أغلى لوحة عربيَّة
بيروت - الجريدة
أعلنت «دار كريستيز» أن مزاداً لها في دبي شهد بيع «أغلى لوحة تشكيلية في العالم لفنان عربي» بقيمة 9 ملايين و350 ألف درهم إماراتي (2.546 مليون دولار أميركي)، وأضافت أن اللوحة التي تحمل اسم «الدراويش» هي من إبداعات الفنان المصري محمود سعيد وتعود إلى عام 1929.
حطّمت اللوحة رقماً قياسياً للوحة أخرى لمحمود سعيد أيضاً بيعت في مزاد مماثل في دبي في أبريل (نيسان) الفائت بـ 2,4 مليون دولار وهي لوحة «الشادوف». و{الدراويش»، كما «الشادوف»، إحدى لوحات مجموعة أمين جدة السابق محمد سعيد الفارسي التي باعتها «كريستيز» في دبي في مزاديها الأخيرين، وكانت قدرت قيمة اللوحة بين 300 و400 ألف دولار.
«الدراويش المولوية» وهي أحد أعمال محمود سعيد المبكرة، تُظهر ستة من دراويش المولوية بملامح متشابهة وملابس متماثلة، مع فروق في وضعيَّة كلٍّ منهم أثناء أداء الأذكار الدينية في الحقبة العثمانية. فقد اشتغل سعيد طوال رحلته الفنية على الموضوع الديني، فأخذته فكرة الموت والدفن والآخرة والتصوف والتعبد في مراحل النضج، في لوحاته: الدفن 1926، الرسول 1924، قبور باكوس برمل الإسكندرية 1927، الدراويش المولوية 1929، الصلاة 1934، الذكر 1936، المصلى 1941، دعاء المتعطل 1946، واختتمها بلوحة المقرئ في السرادق 1960.
وربما السبب يعود إلى نشأته في رحاب مسجد أبي العباس في الإسكندرية، ومسجد الأباصيري وسيدي تمراز والعدوي وقبور السبع مشايخ، وفي هذه الأجواء شهد حلقات الذكر والاحتفالات الدينية والموالد وسمعها، محاطاً بعبق البخور المنبعث من قبور الأولياء الصالحين.
تناقض
في لوحات سعيد وجه من التناقض بحسب نقاده، فهو يقدّم السمة الصراعية بين الفضيلة (الدارويش والصلاة) والمجون (في موضوع العاريات في الإسكندرية اللواتي يقتربن من عالم بودلير)، أو يجمع بين السفور الشهواني والصفاء الروحي، وتعيش صوره بين واقعية الفوتوغراف من جهة، وهذيانات السوريالية من جهة أخرى.
وُلد محمود سعيد في 8 أبريل 1897 وتُوفي في 8 أبريل 1964 في الأسكندرية، وهو أحد روّاد المدرسة المصرية الحديثة في الفنون التشكيلية. وينحدر من أسرة أرستقراطية، فهو ابن رئيس وزراء مصر السابق محمد سعيد باشا، وخال الملكة فريدة، زوجة الملك فاروق الأولى، وقد استقال من عمله الوظيفي القانوني ليتفرغ للوحاته بعد سن الأربعين, بعد أن عانى صعوبة الجمع بين المتناقضات، علماً أنه تأثر بطبيعة عمله القانوني وانعكس ذلك على معظم لوحاته.
تمثل أعمال سعيد إحدى الدعائم الأساسية في بناء الفن التشكيلي الحديث في مصر منذ أوائل القرن الراهن، بما انفردت به من خصائص مميزة في التعبير، إذ شاركت في موجة الإخصاب الفني والعلمي والثقافي التي اجتاحت مصر منذ بداية الربع الثاني للقرن العشرين لتوافر مناخ التحرر من التقليدية، فاستحق مبدعها أن يكون أول فنان تشكيلي مصري يحصل على جائزة الدولة للفنون.
كان دور سعيد في الفن موازياً لسيد درويش في الموسيقى، فكلاهما كرَّس مواهبه للتعبير عن البيئة والموضوعات المصرية الصميمة، فكانا من ضمن قلة نادرة من فنانين قدموا بفنهم تعبيراً شاملاً عن بلادهم، ملامسين حياة الناس العاديين ومتجاوزين الواقع إلى الرمز للجمع بين يقظة الروح ويقظة الحس.
اتجه سعيد إلى التأثيرية بما تتميز به من تحرّر في وضع الألوان ومعالجة الموضوعات، مع نزعة تحليلية لعناصره، مدعماً بدايته هذه بدراسة واعية للفن المصري القديم والفنون التراثية، لذا تحمل موضوعاته كثيراً من الرمزية في بناء جمالي يستند إلى إرهاصات فلسفية تتمحور حول الإنسان وعالمه المجهول والطبيعة وأسرارها اللانهائية. كذلك أولى سعيد اهتماما كبيراً بالمرأة والتي اعتبرها وجوداًَ حقيقياً للأشياء كافة ورمزاً للهوية القومية والوطنية، خصوصاً بعد مشاركة المرأة المصرية في ثورة 1919، فصورها في لوحاته شامخة حالمة تحمل على وجهها ملامح التحدي.
http://www.aljareeda.com/aljarida/Article.aspx?id=182592
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق