جدلية
الاسلام في العصر الحديث
بقلم: خيري عبدالعزيز
افكر كثيرا؛ لماذا الدين الاسلامي هو الدين
الأهم الذي اعلمه, وأظن هذا ينطبق على الجميع, هو الدين محل الجدل, وأن منطقة تجمع
معتنقيه هي المنطقة الأسخن في العالم, وهي منطقة الشرق الأوسط؟!..
هل
المشكلة تتعلق بجوهر الدين وصحيحه, وأنه غير قابل للتطبيق في الحياة كمنهج وسلوك,
وأنه يجب أن يظل محصورا في شق العبادات لنتلافى هذا الضجيج, ام في معتنقي هذا
الدين, وفهم صحيحه, وسيطرة الهوى وغلبته عليهم؟!..
لابد
أن نسلم بداية بحقيقة أن الدين الاسلامي هو بالفعل الدين الأهم, إن لم يكن الأوحد,
الذي يدار من حوله الجدل, وتنشب من أجله الصراعات وتراق الدماء بين طوائفة
المختلفة, كما هو حادث بين شقيه الأكبر بكل طوائفهما؛ الشيعة والسنة, أو مع أعداءه
من جانب آخر..
والسبب
في رأيي؛ أنه الدين الأوحد أيضا الذي ما زال له جذور حقيقية على أرض الواقع, فالمسيحية
في الغرب طمست شكلا ومضمونا, وتم الاستعاضة عنها بقوانين وضعية تنظم الحياة, وقد أثبتت
كفاءتها على أكمل وجه, والدليل ما هم فيه من علو وما نحن فيه من دنو, وذلك بعدما
خاضوا تجربة حكم الكنيسة التي باءت بالفشل في القرون الوسطى, مما ترتب عليه فصل
الدين عن السلطة والحياة بوجه عام, وما عرف بالعلمانية لاحقا.
وبالنسبة لهذه النقطة, فنحن عالقين في مرحلة وسطية
بين الدين كمنهج وسلوك ضابط للحياة, وبين وضعية القوانين كرادع بديل, وفي مرحلة
التنفيذ يسقط الاثنان بين الهوى والمصالح والنفوذ والسلطة, فنعود بخفي حنين, ولا
نكون قد ظفرنا بهذا ولا ذاك, ليعيش المجتمع العربي حالة من التخبط يأكل فيها القوي
الضعيف, وينهب فيها ذوي السلطة أموال الشعب. ولا قانون يحاكم؛ إلهيا كان أو وضعي..
طامتنا الكبرى في التقيد بالتنفيذ, كسيف مشرع حازم على رقاب الجميع, لا يتخاذل أو
يتهادن مع أحد على حساب أحد..
أما
اليهودية كدين تتضاءل جدليته مقارنة بنا, فذلك لكونه قد انحصر في دولة واحدة لها
هدف واحد, وهو قيام دولة اسرائيل والضرب بجذورها في أعماق الوطن العربي, وهي لا
يمكن أن نقيس عليها لسببين؛ أولا من ناحية العدد والمساحة الجغرافية مقارنة بالوطن
العربي والاسلامي, ثانيا ومن ناحية أخرى؛ أن من اجتمع على هدف كبير, فلن تظهر
نواقصه وتناحره كما يحدث معنا.. بمعنى أننا بلا هدف يجمعنا, في حين أن اليهود لهم
هدفا وإن كان استعماري..
مشكلة جدلية الدين الاسلامي متفرعة, وذات جذور,
منها؛ تعدد الطوائف والمذاهب, وقد أخبرنا الرسول الكريم أنه أكثر أديان الأرض
تعددا وفرقة, ثانيا الموقع الاستراتيجي الهام والأخطر الذي يقع فيه الوطن العربي
والاسلامي من العالم, سواء من الناحية الجغرافية أو من ناحية الثروات الطبيعية,
مما جعل الاستعمار بشكليه القديم والحديث يتكالب عليه ويغزوه ويحيك من حوله
المؤامرات والدسائس, ليدخل الوطن الاسلامي في دائرة صراع كبرى تلهيه وتشغله عن اللحاق
بركب التنمية, فصار في ذيل العالم بعدما كان في المقدمة, وصار الجهل والمرض
والتخلف سمة لصيقة بشعوبه..
لنخلص لنتيجة هامة؛ أن الدين نفسه لا ناقة له ولا
جمل فيما يحدث, فلا هو من أوجد الخلاف, فالهوى والمصالح هما من أوجدا, ولا هو من
أتى بالمستعمر, من أتى بالمستعمر هو الضعف الداخلي الذي توطن بسبب النزاع على
الحكم منذ مئات السنين..
الاسلام ذاته بريء مما يحدث ويجري, سواء من
معتنقيه أو غير معتنقيه.. فلننحي الدين جانبا ولنعالج نواقصنا, ولا نلقي التهم جذافا
بعجزه عن مواكبة العصر, وأنه منهاجا لم يعد له مكان..
الاسلام أكبر من نفوسنا, هذا هو لب القضية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق