حائط الصد الأخير فى منظومة التطبيع
قرأت خبر منشور فى الصفحة الأولى بجريدة الوفد يوم الأثنين الموافق 22 نوفمبر تحت عنوان "خلال مؤتمر تطبيعى فى حيفا حضره جزائريون ومغاربة وعراقيون، اسرائيل تدرب أدباء مصريين على كيفية التحرك فى أوقات الأزمات السياسية" وراحت عيناى تلتهم الخبر، بينما حدسى يكذب ما تقرأه، لأننى أدرك تماما مدى حساسية الأدباء المصريين المفرطة تجاه اسرائيل، وحرصهم الدائم على التأكيد فى كل مناسبة أو فعالية ثقافية على عدم التطبيع الثقافى مع اسرائيل، وظننت – أثناء قراءتى للخبر، وبعض الظن إثم – أن محرره أتى بسبق صحفى، ولكن متن الخبر جاء مخيبا لظنى، ومصدقا لحدسى فهل يعقل أن مصادر صحفية عبرية تكشف عن انعقاد مؤتمر دولى حضره حشد كبير من الأدباء العرب والأجانب فى اسرائيل، ومن بينهم أدباء من مصر – كما يقول الخبر - رفضوا الكشف عن هويتهم خوفا من الملاحقة، أعتقد أن اسرائيل لديها الجرأة على فضح بل والتباهى بمن شاركوا فى مؤتمرهم خاصة من مصر، وهو ما تسعى جاهدة إليه منذ سنوات ولم تنجح فيه إلا مع حفنة لاتذكر سقطت من الذاكرة الثقافية من جراء فعلتها الشنيعة، وهل يعقل أن يشارك أدباء مصريين فى مثل هذا المؤتمر فى اسرائيل دون أن تتعرف اسرائيل على هويتهم وهى التى دعتهم للمشاركة، كان يجب على الأستاذ أحمد غريب محرر الخبر أن يتحرى الدقة فى صياغته، وأن يسعى جاهدا للحصول على أسماء المطبعين المصريين طالما أن لديه مصادره التى استقى منها هذه المعلومات – التى أشك فى مصداقيتها – وإلا فليطلعنا الأستاذ أحمد غريب على أسمائهم، وأعتقد أننا فى غنى عن مثل هذه الأخبار المجهلة، التى تثير البلبلة بين صفوف مثقفى مصر وعقلها النابض، وهذا ليس وقته على الاطلاق فى ظل أن اسرائيل تسعى بكل السبل المشروعة وغير المشروعة فى إقامة علاقات ثقافية مع مصر، وتشويه وجهها الوطنى، فهل يخفى على أحد ما تفعله اسرائيل فى أشقائنا الفلسطنيين ناهيك عن التصفية الجسدية للأطفال والنساء والشيوخ، بل والاعتداء على موروثهم الشعبى من ملابس وأغان وأطعمه وغيرها؟ وهل يخفى على أحد أنهم أشاعوا بأن أهرامات الجيزة ملك لأجدادهم اليهود؟ وأن كامل كيلانى رائد أدب الطفل الذى ولد ونشأ فى منطقة القلعة (أقصد قلعة صلاح الين الأيوبى) أصله يهودى؟، ومؤخرا إعتدى ناشر اسرائيلى فى حالة من حالات القرصنة الثقافية على رواية "يعقوبيان" للكاتب الأشهر علاء الأسوانى، وقام بترجمتها واختصارها وتقديمها للأطفال مما أدى إلى تشويه الرواية، وأعلن الأسوانى فى وسائل الإعلام المختلفة رفضه القاطع لما قام به الناشر الاسرائيلى، واعتبره إعتداء على حقوق الملكية الخاصة به، كل هذا تفعله اسرائيل من أجل البحث عن تاريخ مزيف لها، يعطى لها شرعية تواجد فى المنطقة، لذا تريد أن تورطنا فى علاقات تطبيعية معها، وللأمانة أن مثقفى هذه الأمة وأدبائها هم حائط الصد الأخير فى منظومة التطبيع هذه، فكيف نكتب مثل هذه الأخبار التى تديننا دون التحقق من مصداقيتها؟ فليرحمكم الله تحروا الدقة فيما تكتبون.
وعلى الله قصد السبيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق