2018/03/26

قسم اللغة والأدب العربي في عنابة يحتفي بقضايا الشعر الأندلسي في عصر بني الأحـمر

قسم اللغة والأدب العربي في عنابة يحتفي بقضايا الشعر الأندلسي في عصر بني الأحـمر
بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بوفـلاقــة
نوقشت بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الشهيد باجي مختار بمدينة عنابة التي تقع بالشرق الجزائري أطروحة دكتوراه بعنوان: « الشعر الأندلسي في عصر بني الأحمر-دراسة أسلوبية لشعراء المائة الثامنة-»،تقدم بها الأستاذ الباحث عزوز زرقان؛أستاذ الأدب الأندلسي بجامعة العلاّمة البشير الإبراهيمي ببرج بوعريريج. وقد دامت المناقشة لأكثر من ست ساعات متواصلة،حيث أعلنت اللجنة بعدها عن منح شهادة دكتوراه بدرجة مشرف جداً،وقد تكونت لجنة المناقشة من:أ.د.سعد بوفلاقة؛مشرفاً ومقرراً من جامعة عنابة،وأ.د.حسن مزدور؛رئيساً من جامعة عنابة،وأ.د.ذياب قديد مناقشاً من جامعة قسنطينة،ود.عبد العزيز شويط مناقشاً من جامعة جيجل ،ود.محمد كعوان مناقشاً من المدرسة العليا للأساتذة بقسنطينة. و لا يختلف اثنان في أن تاريخ الأندلس-على امتداده وغناه- يزخر بحقبات متميزة ازدهرت فيها الحضارة والثقافة،وهذا ما أتاح للفكر والإبداع الأدبي مجالاً خصباً للتألق والإبداع،ويعد عصر بني الأحمر من المراحل الثرية والمتفردة،ولم يكن بدعاً أن تتجلى الكثير من الظواهر في الشعر الأندلسي في تلك الفترة،والبحث في خصائص الإبداع الشعري هو الذي تصدت إليه هذه الأطروحة الجيدة التي أنجزها الباحث المقتدر عزوز زرقان،الذي أخذ على نفسه دراسة الشعر الأندلسي في عصر بني الأحمر دراسة أسلوبية خص بها شعراء المائة الثامنة،فقد رصد الشعر الأندلسي في تلك الفترة من خلال خصوصياته،ومميزاته،وسعى إلى كشف الطاقات والقدرات الذاتية التي تشكله. وإذا كان الباحث قد جعل دراسته حكراً على عصر بني الأحمر فإنه لم يفعل ذلك اعتباطاً،ولكن ليقينه بأن هذه المرحلة تحتاج إلى الدراسة والتحليل،كونها لم تحظ بعناية فائقة،حيث يرى الباحث في دراسته أن مختلف أطوار الأدب العربي بالأندلس نالت حظها من الدراسة ولكن بشيء من التفاوت، ففي الوقت الذي حظي فيه القرن الخامس والسادس بالدرس الشامل من قبل عدد لا بأس به من الباحثين، نجد أن المرحلة التي امتدت من القرن السابع إلى غاية القرن التاسع كان حظها ضئيلا مقارنة مع غيرها،و يرجع هذا الأمر إلى بروز الكثير من أعلام الأدب نظما ونثرا، ووفرة ما أُثر عنهم من مؤلفات، و نظراً لما بلغته الحضارة العربية بالأندلس حينها من ازدهار في شتى مناحي الحياة مما جعل الدارسين يركزون جهودهم كافة في هذين الطورين دون غيرهما ، ولا يعني ذلك أن بقية الأطوار الأخرى خلت من الدراسات ، بل هناك دراسات عنها، ولكن بصورة أقل ، ولعل هذا السبب هو الذي جعل الباحث يُسلط الأضواء على مرحلة بني نصر بالأندلس. عنيت الأطروحة بدراسة الشعر الأندلسي في عصر بني الأحمر – دراسة أسلوبية لشعراء المائة الثامنة -أي في مملكة غرناطة، وهو عهد الدولة النصرية كما يُسمى في مصادر الأدب المختلفة، وتحديدا القرن الثامن منه .فهذه الدولة التي تأسست دعائمها سنة 635هـ على رأي بعض المؤرخين، الملاحظ في أمرها أن الحياة الفكرية والأدبية بها لم تزدهر إلا منذ بداية القرن الثامن ذلك أن القرن السابع كان عهدا للسقوط والتهاوي والهزيمة حيث نلفي أن الدولة الموحدية قد انهارت، وظهرت إلى الوجود دويلات طوائف جديدة حاولت أن تتموقع من جديد، ولكن من غير جدوى، وبالنسبة إلى الحالة العسكرية،فقد شهدت تلك المرحلة استيلاء الجيوش المسيحية على معظم ربوع الأندلس بما في ذلك عواصمها، فلم يبق للمسلمين سوى الانكفاء في ركن من أركانها وهو غرناطة. وهناك حاول المسلمون إقامة دولة في مساحة جد ضيقة، حيث كان الصمود والمقاومة في وجه النصارى وضرباتهم المتكررة طيلة ما يزيد عن قرنين، فكانت غرناطة الوعاء الذي اجتمع فيه كل من فر وارتحل من المدن المتهاوية، مما جعلها قبلة لأصحاب الصنائع والعلوم ،حيث برز فيها الشعراء والعلماء والأدباء وكل أصحاب الحرف المختلفة، فازدهرت بذلك الحياة الاقتصادية كما الفكرية والأدبية مسجلة رجوعا قويا إلى الساحة كما كانت في أيام الأندلس المزدهرة. وبالنسبة إلى أهم المصادر التي أفاد منها الباحث في استخراج المادة الشعرية التي قام بدراستها دراسة أسلوبية ، نذكر: «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب»للمقري ،و«فتح الأندلس» لابن القوطية،و«آخر أيام غرناطة»لمؤلف مجهول ،ثم«الكتيبة الكامنة»لابن الخطيب ،وكذا «اللمحة البدرية» والذي أفاد منه الباحث كثيرا فيما يتعلق بالحياة الفكرية والأدبية ، بالإضافة إلى«نثير فرائد الجمان» لابن الأحمر،وغيرها ،وقد مكنت هذه المصادر الباحث من تدقيق المادة الشعرية، ومن خلالها استطاع رسم خطته. كما أشار الباحث إلى أنه اطلع على بعض الرسائل التي لم تُطبع بعد،والكتب الحديثة منها:«أدب المحنة الإسلامية في الأندلس» لصاحبها الربعي بن سلامة، و «ظاهرة التماثل والتميز في الأدب الأندلسي من القرن الرابع إلى السادس هجرياً»لصاحبها سليم ريدان، وقد طُبع هذا الكتاب ضمن منشورات كلية الآداب بجامعة منوبة بتونس،ثم «رسالة الأشعار التي قيلت في سقوط المدن أو تهديمها في الأدب العربي» لصاحبها حسن مصطفى. وبالنسبة إلى منهج البحث المعتمد في الرسالة،فإن الدراسة لم تقم على اصطناع منهج واحد بعينه،إذ اقتضى الأمر أن يعتمد الباحث على غير منهج، فاتبع في دراسته التاريخية منهجاً وصفياً تحليلياً أعانه على تصنيف وترتيب النصوص على نحو دقيق،بيد أنه ركز في تحليله للأشعار بشكل رئيس على المنهج الأسلوبي الذي يعد واحداً من المناهج النقدية الحديثة،إذ يرتكز على دراسة النص الأدبي باعتماد التفسير والتحليل . تتكون الرسالة من مقدمة، و مدخل، ثم سبعة فصول، وخاتمة. في المقدمة تناول الباحث أهمية موضوعه،وتحدث بشكل دقيق ومركز عن أهمية المرحلة التي يقوم بدراستها،وأشار إلى أن المدونة التي تم العمل من منطلقها كانت محصورة في جملة من الشعراء، منهم المعروف الذي ذاع صيته في الآفاق ،ومنهم المغمور الذي يجهل عند القارئ اليوم، ومنهم من لم يخرج شعره إلى الوجود أصلا عدا بعض الأبيات المتناثرة على صفحات بعض المصادر، فكانت هذه الدراسة فرصة مواتية للكشف عن أسمائهم،وأشعارهم في ذات الوقت. ولئن برزت أسماء مثل: ابن الخطيب، وابن زمرك، وابن خاتمة، وابن فركون، والقيسي، وغيرهم ،فإن هذا البحث قد كشف عن أسماء أخرى من أمثال: البلوي التجيبي ،وأحمد بن إبراهيم بن صفوان ،وابن الحاج النميري ،والبلقيني أبو البركات، وأبو جعفر الرعيني، واللوشي اليحصبي، وغيرهم. كما أكد الأستاذ عزوز زرقان من خلال مقدمته على أن هدفه هو الانطلاق من المادة الشعرية،وعدم الاقتصار على وصف الأشعار فحسب، بل تحليلها أيضا للوصول إلى مكامنها وأسرارها الأسلوبية ،فالمادة الشعرية هي الزاد الذي يوصل إلى الغايات المختلفة ،وهذا ما دفعه إلى تحليل واستخراج ما يُغذي به عمله،واستعان عند الاقتضاء بمصادر التاريخ العام أو تاريخ الأدب للتدقيق في جملة من الأفكار والمعلومات والإشارات، فكانت الأشعار هي موضوع الدراسة، ومجال التحليل، ومصدر المعرفة. وفي المدخل قدم الباحث لمحة تاريخية عن عصر بني الأحمر،أو بني نصر،وهي الدولة التي تأسست على يد محمد بن أحمد بن خميس بن نصر بن قيس الأنصاري الخزرجي المعروف بابن الأحمر، وقد كان تأسيس هذه الدولة»بعد انصراف أبي العلاء إدريس المأمون من الأندلس مصطحباً معه من بقي من كبار جند الموحدين في شبه الجزيرة،فبقيت الأندلس دون حماية يحسب لها حساب،وبرز في صفوف المسلمين نفر من الزعماء كل منهم يحاول أن يتزعم ما بقي من المقاتلين في الأندلس لكي يقيم لنفسه دولة في هذا الجزء الباقي للمسلمين في الأندلس...،وبقي في الميدان محمد بن يوسف بن هود الجذامي،فحاول أن يجمع حوله كل من وجد في جنوبي شبه الجزيرة من فرسان المسلمين،وتمكن لفترة قصيرة من أن يصمد للضغط النصراني،وأيده الناس في الأندلس،وقد بدأ نشاطه سنة:625هـ،ودخلت في طاعته مرسية،وقرطبة،وإشبيلية،وغرناطة،ومالقة،والمرية،وعدد آخر من صغار المدن،والحصون»، وقد كادت تستقيم له الأمور لولا ثورة البيت النصري بقيادة أبي عبد الله محمد بن يوسف بن نصر الذي أعلن نفسه أميراً على الأندلس عام:629هـ(1231م)،كما يذهب إلى ذلك معظم المؤرخين، وقد امتدت فترة حكمه إلى غاية سنة:671هـ. وقد ظهر ضعف مملكة غرناطة،وبداية نهايتها في أيام أبي الحجاج يوسف الثاني المتوفى سنة:794هـ(1392م)،حيث اشتد العداء بينه،وبين بني سراج،وهي الفرصة التي استغلها ملك قشتالة فيما بعد،واستولى على بلدة الزهراء سنة: 809هـ(1417م)،وبعدما سقط جبل طارق سنة:1462م بقيادة القائد رودريجو بونسي ديليون وصلت مملكة غرناطة إلى مرحلة النفس الأخير،وتجلت نهايتها بوضوح سنة:884هـ(1479م)،حينما تم الاتحاد بين الملك فرناندو الرابع ملك أرغون،والملكة إيزابيلا الثانية ملكة قشتالة،وفي أواخر عام887هـ تولى عرش غرناطة محمد بن أبي الحسن علي المعروف باسم أبي عبد الله،وبعد منافسات طويلة مع عمه أبي عبد الله محمد بن سعد،تمت محاصرة مملكة غرناطة بقوات ضخمة من قبل فرناندو وإيزابيلا، حيث قررا القضاء نهائياً على الوجود الإسلامي،وفي النهاية عقد أبو عبد الله الزغل معاهدة التسليم مع ملكي قشتالة وليون في:21من المحرم سنة:897هـ/نوفمبر1491م،وكان دخول فرناندو وإيزابيلا مدينة غرناطة في:الثاني من ربيع الأول897هـ/2يناير1492م. في الفصل الأول من البحث تحدث الأستاذ عزوز زرقان عن ازدهار الحركة الشعرية في عصر بني الأحمر،وقد نبه الباحث في هذا الفصل إلى ظاهرة اهتمام الأمراء والملوك بالشعر بصورة لافتة للنظر،كما أشار إلى هجرة عدد كبير من عامة الناس والأدباء إلى مملكة غرناطة التي أضحت معقلاً لجميع المسلمين،وفي ربوع تلك المملكة ازدهر شعر الاستصراخ الذي كان يرمي إلى شحذ الهمم بعد ضياع عدد كبير من المدن الأندلسية،وقد كشف الباحث من خلال هذا الفصل عن مظاهر تأثر أهل غرناطة على نحو بارز بالمشرق العربي. وفي الفصل الثاني تطرق الباحث إلى أهم الأغراض التي اهتم بها الشعراء الذين خصهم بالدراسة والتحليل،وقد كان هدفه من وراء كتابة هذا الفصل تقريب صورة المادة الشعرية التي ارتكز عليها في دراسته الأسلوبية. وأما الفصل الثالث فقد جعله للحديث عن الأسلوب والأسلوبية بين المفهوم والدلالة،ونلفي في هذا الفصل ثلاثة مباحث رئيسة: 1-مصطلح الأسلوب والأسلوبية. 2-الاتجاهات الأسلوبية. 3-الأسلوبية في التراث البلاغي والنقدي. وقد بين الأستاذ عزوز زرقان من خلال هذه المباحث أن الأسلوبية تمثل مرحلة متطورة من مراحل تطور الدرس البلاغي والنقدي ، إذ استطاعت أن تتجاوز حالة الضعف والقصور الموجودة في بعض المناهج المعتمدة لتمثل منهجاً حديثاً في التحليل والنقد ، متجاوزة الدراسة الجزئية أو الشكلية إلى دراسة أعمق وأشمل،وهي تركز - بحكم نشأتها - على اللغة أساساً في تحليل النص ودراسته ، عندما تكشف عن جوانب الخصوصية والتميز في اللغة ، فإذا كان اللغوي يدرس ما يقال ، فإن الأسلوبية تدرس كيفية ما يقال ، ويوجد فارق شاسع بين الدراسة اللغوية والدراسة الأسلوبية ، صحيح أن الدراسة الأسلوبية اعتمدت في نشأتها الأولى على تطور الدرس اللغوي ، واستفادت منه ، ولكنها حددت مسارها – فيما بعد – في دراسة الظواهر اللغوية في النص الأدبي وتحليلها ، واستطاع الكثير من الدارسين الذين طبقوا الأسلوبية أن يوظفوا الدراسات اللغوية توظيفاً نقدياً وبلاغياً. كما ذكر الباحث عزوز زرقان أن الأسلوبية استطاعت أن تتفوق في دراستها اللغوية على الدراسات النقدية التي كانت تعتمد على دراسة اللغة باعتبارها وسيلة لشرح النص ، وتبسيط معانيه ، وصولاً إلى الفكرة الأساسية فيه ، ولم يلتفت عدد كبير من اللغويين إلى القيمة الفنية للغة ، وقدرة المبدع على الخروج عن القواعد الأساسية للغة ، أو ما نسميه باللغة المعيارية المباشرة ، إلى اللغة الفنية التي يتشكل منها النص الأدبي ، الأمر الذي انعكس سلباً على تقييم الصورة الفنية ومحاولة فهمها. وأشار إلى أن الأسلوبية تتعامل مع لغة النص بصفتها وسيلة لفك الرموز، وهذا ما ينعكس بشكل واضح على تحليل جوانب الإبداع فيه ، وعلاقتها بالمبدع ، ويسمح بكشف النقاب عن خصوصية الإبداع في الظواهر اللغوية المستخدمة،والتعامل مع التراكيب اللغوية بطرائق منهجية سليمة للوصول إلى الدلالات ، واستخراج المعنى، ليصل الناقد بذلك إلى دراسة واعية للنص،فمنهج النقد الأسلوبي يمتاز بالموضوعية وغياب ذاتية الناقد ، لأن الناقد يتعامل مع مفردات النص ولغته ، ويصدر حكمه على هذه المكونات التي يتشكل منها النص دون أن يلتفت كثيراً إلى صاحب النص، فالنص هو الذي يوضع تحت المجهر للدراسة والتحليل ، بهدف الوصول إلى المعنى المقصود أو المراد بطريقة صحيحة تسمح لقارئ النص أن ينتقل من المعنى المباشر إلى المعنى الغائب الذي يهدف كاتب النص إلى إيصاله للمتلقي. وقد خصص الباحث الفصل الرابع من رسالته لدراسة مستوى التشكيل الموسيقي-البنية الصوتية-،وقد احتوى هذا الفصل على مجموعة من المباحث التي عالج فيها جملة من القضايا التي ترتبط بالتشكيل الموسيقي بصفته عنصراً هاماً من عناصر العمل الأدبي،فعرض أهم آراء القدامى والمحدثين في حد الشعر وعلاقته بالموسيقى،وتحدث في مبحث آخر عن التشكيل الموسيقي وعلاقته باللغة،ثم تناول أهم الأنماط الشعرية المعتمدة في أشعار شعراء بني الأحمر،وبما أن الباحث يشتغل بشكل أساسي على المادة الشعرية،فقد تحدث في مبحث خاص عن أوزان الشعر والقوافي المعتمدة من قبل الشعراء،كما عالج بالدراسة والتحليل ظاهرة التكرار على مستوى الأصوات والكلمات. في حين تناول في الفصل الخامس من الرسالة المستوى الصرفي،أي البنية الصرفية في شعر شعراء بني الأحمر،وقد قسم هذا الفصل إلى مبحثين رئيسين تطرق في المبحث الأول إلى بنية الأسماء، وفي المبحث الثاني سلط الضوء على بنية الأفعال. أما الفصل السادس من الرسالة، فقد تم تخصيصه لدراسة المستوى التركيبي،وقد أماط اللثام في هذا الفصل عن جملة من القضايا التركيبية التي ترتبط بأشعار شعراء المائة الثامنة،فأبرز الجوانب المتصلة بالبناء النحوي في الأشعار التي اختيرت للدراسة،فيتعرف القارئ في هذا الفصل على أنواع الجمل،وأنواع الأساليب المستخدمة،والتي نذكر منها:التوكيد،والشرط،والاستفهام،والنداء،والحذف،والتقديم والتأخير. وقد اهتم الأستاذ عزوز زرقان في الفصل الأخير من الرسالة بدراسة الجانب البلاغي،حيث ركز في هذا الفصل على ظاهرتين تميز بهما النص الشعري الأندلسي في عصر بني الأحمر،وهما:ظاهرة الالتفات،وظاهرة الاعتراض. وفي الخاتمة قدم الباحث خلاصة النتائج التي توصل إليها بعد مراحل الجمع والتنقيب والدراسة،وقد بين فيها جملة من الخصائص الأسلوبية التي ميزت النص الشعري الأندلسي في ظل مملكة بني الأحمر،ومن أبرز هذه النتائج: 1-التزام الشعراء في عهد بني الأحمر بالعروض العربي في قصائدهم،فقد استعملوا بحور الخليل بنوعيها البسيطة والمركبة،واستعملوها تامة ومجزوءة،كما وظفوا هذه الأوزان الشعرية،واستخرجوا منها أنماطاً مختلفة للتعبير عن مشاعرهم،وتصوير مظاهر بيئتهم. 2-اعتنوا بالقوافي في أشعارهم حسب ما يتلاءم وطبيعة الموضوع المطروق،ففي حالة الفرح يختارون روياً يمتاز بجرس هادئ يعبر عن مشاعر السرور والفرح،وفي حالة الجزع يعمدون إلى القوافي ذات الجرس العالي التي تعبر عن مشاعر الألم والحسرة،وتتلاءم مع الصراخ المدوي الذي يطلقونه أحياناً للاستنجاد وشحذ الهمم. 3-حاولوا إحداث لون من الموسيقى الداخلية في قصائدهم للخروج من رتابة التقيد بالوزن الواحد وترديد القافية الواحدة،وذلك عن طريق إثراء القصيدة بالنغم الموسيقي الناشئ عن عناصر إيقاعية مختلفة كتكرار بعض الأصوات التي تتألف في كلمات وعبارات فتحدث جرساً موسيقياً معيناً،يختلف من نص شعري إلى آخر،من حيث ألحانه،إذ يعد المرآة الصادقة التي تعبر عن هواجس الشاعر النفسية،وتبرز تفاعله مع الواقع،كما أنهم قاموا بتكرار بعض الألفاظ في الخطاب الشعري،وكثيراَ ما تختلف صيغها الدلالية،وهذا ما يزيد من تآلف أجزائه(الخطاب الشعري)،ويضفي عليه لوناً من الموسيقى التي تؤثر في مشاعر المتلقي. 4- جاء اعتناؤهم بالبديع باعتباره عنصراً من عناصر الإيقاع،ولا يقتصر دوره على التنميق والتزيين فحسب،كالتجنيس والتقابل. 5-إن النص الشعري الأندلسي في عصر بني الأحمر غني بصيغه الصرفية،فلكل صيغة مميزاتها الخاصة،وإن لم تحافظ على نمط صرفي واحد،وقد أدت جملة من الوظائف ذات الأبعاد الدلالية المتنوعة،ولم يقتصر البناء الصرفي على الصيغ الصرفية البسيطة،بل تعداها إلى الصيغ الصرفية المركبة. 6-يميل النص الشعري الأندلسي إلى استخدام المشتقات بمختلف أقسامها،ولم يقتصر دورها على تأدية وظائفها الصرفية،بل عبر بعضها عن جملة من المعاني كجمع التكسير والمصدر وغيرهما. 7-اتسمت التراكيب النحوية في النص الشعري الأندلسي بطابعها الجمالي المؤثر، إلى جانب وظيفتها النحوية والدلالية،حيث تخضع الجملة بنوعيها-الاسمية والفعلية-في ترتيب عناصرها إلى نظام الجملة العربية المعهود،لكن كثيراً ما نجد خرقاً لهذا النظام وانزياحاً عن قواعد اللغة في مستوى العلاقات الإسنادية ،حيث ينأى الشاعر عما تقتضيه المعايير المتبعة في النظام اللغوي،فيقوم بتغييب أحد أطراف الإسناد أو تقديم أحد أركان الجملة وتأخير الآخر،لبناء فضاء شعري،وتحقيق غايات جمالية يهدف إليها،كإثارة الذهنية، أو لفت الانتباه،أو التأكيد على شيء ما،وغير ذلك من الأهداف،أما الاعتراض كظاهرة أسلوبية تتخلل عناصر الجملة بنوعيها-الاسمية والفعلية-فقد ورد في صور متنوعة، وعبر عن مقاصد بلاغية مختلفة،من بينها: أ-أن يأتي الجار أو المجرور،أو الظرف والمضاف إليه،النداء أو الجملة الحالية بين عناصر الجملة بنوعيها،بهدف تعيين الشخص،أو تحديد المكان أو الزمان،أو بيان حالة الشيء وتوكيد المعنى وتقويته،وسوى ذلك من المقاصد البلاغية. ب- كثيراً ما يرد الاعتراض بالجار والمجرور بين عناصر الجملة الاسمية في صدر البيت وعجزه،بهدف التقيد بالتركيب نفسه في الشطرين لإحداث التطابق الشكلي الذي يُسهم في خلق نوع من الإيقاع الموسيقي. ج- يرد الاعتراض بين عناصر الجملة الاسمية المنسوخة بكان أو إحدى أخواتها ليدل على الاستغراق في الوصف،أو التأكيد على صفات الممدوح والمرثي،وغيرها من الحالات. وتجدر الإشارة إلى أن رسالة الأستاذ الباحث عزوز زرقان هي رسالة ضخمة،وقد بذل جهداً كبيراً في كتابة هذا البحث،ودراسة شعر شعراء المائة الثامنة دراسة أسلوبية،فقد تميز بحثه بالدقة، والموضوعية،وسلامة المنهج،و الأمانة في نقل النصوص والروايات. وقد حقق غرضه من هذا البحث،حيث أضاء على فترة لم تحظ باهتمام واسع من لدن مختلف الباحثين والدارسين،وهي تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة.

ليست هناك تعليقات: