كلمة أمين عام مؤتمر الفيوم "ثقافة الثورة ...ثقافة التغيير"
بقلم : عصام الزهيري
مضى حين من الدهر كانت الثقافة فيه ديكورا ملكيا لقصر يمتلأ بالمسوخ ويطفح بالقاذورات..
مضى حين من الدهر كانت الثقافة فيه عطرا فرنسيا غاليا يرش على جيفة تصاعدت منها الروائح..
مضى إلى غير رجعة حين من النظام البائد بيد الشعب كانت الثقافة فيه حظائر للمدجنين وبزنس للسماسرة وبنوك لغسيل الضمائر القذرة..
مضى إلى غير رجعة نظام كانت الثقافة ووزيرها فيه من نصيب زوجة الديكتاتور ولخدمة طموحاتها الأمومية الرخيصة في توريث النظام لأبائها..
ذهب النظام السابق ملعونا وغير مأسوف عليه وذهب وزير ثقافته إلى متاحف المسوخ وإلى الباحات الخلفية المظلمة من الذاكرة التي لا يفضل الناس زيارتها ليلا..
لكننا لا يجب أن نغمط أحدا حقه..ولا أن نرى السواد في صورة مسودة غير أن بقع الضوء تفرقت في أنحائها شعلا من نار الغضب وقبسا من نور الحرية..
لذلك نتذكر أن المظاهرة الأولى لحركة كفاية في الفيوم أنطلقت من هنا..من قصر ثقافة الفيوم واحتجاجا على اعتقال أحد شعرائه عقابا له على إنتماء سياسي هو صديقنا الشاعر محسن حسين رياض..
ولذلك نتذكر أن مؤتمر أدباء الفيوم في العام الماضي 2010 شهد تكريما لا يتكرر للمخرج المصري الكبير "على بدرخان" حيث وقف أبن الفيوم شامخا كجبل عاليا كنخلة يكيل النقد - بل والسباب - لعشوائية نظام أغتال بفوضاه وقذارته بيئة الفيوم وطبيعتها النقية كما أغتال مواردها السياحية والبشرية..
ولذلك نتذكر أن أدباء الفيوم خاضوا معركة شرسة وشريفة من أجل استعادة قصر ثقافتهم من براثن أمن الدولة، وكانت معركة بكل ما تعني الكلمة شارك فيها عدد كبير من الصحف والأقلام الشريفة وأخذت عنوان : "استضافة عبدالحليم قنديل" في قصر ثقافة الفيوم
ولذلك نتذكر بالاعتزاز أن أدباء الفيوم ممن رشحوا لحضور مؤتمر أدباء الأقاليم بالمنيا 2003 كانوا هم من صاغوا ورقة توصيات أعتبرت من بين الوثائق التاريخية للحركة الأدبية في الأقاليم ووقّع عليها كل أعضاء مؤتمر المنيا، وكانت توصيات رفضوا فيها التوريث للنجل وطالبوا بتحديد مدة فترتين للرئاسة المباركية المشئومة، كما طالبوا بوقف الخصخصة واستعادة القطاع العام الضائع وضرب الفساد المستشري..
ولذلك نتذكر بالاعتزاز أن أبناء الفقراء من مثقفي الفيوم هم من قادوا معظم الحركات الاحتجاجية في شوارع المحافظة..بدء من تفجر حركة كفاية في 2003 مرورا بـ6 أبريل والجمعية الوطنية للتغيير وحتى مشاركتهم الكبرى التي ستحسب لهم على مر الأجيال في ثورة 25 يناير المباركة..
نقول ذلك كله ونتذكره..لا لكي نفخر فخرا أجوف..ولا لكي نطالب لأنفسنا بامتيازات ترفعنا فوق صفوف الغلابة من أبناء شعبنا..بل نقول ذلك لكي نمنح شرف أن نكون جزء من هذا الشعب الخالد..هذا الشعب الثائر..هذا الشعب الذي حاول الطغاة أن يسلبوا إرادته ووعيه وأن يقنعوه بأنه أقل الشعوب شأنا وأكثرها رضا بالظلم..مع أن تاريخ الشعب المصري ناطق كله بالثورة على الظلم والاضطهاد..ناطق كله بالمحاولات الثورية تلو المحاولات الثورية لتحقيق تداول السلطة والمساواة في توزيع الثروة والعيش على أرض النيل بكرامة ونخوة المواطن..لا بمسكنة ونفاق الرعية..
إننا هنا في مؤتمر أدباء الفيوم لنذكر ولنتذكر أن الثقافة ستظل حصن دفاع أول..وحصن دفاع أخير..ضد كل محاولات تركيع المواطن المصري..ضد كل محاولات تغريبه عن أرضه وعن معركته الأزلية من أجل تحقيق حلم العدل وحلم الحرية..
لا مطالب فئوية لدينا من حكومتنا المؤقتة..لا نريد معاشا للأدباء ولا نطالب بصناديق لعلاجهم - وإن كان ذلك حق لهم شأن كل مواطن مصري وواجب على الدولة شأن كل دولة تعمل في خدمة شعبها ويديرها شعبها..
إننا نطالب كأدباء ومثقفين ومبدعين وناشطين ثقافيين في الفيوم بتغيير الهيكلة الثقافية الحالية المزيفة واستبدالها بهياكل ثقافية حقيقية تخوض معارك الشعب - لا معارك الحكام - من أجل تحقيق أماني الشعب - لا أوامر الحكام..
إننا نطالب الدولة والحكومة المصرية بأن تصبح وزارة الثقافة وزارة تنوير ووزارة تثوير..
نطالب الدولة والحكومة المصرية بأن تعمل مؤسسات الثقافة المملوكة للدولة في خدمة الشعب لا في خدمة الحكومة..
نطالب الدولة والحكومة المصرية بإزالة عشوائيات الأجهزة الثقافية والتخلص من عفنها البيروقراطي وتحقيق إنطلاقة ثقافية شاملة تضع في حسبانها عقول وقلوب أهل البلد..وتسلحهم بالمعارف اللازمة لهم في خوض معركتهم مع أعداء الشعب في الداخل والخارج..
نطالب الدولة والحكومة المصرية بأن تتحول المؤسسات الثقافية العامة إلى أجهزة أيديولوجية..أجهزة إيديولوجية لا تخدم تيارات سياسية في اليمين أو في اليسار..لكنها تخدم إيديولوجية الشعب المصري الذي يطمح بعد قرون من الاستعمار وعقود من الديكتاتورية أن يحصل أخيرا على حقوقه الإنسانية في التعبير والتفكير والاعتقاد..كما يحصل أخيرا على حقوقه الإنسانية من الحياة الكريمة والأجر العادل..
إننا نطالب الدولة والحكومة المصرية بإعادة هيكلة كل المؤسسات الثقافية المصرية العامة وتطهيرها من أدوات الفساد ومن أدوات التطرف التي تصادر حقوق المصريين في التمتع بثمار الفكر الحر والحضارة العصرية..
نطالب الدولة والحكومة المصرية بأن تتيح للمثقف المصري جناحين يحلق بهما مسلطا أشعة فكره ومسلطا أضواء إبداعه على أوكار السلفية والظلامية وأنصار العودة للماضي سواء كان هذا الماضي..ماضي الاستبداد الديكتاتوري للفرد المتشح برداء العصرية أو ماضي الاستبداد الديكتاتوري للفرد المتشح بأردية النبوة أو الألوهية
في ختام كلمتي..أتوجه بالشكر لكل من ساهم في إنجاح مؤتمر الأدباء الأول في الفيوم..الأول بعد ثورة يناير المجيدة..والأول بما يطمح إليه من بث روح الثورة وإعلاء كلمة الثورة فوق كل دعاوى الظلام والتشدد والفساد والرجعية
تحية لكم أعزائي الحاضرين ولنتوجه معا إلى مائدة عامرة من الأبحاث الطامحة إلى تحليل الحدث التاريخي وفهمه..والشهادات التي لا تسترجع لحظة ولكن تسترجع مشهدا وتاريخا وترنو إلى مستقبل نحن جميعا من بين صانعيه
شكرا لكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق