ليست سوداء.. بدينة ...!
نص ..
صفاء البيلي
المرأة الخمرية التي تسكن السابع
والتي بدأت عقدها الرابع منذ قليل
غالبا ..
ما يراها جيرانها المتلصصون
وهى تطل من شرفتها لعدة ساعات كل ليلة
تنتظر ظلها الذي يعانق السماء
تخشى أن يصل الذعر منتهاه
بخاصة ..
حينما اختبأت تحت مظلة الليل
وصار الكون قبرا
دفنت فيه سريرها ،
وقلبها الوحيد !
متعطشة كانت للركض ..
حين صارت سمكة تسبح في ماء دموعها
تخيلت قليلا
أن لذراعيها ريشا نبت فجأة
فسطعت بعيدا
وطارت ..
وطارت..
تحررت
أضاءت عتمة الغرفة
ثم قالت لتمثالها الأثير الذي نحتته مؤخرا:
في أي ساعة ستأتي ؟
في أي لحظة ستدب فيك روحي؟
فأنا أحبك
أحبك
انظر أيها الأصم ..
كل الأبواب تطرق يدي
ولا أرد !
كل خواتم الزواج تلتف حول أصابعي
ولا أقنع !
وكل مخاوف الليلة الأولى في القبر وحيدة
تسكنني
ولا أقنط !
وكل البكاء الذي سيعزفه جمهور المعزين والأصدقاء..
سأسكبه مرة واحدة
من الشرفة العالية
وأقلب وجهي بكفيك
في لحظة المواجهة الوحيدة
ولا أنتهي
كل هذا لأجلك أيها الأصم
نعم...
أعرف ..
ستقول لي ..
وأنت ترتدي قميصك الساتان ذا اللون التركواز الذي اشتريته لك مؤخرا:
الأمر لا يستحق يا عزيزتي
كل هذا العناء
فالوحدة ليست مضنية بشكل كبير
"ونهاية العالم ..
ليست خلف النافذة"
وستؤكد في بلاهة :
الأمر لا يستدعي يا عزيزتي
أن تذهبي لطبيب القلب
أو أن تترددي على معامل التحاليل لتعرفي
من تراه لوث دمك المسكر؟
وأخرجك دون رغبتك ..
من اللعبة المغامرة
لعبتك التي أفقدتك نصف وزنك في ليلة واحدة
ستكرر مدعيا اللطافة والأدب:
أنت ما تزالين واقفة على حافة القبر
تواجهين الأمر بشجاعة نادرة
تلملمين الملاحف البيضاء
وتسكبين عطرك المفضل على طاولة الغسل..
وتنتصرين للجسد المسجى
للمرة الأخيرة ..
حين تبصين بطرف يقينك الذي لم يتبدل ..
تومئين إلى زجاج نظارته التي تفضح الدموع في عينيك..
وتشرعين في تلميعها كعادتك ..
تقرئين ما قد يعن لذاكرة تنفض آخر ما لديها..
عبر حضن التراب
لتدخل في لغة بيضاء بيضاء ..
وتخرج لامعة ..من غير سوء
تقاومين الهزائم
وتنهرين التوتر في بسالة نادرة
كمحارب عظيم
أحصى سنواته الكئيبة ..
ولما لم يستطع ..
حطها في حقيبة سوداء ذات يد واحدة وحزينة
كمثله تماما ...
وأغلق المزلاج بقوة
أخفاه في جراب سيفه
ألقاه في البحار
في قلبه الذي لم يعرف السعادة
وصدره الذي ما ارتعش رعشة تنجيه من غياهب الظلام
ولم يذق حلاوة العناق
ولذة اللقاء
وانتفاضة الحنين
قلبه الصغير الصغير الذي..
تحول فجأة ..
لملعب كبير دون قصده
يغط فيه الأتقياء الورعون
والأشقياء البارعون
وغيرهم ..
وغيرهم
ستقول قبل أن تحسو على بقيتي التراب
وقبل أن تذرف آخر نقطة من دمائي المراقة فوق أطباق مائدتك الكريستال اللامعة
وتكرر في حزن حقيقي :
كل هذا يا عزيزتي لا يستحق القلق
سندبر المستقبل من فرجة في الجدار
سنلون الحوائط بالبياض
وسنجعل الطرق كلها باتجاه واحد
ونوحد الجهات في رعشة بقلبك
والشرفة المعلقة تحت كوعك الوردي
ستطل باتجاه بيتك الجديد
تحن لابتسامة فضفافضة
ودمعة بكاء
حينما ترتلين وردك الأخير
دون فوضى عارمة
حين يغلق الأحباب عليك ظلمتك
ويرحلون..
يرحلون
تظلين وحدك
وحدك...
في انتظاره
وتفردين جعبتك ..
تحصين ما ادخرته مجددا
ليأتي طائر الحياة ..
يرسم الطريق إلى هنااااااااااااك ...
هناااااااااك
.......
........
باتجاه السماء !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صفاء البيلي
القاهرة في :
2008-9-22
هناك تعليقان (2):
رائعٌ إبداعك دائما
وسماويٌ حرفك
دمتِ بخير يا أستاذة
القصيدة هل هي نظرة سوداوية للحياة؟
أم الحياة نفسها سوداء فلم نعد نجد أي مخلصين وليس إلا البحر من خلفنا والقبور من أمامنا؟
والله م أنا عارف
المهم القصيدة مليئة بجرعة يأس محترمة
شكرا لكل الأصدقاء وشكرا لكل الأعداء أيضا!!
إرسال تعليق