2013/02/12

"جرّة قلم " بقلم: حنين محمد حيال

جرّة قلم
بقلم: حنين محمد حيال
      كنت أهم بالدراسة بعد برهة من الراحة فإذا بي أجد إحدى بنات أفكاري وقد جلست عند إحدى زوايا الورقة، وحيدة بمريولها الزُهري الجميل وجدائلها الصبيانية
ابتسمْت وتركتُها تجلس هناك وطفقت أكتب ما كنت قد حفظته لأمتحن قدرات ذاكرتي فإذا بابنتي تتسلق الأسطر بصعوبة وتصل لقلمي فتوقفه عمدًا وقد رمقتني بعتب، كيف أتركها دون أن أعرف السبب!
"ما خطبك؟"
صمتت مطأطئة رأسها ثم كتبت _وقد بدت صغيرة جدا لضخامة القلم نسبة إليها_ وهي تجاهد كي لا تسقط تحت وطأته
"أريد أن ألعب"
"عجبي فمتى قيّدتكِ في خيالي ومتى حرمتكِ اللعب!"
مسحت ما كتبت وعادت لزاويتها وجلست القرفصاء فحاولتُ العودة لدراستي وكل ظني أنها حجة لتلهيني عن ما أفعله
إلا أني سرحت ماسكة قلمي... فشعرت أنه أداة جبارة له القدرة على أن يكون جائزة تقدير لأحدهم أو سوط تعذيب لآخر، عندها استوقفتني صغيرة أفكاري
ما بها؟ لِمَ تجلّت عند أسطري اليوم؟ أصنعتُ لها قيدًا لا أراه، أو سجنًا لا أملك أقفاله... ترى ألم أرسم لها شمسًا قبل.....
ترى متى آخر مرة رسمتُ لها شمسًا!
نزلت سلّم الأسطر نحو الزاوية السفلى حيث تجلس
" أعذريني... احتكرَتني الكتب وحجبت الرؤية عني فما عدت أبصرك.. ونسيت في غمرة دراستي التحليق معك نحو عالم الجمال"
صمتت وبقيتُ في ضيق من إهمالي غير المبرر لها وجلستُ أنظر إلى بياض صفحتي أستعين بها لتمدني بالحلول
ما الذي يسعد الطفل يا ترى ويجعله يعفو اهمال والديه أحيانًا في غمرة مسؤولياتهم الكثيرة، شيء أستطيع تقديمه لها الآن؟
 
فكرت... مطولًا حقيقةً، فتحت مجراتي، دولابي، نثرت كتبي، أوراقي وألواني، ألوانـ ... ـي
نعم... نعم
لابد من هذا...
فردت لوحة بيضاء وحملت تلك الورقة التي تجلس عليها الصغيرة وقد تعلقت بأسطرها خشية سقوط فنفختُ عليها لتطير وتحط على اللوحة وقلت لها "انتظري وتأملي"
فوقفتْ كالطفل الذي يملأه الفضول ليعرف ما يحدث
وضعت الألوان على الطاولة واستحضرت الخيال ورحتُ أرسم..
 
فرشت تحت قدميها عشبًا ربيعيًا بديع المنظر ثم رسمت أشجارًا وأزهارًا بضربات متتالية من الفرشاة
قفزت صغيرتي فرحًا وراحت تجري فرسمتُ لها أرجوحة وأخرى وأخرى، وطيورًا وفراشات، وشمساً ساطعة... ركضت بعيدًا ثم عادت إليّ وفي عينيها طلب قد أدركتُه
فضربت بفرشاتي على اللوحة لتتجلى بنات أفكاري على العشب، صرن يقفزن فرحًا بحيوية ونشاط وقد عمّت الفرحة أرجاء البستان
أبعدتُ كل شيء عني واستلقيت جانبًا ثم أغمضت عيني وطرت إليهن
صرت أقفز وألعب معهن، أحمل هذه على كتفي، أدفع أرجوحة هذه، ألعب الحبل مع تلك وأسابقهن سعادة ولهوًا وقد تسللت الطفولة إليّ وتجددت فيَّ الروح..
بناتي الحبيبات، قد بعثتنني للحياة من جديد بجرة قلــم.
 
 

ليست هناك تعليقات: