بقلم الدكتور/ أحمد يحيى علي
أستاذ الأدب والنقد بكلية الألسن جامعة عين شمس
في مزيج ساخر يعبر عن توجه واقعي في الكتابة يوظف اللغة في مستواها الفصيح السهل المستوى الذي يلجأ إليه الصحفي الذي ينزل إلى الشارع بكاميرا قلمه ليبحث وينقب في زواياه عن قضايا يرصدها بالتحليل والمعالجة بقلمه
كاتبة في وعائها النفسي والذهني تسكن شخصية رافض متمرد يجادل ما ترسخ وأضحى وأمرا واقعا من قيم وعادات فرضتها نوازع لا مبالاة واستسلام وانشغال بأمور أخرى على حساب التوجيه الحقيقي الذي ينتصر للمعروف بالمعنى الأخلاقي ويهاجم المنكر بالمعنى الأخلاقي والديني ففي غمرة الانشغال بيوميات الحياة يصير لمسألة التقديم والتأخير وإعادة ترتيب الأولويات دورها في اهتمامات الفرد والمجموع
رانيا مسعود كاتبة مصرية جعلت من الرجل وممارساته السلطوية غير المنزهة أو المبرأة أو المعصومة مجالا لسيف قلمها إنها في مجموعتها المقالية " إمتى هتبقى راجل" تسأل بلازم الفائدة سؤال المستنكر لا تنتظر جوابا بل تحاكم سياقا اجتماعيا الكل فيه مدان ليس الرجل وحده بل المرأة في ثوب الأم والزوجة والأخت والابنة التي تصنع أحيانا كثيرة بأفعالها هذا الفرعون الذي لو ترك لتمدد بأفعاله في مسطح أفقي ليلقي بظلال قاتمة على المنظومة الجمعية كلها؛ إنها انتقلت من العنوان الاستنكاري الموظف لأسلوب العامية المصرية وللدارج على الألسن إلى فروع مقالية بمثابة لقطات لكاميرا صحفي كل لقطة مقال بعينه ينقب ويفتش في زاوية محددة في عملية تحليل رأسي يعكس بلغة واضحة سهلة بساطة في التناول تنشد بذلك الالتقاء بكلمتها مع أكبر شريحة ممكنة من قرائها ؛ إنها حاولت في بنيتها المقالية هذه إقامة رؤية متوازنة تختفي عنها فكرة التعصب والانحياز ضد السلطة الذكورية وقهرها ففكرة القهر كما تراها رانيا تصنعها فواعل مشتركة تجمع بين المذكر والمؤنث؛ فللمرأة في معالجة رانيا مسعود دور مهم بمواقفها في تدشين هذه الحال المأساوية التي تصير معها كلمة رجل محل جدل ؛ إن قلم رانيا مسعود ينقدها ويعيد إنشاءها من جديد في معجم مقالي يفرق بين الذكر والرجل، فالأولى تحمل معنى بيولوجيا سلبيا، والثانية وفق منظور رانيا المتماهي مع رؤية الشرع (الإسلام) ذات دلالة إيجابية فالرجل ليس نوعا بالفطرة ولكنه المستوفى عددا من الشروط والمتحقق فيه حزمة من المواصفات في القيادة والرعاية والنظرة إلى الآخر (المرأة) التي تكفل له هذه الصفة النبيلة التي هي بمثابة مكافأة ومكانة لا ينالها إلا من يستحقها. إن رانيا تعتمد في كتابتها على تناص مع سياقات أخرى خارج حدود نصها، كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر مع فكرة فيلم الآنسة حنفي لإسماعيل ياسين ، وقصة موسى السامري الواردة في القرآن الكريم في مقال آخر حمل عنوان " لا مساس" ، " وأد البنات". إننا بصدد كاتبة منفتحة على الأزمة الواقعية تسعى وتحاول معالجتها بنظر مفتوح دونما تبني مواقف مطبوخة سابقة التجهيز تنزل بأحكامها إلى رتبة الهوى لا رتبة القاضي المتحيز للقضية بأدلتها الساعي إلى إصدار حكم يتناسب وحيثياتها. وتسافر بالقارئ في أثناء ذلك كله في مستوى لغوي مزيج جامع بين العامية والفصحى التي لم تتخل قط في كل جنبات مجموعتها المقالية عن مستواها الصحفي الملائم لكل شرائح المتلقين لكلمتها. إننا بصدد مسافة تصنعها رانيا بين ذاتها بوصفها إنسانا قبل أن يكون امرأة وسياقها الاجتماعي التي تنظر إليه نظر زرقاء اليمامة التي كان همها الوقوف على ما يهدد جماعتها من أخطار ، بكلمات جريئة وأسلوب واضح ينسجم ولغة اليوميات تسأل لا لتطلب الجواب بالكلمة ولكن لترفض الراسخ اجتماعيا سعيا إلى تغييره بمنظومة قيمية مفرداتها تقوم على مبادئ العدل الحقيقي لا الزائف الذي يعترف فيه كل طرف ببشريته التي تخطئ وتصيب وتنفي عنه تابوه القداسة وما يترتب عليه من مظاهر تلقي بظلال قاتمة على النسق الجمعي فكرا وسلوكا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق