رؤية نقديــــــة
وكر الذيب تجسيد لشريعة الغاب...
واخفاق في الرؤية الدرامية
عامرالفرحان
عرضت قناة البغدادية خلال شهر رمضان مسلسل "وكر الذيب "وهو صراع بين الحق والباطل واضحى لنا ان كفة الحق ضعيفة اذ تعرض ابطالها الى القتل والتنكيل والتشريد بعد موت شيخ العشيرة"الشيخ عزام"وقد حقق المسلسل نسبة مشاهدة لاباس بها فلا يخلو من العاطفة والرمزية والحبكة الدرامية مع الارباك والخمول نوعا ما.
من خلال المشاهدة المتانية للمسلسل جاءت العديد من التساؤلات النقدية التي تصب في عمق العمل الفني والسلبيات التي انهكت العمل وحقق تراجعا في شعور الانتماء للحياة العراقية فمن خلال اللهجة العراقية تعرف بلا جهد انها شريحة اجتماعية وصراع من جنوب العراق ،منطقة اغرقت بالباطل بالقتل والسلب والنهب وبشكل مفرط.
كاتب السيناريوالاستاذ "حسين النجار - حيدر منعثر " نقول متى كانت منطقة عراقية في الجنوب منعزلة تماما عن وجه السلطة ولو على مدى قرن من الزمان وهي ترتكب هذه الوحشية "شريعة الغاب"القوي يأكل الضعيف والدم مسفوحا بجرائم متوالية دون توقف، ولو آمنا انها حياة اقطاعية فلابد ان نؤمن بوجود الاستعمار العثماني ثم البريطاني الذي كان يحرك ادوات الحياة في شمال وجنوب العراق والذي اعطى صلاحيات لشيخ القبيلة بتوليه امور العامة بشكل كبير ومطلق..لقد اخفق المخرج "ايمن ناصر "في تحرك الحياة داخل المسلسل من خلال استخدام اسلحة الجيش العراقي السابق بندقية كلاشنكوف اضافة الى الرمانات اليدوية التي عرضت في مشاهد المشجب للعشرة مع التفجير يوم زفاف عادل والتي تعطينا بشكل منطقي الحقبة التاريخية والتي تصل الى خمسين عاما او يزيد على ذلك قليلا وهذا يعني بشكل مؤكد ان الفوضى التي عرضها المسلسل كانت افتراضية من قبل كاتب السيناريو كما ان استخدام البيئة لتمثيل النص كانت وهمية لم تحقق الانتماء بين النص والفنان وبين المسلسل والمتلقي وان الاشجار التي عرضت لم يتخللها النخيل الذي هو سمة تمثل حياة جنوبنا الحبيب .
في يوم وفاة الشيخ "عزام "بالغ المخرج في عرض بكاء النساء واعطى فلكلورا منافيا للحقيقة ومملا مما احدث ترهلا في حجم الواقعية التي يحتاج لها الموقف ،يضاف الى ذلك شخصية "عسكر" التي ادمنت على شرب الخمور بافراط وتفريط وحسام الرسام "صبر"الشخصية الرومانسية الاستعراضية والعاشقة ففي احد المشاهد وخلال الحوار مع حبيبته شط المخرج بعرضه غناؤه الغزلي في وضح النهار واخرى في المساء وكأن الرسام جاء لتسجيل اغنية لاعلاقة لها باحداث مسلسل الذي يفترض عليه اقناع المشاهد، بالزمان والمكان...تجاهل شكوك المتابعة ويشعرك بالحشو غير المسوغ بهدف اتمام الحلقة وهذا الحال نفسه في كل المناسبات التي احياها الرسام مع الراقصات العاريات وباختصار شديد لقطات ترويجية بعيدة عن الهدف الدرامي الناجح ناهيك عن ذلك انها تصوير لحقبة تاريخية كانت العصبية القبلية باوجها ترفض الانحلال الذي صوره برؤية فاضحة غير محسوبة الخطوات مما ولد تجافيا كبيرا عن حقيقة الامر الذي يعرفه العراقي.
الشيخ "مزعل" كان عاشقا لفتاة من عرب المتجبر عمه الشيخ "سلام" وهي ابنة "راهي "فأستعان باحد رجال مجهول لخطفها "أنهابة " واقام احتفالا صاخبا"عرسا" يصلح ان يكون في منتجعات عالمنا اليوم سوى الديكور المستخدم ،توافق هذا بعد وفاة والد"مزعل" باسبوع فهل يعقل ذلك ...كان الاحرى ان يسلط الشعور العاطفي من الابن والعشيرة بالحزن خير من وقت "الرقص "الفاضح "الذي أساء للمسلسل وهو خطأ وقع به كاتب النص واثنى عليه المخرج دون معالجة وكان الاحداث وتسويقها جاءت برؤية شخصية وبمنأى عن الواقع الحقيقي، والامر الاخر ان عمه الشيخ "زبون"كان حاضرا في الاحتفال الذي اقامه مزعل يعني بصورة او اخرى المشاركة الفعالة في وصمة العار والاستهانة بأعراض الاخرين مشاهد فيها اساءة لمشايخ جنوب العراق فمن منا لا يعلم مدى التزام العشائر بقضية الشرف وقد اظهر المخرج الاسفاف والتهاون للعشائر والتزاماتها الاخلاقية.
"عادل" تلك الشخصية التي كانت تحمل النبل والاخلاق والتي عول عليها المشاهد كثيرا في حمل اعباء المهمة الانسانية والاخلاقية لتخليص الناس من الظلم الذي يمارسه الاقطاع من قهر وحرمان الا انه في وقت قتل الشيخ سلام اخذ مجموعته واناخ خارج القرية ولم يتمكن من فعل شيء للفوضى التي عاث بها حازم"غالب جواد" قتلا وتنكيلا بالناس ونهاية "عادل" الموت..او الاختفاء منذ ليلة زفافة على حبيبته ذهب"الاء حسين " واجراء عملية التفجير عليهما..
عادل- شخصية تعامل معها المخرج بشكل هزيل وضعيف وكأنك تشعر ان ذلك مقصودا لتكون كفة الحق مغلوب عليها.. كما عرض لنا المسلسل قتل مولانة"جعفر" امام مسجد القرية وان "عادل" قد اقسم لن يرتدي "العقال" حتى يقتص من الفاعل ولكنه مات وظهر لنا في الحلقة الاخيرة يمشي خلف الجموع وقد وضع العقال على راسه يوم اجتمع الناس على قتل الشيخ حازم السؤال مافعل هذا البطل نكاية بالعدو او الباطل سوى البرود والتنظير والهزيمة بل لم يحقق موقفا واحدا يستحق الذكر... وفي وقت "انهابة" ابنة راهي قال عدل لوالدها - ارفع راسك الشيخ سلام يكره مزعل اذا قتلته يفرح واذا اقتلك يفرح ،مزعل يحب بنتك ولايهمك – صور لنا سهولة الموقف وعدم اهميته فقد اهان الكاتب الشخصية الجنوبية وخلق الهزال لها وانتج شخصية باتت عبأ على الاحداث،فالشخصية العراقية الحقيقية تموت من اجل العرض لا ان تداهن للفاعل وكل شيء ممكن التهاون به الا ذلك الموضوع ولعل ذلك اشارة الى اننا جميعا علينا الاستهانة ببعضنا...؟؟؟
حازم ابن ترجية على مدى عشرين حلقة يرتدي "دشداشة "نيلي اللون هل عجز المخرج ان يلاحظ ذلك مع الكادر المتخصص بقضية الماكياج والملابس ولم يستبدلها الا ليلة زواجه ..كما اننا لانعرف سر التركيز على امه ترجية دون ابيه "عدنان"وان كانت امه يلاحقها عارا معينا الا ان ذلك بات مزعجا ومملا ...
الشيخ حازم "غالب جواد " تولى امر الفلاحين خلفا للشيخ سلام وبابشع الطرق قتلا وسلبا وضربا وقد جمع اللصوص وقطاعي الطرق وترى الجميع مذعنين له وكانهم موتى لاحياة لهم ،كان من المفترض ان يصورالمخرج اشد حالات الفقر للفلاحين ليتناسب مع حجم الخضوع والذل امام طغيان الاقطاع ... في حين وجدناهم رقصا وطربا وعلاقات غرامية وملابس جميلة فخرج العمل يشكو الارباك وانحسار الترجمة الاجتماعية للجمهور العراقي الذي يثور بشدة في الظروف القاهرة ،يبدو انه الكاتب والمخرج استبدل طبيعة الجمهور العراقي اسوة باستبدال البيئة الوهمية التي صورها لنا من خارج البلاد.
الناس اجتمعوا وقتلوا الشيخ حازم ولكن المخرج اظهره بطلا حتى عند موته اذ قتل يعقوب ابن شامة بحركة استعراضية تمثل البطولة ونادى "انا الشيخ حازم وما اخاف من الموت وحتى اذا متت راح اظل تذكروني وماتنسوني "تناسلت شخصية وقفت بشجاعة عند الموت مع الافعال السيئة التي رافقتها من اول حياتها حتى النهاية
وفي الحقيقة فان غالب جواد قد جاء متمكننا في تقمص الشخصية وخلق لها وجودا حفره في ذاكرة الاطفال فقد سمعت مجموعة منهم يقولون "آني الشيخ حازم"افتخارا بهذه الشخصية وهذا من اكبر السلبيات التي شنقت العمل.. فمن الواجب ان نزرع الفضيلة لا ان نحاربها ولربما كان لكاتب السيناريو وللمخرج ومآرب اخرى..؟؟؟
اظهر لنا المسلسل العلاقات الفاحشة مع النساء مما ابتعد عن الحياة الريفية وكيف تجمعهم القيم والتقاليد الاجتماعية اذا لم نقل الدين الذي هو راس كل شيء..
شخصية مولانه "جعفر" كانت ضعيفة وغير جادة وكان حديثة الديني مليء بالسطحية فمثلا الاية القرانية "يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة "تلاها كما يقولون في العامية "سالفة عرب"الموت يجيكم لوكنتم ابروج مشيدة"او بهذا القبيل فهل عجز الكاتب ان ينظم الافكار بالدعوة الى الصلاح والفضيلة بشكل يتلائم وحجم المهمة ،والكارثة الاخرى ان درسه في المسجد كان لشخصيات غالبيتها مع من لاعلاقة لهم بالاحداث الجارية "سد الفراغ" لااكثر او مجموعة اطفال،نحن نحتاج الى رجال القرية "وكر الذيب"اهل الشأن فكان وجود مولانة "جعفر "شخصية مجردة لااحد حولها وهي عارية من التاثير وفي النهاية قتلت.
وقع المخرج ناصر في خطأ كبير اذ عرض مشهدا في اخر الحلقات الثلاثة ان حازم يتحدث مع "جعفر "امام المسجد قائلا له "انتة باجر تبلغ عادل وجماعته يرجعون وتكول الشيخ حازم عفه عنكم وفي مشهد آخر- قد جاء الشيخ حازم مولودا جديدا اسماه عدنان "
ويظهر مشهدا اخرا وقد اصبح عدنان رجلا بعمر ثمانية عشر عاما والشيب قد اعتلا والده ومشهدا آخرا و"ذهب" تستبشر خيرا بعودة عادل فقد اعفى عنه الشيخ "وعليك عزيزي المشاهد والقاريء كيف يكون ذلك هل بقى عادل وجماعته في العراء كل تلك السنين انها احداث غير معقولة وغير منظمة ناهيك عن الشيب الذي ظهر في لحاهم والتفاوت في استخدام الماكياج بين عادل وامه مثلا او بين عادل وصبر لقد اخفق المخرج وكادر العمل في حفظ توازن المسلسل بالشكل المطلوب توافقا مع الواقع الذي تعيشه العائلة العراقية كما ان غارات الخيالة بين العشائر والقتول التي تقع هي مجرد اخبار ف"سوادي" تلك الشخصية اللطيفة "جا آنه موكتلت اربعة"انتشلها المخرج من ضحالتها لتصبح مع "التفاكة"ولكنها بقت تعاني الر كاكة والبساطة ولو قتلها كاتب النص لكان اخر ماتبقى من اهل الخير والصلاح اي رفاق عادل...
حظيظان- كانت اصعب الادوار التي عملت طيلة المسلسل واهم مافعلت هذه الشخصية هي التوثيق لعمليات الاجرام في وقت الشيخ حازم وقد سلم كل ذلك الى عادل املا ان يستخدمها ضد المجرمين للقصاص العادل (اذ لم يوضح لنا المخرج هل مات عادل يوم الزفاف ام انه حي لفك الالتباس في الموضوع فان كان حيا فتلك مصيبة لانه اكد انه جبانا وان كان ميتا فماذا يعني حضوره في آخر مشهد للعمل فاذا كان المقصود اشارة للحق فالحق لاياتي له الخير جاهزا كما عرض لنا كاتب النص وصدقه المخرج وبأي الحالين فلاقيمة لذلك فنيا ولاقيمة للحذر والمجازمة التي كان يمارسها حظيظان لحفظ تلك الوثائق لان هذا تصويرا لتكثيف الاحداث بلا معالجة درامية واضحة..انتهى العمل ولكنه يقرا عن تجربة جديدة وطموحنا ان المعالجة الدرامية تستوعب الحقائق بما يخدم الرسالة لاصلاح المجتمع لخلق نواة عمل جادة وحذف المشاهد الفاضحة فنحن نعيش بركات اعظم شهر في العام فمن واجبنا كمسلمين ان نحترم المشاهد وان نعينه لا ان نطعم عبادته ونخدشها من اجل الظهور والشهرة وتحقيق المكاسب علية فبرغم مواكبتي للمشاهدة الا انني اظطر بعض الاحيان الى قلب القناة هربا من مشاهد الصخب التي لاتليق بمستوى العائلة العراقية وثقافتها كما ان الفنان الحقيقي صاحب الرسالة ان لاينحدر مع النصوص التي تسيء لسمعته اولا والى الفن ثانيا ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق