2013/02/05

طبق الفول.. قصة: محمد نجيب مطر


طبق الفول
محمد نجيب مطر
عاد الابن الصغير من الخارج ومعه طبق الفول الساخن وقرطاس الطعمية التي تزكم رائحته الأنوف وتفتح الشهية لتناول طعام الفطور المكون من الفول والطعمية والبيض المقلى والجبن الرومي وطبق السلطة التي تعده صاحبة البيت قبل أن تخرج إلى عملها هي وزوجها، وذهاب أولادها إلى كلياتهم ومدارسهم.
أعدت ربة المنزل طبق الفول وأضافت إليه الملح وقطعت حبة من الطماطم عليه وعصرت ليمونة ووضعت بعض الفلفل وبعض الكمون، كذلك رشت بعض الملح على السلطة وعلى البيض أثناء قليه، ونادت على ابنها الأصغر كي يضع الطعام على المائدة، ووضعت الماء في البراد ووضعته على النار ليكون الشاي جاهزاً أثناء الطعام، وذهبت إلى غرفتها لارتداء ملابسها لتتناول الفطور على عجل وتكون مستعدة للخروج مباشرة.
في تلك الأثناء كان هناك نقاشاً حاداً يدور داخل جزئ الملح الذي يتكون من ذرة من الصوديوم وذرة من الكلور، فقد أدى تسخين الطعام إلى عصبية ذرة الصوديوم فوجهت غضبها إلى  ذرة الكلور،  فقالت لها في حدة: أنت ذرة شيطانية، شريرة تحملين في داخلك الموت لكل من يتنفسك أو حتى يشرب محلولك، أنت تزهقين حياة المخلوقات، فبكت ذرة الكلور وأخبرتها أن طبيعتها هي التي تجعلها كذلك، فصرخت فيها ذرة الصوديوم، وسألتها كيف يكون ذلك كذلك، فقالت إن سلوكها العدائي يعود لنقص في بنائها، ولولاه لكانت ذرة طيبة لا تؤذي، فطلبت منها ذرة الصوديوم الحكاية بالتفصيل، فبينت أن بنائها يتكون من ثلاثة طوابق أو ما يسمونه مدارات، الطابق الأول امتلأ بسكانه من الالكترونات، وكذلك الطابق الثاني، أما الطابق الثالث فيسكنه سبعاً من السكان ولكي يمتلأ لابد من إضافة ساكن جديد، ولهذا أجد وأجتهد من أجل الحصول على هذا الساكن بكل وسيلة متاحة مشروعة أو غير مشروعة، سألتها ذرة الصوديوم في ضجر: ولماذا لا تحمدين الله على ما أعطاك وتتركين الفراغ كما هو؟ فقالت أنا ككل المخلوقات أتطلع إلى الأفضل، أن أكون عنصر نبيل، أحمل ثمانية ساكنين في آخر طابق، فلا أحتاج إلى أحد، ويصير لدي اكتفاء ذاتي .
إن هذا النقص فقط هو الذي يحركني ويجعلني أحاول خطف أي ساكن من ذرة أخرى لأكتفي وأصبح من النبلاء، وطالما أنك فتحتي الموضوع، انظري إلى نفسك أنت أيضاً معدن خطير، يشتعل في الهواء، ويشتعل حتى تحت الماء، ويتفاعل محدثاً فرقعة شديدة، وأيضاً أنت ذرة سامة، هدأت ذرة الصوديوم قليلاً ثم قالت : مشكلتي أنا عكس مشكلتك، ففي الطابق الثالث يوجد لدي ساكن وحيد، وأريد التخلص منه بأي ثمن، وأنا أدخل في معارك مستمرة من أجل التخلص من هذا الساكن الوحيد، إن لكل مجتمع منغصاته وصراعاته وهذه المشاكل موجودة في معظم الذرات والجزيئات.
علقت ذرة الكلور قائلة، لهذا كان الحل أن نكون معاً، فتعطيني الساكن الزائد واستكمل أنا سكان الطابق الثالث ونستقر ونكون من طبقة النبلاء، ردت عليها ذرة الصوديوم بعنجهية، لا أريد لهذه الصحبة أن تستمر، وسأبحث لي عن صحبة أخرى، ردت عليها ذرة الكلور بأدب : الانقسام يولد مشاكل وإضرار لا حدود لها، هل رأيتي كيف أصبح العراق بعد انقسام أهله على أنفسهم؟ هل علمت ما حدث بعد تقسيم السودان؟ هل تعرفين ما يحاك لمصر من أجل تفكيها لتعم فيها الفوضى.
أضافت ذرة الكلور : أنا وأنت نصبح خطرين فقط إذا عشنا بمفردنا، ولكن بمجرد اتحادنا نصبح مركبات لها فائدة كبيرة للحياة والأحياء، لو تفككت كل جزيئات ملح الطعام في البحر مثلاً إلى كلور وصوديوم، لتسممت كل الأسماك والأحياء المائية وماتت، ولاشتعل الماء وشوي كل الأسماء بداخله،  التفكك يقابل الموت، والاتحاد يجردنا من دوافع الشر ويجعل لنا فائدة لكل الأحياء.
ردت ذرة الصوديوم باستهتار لا حاجة بي لكم، سأبحث عن ذرات أخرى أفضل منكم، فصاحت ذرات الكلور في الجزيئات القريبة، تباً لماذا تتحدثين معها بتلك الطريقة المقززة، أنتن ذرات مقيتة، فانضمت ذرات الصوديوم في جزئيات الملح القريبة وفي الأطباق المتجاورة في الحديث، وقلن : أنتن سليطات اللسان، وسنهجركن وسنبحث عن صحبة أخرى في أول فرصة، نحن لنا لون أبيض ناصع، ولونكن أصفر كالح، نحن الأفضل و لا تستحقون صحبتنا.
كانت الأمطار تهطل في الخارج، وفجأة حدث برق شديد، على إثره انفصمت الروابط بين جريئات الملح في كل الأطباق وانفصلت الذرات عن بعضها.
حمل الابن الأطباق ووضعها على المائدة، أكلت الأسرة كلها، وسقطت رؤوسها على المائدة، جاء تقرير الطبيب الشرعي بأن الطعام مسمم وبتحليله تم التعرف على عنصر الكلور الفتاك، وعنصر الصوديوم الحارق .

هناك تعليق واحد: