د.أمجد ريان :فاتن شوقى شاعرة يحسدها الشعراء
قصيدتها لها تميزها ، وخصوصيتها ، ومعجمها ورؤاها
كتب/ إبراهيم حمزة
فى سهرة بديعة أعادت للأذهان تجليات ماض جميل ، عاش فرع اتحاد كتاب مصر بالدقهلية ودمياط يوما ممتعا مع ديوان بالعامية المصرية عنوانه " الفيض يرمى لنا التسابيح " للشاعرة فاتن شوقى ، وقد كان لحضور الشاعر والناقد الكبير دكتور أمجد ريان دوره فى حالة الوجد والصفاء الذى خيم على الندوة التى أدارها ببراعة الشاعر والمترجم عبده الريس ، الذى بدأ الجلسة بدعوة الشاعرة لإلقاء قصيدة من قصائد الديوان ، فاختارت قصيدة " ميدان الثورة " والتى يقول مطلعها :
يا وحي الشعر اسعفني
و إنصفني و إعصفني
و صُب عليا من فِيْضكْ
سيول القُـُول
غِيْر المُعتاد
سهام الفرحة .. تجرحني
تطّوحني
و تطرحني
شهيدة بطلقة الثورة
فأعلو سِدرة الأمجاد
_ د. أمجد .. وسباحة عارف بالبحر :
بدأ الشاعر والناقد دكتور أمجد ريان سباحته فى " فيض " تسابيح الشاعرة ، بترحيبه الشديد بلقائه بأدباء المنصورة ، مؤكدا أنه يكن لهم تقديرا واحتراما بالغين ، وأن بينهم رجلا بقيمة فؤاد حجازى ، الأديب العربى الكبير ، بتجاربه وإبداعه ومواقفه ، ثم أشار أن للنقاد طريقين : إما كتابة ورقة يقرأها الناقد ، ويريح باله ولا شأن للنائمين به أو بما يناقش ، أو تأمل الظواهر الفنية فى الديوان من خلال اللحظة التى يلقى بها محاضرته ، وقال أنه يقف فى منزلة بين المنزلتين مفضلا وضع عناوين رئيسية ثم التحدث شفاهة عنها .
أشار د. امجد أنه وكثيرون سيحسدون الشاعرة كثيرا ، فلديها رؤية عميقة ولغة مميزة ، وإحساس ثائر فائر بقضايا بالغة التعقيد فى التعبير الشعرى عنها ، ولديها قدرات فنية يحسدها عليها غيرها .
ثم أشار لتاريخ شعر العامية ، عبر أول جذوره فى العصر الحديث عبد الله النديم ، الذى تفرع بعدها عبر نبتة راسخة عميقة الجذور هو بيرم التونسى ، ثم عبر شاعرين يمثلان مدرستين هامتين فى الآداء التعبيرى العامى : مدرسة جاهين ومدرسة حداد ، وإن كان حداد " أشعر ، فقد كان جاهين " أشطر " وأقرب للتلقى بحكم يسر معانيه على صعوبة تقليدها ، ثم انبثقت عن هاتين المدرستين سيول وفيوض شعرية ، فتتلمذ الأبنودى وقاعود ونجم وسمير عبد الباقى على اتجاه جاهين ، بينما تتلمذ عاشق جاهين الأول : سيد حجاب على طريقة فؤاد حداد ..
ثم بدأ د. أمجد ريان فى التوقف عند الإهداء المميز للشاعرة لميدان التحرير ، مؤكدا أن عتبة النص تمثل جزا من الديوان ذاته ، وأن الشاعرة صنعت تلاحما قويا بين الديوان والإهداء ، عندما كتبت الإهداء إلى ميدان التحرير ( عبقرية المكان الذي تخمر فيه الوجع المصري فصار بانوراما مصرية عربية أذهلت العالم بثورة 25يناير ) ومع أول كلماتها فى قصيدة " ميدن الثورة ناجانى " تنحاز الشاعرة انحيازا تاما للشعر ذاته عبر مطلعها " ياوحى الشعر
يا وحي الشعر اسعفني
و إنصفني و إعصفني
و صُب عليا من فِيْضكْ
سيول القُـُول
لقد اختارت الشاعرة بحرا متراقصا عذبا متناسبا مع بهجة مشاعرها بالثورة ، فاختارت الهزج الراقص " مفاعيلن مفاعيلن " بقدرة تؤكد فهمها لطبيعة التلاقى بين المعنى والبحر المعبر عنه ، وادت الشاعرة فى تضفير المستويين اللغويين : العامية بالفصحى ، عبر كلمات مثل (فأعلوا سدرة الأمجاد ) وهو ليس ارتقاء بالعامية كما يقول كثيرون ، لكنه تضفير وتشبيك طيف يؤكد أن اللغة وسيلة تعبيرية للوصول إلى الروح ومغانيها .
ـ ملامح عامة للديوان :
ويرصد الناقد بعض ملامح الديوان ، فيرى الشاعرة تهتم وتصغى للجانب التاريخى ، كقولها مثلا (يكون بيننا قابيل وهابيل) (تهز عروش لأقوام عاد ) إلخ .
ثم يتوقف الشاعر مع ملمح طريف وبديع من ملامح الديوان ألا وهو المقدرة الفنية الراقية لدى الشاعرة فى خلق الكاريكاتير الشعرى ، عبر المبالغة والتوقف اللحظى أمام الصورة المشهدية للحظة الشعرية ، وهو ما يشير لمدرسة تعبيرية لها دورها وكيانها ، تقول مثلا :
جمعوا الكتاكيت ؛ صبحت لمّة
يللا بسرعة وفين الهمة ؟
إلبس منك له دى العمة
والكتاكيت راحوا عاملين قمة
كتكوت ومجاش ، بعت النايب
كتكوت جى عشان يتاوب
واحد تانى فى أخوه قام عايب
كل كلامهم لبنّه رايب
ثم يتوقف الناقد بعمق ووعى عند قدرات الشاعرة الموسيقية ، من خلال اختيارها لقواف صعبة ونادرة الاستخدام، هذه القوافى تجعل القارئ لا ينسى ما قرأه أو سمعه للشاعرة ، فانظر للإصاتة [ الإصاتة تشير للتقارب الصوتى فى الحروف العربية ] فى قولها مثلا (قعدت فرشت .. نبشت لحّت )
ولدى الشاعرة روح ساخرة شديدة الوضوح ، فى تعبيرها عن رؤاها السياسية .
ـ الحس الغنائى :
لدى الشاعرة كما يطرح ناقدنا الكبير أمجد ريان حس غنائى باهر وبهى على طول الديوان ، ولديها قدرة على ابتداع أغنية مثلما رأينا فى قصيدة " لما تعشش فيك الطز " والتى اندهشت لتوظيفها لهذه اللفظة – هكذا يقول ناقدنا – لكنها تملك جرأة توظيف ألفاظ كادت تندثر ، وهى بهذا تقوم بدور قد لا يستطيعه مركز أبحاث كامل ، فالشعر يقرأه الناس بينما جهود مراكز الأبحاث تظل خبيئة الجدران بكل اسف ، هى تلتقط لفظا وتعيد توظيفه بقدرة عالية ، تقول مثلا ( شبط ـ عبط ـ لبط ـ عاككها ـ يبلبط إلخ ..
ويشير الناقد على الشاعرة أن تسعى جاهدة للتخلص من كافة الرموز والألفاظ القريبة من المتداول ، فكلمة مثل " طز " قد تذكر ببطل القاهرة 30 مثلا .
فى قصيدتها الرائعة" الفيض يرمي لنا التسابيح" – يقول الناقد د. أمجد ريان – التى أعطتها عنوانا للديوان ، نحن أمام قصيدة طويلة النفس ، ربما بشكل به مبالغة قليلة ، لكننا أمام كنز فنى حقيقى ، هنا رصد مثير وجميل للعلاقة بين الناس والنيل وها هى التركيبة النيلية الأصيلة تتجلى عبر لآلىء الصور المدهشة والمتوالة التى تثيرنا بها الشاعرة وتؤكد قدرتها الفنية ببراعة لا حد لها .
فلننظر لقولها مثلا
ـ بريق الحق .. يشق سواد الزيف
_ يدن في ودان الصمت يصيح
و كذلك
ـ يتوضى البرع من نيلى : صورة مذهلة لم أقرأ شبيها لها ، فالبرعم : النبت .. الطفل ، الفكر الجديد ، ينمو على النيل ويشرب منه لكنه يتوضأ ، فيالها من صورة .
-و كذلك النيل عطشان للحي : فكيف يعطش النيل و هو السبيل لري عطش الناس
يستكمل الناقد رؤيته البهية للديوان ، محذرا الشاعرة من إنكار ذاتها ، وعدم تعبيرها عنها ، فهى شاعرة غيرية ، وأمامها فرصة طيبة للتعبير عن ذاتها هى ، وضرب مثلا بقصيدة " العمة جاية " لتعدد دلالات الرمز إذا أجاد الشاعر العمل عليه ، مثلما فعلت الشاعرة فى هذه لقصيدة ، تقول منها :
و المُهر شادوه.. كالخِراف
على مرأى كل الصامتين
تلقاه متين ...ماشي لقضاه
عالي الجبين
تلقاه يناجي المشنقة
و المأمأه
و الخوف.. يلملم حِسهم م الأ لأه
ويلتقط الشاعر الناقد د. ريان صورة لافتة فى قولها
اخلع هدوم العولمة ، تلقى أمَه .
مشيدا بها وببراعتها وبعدها الفكرى ، ثم يتوقف مع الجزء الأخير من الديوان " ترنيمات " مؤكدا على قدرة الشاعرة على التكثيف الذى يدعوها إليه ، من خلال قدرتها على كتابة القصائد القصيرة sort text كقولها
عصفور يناجي الكون بعِلْو الزقزقة
بين الشجر ينتقل يرمي الوجع و الشقى
الصيد شبح يرصده ... مرعوب لساعة اللقا
غدر البشر يقصده و يعد له المشنقة
بين العيون .. مفتون.. بروعته و ما رأى
و لا يدري إنه حزين و روحه متمزقه
ثم ينهى الناقد رؤيته بالتأكيد أننا أمام شاعرة كبيرة بكل المقاييس ، لها تجربة عريضة وعميقة ، ولديها قدرات هائلة .
بعد ذلك تتداخل المنصة مع الناقد والشاعرة عبر أصوات الحضور : محمد عبد المنعم ، فرج مجاهد ، فاطة الزهراء فلا ، إبراهيم حمزة ، وحيد راغب وآخرين .
وقد أشرقت الندوة بحضور عدد كبير من المبدعين الكبار على رأسهم "حارس الجيل وشيخ أدباء الأقاليم فؤاد حجازى ، و الشاعرة فاطمة الزهراء – رئيسة الفرع – التى حضرت رغم الظروف الشخصية شديدة الصعوبة والروائى على حليمة ، والروائى السعيد نجم .. وكافة ألوان الطيف الإبداعى بالدقهلية ، وافتقدت الندوة إطلالة أديبنا الكبير محمد خليل ، شفاه الله وعافاه .
شهادة جديدة لفرع اتحاد الدقهلية بالتميز والقدرة على إنتاج ثقافى محترم
هناك تعليق واحد:
يا صديقى الأجمل والأعز أحمد بك طوسون
والله أستاذ أحمد إنى مدين لك دائما ، تخجلنى بكرمك وذوقك وأخلاقك وعطائك البهى الباهر دوما .. كنا من يومين بدمياط مع العم سمير والعم محسن والبوهى وكثيرين ، وتحدثنا عنك كثيرا بكل الخير ، وهم يرسلون لك سلاما يليق بك وبمجدك .. بالمناسبة قرات قرأت المجموعة والرواية ، وأعجبتنى القصص الأولى فى المجموعة أيما إعجاب .. أما الرواية فرغم الأجواء المقبضة ، فهى تستحق أن تفخر بعمق رؤيتك فيها ، أكيد لنا لقاء يليق بمبدع مثل أحمد طوسون .. كل المحبة .
إرسال تعليق