2012/04/03

أمي " عطاء بلا حدود " قصة للدكتورة سوسن امين رشيد حمدي

أمي
" عطاء بلا حدود "
د.سوسن امين رشيد حمدي

عاشت كنهر لا ينضب من العطاء والحنان و الدعة ..يجري بين ضفتين من الهمة والمجاهدة وتحمل المسؤلية .. إلى يوم مماتها وهي تذوب وتذوي كشمعة مضيئة لتنير لكل من حولها طريق البقاء والسعادة ليست عابئة بما تتعرض له من مشاق وعذابات مروعة ..

منذ نعومة أظفارها وهي تقوم بدور الأم لشقيقها وشقيقاتها بعد وفاة جدتي ولحاق جدي بها في أقل من سنة.. عاشت لتعطي وتعطي مع أنها لم تكن الكبرى متنازلة عن كل أمالها و أحلامها كفتاة في مقتبل العمر لها طموحاتها ومشاريعها المستقبلية من حياة بلا مسؤلية.. لشهادة جامعية .. لفتى أحلام يعوضها اليتم والحزن العتيد الذي ألم بها..
جاء زواجها من أبي تقليدي لم ترغب منه بغير أبن أو أبنة.. وكان من شفقتها وإشفاقها علي أن أبعدته عنا لكثرة نوباته العصبية ..

من أجلي رفضت الكثيرين.. فبالرغم من أنها على مشارف العقد الخامس من عمرها إلا أنها لاتزال جميلة ورشيقة بل وأجمل منى إن قورنت بها ، وإن ناديتها أمي يذهل من لا يعرفنا، فأنا بجانبها أبدو كأخت لها ولجمالها قد تبدو هي الصغرى .. فبالرغم من ليالي الحزن و الوحدة التي أذابت الكثير من مفاتنها ، وخلو الحياة من الشريك الذى يحنو ويرعى ، ومجاهدتها في تربيتي رعايتي خاصة أثناء مرضي حتى لا تحمل أحد غيرها عبئ مصاعئبنا إلا أنها مازالت شابة يرغبها الكثيرين من من حولنا..

رباط الأمومة الوثيق الذي لا يمكن أن يعكر صفوه شيئا عكر صفوه ظهوره المفاجيء بيننا .. طبيب جديد بالمستشفى .. بدأ في متابعة حالتي تحت رئاسة أكبر اساتذة الكلى وصديق خالي وأحد الطامعين في الأرتباط بأمي منذ فترة وتثق به ثقة عمياء ولا تسمح لغيره بمتابعة حالتي منذ أجرى لي عملية أستأصال الكلى اليمنى .. جلسات الغسيل المستمرة بعد أنهيار كليتي اليسرى أنهارت معها أغلب أمالي في حياة طبيعية .. كان يضنيها أسري لأيام طويلة للألام المبرحة بلا حراك أو مطالعة أنتظر المنقذ الذي يطابق نسيجه أنسجتي الحيوية.. كم حاولت لأنقاذي بذل نفسها وبألحاح التضحية إلا أن من يريدها منذ زمن طويل زوجة رفض تماما ما أعتبره أنتحارا مؤكدا لضعف قلبها ..

أما من أولاني أهتمامه بصورة مبالغ فيها فلفت أنتباهي وسيطر علي سيطرة تامة فظل في تسربه خلالنا كخيط الذئبق في ميزان للحرارة في فم مريض بالحمى .. وفي حين كان هو يتسلل بذكائه وخططه المحكمة كانت هي تحاول تفنيد وصد هجماته المتلاحقة.. الكلام المعسول والورود في كل مناسبة وأهتمامة الشديد بمواعيد الأدوية وكثرة تردده علينا .. ثم اختفائه بصورة مفاجئة حتى يربكني ويزيد من تعلقي به لأقصى درجة .. وهي في جهادها لأبعاده عنا بكل ما أتيت من قوة بعد ما عدم رصيد الثقة عندها من أول يوم رأته في المستشفى ، ليصبح حرصها علي المصحوب بنوع من الحزم والشدة يضايقني ويخنقني ويزيدني تمسكا به حتى أفلت من قبضتها..عند إخبارها بقرار زواجي منه كادت تموت غما وكمدا ونعتتني بكل صفات التهور والأندفاع وعدم الخبرة.. ظللت أعقها وأمرضها ضاربه بتحزيرها عرض الحائط فوافقت اخيرا مرغما وعن غير رضى على عقد قراني خاصا بعد أمتناعي عن العلاج وتدهور حالتي الصحية ..

تم الأستعداد لعملية نقل الكلى التي رصدت أمي للحصول عليها مبالغ كبيرة جدا طلب هو ضعفه ليتولى المسألة.. و بدأ في اعطائي بعض العقاقير التي زادت من تدهور حالتي ومن أحتياجي السريع لأجراء العملية التي أقنعني بألحاح وفجاجة أن خير من يقوم بها صديق له حاصل على الدكتوراه من اميركا وبالرغم من معارضة أمي نصرته متعنتة .. في حجرة العمليات كانت كل الوجوة جامدة ومريبة وكانهم عصابة .. لكن حقنة التخدير سريعا ما أبعدتني عنهم وأعادتني لحضن أمي الذي تقت إليه بشدة في هذه الساعات العصيبة .. هذا الحضن الذي طالما ضمني كواحة من عناء كل قاسي مر بي في حياتي وضحى من أجلي ليال طويلة..

ما بين الحياة والموت لكلينا أخبرتني بجرمه الذي سوف يدخلني في غيبوبة تؤدي بعد أيام لوفاتي لعدم مطابقة الأنسجة .. لكنها طمأنتني أنها أخبرت مصدر ثقتها بالأمر بعد وضوعي على جهاز التنفس الصناعي لحين البت في أمري من قبل زوجي الجاني وطلبت منه الحضور حالا لأنقاذي وأنه سوف يجد الكلية المناسبة لي مجهزة حين يأتي..

عند أفاقتي من غيبوبة الموت والمؤامرة التي حاكها حولي طامع في بضع ملايين ورثتها عن أبي .. لم أصدق ما سمعته وكيف تطابق وحديثها معي وأنا مخدرة .. تلك العظيمة فضلت الرحيل طواعية لتهبني الحياة والحرية ..

ليست هناك تعليقات: