عن فتحية العسال و "حضن العمر"
بقلم: د.عفاف طبالة"حضن العمر" هو اسم الكتاب الذي سجلت فيه فتحية العسال مشوار حياتها..
فيما يلي ما كتبتُه في عمود "كلام نظري" في مجلة شاشتي عن هذا الكتاب..
"طلبت الطلاق من عبد الله ليه يا فتحية، مع إنك عشت معه- كما تقولين – أجمل ذكريات الحب أكثر من ثلاثين عاماَ أعطاك فيهم أربعة أبناء تفخرين بهم؟"
فى لهفة، مدفوعة بفضول شديد لمعرفة الإجابة على هذا السؤال، طويت صفحات كتاب "حضن العمر" صفحة وراء الأخرى حتى انتهيت فى ليلة واحدة من قراءة صفحاته التى قاربت الثلاثمائة.
"حضن العمر" هو السيرة الذاتية للكاتبة فتحية العسال مؤلفة مجموعة أعمال الدراما التليفزيونية الناجحة التى مازال كثير منها محفور فى ذاكرتنا مثل مسلسل "هى والمستحيل" .
لم تنسى فتحية العسال وهى تروى سيرتها أنها فى الأصل كاتبة دراما، اختارت أن تبدأ الخطوة الأولى فى رحلة الاعتراف بأصعب ذكرى لأعنف حدث مر بحياتها، يوم طلاقها من حبيب عمرها بناءَ على طلبها!! واستخدمت هذه اللحظة من التحول الدرامى والرغبة فى الكشف عن أسبابها كمفتاح للدخول الى عالم الذكريات فانطلقت فى رواية الأحداث، ولم تستطرد فى سردها بشكل متتابع منذ البداية، بل كانت تقفز من فترة لفترة، تندفع للأمام متخطية الشباب إلى النضوج وتعود لترتد مع الزمن مرة أخرى لفترة الطفولة، حسب تداعيات الذاكرة، متأثرة بأسلوب الكتابة الدرامية.
واعترفتْ أنها لا تملك القدرة على الفصحى فاختارت العامية التى تحررها من قيود الصياغة وتجعلها تنطلق تتحدث على الورق كما تتحدث مع البشر– على حد قولها- فجاء الكتاب مبنى فى غالبه على الحوار أكثر من السرد والوصف, وأقرب للسيناريوهات الدرامية منه للكتاب.
وأعتقد أن كتابة السيرة الذاتية من أكثر أشكال الكتابة صعوبة، فالنجاح فيها لا يتطلب فقط المهارات الفنية، بل يحتاج بالدرجة الأولى وبالإضافة اليها الى شجاعة لتعرية الجوانب الغامضة والمظلمة فى النفس التى قد "نتردد فى البوح بها حتى لأنفسنا". وقد نجحت فتحية العسال فى استجماع كثير من شجاعتها وصدقها لتبوح بأحاسيس "المهانة التى تعرضت لها فى طفولتها ومراهقتها بفضل التخلف السائد الذى طبق عليها بكل جبروته"، فنجحت فى أن تحول سيرتها الذاتية الى وثيقة تسجل حال المرأة فى الزمن الذى عاشته.
سيطرعليها وهى تكتب سيرتها نفس الهم الذى ظلت تحمله وتشكوه وتعالجه فى كل أعمالها الفنية، هم الأنثى المقهورة طفلة وشابة وعجوز فى مجتمع متخلف، قهر حفر فى عقلها ووجدانها ذكريات "عششت" فى داخلها قيوداَ، قهر يجسده أحياناَ مامرت به هى شخصياَ، وأحياناَ أخرى ما مرت به أخريات ممن حولها. ذكرى طفولة مبكرة وآلام الختان؛ ذكرى المنع من الذهاب للمدرسة والحرمان من التعليم بدعوى ومنطق أب متسلط "البنت مهما تتعلم مسيرها للجواز تعيش تربي ولادها وتخدم جوزها وبس"؛ ذكرى المراهقة وتسلط الأخ الأكبر - بديل الأب المنشغل- لحد جز الشعر عقاباَ على مجرد النظر من الشباك. وتمتد ذكرياتها لخارج ذاتها وآلامها لتعيش فى هموم الآخرين، وبقدرتها على التقاط ما يحدث حولها بحساسية أخذت ترصد وتراقب حال أختها الكبرى وهى ترفض الحياة مع من لا تحب وتهرب من بيت الطاعة، وحال صديقتها وحيل الخداع للخروج من أزمة التورط فى الزواج بعد أن سلمت نفسها لمن تحب الذى منع دخوله السجن لأسباب سياسية من الزواج بها.
كانت فتحية العسال وهى تكتب سيرتها بكل هذه الصراحة تحاول أن تخرج من القمقم الذى حاولت الظروف أن تضعها بداخله, وأن تتحرر من القيود وربما أن تجد اجابة للسؤال الذى طرحته فى البداية "ليه طلبت الطلاق من عبد الله الطوخى يا فتحية؟ الإجابة التى لم يحملها الجزء الأول من "حضن العمر" . فهل تعدينا بالإجابة عنه فى الجزء الثانى ؟
الله يرحمك يا فتحية.. تركت علامة في مشوار المرأة المصرية وكفاحها .. ياريت يكون نصيبنا بعض من نصيبك..
اللهم احسن ختامنا بحسن أفعالنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق