2017/12/04

وقـفة مع كتاب:«مقاربة سياسية للاستثمارات الأجنبية في المغرب» بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بوفـلاقـــة

وقـفة مع كتاب:«مقاربة سياسية للاستثمارات الأجنبية في المغرب»
 بقلم:الدكتور محمد سيف الإسلام بوفـلاقـــة
كتاب الباحث الدكتور جواد النوحي المعنون ب:«مقاربة سياسية للاستثمارات الأجنبية في المغرب( 1990-2006م)» هو في الأصل أطروحة قدمت لنيل شهادة الدكتوراه،وتمت مناقشتها في جامعة محمد الخامس بالرباط سنة:2008م،وتمّ إصداره في إطار سلسلة أبحاث بمؤسسة الملك عبد العزيز بالدار البيضاء بالمملكة المغربية سنة:2010م، ويضم في طياته دراسة  وافية  عن الاستثمارات الأجنبية في المغرب،وانعكاساتها ونتائجها في الفترة الممتدة ما بين:( 1990-2006م).
وينقسم الكتاب إلى قسمين أساسيين:
     القسم الأول عنونه المؤلف ب :«توجه الدولة نحو توسيع المحفزات والضمانات المقدمة للاستثمار الأجنبي».
      وجاء القسم الثاني تحت عنوان:«النتائج الاقتصادية والسياسية للتطور المسجل في الاستثمارات الأجنبية»،  وقد قسم كل من القسمين إلى فصلين رئيسين.  
  وقد تولى تقديمه إلى القراء الباحث عبد الحي مودن، حيث ذكر في تقديمه أن جواد النوحي  من خلال هذه الدراسة يتابع نقاشاً نظرياً شكّل محوراً مركزياً في التحاليل التي اهتمت بالنظام السياسي،وطبيعة الدولة في المغرب منذ الاستقلال،وارتبط بشكل وثيق بالجدال الإيديولوجي السياسي حول التغيير السياسي ومعوقاته،وقد انصب هذا النقاش على مدى وجود رأسمال خاص،سواءً كان وطنياً،أو أجنبياً ذي قاعدة اقتصادية قوية من جهة،ومن جهة ثانية على مدى تأثير هذا الرأسمال على صنع القرار السياسي.
وذكر أن دراسة جواد النوحي توضع في السياق العام الذي أعاد طرح الأسئلة التي أهملتها الأبحاث الجامعية في المغرب منذ التسعينيات«مركزاً على جانبين بالغي الأهمية:أولهما يرتبط بالتعريف بحجم الاستثمارات الأجنبية،وتتبع تطورها خلال ست عشرة سنة منذ 1990.ويقارب النوحي في ثانيهما مسألة تأثير الاستثمارات الأجنبية على النظام السياسي.
   يوثق البحث التنامي المتواصل للاستثمارات الأجنبية بالمغرب،بالرغم من التقلبات التي عرفتها خاصة خلال2001و2002.ويوظف معطيات إحصائية توضح تطور هذه الاستثمارات في المغرب،وتقارنها بشكل جد مفيد مع عدد من البلدان.لكن المساهمة البارزة لدراسة النوحي تبرز في الفصول التي تعالج المسألة الشائكة نظرياً وتجريبياً،لمدى تأثير هذه الاستثمارات على النظام السياسي.الجواب الذي يقدمه النوحي هو أن توسع الحرية الاقتصادية لا يعني إضعاف النظام السياسي أو خلق ظروف سياسية للدفع بالتطور الديمقراطي،بل إن الاستثمار الأجنبي قد يشكل حلقة لتقوية موارد مشروعية النظام السياسي،وتوسيع قدراته للتحكم في المجتمع.وتوصل إلى هذا الاستنتاج معتمداً على قائمة طويلة من الكتابات التي عالجت النظام السياسي المغربي،وعلى النصوص القانونية،وعلى معطيات من الصحافة الاقتصادية،وعلى تتبع الخصائص السوسيولوجية لعينة من الفاعلين على مستوى الحكومة،والإدارات، والقطاع الخاص،مولياً اهتماماً خاصاً للاتحاد العام لمقاولات المغرب»( ص:12).


   في المقدمة التي كتبها المؤلف أشار إلى أن  الكتاب يرصد دور الاستثمارات الأجنبية الذي برز على امتداد العقدين الأخيرين كمتغير مركزي في حركية الاقتصاد العالمي،وكمحدد هام للسياسات الوطنية،وكمؤشر تقاس من خلاله آليات اشتغال الدولة ،ومستوى فعالية،واتساع تأثير العولمة،وذكر أن هذه الدراسة تندرج في إطار علاقة السياسي بالاقتصادي،وبخصوص تطور الاستثمار الأجنبي في المغرب ذكر أن معالم ارتباط الاقتصاد المغربي بالاستثمار الأجنبي بدأت منذ أواسط القرن التاسع عشر،وتعتبر مرحلة الحماية التي شملت الفترة الممتدة مابين:1912إلى سنة:1956م،المنعطف الحاسم في تطور الاستثمارات الأجنبية،وقد توزع هذا التطور بين مرحلتين أساسيتين امتدت المرحلة الأولى من سنة:1912 إلى سنة1945م،وقد اتسمت ببطء في حجم تدفق هذه الاستثمارات،وفي المرحلة الثانية التي امتدت من بعد الحرب العالمية الثانية إلى حصول المغرب على الاستقلال ارتفع مستوى الاستثمارات الأجنبية في السنوات الأولى لهذه المرحلة ولاسيما من فرنسا.
        في الفصل الأول من القسم الأول من الكتاب،والذي جاء تحت عنوان:«الإجراءات الاقتصادية والمالية لتحفيز الاستثمارات الأجنبية» عالج المؤلف جملة من القضايا المتصلة بالإجراءات التي اتُخذت لتحفيز الاستثمارات الأجنبية،وذكر في المبحث الأول من هذا الفصل أن  سياسة الخوصصة فرضت نفسها في المغرب كخيار مركزي يؤطر السياسة الاقتصادية،ويوجه النموذج التنموي،إلى حد« أضحت معه هذه السياسة مكوناً أساسياً للفلسفة الاقتصادية للسلطة السياسية،ومحدداً يؤشر على نزوع في ممارسة السياسة تمكنت الدولة من تحقيق مجموعة من المكاسب الاقتصادية.من ذلك فتح القطاعات الاقتصادية أمام الخواص،وتسريع وتيرة تجهيز الدولة ببنيات تحتية حديثة،واستقطاب الخبرات،والتكنولوجيا المتقدمة،ومساهمة الأجراء والأفراد في امتلاك الأسهم،والرفع من التنافسية،وأخيراً رفع مستوى استقطاب المغرب للاستثمارات الأجنبية »(ص:50).
    وقد ناقش المؤلف في هذا المبحث عدة قضايا تتصل بسياسة الخوصصة،والحد من الاحتكارات العمومية،والتسيير عن طريق التدبير المفوض،وعقود الامتياز.
    وفي المبحث الثاني تناول عدة مسائل تتعلق بمحفزات المبادرة الخاصة،وتحدث بإسهاب عن تطوير نظام الحوافز الضريبية،وأشار إلى أن اتجاه الدولة في المادة الضريبية مر بمرحلتين أساسيتين امتدت المرحلة الأولى من سنة:1956م إلى سنة:1974م،وابتدأت المرحلة الثانية من سنة:1974م،حيث يعتبر قانون الإطار للضريبة للسنة1974م الفيصل بين المرحلتين.
 كما سلط الأضواء في هذا المبحث على لبرلة المناخ المالي،وتقليص سياسة الحمائية.
      وخصص الفصل الثاني من هذا القسم للتطرق إلى الضمانات المقدمة لتحفيز الاستثمارات الأجنبية،وكشف في المبحث الأول من هذا الفصل عن الإطار القانوني والمؤسساتي،وتطرق كذلك لتحديث الإطار المؤسساتي،وفي المبحث الثاني تحدث عن الإطار السياسي والاقتصادي،وسلط الأضواء على تطور مسار حقوق الإنسان في المغرب،و قدم في ختام هذا القسم خلاصة عامة ذكر فيها أن ما يتضح من خلال قراءة مرتكزات السياسة الاقتصادية،ومضامين التحول السياسي الذي شهده المغرب منذ سنة:1990م هو  «اتجاه الدولة نحو تقوية آليات جذب الاستثمارات الأجنبية،وتنمية عناصر التقليص من المعيقات التي كانت تصادف المستثمرين الأجانب.كان من نتائج ذلك تحقيق تقدم ملموس في الإصلاحات الاقتصادية الهادفة إلى تحرير تدريجي للاقتصاد،وتقليص تدخل الدولة في الاقتصاد عبر الدفع بالمبادرة الخاصة،وتحسين وضعية المؤسسات التي من شأنها حماية المستثمرين،ورفع انفتاح الاقتصاد المغربي على اقتصاديات بلدان العالم،والتقليص من مضامين سياسة الحمائية التي كانت متبعة قبل سنة1984م. وامتد سعي الدولة لتحفيز الاستثمارات الأجنبية إلى تقوية الشروط القانونية والمؤسساتية التي من شأنها تحسين المناخ الاستثماري،ولم يكن المجال السياسي بمعزل عن هذه التحولات.فلقد أصبحت التحولات السياسية تحمل مضامين اقتصادية تؤشر على نزوع الدولة نحو تقوية انفتاح الفضاء السياسي على التغييرات التي تحدث في المجال الاقتصادي،والتي برزت معالمها في تركيز خطاب الدولة على سيرورة الإصلاح الاقتصادي،وعلى اعتبار تحفيز المستثمرين الأجانب إحدى الأولويات الأساسية للأجندة العمومية.وقد واكب هذه الجهود نهج السلطات الاقتصادية سياسة ماكرو اقتصادية تتأسس على ضمان الاستقرار النقدي،وضبط مستويات العجز والتضخم،وكذا تقليص حجم المديونية الخارجية»(ص:200-201).
    ركز الدكتور جواد النوحي في القسم الثاني من الكتاب على نتائج انفتاح الاقتصاد المغربي على الاستثمارات الأجنبية بالمغرب،وبعض آثارها السياسية،ووزع تحليله على فصلين،عرض في الفصل الأول لمستوى تطور حجم الاستثمار الأجنبي في المغرب ما بين:1990و2006م،وذكر في هذا الشأن أن الاستثمارات الأجنبية في المغرب منذ سنة:1990م عرفت تطوراً نحو الارتفاع،وقد وصل   الاستثمار الأجنبي في المغرب إلى مستوى غير مسبوق في سيرورة التطور الاقتصادي،وقد تجاوزت الأرقام المسجلة خلال هذه الفترة جميع الأرقام التي سُجلت خلال الفترة الممتدة من سنة:1956  إلى غاية سنة:1989م،كما قام المؤلف في هذا الفصل بقياس حضور المغرب في الجغرافية العالمية للاستثمارات الأجنبية،ودرس في الفصل الثاني مدى طبيعة تأثير الاستثمار الأجنبي على النظام السياسي،واستنتج أن تطور الاستثمارات الأجنبية،وما وفرته من موارد مالية شكل عاملاً للنظام السياسي في الإجابة عن متطلبات التحديث الاقتصادي،وتجاوز الاختلالات الاجتماعية،وأيضاً أضحى مورداً من موارد الشرعية،كما رأى أن الاستثمار الأجنبي بما وفره من موارد،وبمساهمته في إنجاز العديد من المشاريع التنموية ساعد الدولة في الإجابة عن العديد من الاكراهات الاجتماعية.
   وقد اتضح للدكتور جواد النوحي من خلال تحليله للنتائج الاقتصادية والسياسية التي اتخذتها الدولة المغربية لجلب الاستثمارات الأجنبية على امتداد فترة1990-2006م «أن التدابير المتخذة أدت إلى رفع مستوى استقطاب الاقتصاد الوطني لهذه الاستثمارات،بحيث يلاحظ ارتفاع في حجم الاستثمارات الأجنبية،وازدياد تأثيرها في المشهد الاقتصادي الوطني،غير أن هذا التطور لم يترتب عنه تحول جوهري،بحيث يظل التطور في مستويات محدودة،ولم تصل بالمغرب إلى مصاف الدول النامية المصنفة في قائمة الدول الصاعدة،ذلك أن تقييم مستوى استقطاب الاقتصاد الوطني للاستثمارات الأجنبية،مقارنة ببعده الإقليمي والدولي،يجعله يصنف ضمن البلدان ذات التأثير المحدود في خريطة الاقتصاد العالمي.يعكس هذا الواقع حدود التدابير المتخذة لجلب الاستثمارات الأجنبية،ويبين أن هناك معيقات عدة لازالت تحول دون ارتفاع حجم هذه الاستثمارات،لكن بغض النظر عن مستوى، وحجم هذه الاستثمارات،فإن التطور الذي عرفته كان له أثر في الفضاء السياسي والاقتصادي»(ص:368).
     وقد خلص المؤلف إلى سمة الترابط بين السياسي والاستثمارات الأجنبية،ورأى أن هذا الواقع أبرز معطيين رئيسيين يقوم الأول على أن للسياسي في المغرب تأثير على جذب الاستثمارات الأجنبية،ووتيرة تطورها،كما تبين له أن مضامين السياسات الاقتصادية والتدابير المتخذة ارتبط بتصورات السلطة السياسية،ومدى الإصلاح المدخل،وقياس درجة تأثيرها السياسي،والاقتصادي،كما ذهب المؤلف إلى أنه يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات للتأثيرات السياسية التي يمكن أن تخلقها حركية هذه الاستثمارات في المغرب.
 «أ-استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية في المغرب بنفس الوتيرة مع غياب تغييرات سياسية كبرى،ينتظر أن يضطلع الاستثمار الأجنبي بنفس الأدوار التي يقوم بها حالياً بأن يبقى يدعم النظام السياسي،ويساهم في إحداث دينامية الاقتصاد الوطني.
ب- ارتفاع قوي في حجم الاستثمارات الأجنبية.تتحدد درجة التأثير السياسي لهذه الاستثمارات وفق مصادر هذه الاستثمارات والقطاعات التي تتوجه إليها.الملاحظ في هذه الحالة أن اتجاه هذه الاستثمارات،وإن كان لن يدفع بالضغط على النظام السياسي لدمقرطة الدولة،فإنه سيقوي الضغوط عليها لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية والمؤسساتية.كما سيخلق انعكاسات على الدولة من خلال المساهمة في توفير الشروط السوسيو اقتصادية التي تدفع بمطلب الديمقراطية.وبشكل معاكس،قد ينتج انعكاسات سلبية،فإذا لم يترافق تطور هذه الاستثمارات مع تحسين الوضعية الاجتماعية للمواطنين،وضمان إحداث مناصب الشغل،فإن إمكانية لإحداث هزة اجتماعية قد تتقوى.هذا الأمر قد يؤدي إلى الدفع بالإصلاحات الاقتصادية.يتطابق ذلك مع التطورات النظرية التي ترى في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية مدخلاً للإصلاح السياسي.
ج-ركود في حجم الاستثمارات الأجنبية.في هذه الحالة ستقوى الضغوطات على النظام السياسي للبحث عن موارد جديدة لمقاصة تراجع موارد هذه الاستثمارات.وفي حالة عدم إيجاد بدائل لذلك،يبقى الإصلاح السياسي المدخل لإدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية،فدينامية النظام السياسي ترتبط بطبيعة الموارد المالية والرمزية التي يستطيع أن يوفرها»(ص:371-372).

ليست هناك تعليقات: