الرؤيا
الإبداعية
لدى
الشريف المرتضى
طالب كريم حسن
لن تمنع تلك القطيعة النقدية ديوان المرتضى أن يبصر النور بتحقيق الأديب رشيد
الصفار ومن ثم محمد التونجي، إنطلاقاً من النظرة التي ترى أن الدرس النقدي واللغوي
والنحوي بعد لم يكتمل في تعاطيه مع الأدب العربي القديم، لم يزل متسعاً من
الموضوعات أو الظواهر الشعرية واللغوية والنحوية تزخر بها النصوص العربية القديمة،لذلك
فإن متابعة هذه القضايا من خلال الأدب القديم؛ مهم جداً طالما أن النظريات الحديثة
تتكئ في أعمها الأغلب على النص في الكشف عن مخبوءاته الجمالية أو أستنطاق ماهو
مسكوت فيه. وفي سلسلة دراسات الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة.
صدرَ كتاب بعنوان ( الرؤيا الابداعية لدى الشريف المرتضى) دراسة موضوعية
فنية للدكتور جاسم حسين الخالدي. والسلسلة تعنى بمناقشة ظواهر مختلفة ونشاطات حادة في أنساق الثقافات المتنوعة. تسعى الى
تقديم دراسات تحاول الكشف عن موضوعات هامة في مجالات بعينها تستحق الوقوف عندها
والنظر اليها في ضوء الافكار الحديثة وسباق المعارف والمعلومات في ميادين المعرفة
التي يفتتحها الكتاب ويعبدها الدارسون.
جاء في مقدمة الكتاب " لقد تعرض الشريف المرتضى الى أهمال واضح من
نقاد الشعر قديماً وحديثاً، لذلك ظل شعره بعيداً عن المدونة النقدية العربية إلامن
إشارات قليلة في كتب الأدب والتاريخ، ودراسة يتيمة في أواخر الخمسينات للدكتور
الراحل عبد الرزاق محيي الدين كرست لادب المرتضى بصورة عامة ومنه الشعر بطبيعة
الحال، تضمنت آراء مهمة في شعر المرتضى وشاعريته.
كما يقول الخالدي ظل شعر المرتضى يعاني التهميش والأهمال، على الرغم من أنه
كان ذا منزلة رفيعة في عصره، فها هو الشيخ محمد رضا الشبيبي يصف ديوانه فيقول: "وديوان
المرتضى- كما لايخفى- من أكبر الدواوين الشعرية حجماً،فالوقت أضيق من أستيعابه أو
أستبطان أغراض صاحبه ومطالبه، والغور على معانية ومقاصده، وهي كثيرة ويعلل د.
مصطفى جواد مالقيه شعر المرتضى من أهمال، فيقول: "أن تلامذته كانوا يتهيبون
أن يحملوا عن شعره وفي بحره من درر العلم والفن ماهو أحرى بالحمل والاقتباس، فلذلك
نزرت نسخ ديوانه " يقول المؤلف في أخير مقدمته لكتابه. ينبغي الإشارة الى أن
دراسة الرؤيا الإبداعية لدى الشريف المرتضى لاتدعي تفرّدها في الخوض في غمار نصوص
المرتضى، ولكنها في الوقت نفسه حاولت سبرأغوارها
والوقوف على مضامينها، وأستنطاق مخبوءاتها الجمالية والادائية.
ولاندعي أننا وصلنا الى الكمال والمراد فيها نبتغي، وفي تمهيد للدكتور
الخالدي تحت عنوان (حياة الشعر منذ العصر الجاهلي..حتى عصر الشريف المرتضى) مدخل
يقول فيه " ليس من شأني في هذا البحث، أن أقدم دراسة جديدة عن الشعر
وأتجاهاته وأنواعه في عصور الشعر السابقة. فقد تناول هذا الموضوع عدد غير قليل من
مؤرخي الأدب بوجهٍ عام، ومن أختص منهم بدراسته بوجهٍ خاص، وإنما غرضي أن أمهد
لبحثي بإيجاز عن حياة الشعر منذ العصر الجاهلي مروراً بالعصر الأسلامي الأموي حتى
العصر العباسي، وهو عصر الشريف المرتضى قيد الدراسة، حيث عاصر القرنين الرابع والخامس
الهجريين.. وتحت عنوان "الشعر في العصر الجاهلي" كتب تميزت القصيدة
العربية القديمة بخصائص وصفات بارزة وسمات دقيقة، حتى صارت قيماً فنية تحتذى في
عصور الشعر اللاحقة، ولما نظر النقاد الى الأطار الفني لبناء القصيدة العربية قبل
الاسلام، وجدوا أن الشعراء ألزمو أنفسهم أسلوباً فنياً فرض وجوده على من جاء بعدهم
من الشعراء، وأول من أشار من النقاد القدامى الى هذه الخصيصة الفنية، أبن قتيبة
(276هـ) حين قالَ "أن مقصد القصيدة إنما أبتدأ فيها بذكر الديار، والدَّمن،
والأثار، فبكى،وشكا، وخاطب الربع، وأستوقف الرفيق، ليجعل ذلك سبباً لذكر أهلها الظاعنين
عنها... ومما تقدم يظهر، أن الشاعر الجاهلي بقي تحت سلطة (الأنا) عندما يعبرّ عن
مشاعره وأحاسيسه ولاسيما في قصائد الحب والرثاء والحنين.. والـ (نحن) عندمت يعبر
عن توجهات قبيلة بدافع الولاء القبلي في الحروب والمخاصمات التي يقتضي منه مثل هذا
المواقف، ولاسيما المديح الاجتماعي والهجاء والفخر القبلي.. وفي باب (الشعر في
العصر الأسلامي والأموي) جاء أن الأطار الموضوعي والفني للقصيدة العربية، قد
أصابتهُ تغيرات وتطورات فنية، أقترنت بالمظاهر الحضارية التي شهدها المجتمع العربي
في ضوء الحياة الجديدة التي سادها الاسلام ديناً وفكراً جديداً. لذا شهدَ هذا
العصر، صراعاً حاداً بين تيار عربي جاهلي موروث، وتيار أسلامي جديد، نتجَ عنهُ
أختفاء بعض الأغراض التي ولدت بتأثير العصبية القبيلة وحلت محلها أغراض جديدة
تستمد مادتها من القرأن الكريم وسيرة الرسول الاعظم "ص" ويتضح ذلك في
بعض قصائد حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وبعض قصائد كعب بن
زهير، والحُطيئة. ومن مظاهر التجديد التي مست المضمون الشعري للقصيدة التراثية
ظهور أغراض شعرية جديدة، كشعر الحنين الى الاوطان، بسبب خروج العرب الى شبه
الجزيرة العربية بعد الفتوح الاسلامية الى بيئات غريبة عليهم .فكان اللون من الشعر
يمثل صورة جديدة من القصيدة العربية في هذا العصر.وفي باب..الشعر العباسي:خضع
الشعر العباسي الأول للظروف السياسية والإجتماعية والفكرية فاكتسب مجموعة من الخصائص الفنية وغير الفنية ظهرت في
موضاعته وفنونه، وفي ألفاظه وتراكيبه، وفي أفكاره ومعانيه،وصوره واخيلته. والذين
درسوا الشعر العباسي قرروا أن تصوراً واسعاً قد حدث فيه،إذ تمثل بتوسع الفنون
والاغراض التقليدية شكلاً ومضموناً وظهور فنون جديدة،كالشعر التعليمي والشعر
الصوفي وشعر المجون والغزل..والذي يهمنا من الاتجاهات التي ذكرناها عندما ندرس
الشريف المرتضى وشعر أخيه الرضي الى حدِّ ماهو، الاتجاه المحافظ على البنية
الشعرية :الفنية والموضوعية ؛أعني من حيث صيغها الفنية، ومن حيث أغراضها
وموضوعاتها؛لأن شعر المرتضى خاصة،قد ابتعد عن كلِّ مايضير الشعر مما لاترضاه
التقاليد والتعاليم الدينية .وفي مبحثه في الفصل الاول (الشريف المرتضى حياته
ومنزلته الأدبية)يقول د. الخالدي.لابد لي أن أبين أنني لن أضيف جديداً الى ماسبق
كتابته عن حياة الشريف المرتضى في الدراسات السابقة .ولكن الاهتمام بشعره يضطرني
الى أن اوجز ماكتب ،لأن ذلك يفسر بعض السمات أو الخصائص التي انطبعت أو ظهرت في
شعره أو شاعريته .
وفي المبحث الثاني (ثقافته) أشرنا
سابقاً الى أنه أخذ أصول الثقافة الاولى عن آل بيته-أعني والده- وبعض الشيوخ الذين
يترددون على الدار وما يطرق أسماعه في مجالسها. أنه تتلمذ مع أخيه الرضي على
الشاعر (أبن نباته السعدي) وتتلمذ في الشعر والادب على (علي أبي عبيد الله
المرزباني) صاحب معجم الشعراء والموشح، وغيرهما، وأكثر رواياته في كتابه الأمالي
عنهُ.
وفي المبحث الثالث (منزلته الادبية) في الشعر: أن تحديد منزلة الشريف
الشعرية يتطلب من الباحث الاطلاع على أراء النقاد قديماً وحديثاً فيه، فإن هذه الآراء
من الاهمية تجعلنا نتعرف على كثب على منزلته الشعرية بين معاصريه. وتناول الكاتب
في تلك المباحث عدة آراء ودراسات للعديد من المصادر وفي فصل الكتاب الثاني تناول
الكاتب. شعر الشريف المرتضى : اولا- ديوانه: ترك المرتضى لنا ديواناً شعرياً ضخماً
يدل على ضخامة شاعريته، وقدرته على التعامل مع الالفاظ والمعاني. مع أن الشعر واحد
من فنون كثيرة برعَ فيها المرتضى، وبز كثيراً من أدباء عصره ورجاله وتناول الكاتب
عدة دراسات وتحقيقات لعدد من الباحثين ممن تناولو شعر المرتضى ، أغراضهُ الشعرية،
الرثاء، الوصف، الفخر، الغزل، الحكمة، الزهد، العتاب والشكوى،.
أما في فصل الكتاب الثالث والذي جاء تحت عنوان (الدراسة الفنية )ومبحثها
الاول الالفاظ والتراكيب وفيها اللغة : يعرف أبن جني اللغة بأنها ، "أصوات
يعبر بها كل قوم عن حاجتهم" بمعنى أن اللغة وجدت منذُ أن وجدَ الانسان لأنها
وليدة حاجتهُ فبدأت يسيرة تنسجم مع حياة الانسان البعيدة عن التعقيد في مراحلها
الاولية ثم تطورت بتطور تلك الحياة وتناول هذا الفصل مباحث عديدة لأعلام اللغة
والأدب في التاريخ الأدبي وعدة شواهد للعديد من قصائد الشريف المرتضى. وفي مبحثهِ
المعنون (الصورة الشعرية) نقرأ أهتم النقاد قديماً وحديثاً بدراسة الصورة الشعرية:
فتعددت تعريفاتها بتعدد الدراسات التي تناولتها. وكان الحاحظ (ت 255) هـ أول من
أستعمل كلمة التصوير أو الصورة، أذ قال "أنما الشعر صناعة وضرب من النسج وجنس
من التصوير" الخ.
وفي مبحثه المعنون الموسيقى تناول الكاتب. الموسيقى أحد أركان الشعر المهمة.
وهي سمه جوهرية من سمات الشعر تميزت عن غيرها من الفنون القوليه. متناولاً،
الموسيقى الخارجية أولا، الوزن، القافية، الموسيقى الداخلية، التصريع، وأخيراً
يقول أن ما جاءَ في هذا الكتاب من دراسة لاتعني أننا لانرتفع بالشريف المرتضى الى
منزلة أخيه الرضي وكبار الشعراء العباسين، فلا شك أنهُ دون بشار، وأبي نؤاس، وأبي
تمام، والبحتري، والمتنبي ، ولكنهُ من المجييدين- وهم كثيرون ولكي لانخرج عّما يقع
به الباحثون من أمثالنا، حينما يتحمسون للموضوع الذي يدرسونهُ فيرفعون هذا ويخفظون
ذلكم بدافع الحماس. فقد حرصتُ أن أكون موضوعياً متأنياً، لا متحمساً مستعجلاً...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق