ما وراء الباب السرى
فاطمة على ماضى
أخاف منها ...... ليس خوفا عاديا ولكنه خوفا مملوءا بالشك والرهبة ....، انه خوف من نوع آخر ، كأنك نزلت تحت الأرض لتعيش وسط عفاريت جهنم ...، أو كأننى أغلق القبر على وحدى مع شيطان ملعون ! ، أرى الشر أصبح متمثلا داخلها ، انها ليست مشاكل زوجية ..... ، ولست أنا ذلك الرجل الذى يخشى صياح أو سطوة امرأة ، ولكن خوفى منها كخوف الانسان عندما يمتلىء رعبا من شىء ما رهيب ! ، ومايزيد خوفى كتمانه ، شىء ما مريب فيها..... ليست زوجتى التى اعتدت العيش معها ، وكأنها تحولت الى شىء غريب عن حياة البشر ، أصبحت تتصرف تصرفات تدق الرعب فى قلبى بقوة كأننى أعيش مع ساحرة أو جنية ، لا أعرف ماذا حدث لها ، وأتمنى أن ينقذنى أحد من العيش فى هذا الرعب القائم ليلا ونهارا ، فشىء ما يجبر نفسى على العودة الى البيت بعد العمل وكأننى مسحورا .....
بدأت الأحداث الغريبة يوما ما عندما دخلت المطبخ لأسألها كم بقى من الوقت حتى تنتهى من احضار الطعام....كنت أتضور جوعا ، التفتت فجأة فسقط قلبى رعبا عندما رأيت عينيها حمراوتين فى نظرة مرعبة ، فدققت رأسى بيدى وقلت فى نفسى : لابد وأن ارهاق العمل أثر على عقلى ، ولكنى ظللت أفكر طويلا فى ما حدث غير مصدق ، حتى فاجأتنى بشىء آخر عندما صحوت يوما فوجدتها نائمة وفمها يخرج منه سائل أسود ! ، حينها تصورت أنها مريضة ، و لكن ما أثبت أن هناك شىء ما غير طبيعى ... ، ذلك اليوم حيث كنا نشاهد فيلما مرعبا ، كان أحد الشخصيات فيه ساحرا .... جلس وأشعل الشموع ورسم مثلث السحر ، حينها كنت مشدودا للفيلم ... ولكنها و قبل أن يقرأ الساحر التعاويذ ... ، وجدتها تصدر صوتا غريبا .... صوتا خشنا مخيفا ليس كصوت البشر ! ، وازدادت وتعالت صيحات الصوت البشع حتى تحولت مفاجأتى بما أسمعه الى ما يشبه شباك الخوف التى قيدت جسدى عن الحركة ....
ماذا يحدث ؟.... أهى مسحورة أ/م أننى أحلم ؟ ، ومن حينها امتلأ قلبى رعبا منها وتجنبت التعامل معها ..... ، وتعاقبت المواقف التى زادت من هلعى يوما بعد يوم ، مثل اليوم الذى نظرت فيه الى للمرة الأخرى بعينين حمراوتين ثم مشت نحوى فى ثبات .... ، تملكنى الخوف وغطى على عقلى ، فلم يبق داخلى غيره ...... الخوف ، ولم ينقذنى الا جرس الباب الذى شتت انتباهها وجعلها تدير رأسها وتفقد تركيزها نحوى ......
وكثيرا ما سيطر على عقلى اليوم الذى رجعت فيه من العمل و وجدتها قلبت رأسها الى الوراء وتمشى بالعكس !! ، ما هذا ؟!..... ، أهى ممسوسة ؟! ، .....كأنها تتعذب ...أو أن الشر احتل جسدها فجأة ؟ ! .....
1
حتى جاءت تلك الليلة الرهيبة .... كأنى أعيش فى بيت الأشباح ، تظاهرت بالنوم حتى أراقب تحركاتها فقامت وخرجت فقمت وراءها بحركة هادئة حتى لا تعلم أنى أراقبها ومشيت وراءها ، نزلت من الدور العلوى الى الأرضى ثم اتجهت الى القبو ، ياله من رعب أعيش فيه !، فما بدأت المشاكل الا عندما انتقلنا الى هذا البيت الذى كان يعيش فيه رجل طاعن فى السن وحده ، وكان ذلك الرجل معروفا بالتصرفات الغريبة وبأن له أيدى خفية ومعرفة بالجن والعالم السفلى ، فتبا لهذا الرجل الذى كلما تذكرته فى كل ركن من أركان المنزل ارتعش جسدى خوفا ...... ، وهاأنا وزوجتى الآن نعيش فى نفس البيت !
نزلت وراءها الى القبو فوجدتها أغلقت باب القبو وراءها ، ..... وضعت أذنى لأسترق السمع ....لم أسمع شيئا ، ماذا يحدث بالداخل ؟ ، أحسست بالقلق عليها فمازال قلبى يشفق على حالها .... كما أن الفضول كاد يقتلنى فعزمت على فتح الباب وبقلق وتردد فى البداية حركت أصابعى نحو المقبض ...، وفتحت الباب سريعا فلم أجدها !! ، أين ذهبت ؟! ، ولكنى سمعت صوتا .... صوتا بشعا مخيفا ، يزيد شراسة عن الصوت الذى صدر منها عندما شاهدت مثلث الساحر فى فيلم الرعب ! ، ولكنها ليست بالقبو ... ورغم ذلك أسمع الصوت بوضوح ...... اذن فأين هى ؟!
تتبعت الصوت حتى اكتشفت فتحة أرضية مغلقة بما يشبه الباب السرى ! ، ومع تأثير الصوت المرعب على أذنى ومع مفاجأتى بذلك الباب السرى ..... بدأ يدق عقلى فكرة مرعبة مجنونة ..... ، هل يوجد خلف هذا الباب وحشا ؟! ..... ، أم أن زوجتى نفسها تحولت الى .... ؟،انه صياح خشن لشىء غير آدمى ، بلعت ريقى بصعوبة فى غير استيعاب للفكرة ، واقتربت منه لأفتح ذلك الباب متوقعا شيئا رهيبا سيحدث ، ترى ما وراء الباب السرى ؟ .... ، ومع تسارع دقات قلبى فى عنف .... وثقل يدى وارتعاشها ... فتحت الباب لألاقى ما سألاقيه .... ، ونظرت الى الأسفل .....
انها غرفة سفلية !! ، يبدو أن المنزل به حجرات خفية لم أكتشفها بعد ! ، ولكنى لا أرى شيئا فيها ، ليس بها الا ضوء خافت يزيدها رهبة ، فهممت لأنزل ....
ولكن أمسك بكتفى شىء ما دفعنى الى الخلف بشدة حتى أن جسدى اصطدم بالحائط ! ، فنظرت حولى فى دهشة .... ، فسمعت صوتا عميقا قويا يقول : ابتعد من هنا ..... ليس مسموحا لك أن تدخل !!
ارتعش جسدى عندما نظرت حولى فلم أجد أحدا ، ان من يحذرنى .... شخص غير مرئى ! ، ولكنه ليس كصوت البشر ..... انه أعمق من ذلك ! ، شل تفكيرى ولم أستطع التحرك ....
ولكنى قلت فى هلع : من ؟ ! ..... من يتكلم ؟! ....
قال الصوت : لا تفعل نفس الخطأ الذى ارتكبته زوجتك ..... ، انها غرفة الأسرار ..... ليس مسموحا لأى بشر أن يدخلها ....
2
سألت فى هلع أكبر مفكرا فى زوجتى : وما مصير من يدخلها ؟ !
اقترب منى الصوت أكثر و قال بهدوء وثبات أزاد من خفقان قلبى :
لنا طرقنا الخاصة فى تدمير كل من يتطفل ويدخل الغرفة .....
اقتراب الصوت جعل لسانى معقودا لفترة ، ولكنى استرجعت كل ما فعلته زوجتى من تصرفات غريبة ومرعبة فسألته بحذر :
هل أصاب زوجتى الجنون ؟ ! ، ومن أنت ؟ ، و لماذا سميت بحجرة الأسرار ؟ ، ولماذا لا أراك ؟ ! ، لا أفهم شيئا .....
ثم اهتز صوتى خوفا وأنا أقول : أبشر أنت أم ....... ؟
رد الصوت بعنف : ليس لك أن تعرف اجابات كل هذه الأسئلة ، بل ليس لك حتى أن تسأل ، كل ما يمكنك معرفته أننى حارس من ثلاثة حراس ...... هم خدم غرفة الأسرار ..... ، أسرار اكتشفها العارف الذى بنى هذا البيت وعاش فيه حتى مات ، ودفن تلك الأسرار فى هذه الحجرة ، وأشار الى الباب السرى ......
سألته بغباء : أسرار ماذا ؟
قال الصوت : قلت لك ليس لك أن تسأل ، سيكن مصيرك مثل زوجتك اذا سألت ، انها فضولية ...... نزلت الى القبو و رأت ما وراء الباب السرى ، فكان جزاؤها أن استحوذ عليها أحد الخدم .... وجعلها كالمجنونة تفعل ما نشاء ، فلولا ذلك لكانت أخبرت كل من تصادفه بكل شىء ..... فسيطر الخادم عليها ومسها كأن مسها الجنون ......
أتتخيل أن معشر الجن لا يعرفون شيئا عنكم ؟ ، لكل منكم شىء يخيفه .... ، فمن الناس من يخاف الظلام أو الأماكن المهجورة النى ليس بها أحد ، وبعضكم يخاف المستقبل أو المسئولية ، كما أن بعض الناس يخافون الأبواب المغلقة أو الارتفاعات الشاهقة .... ، قد يكون الخوف بعيدا عنك أو قريبا.
ثم انخفض الصوت قائلا : وقد يكون أقرب مما تتوقع ..... أن يكون داخل نفسك ... يسيطر عليها ويوصلها لنهايتها ..... ، ولكن تذكر جيدا أن لكل منكم شىء يخيفه ، وقد يرتبط الجهل بالخوف .... ، ولكن ليس كل ما تجهله لابد أن تخاف منه ، وليس كل ما تجهله لابد أن تعرفه أيضا .....
فالكون مملوء بالأسرار والخفايا ..... لا يعرفها أى انسان وان عرفها سوف لا يستوعبها .... ، وان استوعبها سوف لا يستطيع استخدامها ، فلكل منكم غرفة أسرار مغلقة لا يعلم أحد عنها شيئا ، وقد يكون صاحبها جاهلا بها أيضا ، فدع هذه الغرفة وانظر الى الغرفة التى بداخلك .....
واذهب من هذا البيت .... انه ملك لنا ، وأى مالك جديد سنطرده حفاظا على ما لا يجب أن يطلع عليه أحد ......
قلت : و زوجتى ؟ !
قال : ستتخلص زوجتك من اللعنة بمجرد أن تخرجا من هذا البيت .
3
فخرجت زوجتى من أسفل ..... شاردة الذهن كالمسلوبة العقل ، فأخذتها وصعدنا السلم الى الصالة الواسعة وذهنى غارق فى التفكير و يتردد كلام هذا الصوت أو هذا الجنى .... أو أيا كان هو ....فكرت ....
هناك أسرار كثيرة فى الكون لا يحق لنا معرفتها رغم فضولنا وسعينا وراءها ، فاذا عرفها الناس ستكن أكبر من عقولهم أن يفهموها ، وقد يكون فائدة الخوف أنه يمنع الناس من الاقتراب منها .....
وهؤلاء الخدام .... قد يكونوا قتلوا هذا الرجل وكادوا أن يقتلوا زوجتى حتى يموت السر معهما ، وفكرت فى كلامه أكثر وأكثر وأنا أرتب ملابسنا فى الحقيبة ناظرا الى زوجتى التى اقترب شكلها من شكل المجانين ..... : على الرغم من الهلع الذى تملكنى وأنا أتكلم مع هذا الصوت الا أننى تنبهت به أن الانسان لا يعلم كيف يعيش الجن ..... ، كيف هى الروح .... ، ماذا يدور فى السماوات الأخرى أو حتى فى السماء الأولى ....
لا يعرف ما هو شكل الملائكة ..... ، أو ما هى القوى الخفية لهم أو حتى للانسان....
وما هو السحر ؟ .... ، وكيف يسيطر الساحر على غيره ويؤذيهم بتعاويذ غريبة معكوسة و غير مفهومة ؟ !
كيف ؟ ...... ما ؟ ..... ماذا ؟ ..... تساؤلات و أسرار كثيرة لا يحق لنا معرفتها فعلا ..... ، فليس كل الناس يستطيعون استخدام ما بأيديهم فكيف سيكون استخدامهم لهذه الأسرار العليا ؟ !......
و بعد خروجنا من البوابة الرئيسية لهذا المنزل الكبير المرعب نظرت الى وجه زوجتى ..... انها تعود لحالتها الطبيعية ، فسألتها : هل أنت بخير ؟
قالت فى دهشة وحيرة : ماذا حدث ؟ ! ، لا أتذكر أى شىء .... لماذا خرجنا من المنزل ؟!
قلت لها : سنذهب لنعيش فى بيت يناسب حجمنا .....
( تمت )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق