الكاتب المصري أحمد طوسون :
* أكتب تحت وطأة الحالة التي تنتابني وتفرض شكلها وإيقاعها وقالبها .
* عربيا تعرضنا منذ معاهدة السلام وحتى بزوغ فجر ثورات الربيع العربي لتشويه متعمد للهوية ومحاولة إشعارنا بالانسحاق والتقزم أمام الآخر .
* المثقف واحد من أكثر الذين أضيروا من النظم المستبدة .
* أهمية نوبل نجيب محفوظ أنها لفتت انتباه الغرب للإبداع العربي .
حاوره : مصطفى الحمداوي.
أحمد طوسون قاص وروائي وكاتب أطفال عضو اتحاد كتاب مصر، أصدر عدة كتب تتناول القصة القصيرة والرواية وأدب الطفل، كما أنه حاز على جوائز مختلفة تهم مجالات اختصاصه الابداعي. في هذا الحوار نحاول سبر أغوار الكاتب حول قضايا الراهن المتعلقة بالثقافة والمستجد السياسي الذي قلب أنظمة عربية وزحزح أخرى ورسم خارطة طريق جديدة لما يسمى بالربيع العربي.
* كتاباتكم تتوزع بين القصة القصيرة والرواية وكتاب الطفل. هل هذا يعني أن الكاتب أحمد طوسون لم يجد نفسه بعد في لون أدبي معين؟ أم أنكم ترون الحدود بين كل هذه الروافد الأدبية شبه منعدمة، وبالتالي فإنكم توصلون إبداعكم للمتلقي بغض النظر عن الوعاء الأدبي الذي يحتوي هذا الإبداع؟
** أحمد طوسون : أنا لا أحب التصنيفات الضيقة في الإبداع، الكاتب لديه رسالة يريد إيصالها إلى المتلقي بغض النظر عن الوعاء الأدبي، والكتابة تفرض نفسها وتختار قالبها المناسب، فأنا لا أجلس إلى مكتبي لأقرر أن أكتب رواية أو قصة قصيرة أو قصة للأطفال مثلا، أنا أكتب تحت وطأة الحالة التي تنتابني وتفرض شكلها وإيقاعها وقالبها، والكاتب الجيد في اعتقادي بإمكانه أن يخوض غمار تجربة الإبداع في كافة الأشكال الأدبية طالما أمتلك أدواتها، لكن في النهاية هناك كُتابا يقعون في أسر القالب أو الشكل الأدبي الواحد، وربما كان اختيارهم مفيدا لتجربتهم الإبداعية كما ييسر على النقد تتبع مسار تجربتهم الإبداعية وتقييمها.
* حين تقولون أن هناك كتابا يقعون في أسر القالب أو الشكل الأدبي الواحد، ألا تعتقدون أن هذه المقولة ربما تحتوي على بعض الالتباس؟ كلمة أسر تبدو وكأنها حكم مسبق وجاهز. ما رأيكم؟
** أحمد طوسون : لكل كاتب تجربته الجمالية الخاصة سواء أكان يكتب في نوع أدبي محدد أو تتعدد تجاربه بين أنواع مختلفة. . هناك كتاب كبار لم يخلفوا لنا إلا عملا واحدا صنع أسماءهم وخلدهم، المقصود هنا الإخلاص لنوع أدبي محدد
( قصة أو شعر أو رواية. . إلخ) وليس الوقوع في أسر الشكلانية داخل الوعاء الأدبي الذي يختاره أو معالجته للشكل في كتابته داخل النوع الأدبي. . لكنني أعتقد أيضا أن هذه الإشكالية لم تعد بالأهمية بمكان في ظل تداخل الأنواع الأدبية وباتت فرضية نظرية أكثر منها واقعية فأغلب الكتاب فيما أعرف خاضوا غمار تجربة التنقل بين الأنواع الأدبية على الأقل تحت مظلة كبيرة كمظلة السرد مثلا فأغلب الكتاب لهم تجاربهم في الرواية والقصة. . وكثير من الشعراء تعرفوا على هويتهم الإبداعية الحقيقية حينما خاضوا غمار تجربة الرواية وأثبتوا نجاحات كبيرة فيها. . فالمسألة تتعلق بامتلاك الكاتب لأدواته أكثر من القالب الذي يصب فيه إبداعه.
* في روايتك الموسومة بعنوان " تأملات رجل الغرفة " الصادرة سنة 2011، استوقفتني بعض الجمل الدالة. على سبيل المثال " كل نزلاء العنابر فقدوا هويتهم وذاكرتهم ". ثم " لكنه متأكد أن بإمكانهم محاكمة وإدانة أي نزيل على مجرد حلم " . كل هذه الجمل ذات البعد العميق قد تجعل القارئ ينساق وراء استحضار الواقع السياسي والاجتماعي العربي عامة والمصري خاصة، هذا الواقع المترهل الذي يختزل أحداث الرواية في مستشفى غرائبي عجيب. هل هذا هو القصد من هكذا إشارات في رواية كثيفة الرمزية و قابلة لأكثر من تأويل؟
** أحمد طوسون: استدعاء الواقع السياسي والاجتماعي بغض النظر عن انتماء النص الروائي للواقعية بتنوعاتها أو الرمزية أو الغرائبية أو حتى الأعمال المفرطة في التجريب أمر لا مناص منه حين قراءة أي نص أدبي، لأن إبداع الشعوب إفراز لتجارب يعيشها المبدعون من خلال واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني وانعكاس لتأزم الفرد أو المجتمع، وأزعم أننا عربيا تعرضنا منذ معاهدة السلام وحتى بزوغ فجر ثورات الربيع العربي لتشويه متعمد للهوية ومحاولة إشعارنا بالانسحاق والتقزم أمام الآخر ومحاولة اجتثاثنا عن تاريخنا وبخاصة اللحظات المضيئة فيه والتي تصلح كبذرة لمشروع نهضوي عربي حديث، وتصويرنا على أننا مجموعة من الغارقين في بحور النفط الباحثين خلف نزواتهم وشهواتهم المادية، أو على النقيض كتصويرنا على أننا نمثل غلاة المتطرفين الرافضين للمدنية الحديثة تحت شعار الدين.
لاحظ أيضا أننا صرنا بلادا شائخة كحكامها الذين أقصى ما في قدرتهم التمدد على أسرة العناية المركزة في كبرى مستشفيات أوربا وأميركا ليعودوا إلينا بإملاءات لا علاقة لها بواقعنا ومصالحنا العربية المشتركة مما أدى إلى ما شهدناه من فرقة وتشرذم في الصف العربي أدى إلى ضياع القضية الفلسطينية واحتلال العراق.
في الوقت ذاته فقد الشباب العربي حقه في التعبير عن نفسه وأحلامه في ظل عدم تكافؤ للفرص كان متعمدا لعدم ظهور مواهب وقيادات شابة رغبة في تثبيت الكادر على جوقة العجزة الحاكمة بمصالحها المتشابكة لأطول فترة ممكنة، مع استخدام مفرط للعنف والقهر ضد أي أفكار جديدة تحاول خلخلة هذه المنظومة الفاسدة.
في ظل هذه الظروف تولدت لدي فكرة الرواية التي كتبتها في العام 2006 وخرجت إلى النور عام 2011 وأظنها ما زالت تتسع لقراءات تستحضر واقعنا السياسي والاجتماعي حتى فيما بعد ثورات الربيع العربي لأنها معنية بالأساس في ظني بخلخلة منظومة السائد ومقاومته والخروج عليه.
* بعد الثورات العربية، يبدو جليا أن هناك قلق عام حول مستقبل هذه الثورات التي أزاحت ديكتاتوريات فظيعة الاستبداد كانت تجثم على صدر المواطن العربي. هل ينتابك، كمثقف وككاتب مثل هذا القلق؟ وكيف تنظر إلى واقع الثورات العربية في ظل التصادم الواضح بين تيارات تحمل أيديولوجيات سياسية دينية وغير دينية وبخلفيات جد متباينة؟
** أحمد طوسون: القلق ظاهرة صحية في حد ذاته، فهو يعني رغبتنا الجدية في الوصول بالثورات العربية إلى أهدافها الحقيقية التي قامت من أجلها وعدم انزلاقها إلى مصير إعادة إنتاج النظم القديمة. . لكن أخطر ما يواجه الثورات العربية في اعتقادي أن الفساد الذي استشرى في الأنظمة الحاكمة استشرى بذات القدر في جسد الجماعات التي تشكل غالبية النسيج الاجتماعي، فطال جماعة الساسة كما طال الجماعة الثقافية كما طال الجماعة الدينية. . إلخ.
وإذا كانت الثورات العربية نجحت في إسقاط رؤوس النظم الحاكمة فهي في حاجة كي تستكمل ثوراتها بنجاح إلى إسقاط رؤوس الجماعات التي تشكل النسيج الاجتماعي لأوطانها، وفي السياق نفسه يجب أن ننتبه إلى صراع الأجيال الحادث الآن. . فنجاح الثورات العربية يرتبط بقدرة هذه الثورات التي ولدت من رحم الشباب بخلق قيادات شابة تقود بجموح ومغامرة العربة وألا تترك القيادة للأيادي الكهلة المرتعشة ربيبة النظم الديكتاتورية.
أما اختلاف الأيدلوجيات فهو أمر طبيعي، لكن خطورته في التصارع بين هذه الأيدلوجيات في المرحلة الانتقالية التي يجب أن يتوحد فيها الجميع من أجل وضع أسس الدولة الجديدة وقواعدها الحاكمة، ثم نعود إلى حلبة التنافس المشروع عندما يتشكل النظام الجديد. لكن للأسف بعض التيارات المتأسلمة وجدت في الثورات العربية فرصة لاغتنام المكاسب على حساب الجماعة الوطنية ومصلحة الانتقال إلى الدولة المدنية الحديثة. . كما أن هناك خطورة كبرى تتولد من تصنيف التيارات السياسية إلى دينية وليبرالية أو علمانية، لأننا نعيش في مجتمعات إسلامية وهذا التصنيف وليد الخطاب السياسي للقوى المتأسلمة قد يقسم المجتمعات ويؤدي إلى صراعات طائفية داخل الدين الواحد، فالدخول إلى عالم السياسة يجب أن يكون من خلال البرامج والخطط الواضحة للمستقبل وليس من خلال الدين للعب على مشاعر البسطاء والعامة، كما أن هناك خطاب تحريضي عند البعض يجعلني أتخوف من انقسامات داخل التيارات المتأسلمة تنتج في المستقبل جماعات تؤمن بالعنف وسيلة للتغيير وبديلا عن الحوار.
* صناديق الاقتراع هي التي منحت ثقة المواطن لبعض القوى السياسية الدينية التي يبدو أنكم تتخوفون من سيطرتها على المشروع النهضوي، والمواطن هو الذي صنع الثورة. وبالتالي ألا يبدو هذا التخوف نوع من الانحراف عن ميكانيزمات الديموقراطية التي تمنح الحق للمواطن لاختيار حكامه؟ أم أننا لا نزال نرى المواطن غير مؤهل لتقرير مصيره السياسي كما ظلت توهمنا الأنظمة الديكتاتورية العربية على مدى عقود طويلة؟
** أحمد طوسون : بالعكس الرهان الوحيد الصحيح هو الرهان على المواطن البسيط، لكن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن صندوق الانتخاب ليس هو الديمقراطية وإنما هو أحد خطواتها، ولا بد معه من خطوات أخرى هامة من أهمها النظام الانتخابي الذي يناسب كل مجتمع حسب ظروفه، وطريقة تقسيم الدوائر والالتزام بالقواعد المنظمة لعملية الانتخاب. . وأنا مع حق كل القوى في الممارسة السياسية بشرط أن تمارسها وفق قواعد واضحة وعادلة ومتكافئة ولا يتم استخدام الجامع أو الكنيسة لتوجيه أصوات الناخبين من أحد الأطراف على حساب باقي القوى أو تكفيرهم. . كذلك الأمر بالنسبة لاستخدام المال السياسي في شراء الأصوات الانتخابية.
ففي ظل نظام ديمقراطي حقيقي لا خوف من سيطرة فصيل ما على الحكم لأن بقدرة المواطن البسيط أن يزيحه عن السلطة في أقرب انتخابات قادمة. . نحن بصدد رفض استخدام الدين في ألعاب السياسة القذرة للضحك على مشاعر البسطاء وليس رفضا للدين الذي هو مكون أساسي من مكونات الشخصية العربية سواء أكانت تنتمي للتيارات المتأسلمة أو لغيرها من التيارات السياسية والثقافية.
* الكثيرون عابوا على النخب المثقفة عدم انغماسها الكلي في روح الثورات العربية، بل أكثر من ذلك أن النظام العربي المستبد دجن البعض من هذه النخب منذ أمد طويل حتى أنها أصبحت جزءا منه، وبالتالي الكثير يلاحظ أن نجاح الثورات العربية يعود بالدرجة الأولى للمواطن العادي، في غياب النخب المثقفة، وأيضا بدون الإعداد المسبق لهكذا ثورات سيتبين في الأخير أنها لم تكن منظمة بالشكل الذي ينبغي، وأنها تحتاج لسنوات طوال لاسترجاع ألقها وعنفوانها. هل توافقون هذا الرأي؟
** أحمد طوسون : الجماعة الثقافية ليست واحدة، ولا يمكننا التعميم بشأنها، والمثقف واحد من أكثر الذين تضرروا من النظم المستبدة، وإن كان صحيحا أن النخب المثقفة تم تدجينها لخدمة النظم القمعية التي حكمتنا فإن الجماعة الثقافية التي تمثل الجسد تم تهميشها وإفقارها. . رغم ذلك كان المثقف كمواطن في طليعة الصفوف الثورية.
وسيبقى الرهان على المثقف المهمش لإسقاط الرأس الثقافي ورموزه لنبدأ بنية ثقافية جديدة وفق آليات تضمن لها استقلالا عن السلطة في كافة أشكالها.
لكن الإشكالية في وجهة نظري أن أي ثورة تحتاج لنجاحها رؤية فكرية موازية ترسم لها أيدلوجيتها وخطواتها المستقبلية وفق سياق ثقافي محدد. . غياب الرؤية الثقافية بقدر ما هو قصور من جانب النخب المثقفة بقدر ما هو خطر يهدد الثورات العربية بالانحراف عن مسارها، لكن هذا لا ينفي وجود بعض الكتابات هنا وهناك لمثقفين تحاول أن تضع إطارا ثقافيا للثورة المصرية على وجه الخصوص لكنها ليست في إطار المرجعية الثقافية المتكاملة والرؤية الشاملة للثورة.
كما أن التيارات السياسية المختلفة لا تنتبه إلى أهمية العقل الثقافي للثورة وبالتالي انصرفت إلى صراعاتها ولم تستعن بالمثقفين للمشاركة في وضع الرؤية والتأطير الثقافي للمستقبل!
* كيف ترون، بعد ثورات الربيع العربي، مستقبل الثقافة والفن في البلدان العربية عامة؟ وبالخصوص في مصر كبلد رائد لعب على الدوام دور القاطرة التي تقود النهوض على المستوى الفكري والثقافي في الوطن العربي.
** أحمد طوسون : هذا السؤال يرتبط بما قبله. . مستقبل الثقافة في الوطن العربي يرتبط بوضعية المثقف ونظرة المجتمع إليه. . يواجه المثقفون هجمة شرسة من بعض التيارات المتطرفة التي تصل بالبعض إلى وصمهم بالكفر. . وإذا كانت بعض هذه القوى تشعر بالقوة في اللحظة الراهنة، فإنها نسيت أو تناست أن المثقفين هم أول من ناهضوا النظم القمعية في كتاباتهم ودافعوا عن حقوق هذه التيارات في الحرية والممارسة السياسية ووقفوا إلى جانبهم في أوقات الأزمات والاعتقالات والمحاكمات.
المثقف ضمير أمته للحفاظ على قيم المجتمع الأساسية كالحرية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، لكنه في النهاية بشر ويحتاج إلى حقوقه الأساسية ليمارس دوره، ومن الأهمية بمكان أن تعي المجتمعات أهمية المثقف ودوره لحفظ الجوهر الروحي للمجتمعات القائم على التعددية وقيم الحرية والحوار وحقوق الإنسان والمواطنة.
ولن يستطيع المثقف أن يقوم بدوره إلا بعد أن نصل إلى نظام يضمن حياة كريمة للمثقفين من خلال قوانين الملكية الفكرية وتطبيق نظام تأميني شامل يضمن أفضل سبل العلاج والحياة الكريمة للكاتب من خلال كيانات أهلية تتشكل من المثقفين أنفسهم.
* هناك ما يمكننا تسميته بانقلاب حقيقي أطاح بالمنظومة السياسية والاجتماعية العربية، لم تعد هناك رؤية واضحة، سواء سلبية أو إيجابية كما في السابق. من منظورك كمثقف وككاتب عربي، ما هو الدور الذي ينبغي للمثقف أن يلعبه في هذه الظرفية الموسومة بالغموض والضبابية؟ وهل يمتلك المثقف العربي حاليا القدرة على تشكيل جبهة قوية قادرة على ملأ الفراغ السياسي والتأسيس لتقاليد ممارسة عمل حزبي نشيط والانخراط في المجتمع المدني بفعالية وحيوية أكثر؟
** أحمد طوسون : الوعي فعل تراكمي يترسخ في الوجدان عبر السنين، ومع السماوات المفتوحة ووسائل الاتصال الحديثة بات انتشار الأفكار وحياتها بين الجماعات أسرع وأنفذ. . لكن وسائل الإعلام التقليدية ( القنوات الفضائية) ما زالت للحظة الراهنة لا تفتح أبوابها للثقافة والمثقفين بالدرجة التي تحتاجها المجتمعات وأغلب ضيوفها من أصحاب الجماهيرية في الرياضة والفن، وحتى حين يختارون ضيفا من الأوساط الأدبية والثقافية يحصرونه في مناطق ضيقة حول إبداعه وكتاباته الشخصية مما يجعل المشاهد البسيط ينصرف عنه، رغم أن أهمية المثقف في ظني بما يحمله من رؤية للمجتمع وأفكار تخص الشأن العام.
لذا برأيي من المهم في القادم من الأيام أن يصل المثقف لطريقة يتواصل بها مع القطاع العريض من البسطاء والعامة وأن نتخلى عن نخبوية المثقف ليكون التأثير الثقافي ملموسا وواضحا، كما من المهم أن تضغط الجماعة الثقافية على الحكومات في تخصيص نسبة من الدخل المتحصل عن الضرائب العامة لخدمة المشاريع الثقافية وأن يعي المجتمع بكافة مؤسساته أهمية الثقافة للمجتمع. فمن المحزن أن نرى تسابق رجال الأعمال للتبرع بالملايين للاعبي الكرة بينما حين يمرض أديب أو مثقف أو عالم لا نجد من يساعد في تحمل تكاليف العلاج الباهظة.
من المهم أن تلتفت الأحزاب والقوى السياسية إلى أهمية الثقافة وتسعى إلى دعمها، لأن في دعم الثقافة والفنون دعما حقيقيا لمدنية الدولة وتقدمها ورقيها. . لكننا في الواقع لا نجد اهتماما من الأحزاب والقوى السياسية المختلفة بالثقافة والمثقفين، ولم نسمع من الساسة أو المرشحين للرئاسة برنامجا أو مشروعا يوضح تصوره عن مستقبل الثقافة في مصر وأظنه الحال ذاته في الدول العربية!
سيبقى المثقف على كل حال يحمل شعلة التنوير لمجتمعه مقاوما بكل ما يملك لكل سلطة قمع أو قهر، متصديا لأي أفكار ظلامية تظهر بين الحين والآخر.
* لا شك أنكم تواكبون المشهد الأدبي العربي باهتمام بالغ، السؤال الذي يفرض نفسه دائما بقوة : متى يمكن لأديب عربي أن يمنح أمتنا جائزة نوبل للآداب مرة ثانية بعد تلك التي حصل عليها الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ، هل أنتم متفائلون، أم أن كل المؤشرات لا توحي بقرب تحقق مثل هذا الحلم؟
** أحمد طوسون: هناك كثيرون في المشهد الإبداعي العربي يستحقون جائزة نوبل سواء من الذين رحلوا عن حياتنا دون أن يحصلوا عليها أو ممن ما زالت الفرصة أمامهم للحاق بلائحة التتويج بالجائزة. . لكنني لا أعطي للجائزة قدر الاهتمام الذي يوليه البعض لها، فهناك أسماء كبيرة على المستوى العالمي لم تحصل عليها كتولستوي وأنطون تشيكوف ومارسيل بروست وبورخيس وغيرهم.
أهمية نوبل نجيب محفوظ أنها لفتت انتباه الغرب للإبداع العربي وألا يكتفي بترجمته في أقسام الأدب العربي بالجامعات الغربية والأميركية دون أن يصل إلى القارئ الغربي.
أعتقد أننا لو امتلكنا مشروعا لترجمة الأدب العربي وتسويقه وفق آليات السوق الغربي لن تطاردنا عقدة هذه الجائزة وستكون الضغوط على أمانتها نابعة من القارئ الغربي نفسه وفق فنية الأعمال وانتشارها. . وفي النهاية كل جائزة لها اعتباراتها وموازناتها ويبقى الأدب الحقيقي في الوجدان والذاكرة بغض النظر عن حصوله على الجائزة من عدمها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق