محمود مرعى*
جلست على حافة النهر، شاردة الذهن، لا تكترث لما يدور حولها، نظرت إلى الماء وكأن بينهما قصة حب عميقة، حركت شفتيها وكأنها تبث مكنون صدرها لحبيب تناجيه، تتبادل معه عبارات الحب والهيام، كان وجهها كأنه شاشة عرض، تارة تظهر علية علامات الخجل و تحمر وجنتيها وتغمض عينيها، وتارة تظهر علامات السكون والطمأنينة وتارة علامات الدلال، وفجأة ترى الدموع تنساب من عينيها، قربها الشديد من الماء أشعرنى بالخوف، جلست على مقربة منها، لم تلحظ أو لم تكترث مما جعلنى أجلس بجوارها مباشرة، كانت الشمس فى طريقها للغروب وكان هذا هو مايجذبنى إلى الجلوس فى هذا المكان كلما سنحت الفرصة، انه مكان خلاب، يجمع كل ما يتمناه المرء، فهنا تجد نهرنا الخالد، وتجد الخضرة، وها هو الوجه الحسن بجوارى، وفوق كل هذا" التوقيت"، إنه وقت الغروب حيث تقوم الشمس برحلتها المقدسة الدائمة، وفى هذه اللحظة وأنا أبحث عن طرف الخيط الذى أبدأ عن طريقة الحديث معها، نظرت إلىّ وقالت إنها لحظات تمثل لى كل شئ فى الحياة اللقاء والحب ، الماضى والمستقبل حتى الفراق يتمثل فى هذه اللحظة، لقد التقينا هنا وتعرفنا على بعضنا فى هذا المكان، وفيه نبتت زهور الحب وهنا سقيناها بكل أمالنا وأحلامنا ، لكنها أبت أن تكمل طريقها فذبلت قبل أن تتفتح ، صمتت فجأة وغابت فى دنياها دون أن تستمع إلى أى رد منى وبعد لحظات من الشرود نظرت إلىّ وقالت لقد خطبنى بعد فترة وجيزة من تعارفنا وكنا نلتقى كل يوم لحظة الغروب نجلس نتأمل الماء والخضرة وعندما تحين لحظة الغروب كانت أيدينا تتشابك بصورة لا إرادية لم افهم معناها إلا فيما بعد، كانت الحياة هادئة وجميلة كانت تسير إلى ما نحب دون توجيه منا، كان يكفى أن نفكر فيما نرغب ونحلم بما نريد حتى تحقق كل رغباتنا وأحلامنا، سارت الأيام بروعتها المعتادة تعطينا أكثر مما نريد وتمنحنا أكثر مما نطلب، حتى ....؟؟؟!!! وعادت إلى شرودها المعتاد وصمتها القاسى وكانت طوال فترة صمتها تربت على شئ بجوارها تلفه كأنه هدية سوف تقدما لشخص عزيز، وبعد لحظات قامت بفتحها ، اختلست النظر إليها فوجدتها حجر من الرخام مكتوب عليه بخط جميل وواضح "إلى حبيب العمر فى يوم فراقنا"، أمسكت بالحجر وضمته إلى صدرها وقالت لى فى مثل هذا اليوم منذ ثلاثة أعوام، كنا فى أوج سعادتنا سقط قرطى فى الماء وكان أول هدية يحضرها لى فنزل إلى الماء ليحضره ولكنها بمجرد نزوله غاص فى الماء ولم يظهر ثانية إلا جثة هامدة، وفى هذه اللحظة صمتت و لأننى كنت أعرف أنها لا ترانى ولكنها تحكى حكايتها لنفسها ناظرة إلىّ احترمت صمتها ونظرت بعيداً عنها، وكانت لحظة الغروب قد حانت فنظرت إلى الشمس وهى تسلم نفسها إلى مخدعها لتستريح من عناء يوم طويل وقاسى، و إذا بصوت ارتطام شئ ثقيل بالماء جعله يتطاير فى كل اتجاه ، أنظر إليها وأنا فى لحظة رعب شديدة وأجدها واقفة وهى تحتضن شئ غير مرئى، وملابسها تتساقط منها قطرات الماء.
* الأقصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق