2011/09/14

مَوْقُوتَةٌ بِنَكْهَةِ الْبُكَاءِ...* قصيدة للشاعر أحمد حسن

مَوْقُوتَةٌ بِنَكْهَةِ الْبُكَاءِ...*
(فِي ذِكْرَى الْحَادِي عَشَرَ مِنْ سِبْتَمْبِرْ)

أحمد حسن محمد

نُعَزِّيكُمْ
وَنِصْفُ الْقَلْبِ يَبْكِيكُمْ

وَلَيْسَ شَمَاتَةً أَنَّا بِنِصْفِ الْقَلْبِ نَبْكِيكُمْ
فَمُنْذُ نَصَبْتُمُو فِي الشَّرْقِ مَسْرَحَ مَوْتِنَا الْعَرَبِيِّ..
ذَابَ النِّصْفُ فِي شَكْوَى مُمَلَّحَةٍ بِدَمْعٍ أَحْمَرِ التَّأْثِيرِ..
يَسْقِي الْمُتْعَةَ السَّوْدَاءَ فِي جُمْهُورِ نَادِيكُمْ

وَكَيْفَ سَيَشْمَتُ الْمَشْغُولُ بِالتَّفْتِيشِ تَحْتَ رُكَامِ قَرْيَتِهِ
عَنِ ابْنِ أَخِي الْفِلَسْطِينِيِّ..
أَوْ جَدِّي الَّذِي وَجَدُوا ذِرَاعًا مِنْهُ بَيْنَ ضُرُوسِ قُنْبُلَةٍ عَلَى بَغْدَادَ أَلْقَتْهَا أَيَادِيكُمْ
***
نُعَزِّيكُمْ! وَنَبْسُطُ كَفَّنَا الْخَضْرَاءَ فِي يُسْرَى سُرَادِقِكُمْ..
نربِّتُ أَظْهُرَ الأَيْتَامِ..
نُبْرِدُ صَدْرَ أَرْمَلَةٍ بِأَرْضِكُمُو..
وَنُدْفِئُ مُقْلَةَ الثَّكْلَى بِجَمْرِ الدَّمْعِ فَوْقَ خُدُودِنَا أَخْذًا بِخَاطِرِكُمْ..
وَنُوشِكُ أَنْ نُقَبِّلَ فِي السُّرَادِقِ كَفَّكُمْ هَذِي..
فَمَا زَالَتْ مُحَنَّاةً بِآخِرِ قَطْرَةٍ خَضْرَاءَ مِنْ دَمِ طِفْلَةٍ كَانَتْ
تُضِيءُ الْحَارَةَ الأُخْرَى
بِصَوْتِ اللِعْبِ طُولَ نَهَارِنَا الْمَصْبُوغِ بِالرُّعْبِ الَّذِي
نَزَفَتْهُ حَارَتُنَا بِحُمْرَتِهِ..
وَأَطَفْأَهَا عَسَاكِرُكُمْ

وَنُوشِكُ أَنْ نُقَبِّلَ فِيهِ رِجْلَيْكُمْ..
فَخُطْوَتُكُمْ
مُسَجَّلَةٌ عَلَى إِيقَاعِهَا الْعُرْيَانِ آخِرُ صَرْخَةٍ خَلَعَتْ
فُؤَادَ أَبِي بِصَدْرِ الْبَيْتِ..
قَبْلَ الْبَتِّ فِي مَشْيِ الْعَسَاكِرِ فَوْقَ جِسْمِ أَخِي الصِّغِيرِ..
وَلَمْ يَكُنْ فِي بَالِهِ إِلا بَيَاضُ الْجَرْيِ حَوْلَ الْجُرْنِ..
لَمْ يَكُ خَائِفًا مِنْكُمْ
----
وَكَيْفَ يَخَافُ طِفْلٌ لَيْسَ يَدْرِي
فَرْقَ أَضْوَاءِ الْفَوَانِيسِ
-الَّتِي يَلْهُو بِهَا أَصْحَابُهُ-
عَنْ لَمْعَةٍ فِضِّيَّةٍ مِنْ رِيقِ شَيْطَانٍ وَتَبْلَعُهَا خَنَاجِرُكُمْ


نُعَزِّيكُمْ.. وَنَبْسُطُ كَفَّنَا الْبَيْضَاءَ
مُعْتَذِرِين عَنْ إِزْعَاجِكُمْ مِنْ شَكْلِ كَفَّيْنَا اللتَّيْنِ بِلا أَصَابِعَ!!
مُنْذُ دَاسَ الجنْدُ كَفَّيْ قَرْيَةٍ كَانَتْ تُرَحِّبُ بِالْغُزَاةِ الطَّيِّبِينَ..
تَرُشُّ سُكَّرَهَا وَلَوْزَ الْوُدِّ مِنْ فَوْقِ الْبُيُوتِ عَلَيْهِمُ..
فَتَرَدُّ رَشَّاشَاتُهُمْ وَتُوَزِّعُ الدَّمَ فِي وُجُوهِ الْحَقْلِ وَالطُّرُقَاتِ وَالأَطْفَالِ
كَيْ تَسْتَمْتِعُوا فِي مِهْرَجَانِ الْفَتْحِ..
غنِّي يَابْنَتِي لِلتَّاجِرِ الآتِي يَبِيعُ لأَهْلِنَا عُصْفُورَةَ التَّحْرِيرِ
فَوْقَ الْغُصْنِ..
شَارِيَنَا بِأَرْبَاحِ التِّجَارَةِ...
إِنَّهُ الزَّمَنُ الَّذِي لا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَسْوَاقِ النِّخَاسَةِ وَالْوَطَنْ
{..... طَنْ.........طَ نْ.....}

وَيَابْنِي قُمْ لَهُم وَارْقُصْ بِكُلِّ مَحَبَّةٍ؛ وَاثْبُتْ عَلَى قَدَمَيْكَ مَهْمَا كَانَتَا خَشَبِيَّتَيْنِ..
فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ بِالأَمْسِ إِطْلاقُ الرَّصَاصِ عَلَيْهِمَا..
كَانُوا يَصِيدُونَ الْعَصَافِيرَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَى الْغُصْنِ الْخَفَيِّ..
لِكَيْ يَبِيعُوهَا لَنَا..
هُمْ مُلْزَمُونَ بِبَيْعِهَا مِنْ بَعْدِ أَنْ قَبَضُوا الثَّمَنْ
{..... مِنْ........ مَ نْ.....}

نُعَزِّيكُمْ..
وَنَبْسُطُ كَفَّنَا الْحَمْرَاءَ لا خَجَلاً..
وَلَكِنْ مِنْ نَزِيفِ الأَهْلِ حِينَ أَصَرَّ لَوْنُ الْعَجْزِ فِي دَمِهِمْ
عَلَى أَلا يُفَارِقَ كَفَّنَا الْخَضْرَاءَ مُذْ غَرِقَتْ بِبَحْرِ الْجُرْحِ..
لَمْ تَنْفَعْ ضِمَادَةُ حُبِّنَا لَهُمُ لِوَقْفِ نَزِيفِ حَسْرَتِهِمْ..
وَفِي حَسَرَاتِكُمْ جِئْنَا نُشَاطِرُكُمْ

نُعَزِّيكُمْ بِكَفٍّ مِنْ ذِرَاعِ الصِّدْقِ وَاحِدَةٍ..
فَهَذِي كَفُّنَا الأُخْرَى تُعِيدُ خِيَاطَةَ الْكَفَنِ الْجَمَاعِيِّ
الَّذِي لَمْ يَكْفِنَا بِالأَمْسِ..
كُنَّا فِي الطَّرِيقِ إِلَى سُرَادِقُكُمْ بِكَفَّيْنَا..
وَلَكِنَّا تَعَثَّرْنَا بِأَلْفٍ مِنْ أَهَالِينَا مُقَطَّعَةٍ إِلَى ملْيُونِ شِلْوٍ..
فَانْثَنَتْ كَفٌّ تُعَزِّيكُمْ..
وَكَفٌّ تَجْمَعُ الأَشْلاءَ مِنْ طُرُقَاتِ تَارِيخٍ بَكَاَكمْ فِيهِ نِصْفُ الْقَلْبِ..
لكِنْ نِصْفُهُ الثَّانِي وَجَدْنَا مِنْهُ أَنْسِجَةً مُقَطَّعَةً مَعَ الْمِلْيُونِ شِلْوٍ..
حَيْثُ مَرَّتْ عَبْرَ قَرْيَتِنَا قَوَافِلُكُمْ

نُعَزِّيكُمْ..

وَفِينَا ضِعْفُ أَضْعَافٍ لِمَا فِيكُمْ

وَنَعْرِفُ أَنَّنَا مَهْمَا مَكَثْنَا فِي سُرَادِقِكُمْ..
وَوَاسَيْنَا أَرَامِلَكُمْ
وَثَكْلاكُمْ
وَقَبَّلْنَا يَتَامَاكُمْ..
سَيَبْقَى خَادِمَ الْمَعْزَى يُقَلِّبُ
-فِي فَنَاجِينِ الْمُعَزِّينَ-
الدَّمَ الْعَرَبِيِّ فِي شَغَفٍ..
وَيُعْطِينَا لِنَشْرَبَ قَهْوَةً مِنْهُ، وَيُعْطِيكُمْ

وَنَعْرِفُ أَنَّ يُمْنَاكُمْ هُنَا فِي حِضْنِ يُمْنَانَا تُصَافِحُنَا بِمُفْرَدِهَا..
وَمُمْسِكَةٌ يَدَ الْفِنْجَانِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْمَعْزَى بِمُفْرَدِهَا..
فَيُسْرَاكُمْ تُمَارِسُ سُكْرَهَا الدَّوْلِيَّ فِي بَغْدَادَ
مِنْ كَأْسِ الدَّمِ الْمَدْفُوعِ أُجْرَتُهُ دَمًا فِي حَانَةٍ بِالْقُدْسِ يَقْبِضُهُ قُضَاةٌ مِنْكُمُو فِيكُمْ

نُعَزِّيكُمْ.. وَنَعْرِفُ أَنَّنَا مَهْمَا خَلَطْنَا دَمْعَنَا الأُمِّيَّ بِالثَّلْجِ الَّذِي
يَكْسُو أَدِيمَ قُرَاكُمُ الْبَيْضَاءِ...
وَاعْتَرَفَ الْبَيَاضُ لَكُمْ بِأَنَّ الدَّمْعَ أَصْدَقُ مِنْهُ..
رَغْمَ الْحُمْرَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَسْفُوكِ مَعْنَاهَا
بِطَعْمِ الدَّمْعِ فِي شَفَتَيْ أَرَاضِيكُمْ
وَرَغْمَ الشُّهْرَةِ الأُولَى لِقُدْرَتِكُمْ عَلَى التَّمْيِيزِ فِي النَّكَهَاتِ
إِنْ ذُقْتُمْ..
وَقَدْ ذُقْتُمْ دَمَ التَّقْوَى بِصَحْنِ دُمُوعِنَا الْيَوْمِيِّ فِي شَفَتَيْ مَطَاعِمِكُمْ
وَذُقْتُمْ مِنْ سُخُونَةِ صِدْقِهَا الْمَسْفُوحِ مَا يَكْفِي لِيُقْنِعَكُمْ.....
----------
وَأَقْنَعَكُمْ
وَلَكِنْ أَيُّ مَصَّاصٍ دَمًا يَرْضَي..
لِنَطْمَعَ أَنَّ شُرْبَكُمُو لِدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ دَمًا سَيُرْضِيكُمْ؟!

نُعَزِّيكُمْ!! وَنَرْجُو أَنْ تُفَتِّشَنَا عَسَاكِرُكُمْ إِذَا جِئْنَا سُرَادِقَكُمْ..
------
وَفُتِّشْنَا
وَنَعْرِفُ أَنَّهُ لَوْ أَنَّ كُرْسِيًّا تَفَجَّرَ فِي سُرَادِقِكُمْ
لَكُنَّا أَوَّلَ الفُوَّازِ بِالتُّهَمِ الَّتِي تَنْهَالُ مِنْ حَرَكَاتِ أُصْبُعِكُمْ..
وَآخِرَهُمْ..
وَنَعْرِفُ أَّنَّكُمْ مَنْ فَجَّرَ الْكُرْسِيَّ..
أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ مَنْ لَمْ يُفَتَّشْ فِي السُّرَادِقِ..
وَلْتَشَمُّوا الْبَصْمَةَ السَّوْدَاءَ فِي وَرَقِ الدُّخَانِ عَلَى جِدَارِ الْجَوِّ
يَخْرُجُ مِنْ مَلامِحِهَا أَصَابِعُكُمْ..
وَلَكِنْ كَيْفَ ضَحَّيْتُمْ بِأَهْلِيكُمْ وَفَجَّرْتُمْ مُعَزِّيكُمْ

عُمُومًا..
نَحْنُ فِي عَجَلٍ...
وَددْنَا لَوْ بَقِينَا فِي سُرَادِقِكُمْ نُلَمْلِمُ بَاقِيَ الْكُرْسِيِّ
نُقْرِضُكُمْ مِنْ الَجَفْنَيْنِ دَمْعًا صَادِقًا حَتَّى
يَصِحَّ بُكُاؤُكُمْ فِي حَضْرَةِ الْمَوْتَى..
سَنَمْشِي نَحْنُ..
خَبَّرَنِي أَخِي فِي هَاتِفِي النَّقَّالِ:
أَنَّ الْجُنْدَ -صُبْحَ الْيَوْمِ- ذَبَّحَ طِفْلَةً بِجِوَارِ بَيْتِي
زَوْجَتِي كَانَتْ تُوَصِّلُهَا لِبَابِ (الْبَاصِ)
وَاتَّهَمُوا بِنَسْفِ (الْبَاصِ) أُمِّي رَغْمَ قُفَّازَيْ عَجِينٍ فِي يَدَيْهَا..
رَغْمَ كُـمٍّ مِنْ (دَقِيقٍ) حَوْلَ مِعْصَمِهَا..
وَحَمَّامٍ مِنَ الْعَرَقِ الْمُصَفَّى الأَحْمَرِ الدُّرِّيِّ فَوْقَ جَبِينِهَا وَخُدُودِهَا
يُخْزِي شَيَاطِينِ الْحُرُوبِ؛ وَلَيْسَ يُخْزِيكُمْ

وَقَبْلَ الْمَشْيِ مُضْطَرٌ إِلَى الإِفْصَاحِ عَنْ مَعْنًى يُشَوِّكُ لَفْظُهُ حَلْقِي:
فَحَتَّى الْمَوْتِ رُحْنَا فِيهِ نَغْبِطُكُمْ
لأَنَّا قَدْ بَكَيْنَا فَوْقَ رَأْسِ الْمَيِّتِ الْغَرْبِيِّ...
لَكِنَّا سَنَرْجِعُ لِلْقُرَى نَبْكِي عَلَى جَسَدٍ نَسَفْتُمْ رَأْسَهُ لَمَّا تَرَاهَنْتُمْ
عَلَى التَّصْوِيبِ عَنْ بُعْدٍ..
وَمَنْ سُيُجِيدُهُ فِيكُمْ

وَلَكِنَّا

( وَنَحْنُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ..
حَصَاهُ رَصَاصُكُمْ..
نَنْهَارُ فِي نَهْرِ الدَّمِ الْمَحْفُورِ فِي بَصَمَاتِ أَيْدِيكُمْ)

أَتَيْنَاكُمْ نُعَزِّيكُمْ



هناك تعليق واحد:

محمد ملوك يقول...

بالتوفيق والسداد
تحيتي ومودتي