قصة قصيرة
بقلم: د.أسماء الطناني
تقوم بترتيب اغراضك، ثم تؤكد علي حجز مقعدك
في الطائرة، تقتاد سيارة حتي المطار، وتزن حقائبك وحقائب من معك وتنتظر موعد اقلاع
الطائرة للتوجه حيث تريد، لقد قامت تلك الفتاة الاربعينية هي وأمها بعمل كل تلك
الخطوات إلا أنها كانت قد نسيت خطوة واحدة وهي أن تقوم بشراء بعض عملات الدولة
التي ستذهب لها، بينما كنت أنا الاخري للتو قد انتهيت من
نفس خطوتها وهممت بالانصراف من مكتب الصرافة الذي دخلته هي وامها، كانت متعجلة من
امرها لتجد أمامها طابور من 4 افراد ينتظرون دورهم علي شباك الصرافة، كانت متأففة
جدا من ذلك التأخير، فسقطت منها تذكرة الطيران، التي انسابت من داخل جواز سفرها
منجذبة نحو الارض دون أن تدرك ولا حتي أن تحذرها أمها من ذلك، رغم انني لاحظت أن
امها تنظر في ذات اتجاه سقوط التذكرة علي الارض، وربما كانت قد تابعت الموضوع
برمته وهو سقوط التذكرة من جواز سفر ابنتها، إلا أنها لم تنبهها.
وعلي الفور نبهت الفتاة الاربعينية بالأمر،
واعطيتها تذكرتها التي انسدلت منها دون أن تدري، فشكرتني جداً وأخبرتني انها في
عجلة من أمرها فوقت الطائرة قد اقترب واوصتني بأمها قائلة: هلا ساعدتيني في الجلوس
مع امي علي ذاك الكرسي حتي انتهي، لأنها..
ثم سكتت، قلت لها: لأنها ماذا أكملي؟
فلم ترد أن تجرح شعور امها واقامت بعمل
اشارة تدل علي ان امها لا تري، لقد كانت فاقدة للبصر.
صُدمت مما علمت، وأمسكت بيد السيدة العجوز،
وأخذتها حتي الكرسي، و أجلستها، وجلست بجوارها وعقلي يفسر ويقول، إذن هذه السيدة
لم تلتقط تذكرة ابنتها لأنها فاقدة للبصر، وأنا التي ظننت أنها غاضبة من ابنتها،
بالفعل إن بعض الظن إثم.
جعلت أربت علي كتفها وعلي يديها في رفق بها
و شفقة علي حالها، كانت عيناها مفتوحتين لكنها لا تري، أمر صادم للغاية، الضوء
يذهب ويجيء علي عينيها من كل مكان في المطار، ولا تستطيع أن تدركه، إنه لأمر عصيب
للغاية.
قالت لي: شكرا يا ابنتي علي المساعدة.
قلت لها: بارك الله في عمرك يا أمي وأعطاكي
الصحة والبصيرة.
قالت لي: نعم إنها البصيرة، أنا أري
بالبصيرة فقط.
قلت لها: كيف يا أمي؟
قالت: لقد فقدت نعمة البصر منذ سنوات، وفي
داخلي بصيرة كبيرة.
قلت لها: هلا شرحتي لي بالتفصيل أكثر؟
قالت لي: أسير في الحياة بنور الله ومساعدة
اولادي، اشعر بنور الله يملأ كل مكان في داخلي وحولي، أشعر بالرضا رغم حالي،
وبالسعادة رغم أنني لا اري من الكون شيئا.
لم استطع أن أرد سوي بدمعة نزلت من هول
كلماتها المؤثرة.
ثم اردفت قائلة وكأنها تقرأ من كتاب روحها
والكلمات مكتوبة أمامها، إن الله لا ينسي عبده يا بنيتي، لم ينساني في بطن أمي،
ولم ينساني عندما خلقني، فهل ينساني عندما اختبرني بأخذ بصري؟ لا والله ما حدث
ابدا، لقد سخر لي أبنائي بفضله، وكأنني ملكة وهم أميراتي، وأعطاني البصيرة التي أشعر
بها أنني أحيا في الجنة.
مرة أخري لم استطع ان انبس ببنت شفة
قالت لي: ما بك صامتة يا عزيزتي؟
قلت لها: دمعت عيناي من هول كلماتك وقدرة
الله، إنك شاكرة لله رغم كل شيء وهناك أناس عندهم كل شيء وغير راضين عما كتب الله
لهم.
فقالت: دنيا عجيبة يا بنيتي بالفعل.
وأتت ابنتها من بعيد في وسط الحوار لتعلن
الإنتهاء من المهمة التي أتت من أجلها إلي مكتب الصرافة أخيرا، و شكرتني علي
عنايتي بأمها و همت توقفها للذهاب للطائرة، إلا أن السيدة العجوز توقفت واضعة يدها
في حقيبتها باحثة عن شيء ما، بينما ابنتها تقول لها: عما تبحثين يا امي، هيا بنا
لا وقت عندنا ستفوتنا الطائرة يا عزيزتي.
قالت الأم: وجدتها
وأخرجت زجاجة عطر صغيرة، قالت لها ابنتها:
انها زجاجة عطرك المحبب يا أمي هل تريدينها بالفعل أم أنك تبحثين عن شيء اخر ؟ كي أساعدك
قالت: كلا أنا اريدها نفسها
ثم قالت: هذه الهدية لك يا عزيزتي، وأصابنا
تعجب أنا و ابنتها، وقلت لها: لا يا أمي أشكرك، لم اجلس معك لتعطيني هدية إنها
الانسانية هي التي جعلتني افعل ذلك.
فردت الأم قائلة: شكرا علي انسانيتك، وهذا أحب
عطر لقلبي وهو يليق بك وبقلبك الطيب الذي رايته ببصيرتي التي اخبرتك عنها.
ابتسمت ابنتها وقالت لي: امي لا تحب ان
تعود في كلمتها، تفضلي هو لك
شكرتها وقبلت رأس السيدة وذهبت تاركة معي
ذلك العطر الذي كان بالنسبة لي أغلي الهدايا التي جاءتني من امراة لم تراني بعينها
لكنها رأتني ببصيرتها بل واهدتني احب الاشياء لقلبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق