كن ليبراليا .. وحقوق المواطنة للأطفال
عبده الزرّاع
مدير تحرير مجلة قطر الندى للأطفال
تأخر دور مؤسسات المجتمع المدنى فى دعم الأدب والثقافة والفن كثيرا فى مصر ، وكان يجب أن تقوم – تلك المؤسسات - بهذا الدور منذ سنوات طويلة ، مساهمة منها فى النهوض والمساندة للعقول المتفتحة اليقظة للابداع فى شتى مناحى حياتنا الثقافية والفنية ، وقد ظهرت بوادر طيبة من مؤسسة ساويرس باطلاق جوائزها الأدبية الكبرى منذ بضعة أعوام ، وقتها قامت الدنيا ولم تقعد وهاجم الجائزة عدد غير قليل من كتاب ومثقفى مصر وشككوا فى نوايا مانح الجائزة ، ولكن القائمين عليها لم يلتفتوا لهذا الهجوم، بل مضت الجائزة فى طريقها تتطور عاما بعد عام ، وأصبح الجميع – للأسف الشديد- يلهث ورائها ويتمنى الفوز بأحد جوائزها ، وأرى أن هذا الدور واجب وطنى يقع على كاهل تلك المؤسسات يقدمونه لأبناء هذا الوطن ممن يمتلكون مواهب كبرى تحتاج لمن يقف بجوارها ويدعمها ، وياليت جميع مؤسسات المجتمع المدنى فى مصر تفعل مثلما فعل ساويرس.
ونحن لانغفل الدور الكبير الذى تقوم به وزارة الثقافة المصرية لدعم الثقافة والمثقفين والفنانين من خلال مؤسساتها وهيئاتها المختلفة ، واقامة المؤتمرات والمهرجانات والمسابقات ، ودعم الكتاب من خلال المنح الأدبية , وتوفير الكتاب من خلال مشروع القراءة للجميع واتاحته بأسعار زهيدة لكل فئات المجتمع ، ودعم النشر المركزى والاقليمى ، واقامة الأنشطة الثقافية والفنية من خلال بيوت وقصور الثقافة فى شتى ربوع مصر من أقصاها الى أقصاها ، وتشييد المكتبات فى القرى والنجوع المحرومة من الثقافة ، انه دور لاينكره الا جاحد ، ولكن يجب أن تعمل مؤسسات المجتمع المدنى جنبا الى جنب مع المؤسسات الحكومية مثلما يحدث فى جميع دول العالم .
فقد سبقتنا الى هذا الدور العديد من الدول العربية خاصة دول الخليج العربى ،وقامت مؤسساتها المدنية بدعم المثقفين والفنانين والباحثين ، واطلاق الجوائز الأدبية والبحثية الكبرى ، لتشجيع الأدباء والباحثين الجادين على مستوى الوطن العربى ايمانا منهم بقيمة الابداع والمبدعين والدفع بالأمة الى الأمام .
ومثلما يحدث فى جميع دول العالم المتقدم حتى لاتقع المسؤلية كلها على عاتق الدولة ، وهناك العديد من المؤسسات المدنية الألمانية التى تعمل فى حقل الثقافة والاعلام والبحث العلمى فى مصر والوطن العربى ، وتقدم المنح والمساعدات وتقيم الدورات التدريبية والورش الأدبية والفنية ، ايمانا منها بدعم الثقافة والاعلام والبحث العلمى ، وقد كنت من المحظوظين بحضور دورة تدريبية عام 1997 فى صحافة وثقافة الأطفال استمرت لأكثر من خمسة شهور متصلة ، بدعم من مؤسسة هانذزايدل الألمانية وبالاشتراك مع التليفزيون المصرى ومجلة سمير ، وبحضور عدد كبير من المهتمين والمتخصصين فى أدب وثقافة وصحافة الأطفال فى مصر ، وكانت دورة على قدر كبير من الجدية ، استمعنا خلالها الى محاضرات فى تقنيات الكتابة والرسم للأطفال ، وأهمية الموسيقى والرياضة والمسرح وأثره على نفسية الطفل ، ومحاضرات فى التربية وعلم النفس من أساتذة كبار متخصصين فى هذا الشأن ، وقد استفدت استفادة كبيرة ، وكانت هذه الدورة وماتركته فى نفسى من حب لهذه الثقافة النوعية أن أتجه كلية الى الاهتمام بكتابة وثقافة الأطفال .
وقضيت مؤخرا ثلاثة أيام بأحد الفنادق المطلة على شاطىء بحيرة قارون بالفيوم ، فى المدة من 26 الى 28ديسمبر الماضى ، فى ورشة كتاب الأطفال ( كن ليبراليا ) حول تنمية الليبرالية السياسية وحقوق المواطنة عند الأطفال ، والتى أقامها نادى أدب سنورس وبدعم من مؤسسة فريدريش نومان الألمانية التى تعمل فى مجال الثقافة والاعلام من منظور ليبرالى ، بدأت فعاليات الورشة بالجلسة الافتتاحية بعنوان : ( لماذا الليبرالية السياسية وحقوق المواطنة للأطفال ) شارك فيها الأديب احمد طوسون ، المنسق العام للورشة ، وهانى عبد الملاك منسق المؤسسة ، وأدارها الأديب أحمد قرنى ، وبحضور الكتاب المشاركين ، وأطفال المدارس الابتدائية والاعدادية ، وبعدها عقدت أربع موائد مستديرة , جاءت المائدة الأولى تحت عنوان : ( القيم الأساسية وأدب الطفل – الطفولة وتشكيل الشخصية – ترسيخ القيم عند الطفل ) والثانية : ( تعويد الناشئة على وضع نهايات مناسبة للنصوص – الحرية – التلقائية – التجربة – تقنيات نقد واعادة كتابة النصوص ) ، والثالثة : ( ضد التمييز) والرابعة : ( حقوق المواطنة للأطفال وفق الميثاق العلمى لحقوق الطفل ) أما الجلسة الختامية ، خصصت لفتح حوار حر حول الأفكار والرؤى التى تولدت عند الكتاب نتيجة أعمال الورشة ، أدار الموائد المستديرة كلا من : الأديب أحمد الأبلج ، وكاتب هذه السطور ، وبحضور أكثر من ثلاثة عشر كاتبا من المهتمين بأدب وثقافة الأطفال من شتى ربوع مصر ، وهم : د محمد سيد عبد التواب ، انتصار عبد المنعم ، ناصر المحلاوى ، سمر ابراهيم ، عماد عبد الحكيم ، هدى توفيق ، محمد عاشور هاشم ، خالد سعيد ، والفنان عهدى شاكر ، وأعتذر عن الحضور الأديب أحمد فضل شبلول لسفره خارج البلاد ، شهدت قاعة المؤتمرات التى خصصت للورشة مناقشات ساخنة وجادة ، وجدل بناء ، خاصة مائدتى ضد التمييز ، وحقوق المواطنة للأطفال وفق الميثاق العالمى لحقوق الطفل ، وطرحت وجهات نظر ورؤى جديدة مفادها ضرورة خوض كتاب الأطفال المناطق الشائكة ، وتقديمها للطفل العربى بفنية وبما يتفق مع قيمنا وعاداتنا ، وأيضا ضرورة تناول كتاب الأطفال عالم الكمبيوتر والانترنت والمديا الحديثة فى أعمالهم الأدبية ، وعدم التمييز الدينى والعرقى بين الأطفال بعضهم وبعض بما أنهم متساون فى الحقوق والواجبات ويعيشون فى وطن واحد .
أثبتت هذه الورشة أن الجيل الجديد من كتاب الطفل قادر على حمل المسؤلية لو أتيحت له الفرص الحقيقية ، وتقديم ابداع مختلف متجاوز لما هو حالى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق