د.سعاد محمود الامين
بنت من بنات الشوارع، خلاسية بعض عربية وبعض زنجية. شكلت جيناتها ملامحها من عرب صحراويين وزنوج من أفريقيا الحارة شموسها الهاطلة أمطارها المزدانة بالخضرة، ورثت أجمل الجينات السائدة من السلالتين. ولكنها نبتت فى الشوارع تتهادى بهذا الجمال الأخاذ الطول وجمال تقاسيم الوجه والشعر المنسدل على أكتافها ويكسوها لون كلون سنابل القمح. عرفت الحب الحقيقى، وليس حب الغرائز، أحبت الدود الفتى الأسمر، رفيق الشارع .منذ أن قدمت الى هذه المدينة، بعد أن لفظتها إحد الشاحنات القادمة من مناطق التماس، فى أطراف المدينة وتفرق الجمع . أخذها الدود الفتى الأسمر المفتول العضلات، الذى أبدا نضوجا مبكرا وهو فى سن المراهقة. بسط سطوته على جميع شوارع المدينة. الكل يهابه لذلك لقب بالدود الأسد. أعلنها منطقة محرمة هذه البنت . من أراد أن يعجل برحيله فليقترب منها بسوء . أكنوا لها أولاد الشوارع كل الإحترام. كانت عطوفة على صغار الشوارع تعتنى بهم فى مرضهم وكل ما يشكل تعاسة لهم. غير فقدان الأسرة والماوى. كانت مرحة وثرثارة كثيرة الضحك لذلك أحبوها .فى تسكعها اليومى تجلس فى الصباح قبالة بوابة المدرسة تنظر الى التلميذات. وتنبعث أصواتهن يرددن الأناشيد والحساب .. وكل العلوم. تنتظر هكذا حتى ينتهى اليوم الدراسى فتعود تبحث عن الدود ليوفر لها الماوى. لتبيت آمنه من ذئاب الليل من البشر. ولانها كثيرة الثرثرة. كان من السهل عليها التعرف على الست علويه عندما رأتها تحمل شنطتها وصغيرها يقاوم السير معها فى خط مستقيم.. تهرع اليهاوتحمل الصغير حتى المنزل وتحادث الست علوية عن رغبتها فى دخول المدرسة .أ قنعتها الست بأن ذلك مستحيلا فهى بنت شوارع ليس لها شهادة ميلاد. وقد تقدمت فى عمر المدرسة. ولن يوافق أولياء الأمور أن يختلط ابنائهم بالمشردين .حزنت الخلاسية وواصلت الجلوس الصباحى وحفظت نشيد العلم تردده التلميذات فى الداخل وتردده من خارج السور. رأتها النعمة بت العشم فطلبت منها أن تعمل معها فى جلب الداندرمة. نظير بعض النقود فوافقت . وفرحت بمهنتها الجديدة لأنها ستجعلها تتعامل مع التلميذات والمعلمات. كانت تنظر اليهن فى غدوهن ورواحهن وتتمنى ان تكون معلمة ولكن أحلامها الصغيرة لن تتحقق . أخبرت حبيبها الدود الذى كان يوفر لها كل ماتريده لا تجوب الشوارع. ولاتقع فى قبضة السلطات فيطمعوا فى جمالها. إذ يعرف مايجرى على بنات الشوارع فى مخافر الشرطة لقد شاهد بام عينه. لأنه كثير العراك كانت المخافر قد خبرها مبكرا.
جاء فصل الشتاء وكسى المدينة ثوبا باردا وعاصفا. وإنتهى عملها فى جلب الدندرمة وقل جلوسها أما م بوابة المدرسة. وصارت تتسكع مع فتاها عند كل شروق شمس ياتيها فى مخبئها وينطلقا فى شوارع المدينة. والاف العيون تراغبها وأخرى تشتهيها . كان يخاف عليها كثيرا ويخشى فقدانها فقد شكلت له وجدانه وعرف الحب معها وشعر بالإنتماء عندما تنتظره لياخذها الى حيت الماوى ليلا.
كانت رياح الشتاء مستمرة فى زمجرتها ،وهى هائمة وحدها فى هذا الليل ،إذ أخبرها أولاد الشوارع إن الدود قد القت السلطات القبض عليه .وأودع فى الحراسة. فتملكها خوف جسيم، كانت تمشى والرياح تدفعها من ظهرها ،فهى تعلم إن اليل ملئ بالشرور وهى تخاف من الظلام والشياطين .الذئاب البشريه، التى تملأ جنبات الليل. واصلت سيرها حتى إذا مارأت حديقة منزل خلفية. بها بعض الشجيرات، وقد بلغ بها التعب والجوع مبلغه، تسللت الى الحديقة وفى جدول صغير جاف مغطى بأوراق الشجيرات التى أسقطتها الرياح ولا تزال مكومة بإهمال، فظنت أن هذه الحديقة المنزلية مهجورة. سوت مرقدها وأزاحت الأوراق والأعواد، وتكورت ملتحفة ذات القماش الذى أهدته لها الست علوية وكان قد أعجبها .مرقط وناعم ويشبه جلد النمر.
إسيقظت على صوت أقدام تتربص خلسة .وفجاءة إنهال على جسدها كمية من الرصاص لم يمكنها حتى أن تصرخ أوتستغيث لماذا. فجاءة صاح أحدهم انها بنت وليست نمر فاوما الجمع برؤسهم وهرولوا مبتعدين. بعد أن غطت الدماء جسد الفتاة وإنهار الحارس الذى أطلق الرصاص، لقد تلقى بلاغا فى ورديته من صاحب المنزل إن هناك نمر مختبى بين أوراق الأشجار فى حديقته. ولانه من الأسياد وصاحب المنزل الجميل وكلامة ثقة لابد ان تكون الفتاة نمرا .رغم إن الصباح مازال باكرا، إنتشرالخبر فى شوارع المدينة وهرول رفاق الشوارع الى المشفى ليتبينوا الحقيقة. وقد كان القتل خطأ غير مقصود.دفنت هكذا، دونت فى محاضر الشرطة وحفظ الملف ونقص الشارع فردا مؤثرا عندما لف الحزن أولاد الشوارع .ولم يستطيع أحدهم إخبار الدود فهو سيقضى فى السجن زمنا ليس بالقصير. قد إنقطعوا عن زيارته خوفا من بطشه فقد أوصاهم بها.
* من قصص للكاتبة تحت عنوان قص أفريقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق