بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــــة
إن الخطاب بمفهومه العام والسطحي يتوافق مع مفهوم الرسالة،إذ يُمكن أن نعرفه على أنه نصُ مكتوب يُنقل من مرسل إلى مرسل إليه،و يتضمن فائدة معينة، ويحقق غرضاً يرمي إليه المرسل،أو هو«نص يكتبه كاتبه إلى شخص آخر...ويتضمن الخطاب أخباراً تعني الطرفين. وكانت الخطابات في البدء موجزة،ثم أسهب بها الكتاب حتى غدت فناً قائماً بذاته،يعتني به كاتبه. وقد يكتب المرء خطابه شعراً.لكن الأشهر أن يكون الخطاب نثراً»(1).بيد أن التعمق مع مصطلح الخطاب، والروز في أصوله،يدفعنا إلى العودة إلى جذوره التي هي اللغة، والكلام،فالكلام«هو العملية التي يتم بوساطتها تبادل الأفكار بين المتكلم والسامع، والكلام يستند إلى العقل والتطور، ويفرق بين الإنسان والحيوان»(2).
وفي نظر اللسانيات الحديثة فالكلام هو الإنجاز اللغوي الفردي،والأداء الفعلي في الواقع، وهو خاضع لرغبة الفرد ،وإرادته، ودهائه،واعتماداً على تقسيم دوسوسير فهو يحتل المرتبة الثالثة في الظاهرة اللغوية،وهو المنفذ الأساس لدراسة اللسان.
وأما اللغة فهي عبارة عن جملة من الإشارات والرموز التي يستعملها الإنسان بغرض التعبير عن غاياته،وهي ملكة إنسانية تسمح بالإنجاز الفعلي للكلام، وكما عرفها الجرجاني فهي«ما يعبر بها كل قوم عن أغراضهم»(3).
في«معجم الألفاظ والأعلام القرآنية»لمحمد إسماعيل إبراهيم،نجد الفعل«خطب»خطب القوم أو في القوم:وعظهم ،أو قرأ عليهم خطبة،خطب الفتاة دعاها، وطلبها إلى الزواج،وخاطب فلاناً:كلمه،والخطاب ما يكلم به الرجل صاحبه،والخطب:الشأن ،والأمر صغر،أو عظم،وغلب استعماله للأمر العظيم المكروه،والجمع خطوب،وما خطبك: ما شأنك،و ما الذي حملك عليه،وفصل الخطاب:فصل الخصام بالتمييز بين الحق،و الباطل،أو الكلام الفاصل بين الصواب والخطأ،والخٍطب:بكسر الخاء:الرجل الذي يخطب المرأة.
لقد ظهر مصطلح(خطاب)في حقل الدراسات اللغوية في الغرب،ويبدو أنه نما«وتطور في ظل التفاعلات التي عرفتها هذه الدراسات،ولاسيما بعد ظهور كتاب فرديناند دي سوسير: (محاضرات في اللسانيات العامة)،الذي تضمن المبادئ العامة الأساسية التي جاء بها هذا الأخير،وأهمها:تفريقه بين الدال،والمدلول،واللغة كظاهرة اجتماعية،والكلام كظاهرة فردية،وبلورته لمفهوم(نسق)،أو(نظام)،الذي تطور فيما بعد إلى بنية.
ونظراً إلى تعدد مدارس،واتجاهات الدراسات اللسانية الحديثة،فقد تعددت مفاهيم،ومدلولات هذا المصطلح:
أ-مرادف المفهوم السوسيري(كلام)...
ب-وهو(أي الخطاب)،مادام منسوباً إلى فاعل،وحدة لغوية تتجاوز أبعادها الجملة،رسالة،أو مقول.
ج-وبهذا المعنى يُلحق الخطاب بالتحليل اللساني،لأن المعتبر في هذه الحالة هو مجموع قواعد تسلسل،وتتابع الجمل المكونة للمقول،وأول من اقترح دراسة هذا التسلسل هو(هاريس)..
د- الخطاب حسب(بنفنيست) هو كل مقول يفترض متكلماً،ومستمعاً،تكون لدى الأول نية التأثير في الثاني بصورة ما»(4).
كما حدد الباحث(ما نكينو) مفهوم الخطاب، من حيث إنه يعوض الكلام عند دي سوسير،ويعارض اللسان،و ذهب إلى أن الجملة لا تدخل في إطار اللسان،وقد حصر الخطاب في تعريفات رئيسة هي:
«1-يعتبر الخطاب مرادفاً للكلام عند دي سوسير،وهو المعنى الجاري في اللسانيات.
2-الخطاب هو الوحدة اللسانية التي تتعدى الجملة،لتصبح مرسلة كلية،أو ملفوظاً.
3-يتبنى تعريف هاريس الذي وسع حدود الوصف اللساني إلى ما هو خارج الجملة،وقد عرف هاريس الخطاب بقوله: (إنه ملفوظ طويل،أو هو متتالية من الجمل تكون مجموعة منغلقة،يمكن من خلالها معاينة بنية سلسلة من العناصر،بوساطة المنهجية التوزيعية،وبشكل يجعلنا نظل في مجال لساني محض).
فقد طبق هاريس تصوره التوزيعي على الخطاب،ولاحظ أن ما يحكم تشكل الأجزاء هو ظاهرة التنظيم،والترابط التي تكشف عن بنية النص»)5(.
4- تميز المدرسة الفرنسية بين دلالات الملفوظ،ومفهوم الخطاب،حيث إن الملفوظ-بالنسبة إليها-عبارة عن متتالية من الجمل الموضوعة بين بياضين دلاليين(انقطاعين تواصليين).
أما الخطاب فهو الملفوظ المعتبر من رؤية حركية خطابية،مشروط بها،وهكذا فالنص من وجهة تبنينه لغوياً تجعل منه ملفوظاً،ودراسته لسانياً من حيث شروط إنتاجه تجعل منه خطاباً.
5- هناك تعريف يعارض بين اللسان،والخطاب،إذ أن اللسان ينظر إليه ككل منته،وثابت العناصر نسبياً،في حين أن الخطاب هو مفهوم ينطلق من اعتبار المآل الذي تمارس فيه الإنتاجية،وهو الطابع السياقي غير المتوقع،الذي يحدد قيماً جديدة لوحدات اللسان)6(.
ويشير الباحث إبراهيم صحراوي إلى أن بعض الباحثين،يقدمون دلالات تجعل من الخطاب مرادفاً،لمفهوم(النص)،أو(المقول)،ومن بين هؤلاء(قريماس)،على أن استعماله للنص كمرادف للخطاب،ليس من باب التبسيط كما يرى بعض الدارسين،لأنه إذ يفعل ذلك يستند إلى اشتراك اللفظين في أداء المعنى ذاته(أي ترادفهما)،وهكذا فمدلولات(خطاب)تتعدد،ولكنها لا تتعارض في تعاريفها له بأنه ممارسة لملكة اللغة...
وقد أصبح مصطلح الخطاب شائعاً،ومتداولاً «في مجموعة من الحقول النظرية النقدية،وعلم النفس،واللسانيات،والفلسفة،وعلم النفس الاجتماعي،فالخطاب هو:
1-تواصل فعلي،حديث،أو محادثة.
2-معالجة شكلية لموضوع في الكلام،أو الكتابة.
3-وحدة نصية يستعملها اللساني لتحليل ظاهرة لسانية تتسلسل في أكثر من جملة»)7(.
ونستشهد في هذا الشأن بقول أحد الباحثين لدى وقوفه على التحولات التي وقعت في الدراسات اللسانية من خلال تركيزها على دلالات الخطاب،إذ يقول: «اتجهت الدراسات اللسانية مع العقد الخامس من القرن العشرين،إلى التركيز على الخطاب،بوصفه حدثاً تلفظياً يروم فعل التواصل المؤثر،وإنتاجاً لغوياً إبداعياً دائم التجدد،بالبحث في بنيته،وأنماطه،وسلميته،وكان من نتائج ذلك ازدهار مباحث اللسانيات التداولية،والاجتماعية،والواقع أن النضال من أجل بناء تصور اجتماعي للغة يعود في بوادره الأولى إلى محاولات تجاوز المقاربة السوسيرية،من هنا فإن البحث في الخطاب يعني النظر في الوجود الفعلي للغة،أي وجودها في صورة الاستعمال من خلال عملية التخاطب»)8(.
إننا نلفي لدى رصدنا لمصطلح(خطاب) جملة من المرادفات له فهو يعادل الكثير من المصطلحات،من بينها نذكر: «الكلام/الملفوظ/الرسالة/الأطروحة/الحديث/الإنشاء/لغة الكلام/الكلام المتصل/أسلوب التناول/الإخبار/التكلم/المخاطبة/التحاور/التواصل/التفاعل/التبادل/مقصد/الإنتاج/المحتوى/البنية العميقة/الأقطاب الدلالية»)9(.
إن البحث في مفهوم الخطاب مهم جداً،وليس من السهولة طرقه،وقد أضحى مصطلح(خطاب)-في السنوات الأخيرة-يستعمل في ميدان الدراسات الأدبية للدلالة على المصطلحين الآتيين:
-الكلام داخل السياق.
-و النص.
ومن المسلم به أن اللسانيات هي الدراسة العلمية للغة البشرية،وهي تركز أبحاثها على اللغة،وتتخذها موضوعاً رئيساً لها،وتنظر إليها على اعتبار أنها غاية وليست وسيلة،وقد اشتهرت دعوة سوسير إلى دراسة اللغة لذاتها وفي ذاتها،وهذا ما اعتبره الكثير من الدارسين فتحاً علمياً جديداً،حيث يقول الدكتور عبد السلام المسدي مبرزاً أهمية اللسانيات:«...ومن المعلوم أن اللسانيات قد أصبحت في حقل البحوث الإنسانية مركز الاستقطاب بلا منازع،فكل تلك العلوم أصبحت تلتجئ-سواء في مناهج بحثها أو في تقدير حصيلتها العلمية-إلى اللسانيات وإلى ما تفرزه من تقريرات علمية وطرائق في البحث والاستخلاص.ومرد كل هذه الظواهر أن علوم الإنسان تسعى اليوم جاهدة إلى إدراك مرتبة الموضوعية بموجب تسلط التيار العلماني على الإنسان الحديث،ولما كان للسانيات فضل السبق في هذا الصراع فقد غذت جسراً أمام بقية العلوم الإنسانية من تاريخ وأدب وعلم اجتماع، يعبُره جميعها لاكتساب القدر الأدنى من العلمانية في البحث،فاللسانيات اليوم موكول لها مقود الحركة التأسيسية في المعرفة الإنسانية لا من حيث تأصيل المناهج وتنظير طرق إخصابها فحسب،ولكن أيضاً من حيث إنها تعكف على دراسة اللسان فتتخذ اللغة مادة لها وموضوعاً.ولا يتميز الإنسان بشيء تميزه بالكلام،وقد حده الحكماء منذ القديم بأنه الحيوان الناطق،وهذه الخصوصية المطلقة هي التي أضفت على اللسانيات -من جهة أخرى-صبغة الجاذبية والإشعاع في نفس الوقت.فاللغة عنصر قار في العلم والمعرفة سواء ما كان منها علماً دقيقاً أو معرفة نسبية أو تفكيراً مجرداً. فباللغة نتحدث عن الأشياء وباللغة نتحدث عن اللغة-وتلك هي وظيفة ما وراء اللغة-ولكننا باللغة أيضاً نتحدث عن حديثنا عن اللغة.بل إننا باللغة-بعد هذا وذاك-نتحدث عن علاقة الفكر،إذ يفكر باللغة من حيث هي تقول ما نقول.فكان طبيعياً أن تستحيل اللسانيات مولداً لشتى المعارف،فهي كلما التجأت إلى حقل من المعارف اقتحمته فغزت أسسه حتى يصبح ذلك العلم نفسه ساعياً إليها،اقتحمت الأدب والتاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع ثم اتجهت صوب العلوم الصحيحة فاستوعبت علوم الإحصاء ومبادئ التشكيل البياني ومبادئ الإخبار والتحكيم الآلي وتقنيات الاختزان في الكمبيوتر،وآخر ما تفاعلت معه من العلوم الصحيحة حتى أصبح معتنياً بها عنايتها به علم الرياضيات الحديثة لاسيما في حساب المجموعات،وهكذا تسنى للسانيات أن تلتحق بالمعارف الكونية إذ لم تعد مقترنة بإطار مكاني دون آخر،فهي اليوم علم شمولي لا يلتبس البتة باللغة التي يقدم بها،وفي هذه الخاصية على الأقل تُدرك اللسانيات مرتبة العلوم الصحيحة بإطلاق...» (يُنظر:التفكير اللساني في الحضارة العربية،الدار العربية للكتاب،ليبيا،ط:02،1986 م،ص:9-10).
وفي السياق نفسه يؤكد الدكتور محمد الحناش على أن اللسانيات فرضت وجودها على كل ميادين المعرفة الإنسانية،لأنها تبحث في أصول آلية الإنتاج العلمي التي تفرز بها كل العلوم:اللغة،فقد استطاعت إعادة هيكلة ومنهجة جل العلوم الإنسانية الحديثة وجعلتها سهلة التناول كما جعلت المثقف يجدد نفسه باستمرار ،فدور«اللسانيات الحديثة هو إعادة هيكلة قواعد النحو العربي من منظور جديد فتقدمها بطرائق أخرى تكون أكثر ملاءمة مع التطور الذي حصل في المجتمع العربي،وهذا التمنهج لا يعني الانتقاص من قيمة التراث اللغوي بل هو تأكيد لقيمته لأن نقطة الانطلاق سوف تكون هي التراث،ونعتقد أن اللسانيات ستمكن القارئ العربي للتراث أن يموضع نفسه في موضع قوة من حيث إنه سوف يتطرق إليه بأداة علمية ومضبوطة يحسن تقديمه للآخرين بطرائق سهلة تمكنهم بدورهم من إعادة قراءة التراث ومسايرة ركب التطور،وخلاصة هذا هي أن التراث واللسانيات الحديثة يجب أن يدخلا في علاقة الألفة والتمنهج وبذلك تدخل الأصالة والمعاصرة في تحالف لا ينفك إلا بعد أن يكتمل المنهج اللغوي الذي نرجوه لهذه الأمة»(يُنظر:البنيوية في اللسانيات،دار الرشاد الحديثة،الدر البيضاء،المغرب الأقصى،ط:01،1980 م ،ص:6).
وبالنسبة إلى مراحل دخول اللسانيات إلى الثقافة العربية الحديثة فالدكتور مصطفى غلفان يذكر أن الدراسات اللغوية العربية الحديثة قطعت أشواطاً هامة نحو الضبط والدقة بعد مراحل عديدة من المخاض والنمو،وقد أجملها فيما يلي:
«أ-إرسال البعثات العربية إلى الجامعات الغربية.
ب-القيام بدراسات جامعية أو أطروحات من قبل طلاب عرب في جامعات أوروبا وأمريكا بالخصوص وتناولت وصف الواقع اللغوي العربي من وجهة نظر مختلف المدارس اللسانية الغربية،وما زالت هذه العملية قائمة إلى اليوم.
ج-إنشاء مجموعة من الكراسي الخاصة بعلم اللغة كما هو الشأن في الجامعات المصرية،وقد تم تدريس علم اللغة في جامعات عربية أخرى كسوريا والعراق تحت اسم فقه اللغة.
د-ظهور كتابات لغوية تعرف بعلم اللغة الحديث وتشمل مؤلفات وكتباً صنفها أصحابها بالعربية رأساً وتناولت مفاهيم ألسنية بالتبسيط والتقديم التعميمي،نذكر منها على سبيل التمثيل كتاب وافي(علم اللغة)1941م وتمام حسان في(مناهج البحث في اللغة)الصادر سنة:1955م ،و(اللغة بين المعيارية والوصفية)الصادر سنة:1957م،و(علم اللغة:مقدمة للقارئ العربي)لمحمود السعران الصادر سنة:1962م.
هـ-ظهور ترجمة عربية لبعض المقالات اللسانية وتلاها عدد ضئيل من التراجم العربية لأهم المؤلفات الغربية المتعلقة بالألسنية العامة،في هذا السياق كانت ترجمة مندور لمقال مايي(علم اللغة)سنة:1946م،وترجمة كتاب(اللغة)لفندريس سنة:1950م،وإنشاء مراكز علمية خاصة بالبحث اللساني كما هو الحال في تونس سنة:1964م،والجزائر سنة:1971م.
ز-تنظيم ندوات ولقاءات علمية محلية وجهوية ودولية في مجال اللسانيات وكان للسانيي تونس والمغرب دور بارز ومشكور في تنظيم مثل هذه الندوات.
ج-إنشاء تخصصات قائمة الذات في اللسانيات العامة بكليات الآداب بالجامعات العربية،لاسيما في تونس والمغرب اللذين يتميزان عن غيرهما من دول العالم العربي في هذا المجال» (يُنظر:اللسانيات في الثقافة العربية الحديثة-حفريات النشأة والتكوين-،شركة النشر والتوزيع المدارس،الدر البيضاء،المغرب الأقصى،ط:01،2006 م ،ص:146-147).
و يرى الدكتور مصطفى غلفان في تقييمه لواقع البحث اللساني في الوطن العربي أنه ينبغي الاستعجال بالتركيز على قضيتين أساسيتين،وذلك بغرض إرساء تفكير لساني علمي بالنسبة إلى اللغة العربية:
أولاً:وضع برنامج عام بالنسبة إلى مستقبل لسانيات العربية تُحدد من خلاله المهام الملقاة على عاتقها أو التي يتوجب البحث فيها بشكل جماعي ومؤسساتي مثل:معاهد البحث و الكليات المتخصصة،ووفق رؤية الدكتور غلفان أنه باستثناء أبحاث عبد القادر الفاسي الفهري وتلامذته في إطار تطبيق النحو التوليدي على اللغة العربية،وأبحاث أحمد المتوكل في إطار إعداد نحو وظيفي للغة العربية،فليس لدينا كما هو الشأن في مختلف بقاع العالم،و بالنسبة لجميع اللغات البشرية رؤى واضحة تتصل بالقضايا التي ينبغي دراستها من منظور اللسانيات في لغتنا العربية.
ثانياً: تحديد طبيعة لسانيات العربية انطلاقاً من تحديد تصوري ونظري لموضوعها،ويذهب الدكتور غلفان في توضيحه لهذه القضية إلى التأكيد على أننا في حاجة إلى حركة لغوية علمية جديدة تقوم على رصد خصائص وسمات اللغة العربية التي يتعين البحث فيها عبر مختلف المستويات،فالدرس اللساني العربي الحديث والمعاصر-كما يرى الدكتور مصطفى غلفان- يفتقد في مجمله إلى رؤية منهجية تحدد طبيعة اللغة العربية من حيث هي موضوع للدرس والتحليل،أي باعتبارها مصدراً للمعطيات المادية التي يشتغل بها اللسانيون العرب المحدثون أو التي يفترض أن يشتغل بها هؤلاء،فالدرس اللساني العربي هو في حاجة إلى تأسيس نظري لموضوعه،وذلك حتى يستجيب لإحدى أهم المتطلبات المنهجية في البحث اللساني العام والمتمثلة إجمالاً في تحديد مجموع الأدوات المعرفية والتقنيات التي تستخدمها اللسانيات لتحديد موضوعها والبحث فيه،ويشير الدكتور غلفان إلى أنه بحسب وجهة النظر التصورية المتبعة في التحليل اللساني، فإن موضوع اللسانيات هو المتن بالنسبة للبنويين،وهو حدس المتكلم بالنسبة إلى المدرسة التوليدية وغيرها من التيارات اللسانية المعاصرة،وما هو أهم في الفترة المعاصرة هو التقيد المطلق بالأسس اللسانية وخطواتها وإجراءاتها كما هي باعتبارها تشكيلة نظرية ومنهجية متكاملة.
ومن جهة أخرى يرى الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري أن الكتابات اللسانية العربية الحديثة هي عبارة عن خطاب لساني هزيل نظراً لافتقادها لمقومات الخطاب العلمي،ويُرجع هزالة الإنتاج العربي في ميدان اللسانيات إلى عدد من المغالطات التي ترسخت في أذهان الباحثين العرب،ومن أبرزها:
1-التصور الخاطئ للغة العربية.
2-التصور الخاطئ للتراث.
3-ادعاء العلمية و المنهجية.
4-أزمة المنهج واللغة الموصوفة.
الهوامش:
(1) التونجي :د.محمد :المعجم المفصل في الأدب ،ص:402.
(2) التونجي: د.محمد :المعجم المفصل في الأدب،ج:02،ص:726.
(3)الجرجاني:كتاب التعريفات،تحقيق:إبراهيم الأبياري، ص:247.
(4)صحراوي: د.إبراهيم، تحليل الخطاب الأدبي-دراسة تطبيقية- ،ص:14-15.
(5)شرشار:د.عبد القادر، تحليل الخطاب السردي وقضايا النص ،ص:160.
(6)شرشار:د.عبد القادر، تحليل الخطاب السردي وقضايا النص ،ص:162.
(7)ميلز:د.سارة،الخطاب، ترجمة وتقديم:غريب إسكندر،مجلة نزوى ،العدد:58 ،ص:120.
(8)براهيمي: د.إبراهيم، استراتيجيات الخطاب في رواية الثلاثة للبشير الإبراهيمي، ،ص:23.
(9)بلخير: د.عقاب، نسقية المصطلح وبدائله المعرفية-دراسة نقدية-، ص:40.
(10) يُنظر:التفكير اللساني في الحضارة العربية ص:9-10 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق