ذكور بائسة التجربة القصصية الرابعة للقاص والشاعر الأردني عمار الجنيدي
هذه التجربة القصصية الرابعة للقاص والشاعر الأردني عمار الجنيدي الذي قدم أيضا أربعة دواوين شعرية خلال خمسة عشر عاما، وفي هذه التجربة نحن أمام قاص متمرس و(مر) يستطيع أن يتلاعب بقماشة درامية محدودة ليجعلها تتسع للمفاجآت والتحولات المدهشة، وذلك يحتاج بجانب القدرة على الإبداع والتصرف في المخيلة واللغة إلى قدرة كبيرة على متابعة الحياة، فهذه القصص وثيقة الصلة بالواقع اليومي على غرائبيتها، وحتى في بعضها التي دارت خارج حدود الواقع، في عالم النعاج والذئاب، أو في عالم التاريخ الذي أخذته المغامرة إلى تشكيله بضراوة الواقع، إن الجنيدي يقدم الواقع كما يراه، من منظوره الخاص، متحررا من العقد المسبقة أو الأفكار المعلبة، إن نصه هو تناقضات مجتمع يتراكض من حوله بالعبثية، يحاول البعض أن يقيموا تسوياتهم على طريقتهم الخاصة، فرادى وجماعات، أما هو فيتملكه المكر النقدي الذي يجعله يتربص بالحياة اليومية، ولعل هذه هي المهمة المناطة بالقاص، أن يتناول الكاميرا الذهنية ويتربص بالعالم من نحوه، وخاصة لحظات الضعف الإنساني.
الجنيدي يقدم مفاهيمه بطريقة رمزية ولكن دون مواربة أو تهرب، فالقتل لديه يبقى قتلا، والموت يظل ذلك الشبح الذي يطارد الإنسان، والخيانة هي هي بدون مبررات أو مسوغات، شخصياته تحاول أن تعطي لنفسها المبررات ولكنه لا يمنحها بسهولة، يعطي القارئ الفرصة ليمارس الإدانة بعد أن يعريه أيضا، ويكشف حيله للتسوية مع الحياة، شخصيات قصصه أمام الحدث مباشرة وبتقشف لغوي يضعها أمام التجربة، وعادة لا يعطيها الفرصة للهرب، من القصة الأولى ومدير المدرسة الذي يحاول أن يبدي جانبه المتعاطف فيرفض اللحم لأنه يذكره بالدماء والقتل المهدور على شاشات التلفزيون، ويجد الحل في أن يأكل السمك، الإنسان هو هو، لا يتغير، فقط يغير الأنواع ليبدو راضيا عن نفسه، ليتصالح معها على حساب الآخرين والطبيعة بكل كائناتها، هذه الشخصيات التي يستحضرها القاص ويكشفها بحساسية مرة وبقسوة مرة أخرى، لا يعنيه سوى بحث عن الحقيقة، دون أن يدعي أنه يمتلكها، ولا أن يمكن القارئ منها في النهاية، يضن بها وكأنها أقدس أسراره الإبداعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق