلى المعرفة بجميع فروعها وتخصصاتها وانواعها واشكالها ...
وهو ما يعني أن الجزء الأكبر من علوم الإسلام هي في اصلها علوم مناهج لان الأساس فيها أنها علوم مخصصة للفهم والبيان والاستمداد ، اي بيان النص واظهار ما فيه من دلالات ومعان...
ومما يدل على نزوع العلوم في الاسلام وتوجهها نحو المنهج هو ان اغلب هذه العلوم هي علوم للفهم تتركب عن مجموعة من القواعد الكلية والاصول التي يستعان بها في التفسير والبيان والفهم لكتاب الله.
-محتويات الكتاب
إن مباحث هذا الكتابوفصوله تشترك في هذا المشترك وتلتقي في هذا الجامع وهو أن الاشتغال على المنهج من حيث هو آلية في إنتاج المعرفة كان حاضرا بقوة في الثقافة العربية الإسلامية ولم يكن غائبا كما يريد ان يدعي البعض .
والذي يؤكد هذا التواجد والحضور أن التبليغ على المضمون التراثي، وإيصال المعارف المحمولة في العلوم التراثية باختلاف أنواعها وأجناسها وأقسامها واشكالها لا يتيسر تحقيقه أو الوصول إليه إلا بالاستعانة بالوسائل ، والأخذ بالوسائط الناقلة لتلك المضامين والمعارف والمحتويات .....
-منهج الفهم في القرءان الكريم
يعد منهج الفهم من ابرز المناهج حضورا في التراث العربي الاسلامي ،ومما يؤكد هذا الاختيار ويدعم هذا التوجه ، هو هذا المعطى الذي يختزل الوعي المشترك عند علماء الاسلام رغم اختلاف التخصص وتعدد الاهتمام ،وتنوع التوجه الفكري وتعدد الرؤى واختلاف المذهبيات ،والاختيارات والمرجعيات هو أن جميع العلوم التي نشأت في الحضارة الإسلامية إنما هي في اصلها علوم اتجهت نحو خدمة القرآن الكريم في جميع جوانبه ومستوياته ومكوناته خاصة ما اتصل بالتوثيق والتحقيق والرسم والقراءة أو ما اتصل بالبيان والفهم والتفسير والاستمداد... .
فالمتابعوالناظر للتراث العربي الإسلامي يقف عند ملاحظة بارزة وقوية تأخذ كل مهتم ومشتغل ومتتبع للدراسات والبحوث القرآنية بشكل عام. وهي محورية البحث في القرآن الكريم وفي كل ما له صلة قوية او قرابة مباشرة بالبحث في القرآن الكريم.
وهذا يعني أن هذه البحوث القرآنية بجميع انواعها واشكالها تعكس الجهود العلمية و المساعي البحثية الكبيرة التي بذلت في القرءان الكريم ،وهي الجهودالتي لم تبذل في غير القرءان الكريم بشهادة الدارسين والباحثين المشتغلين بتاريخ الافكار . بحيث يتعذر إحصاء أو تقييد أو رصد أو جمع جميع هذه البحوث والدراسات والمؤلفات المنجزة والمعدة في كل ما له صلة او قرابة بالقرءان الكريم سواء تعلق الامر بالتفسير البيان أو تعلق الأمر بالقرآن الكريم وعلومه بصفة عامة .
فلما كان الوحي هو مركز المعرفة في التراثالإسلامي.فان جميع العلوم والمعارف جاءت خادمة للوحي محققةو مسددة له .فالمعارف والعلوم التي نشات في الحضارة العربية الاسلامية بجميع مكوناتها كانت بدايتها و منطلقها هو التوجه المباشر نحو القرءان الكريم...
فلقد تحول النص الشرعيليكون منطلقا لكل الجهود الفكريةوالعلمية والعقدية للمسلمين وقطب الرحى الذي تدور حوله مختلف الدراسات والبحوث.
ان هذا الأصل المعرفي الثابت ظل محل اتفاق بين جميع الباحثين بمختلف تخصصاتهم وتوجهاتهم ومذاهبهم وهو ما جعل كثيرا من الباحثين يرون أن عطاء الفكر العربي الإسلامي وإبداعه إنما نشا ابتداء وأساسا من خلال تعامله المباشر مع النص القرءاني توثيقا وتحقيقا وفهما وضبطا وبيانا واستمدادا...
لقد شكل القرءان الكريم منطلق كل الجهود الفكرية والعلمية في التراث العربي الإسلامي. وهو ما نجم عنه تحقق نوع من التواصل والتداخل بين العلوم.إذ عملت كل هذه العلوم على خدمة النص القرءاني في جميع مستوياته ونواحيه.
- قال ابن جزي الكلبي في مقدمة كتابه التسهيل: "هو المقصود بنفسه (القرآن) وسائر العلوم أدوات تعين عليه أو تتعلق به أو تتفرع عنه".
وتبعا لهذا يمكن أن نقسم هذه المستويات إلى قسمين:
1- مستوى التحقيق التوثيق.
2- مستوى البيان والفهم .
وهو ما يعني ان جميع العلوم التي نشأت في احضان التراث العربي الاسلامي انما اتجهت الى خدمة النص القرءاني...
وهذه العلوم التي كشفنا عن اصولها ومرجعياتها هي في اصلها وبنائها علوم مناهج...-
-مناهج الفهم في التراث العربي الغاية والمقصد
لقد كان مسعى مناهج الفهم في التراث العربي الاسلامي هو مراهنتها على ضرورة التقيد بالقواعد و الشروط المخصصة للتفسير، والسعي نحو الاخذ بالضوابط والمستلزمات التي يحتاجها المفسر في عملية التفسير.
والهدف من هذا العمل هو تحصين النص الشرعي حتى لاتحقق او تسقط فيه الرغبات الذاتية للمفسر،ولا يتيسر التوافق والانسجام بين الرؤى والاختيارات الذاتية والشخصية للمفسر وبين المعاني والدلالات الاصلية التي جاءت محمولة في القرءان الكريم.
ان اخطر ما يهدد النص هو ان يتحقق التمكين لرؤى صاحب النص ومواقفه على حساب النص....
المدخل التقديمي للكتاب :
-أهمية المنهج في الممارسة التراثية
شكل المنهج حضورا متميزا في التراث العربي الإسلامي عامة ، باعتبار أن المنهج هو السبيل في البحث، و طريق المعرفة ومفتاح العلوم ،وهو أساس كل فكر ،وركن كل دراسة، وعماد كل بحثفهو من أهم مقتضيات قيام العلم،و من أهم دعائم سداده واستمرار يته....
فالمنهج يهدف إلى تقييد مستعمليه و مستخدميه بالطرق الصحيحة والسليمة،و إلزامهم بالمسالك السديدة القويمة في تحصيل واكتساب المعرفة....
وهذه العناية بالمنهج في جميع العلوم الإسلامية تعود أساسا إلى كون الثقافة العربية الإسلامية تنطلق من هذا الثابت المعرفي وهو " أن سلامة الأفكار متوقفة على مدى سلامة المناهج، وعلى صحة الطرق والمسالك المركبة لهذه المناهج ، و على مدى سداد الطرق من حيث هي آليات محققة وموصلة إلى المعرفة.... .
تبعا لهذا المعطى العلمي والمعرفي ، فقد كان لكل علم منهجه الخاص به ، الذي يميزه عن غيره من العلوم،خاصة ما تعلق بمستوى الموضوع ،أوما تعلق بمستوى المفاهيم المشكلة لذلك الموضوع ،بحيث تميز كل علم بمسالكه الخاصة به ،وبمبادئه العامة ،وبطرقه وبمفاهيمه وبمصطلحاته ...
وهذا الاهتمام بالمنهج هو الذي يفسر لنا مدى حجم السؤال المعرفي الذي احتله المنهج في أحضان التراث العربي الإسلامي، في جميع امتدادات هذا التراث الزمانية والمكانية، و بين جميع علماء الإسلام،رغم اختلاف مدارسهم، و تعدد اتجاهاتهم و تنوع مذاهبهم ،واختصاصاتهم...
وقيمة العلوم بصفة عامة تتحدد بما تحمله من مناهج، باعتبار أن من شرط قيام العلم وسداده اقتران هذا العلم وارتباطه بالمنهج، وان تكون لهذا العلم طرق معينة، ومسالك ناظمة واليات موجهة له ...
-2-المنهج:التعريف -الماهية-الوظيفة:
المنهج هو الطريق الواضح ،ونهجه سلكه،وفلان يستنهج سبيل فلان أي يسلك مسلكه.... .
أما في الاصطلاح فقد عرف المنهج بعدة تعاريف نذكر منها:
-المنهج هو مجموعة من المسالك والطرائق العاصمة للذهن ، وبعبارة الدكتور طه عبد ا لرحمان فالمنهج " هو جملة الطرق والأساليب التي يتوصل بها إلى نتائج معينة في حقل معرفي معين..... ،والغاية من المنهج هو تحصين العقل من الوقوع في الخطأ ،إذا هو مارس هذا العقل التفكير أو عمل على بناء النسق المعرفي.
وقد عرف الدكتور محمد عابد الجابري فقال المنهج هو العلم الضابط الذي يعين على بناء المقدمات التصحيحية للوصول إلى النتائج السليمة المنضبطة التي من شانها أن تسدد السبل المؤدية إلى المعرفة ،والهادية إلى العلم..... .
هذه التعاريف تشترك وتتفق في أن المنهج هو مجموعة من القواعد المتعلقة بالتفكير و الناظمة للنظر، و الكاشفة للضوابط والمجلية للأصول...
-2-المنهج في الممارسة التراثية.
لقد أدركت الممارسة التراثية في وقت مبكر القيمة المعرفية للمنهج، وعبرت عن هذه القيمة والإدراك المعرفي بعدة صيغ وأشكال،وعبارات ومقدمات ونقول وشواهد تشترك هذه المقدمات في أن المنهج ضروري في تحصيل المعرفة.... ،و أن القيمة العلمية لأي علم من العلوم تتحدد في مدى الأخذ بالمنهج السديد ، والتمسك بالياته الرصينة و حمل عناصره ومكوناته، باعتبار أن المنهج هو الصانع والمشيد والمسدد للمعرفة.... .
علما أن الغاية من هذه القوانين،و الضوابط والقواعد هو أن العمل على عصمة الذهن من الزلل ،وان تحفظ العقل من الوقوع في الخطأ، وتوجهه إلى الطريق السديد، والسبيل الصحيح، إذا هو مارس التفكير ،أو تعاطى للنظر ، أو اختار البحث... .
تبعا لهذا المعطى فان من ابرز مداخل إعمال المنهج في العلوم هو اعتباره وسيلة للبحث، وطريق في تحصيل المعرفة،وبالتالي لا يجب اعتباره غاية في حد ذاته . لان المنهج مهمته مساعدة الباحث، ووظيفته إعانة الدارس على اكتساب المعارف ،وتحقيق التعلم ،وتحصيل العلم...
وهو ما يعني صراحة أن اكتشاف المنهج في العلوم يعد نقلة نوعية وطفرة معرفية في المسار الفكري والعلمي الذي قطعه العقل البشري في اشتغاله على العلم والمعرفة... .
من جهة اخرى فقد أدركت الممارسة التراثية في اشتغالها على العلوم،أن قيمة المنهج تتحدد في كونه من أساسيات تحصيل العلم، ومن ضروريات اكتساب المعرفة، ومن دعائم النظر والبحث ....
تبعا لهذا المعطى المعرفي والعلمي فقد شكل البحث في المنهج ثابتا محوريا ،وقاسما مشتركا في الممارسة التراثية في جميع نظمها المعرفية وفي اشتغالها، وعنايتها واهتمامها بالمنهج من حيث هو احد مكونات ودعائم المادة العلمية لأي علم من العلوم...
و مما يجلي هذه القناعة ويؤكد معطياتها في التزام الممارسة التراثية بهذا المعطى، والتزامها بتأصيل هذا الثابت ، هو تنصيصها الدائم وإلحاحها المتكرر على أن المنهج من السبل والمسالك التي بواسطتها يتحرى الباحث السلامة في التفكير، والسداد في الفهم ،و الضبط في النظر. ..
كما تأصل في الثقافة العربية الإسلامية كثيرا من العلوم المسماة بعلوم المناهج أو العلوم المسددة الخادمة لغيرها، وهي العلوم التي اشتغلت على المنهج في مستوى إعماله وتطبيقاته مثل أصول الحديث أصول التفسير أصول الفقه،وعلم النحو وعلم المنطق... .
بحيث ساهمت هذه العلوم على وضع الأصول و رسم القواعد التي تكفل وتحقق الفهم السليم للنص الشرعي..
-سؤال المنهج في التراث العربي الاسلامي
نظرا لان النص يحظى بموقع مركزي في العلوم الإسلامية ،فان جميع العلوم التي نشأت ونمت في أحضان الحضارة العربية الإسلامية كانت علوما خادمة للنص تحقيقا وتوثيقا واستمدادا وبيانا....
مما للنص ان يشكل سلطة مرجعية لجميع العلوم التي ظهرت في التراث العربي الإسلامي... .
وهذا الاشكال هو الذي تدور عليه مباحث لكتاب و تدور عليه محاوره الكبرى في إبراز اهمية المنهج في تعامله مع النص وحضوره في التراث العربي الاسلامي.
ومماحملته مباحث هذه الدراسة ان اكتشاف المنهج يعد من أنفس ما اهتدى إليه العقل البشري في تعامله مع المعرفة اوفي إنتاجه وتحصيله للعلم.
كما سعت الدراسة الى الرد على القول الذي يتبنى نسبية المنهج من حيث الحضور والتأثير و الإعمال والتواجد والممارسة في التراث العربي الإسلامي .
فهذه الفكرة كما كشفت عنها الدراسة لم تلق الرواج المناسب والمناصرة المؤكدة والنجاح بين الباحثين والمشتغلين والدارسين لنظم المعرفة و تاريخ الأفكار ولمناهج العلوم في التراث العربي الإسلامي.
لان المنهج بصفة عامة هو مسالك ضابطة واليات منظمة موصلة إلى المعرفة بجميع فروعها وتخصصاتها وانواعها واشكالها ...
وهو ما يعني أن الجزء الأكبر من علوم الإسلام هي في اصلها علوم مناهج لان الأساس فيها أنها علوم مخصصة للفهم والبيان والاستمداد ، اي بيان النص واظهار ما فيه من دلالات ومعان...
ومما يدل على نزوع العلوم في الاسلام وتوجهها نحو المنهج هو ان اغلب هذه العلوم هي علوم للفهم تتركب عن مجموعة من القواعد الكلية والاصول التي يستعان بها في التفسير والبيان والفهم لكتاب الله.
-محتويات الكتاب
إن مباحث هذا الكتابوفصوله تشترك في هذا المشترك وتلتقي في هذا الجامع وهو أن الاشتغال على المنهج من حيث هو آلية في إنتاج المعرفة كان حاضرا بقوة في الثقافة العربية الإسلامية ولم يكن غائبا كما يريد ان يدعي البعض .
والذي يؤكد هذا التواجد والحضور أن التبليغ على المضمون التراثي، وإيصال المعارف المحمولة في العلوم التراثية باختلاف أنواعها وأجناسها وأقسامها واشكالها لا يتيسر تحقيقه أو الوصول إليه إلا بالاستعانة بالوسائل ، والأخذ بالوسائط الناقلة لتلك المضامين والمعارف والمحتويات .....
-منهج الفهم في القرءان الكريم
يعد منهج الفهم من ابرز المناهج حضورا في التراث العربي الاسلامي ،ومما يؤكد هذا الاختيار ويدعم هذا التوجه ، هو هذا المعطى الذي يختزل الوعي المشترك عند علماء الاسلام رغم اختلاف التخصص وتعدد الاهتمام ،وتنوع التوجه الفكري وتعدد الرؤى واختلاف المذهبيات ،والاختيارات والمرجعيات هو أن جميع العلوم التي نشأت في الحضارة الإسلامية إنما هي في اصلها علوم اتجهت نحو خدمة القرآن الكريم في جميع جوانبه ومستوياته ومكوناته خاصة ما اتصل بالتوثيق والتحقيق والرسم والقراءة أو ما اتصل بالبيان والفهم والتفسير والاستمداد... .
فالمتابعوالناظر للتراث العربي الإسلامي يقف عند ملاحظة بارزة وقوية تأخذ كل مهتم ومشتغل ومتتبع للدراسات والبحوث القرآنية بشكل عام. وهي محورية البحث في القرآن الكريم وفي كل ما له صلة قوية او قرابة مباشرة بالبحث في القرآن الكريم.
وهذا يعني أن هذه البحوث القرآنية بجميع انواعها واشكالها تعكس الجهود العلمية و المساعي البحثية الكبيرة التي بذلت في القرءان الكريم ،وهي الجهودالتي لم تبذل في غير القرءان الكريم بشهادة الدارسين والباحثين المشتغلين بتاريخ الافكار . بحيث يتعذر إحصاء أو تقييد أو رصد أو جمع جميع هذه البحوث والدراسات والمؤلفات المنجزة والمعدة في كل ما له صلة او قرابة بالقرءان الكريم سواء تعلق الامر بالتفسير البيان أو تعلق الأمر بالقرآن الكريم وعلومه بصفة عامة .
فلما كان الوحي هو مركز المعرفة في التراثالإسلامي.فان جميع العلوم والمعارف جاءت خادمة للوحي محققةو مسددة له .فالمعارف والعلوم التي نشات في الحضارة العربية الاسلامية بجميع مكوناتها كانت بدايتها و منطلقها هو التوجه المباشر نحو القرءان الكريم...
فلقد تحول النص الشرعيليكون منطلقا لكل الجهود الفكريةوالعلمية والعقدية للمسلمين وقطب الرحى الذي تدور حوله مختلف الدراسات والبحوث.
ان هذا الأصل المعرفي الثابت ظل محل اتفاق بين جميع الباحثين بمختلف تخصصاتهم وتوجهاتهم ومذاهبهم وهو ما جعل كثيرا من الباحثين يرون أن عطاء الفكر العربي الإسلامي وإبداعه إنما نشا ابتداء وأساسا من خلال تعامله المباشر مع النص القرءاني توثيقا وتحقيقا وفهما وضبطا وبيانا واستمدادا...
لقد شكل القرءان الكريم منطلق كل الجهود الفكرية والعلمية في التراث العربي الإسلامي. وهو ما نجم عنه تحقق نوع من التواصل والتداخل بين العلوم.إذ عملت كل هذه العلوم على خدمة النص القرءاني في جميع مستوياته ونواحيه.
- قال ابن جزي الكلبي في مقدمة كتابه التسهيل: "هو المقصود بنفسه (القرآن) وسائر العلوم أدوات تعين عليه أو تتعلق به أو تتفرع عنه".
وتبعا لهذا يمكن أن نقسم هذه المستويات إلى قسمين:
1- مستوى التحقيق التوثيق.
2- مستوى البيان والفهم .
وهو ما يعني ان جميع العلوم التي نشأت في احضان التراث العربي الاسلامي انما اتجهت الى خدمة النص القرءاني...
وهذه العلوم التي كشفنا عن اصولها ومرجعياتها هي في اصلها وبنائها علوم مناهج...-
-مناهج الفهم في التراث العربي الغاية والمقصد
لقد كان مسعى مناهج الفهم في التراث العربي الاسلامي هو مراهنتها على ضرورة التقيد بالقواعد و الشروط المخصصة للتفسير، والسعي نحو الاخذ بالضوابط والمستلزمات التي يحتاجها المفسر في عملية التفسير.
والهدف من هذا العمل هو تحصين النص الشرعي حتى لاتحقق او تسقط فيه الرغبات الذاتية للمفسر،ولا يتيسر التوافق والانسجام بين الرؤى والاختيارات الذاتية والشخصية للمفسر وبين المعاني والدلالات الاصلية التي جاءت محمولة في القرءان الكريم.
ان اخطر ما يهدد النص هو ان يتحقق التمكين لرؤى صاحب النص ومواقفه على حساب النص....
المدخل التقديمي للكتاب :
-أهمية المنهج في الممارسة التراثية
شكل المنهج حضورا متميزا في التراث العربي الإسلامي عامة ، باعتبار أن المنهج هو السبيل في البحث، و طريق المعرفة ومفتاح العلوم ،وهو أساس كل فكر ،وركن كل دراسة، وعماد كل بحثفهو من أهم مقتضيات قيام العلم،و من أهم دعائم سداده واستمرار يته....
فالمنهج يهدف إلى تقييد مستعمليه و مستخدميه بالطرق الصحيحة والسليمة،و إلزامهم بالمسالك السديدة القويمة في تحصيل واكتساب المعرفة....
وهذه العناية بالمنهج في جميع العلوم الإسلامية تعود أساسا إلى كون الثقافة العربية الإسلامية تنطلق من هذا الثابت المعرفي وهو " أن سلامة الأفكار متوقفة على مدى سلامة المناهج، وعلى صحة الطرق والمسالك المركبة لهذه المناهج ، و على مدى سداد الطرق من حيث هي آليات محققة وموصلة إلى المعرفة.... .
تبعا لهذا المعطى العلمي والمعرفي ، فقد كان لكل علم منهجه الخاص به ، الذي يميزه عن غيره من العلوم،خاصة ما تعلق بمستوى الموضوع ،أوما تعلق بمستوى المفاهيم المشكلة لذلك الموضوع ،بحيث تميز كل علم بمسالكه الخاصة به ،وبمبادئه العامة ،وبطرقه وبمفاهيمه وبمصطلحاته ...
وهذا الاهتمام بالمنهج هو الذي يفسر لنا مدى حجم السؤال المعرفي الذي احتله المنهج في أحضان التراث العربي الإسلامي، في جميع امتدادات هذا التراث الزمانية والمكانية، و بين جميع علماء الإسلام،رغم اختلاف مدارسهم، و تعدد اتجاهاتهم و تنوع مذاهبهم ،واختصاصاتهم...
وقيمة العلوم بصفة عامة تتحدد بما تحمله من مناهج، باعتبار أن من شرط قيام العلم وسداده اقتران هذا العلم وارتباطه بالمنهج، وان تكون لهذا العلم طرق معينة، ومسالك ناظمة واليات موجهة له ...
-2-المنهج:التعريف -الماهية-الوظيفة:
المنهج هو الطريق الواضح ،ونهجه سلكه،وفلان يستنهج سبيل فلان أي يسلك مسلكه.... .
أما في الاصطلاح فقد عرف المنهج بعدة تعاريف نذكر منها:
-المنهج هو مجموعة من المسالك والطرائق العاصمة للذهن ، وبعبارة الدكتور طه عبد ا لرحمان فالمنهج " هو جملة الطرق والأساليب التي يتوصل بها إلى نتائج معينة في حقل معرفي معين..... ،والغاية من المنهج هو تحصين العقل من الوقوع في الخطأ ،إذا هو مارس هذا العقل التفكير أو عمل على بناء النسق المعرفي.
وقد عرف الدكتور محمد عابد الجابري فقال المنهج هو العلم الضابط الذي يعين على بناء المقدمات التصحيحية للوصول إلى النتائج السليمة المنضبطة التي من شانها أن تسدد السبل المؤدية إلى المعرفة ،والهادية إلى العلم..... .
هذه التعاريف تشترك وتتفق في أن المنهج هو مجموعة من القواعد المتعلقة بالتفكير و الناظمة للنظر، و الكاشفة للضوابط والمجلية للأصول...
-2-المنهج في الممارسة التراثية.
لقد أدركت الممارسة التراثية في وقت مبكر القيمة المعرفية للمنهج، وعبرت عن هذه القيمة والإدراك المعرفي بعدة صيغ وأشكال،وعبارات ومقدمات ونقول وشواهد تشترك هذه المقدمات في أن المنهج ضروري في تحصيل المعرفة.... ،و أن القيمة العلمية لأي علم من العلوم تتحدد في مدى الأخذ بالمنهج السديد ، والتمسك بالياته الرصينة و حمل عناصره ومكوناته، باعتبار أن المنهج هو الصانع والمشيد والمسدد للمعرفة.... .
علما أن الغاية من هذه القوانين،و الضوابط والقواعد هو أن العمل على عصمة الذهن من الزلل ،وان تحفظ العقل من الوقوع في الخطأ، وتوجهه إلى الطريق السديد، والسبيل الصحيح، إذا هو مارس التفكير ،أو تعاطى للنظر ، أو اختار البحث... .
تبعا لهذا المعطى فان من ابرز مداخل إعمال المنهج في العلوم هو اعتباره وسيلة للبحث، وطريق في تحصيل المعرفة،وبالتالي لا يجب اعتباره غاية في حد ذاته . لان المنهج مهمته مساعدة الباحث، ووظيفته إعانة الدارس على اكتساب المعارف ،وتحقيق التعلم ،وتحصيل العلم...
وهو ما يعني صراحة أن اكتشاف المنهج في العلوم يعد نقلة نوعية وطفرة معرفية في المسار الفكري والعلمي الذي قطعه العقل البشري في اشتغاله على العلم والمعرفة... .
من جهة اخرى فقد أدركت الممارسة التراثية في اشتغالها على العلوم،أن قيمة المنهج تتحدد في كونه من أساسيات تحصيل العلم، ومن ضروريات اكتساب المعرفة، ومن دعائم النظر والبحث ....
تبعا لهذا المعطى المعرفي والعلمي فقد شكل البحث في المنهج ثابتا محوريا ،وقاسما مشتركا في الممارسة التراثية في جميع نظمها المعرفية وفي اشتغالها، وعنايتها واهتمامها بالمنهج من حيث هو احد مكونات ودعائم المادة العلمية لأي علم من العلوم...
و مما يجلي هذه القناعة ويؤكد معطياتها في التزام الممارسة التراثية بهذا المعطى، والتزامها بتأصيل هذا الثابت ، هو تنصيصها الدائم وإلحاحها المتكرر على أن المنهج من السبل والمسالك التي بواسطتها يتحرى الباحث السلامة في التفكير، والسداد في الفهم ،و الضبط في النظر. ..
كما تأصل في الثقافة العربية الإسلامية كثيرا من العلوم المسماة بعلوم المناهج أو العلوم المسددة الخادمة لغيرها، وهي العلوم التي اشتغلت على المنهج في مستوى إعماله وتطبيقاته مثل أصول الحديث أصول التفسير أصول الفقه،وعلم النحو وعلم المنطق... .
بحيث ساهمت هذه العلوم على وضع الأصول و رسم القواعد التي تكفل وتحقق الفهم السليم للنص الشرعي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق