قراءة في كتاب: «الرواية السعودية
واقعها وتحولاتها»للدكتور حسن النعمي
بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقــــــة
صدر هذا الكتاب القيم ضمن سلسلة المشهد
الثقافي،في إطار برنامج وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام بالمملكة
العربية السعودية في طبعته الأولى سنة:2009م،ويقع في:133 صفحة من الحجم المتوسط،
ويضم في طياته دراسة وافية عن تحولات التجربة الروائية
بالمملكة العربية السعودية،وذلك من خلال إلقائه الأضواء على واقع هذه التجربة،
وتتبعه لتحولاتها، وتطوراتها منذ انطلاقتها.
وقد قُسم الكتاب إلى ثلاثة فصول. بدأ الباحث
بمقدمة أشار فيها إلى أن الرواية السعودية هي بمثابة نصٍ موازٍ للواقع،تأخذ من
الواقع بقدر ما تعيد إليه من أسئلة وافتراضات واستجوابات،وهي نص المستقبل الأدبي،ومنطقة
التقاطعات الحوارية التي نحتاجها،فهي تتميز بأنها نص يقبل التعدد، ويسمح بالتأويل،
ويرضى بالتجاوز والاختلاف، وأكد الباحث على أن التوقف أمام الرواية السعودية
تسجيلاً لمراحلها، واستقراءً لإسهاماتها المعرفية والجمالية، واستكشافاً لجدلها مع
الواقع هي ضرورة نقدية،بيد أن رصد الإنتاج الروائي في مجمله،رواية بعد رواية يعد
أمراً غاية في الصعوبة،وأشار المؤلف إلى أن ما يرمي إليه من وراء تأليف هذا الكتاب
ليس الرصد والتوثيق،بل هو تقديم بيان رؤية عامة حيال هذا الإنتاج،وبالتالي فلابد
من الاتجاه صوب الانتقاء الذي لا يُخل برسم الصورة،وكذلك فإن الدراسة تقتضي توظيف
التحليل،فمنهج الكتاب هو منهج انتقائي،الغاية منه بيان رؤية شاملة عن الرواية
السعودية،تقوم بدور التعريف،لا بدور الاستطراد والاستقصاء.
مراحل
تطور الرواية السعودية:
يتتبع الباحث في الفصل
الأول من الكتاب مراحل تطور التجربة الروائية السعودية،من منظور صلة التطور
التاريخي بحركة المجتمع،وذلك من حيث علاقة الرواية بسياقها الأدبي أو الاقتصادي أو
السياسي،أو حتى تلك الأدوار التنويرية التي خاضها المجتمع في مراحل تكون الدولة
السعودية،ولم يكتف المؤلف بالاشتغال على الجانب الوصفي التاريخي فحسب،بل إنه يُقدم
رؤى معمقة، ويسعى للاستدلال على المكونات الموضوعية لتطور الرواية عبر المراحل
الأربعة التي حددها، وقد بدأت المرحلة الأولى الموسومة ب:«مرحلة النشأة» من
سنة:1930م،وهو تاريخ صدور رواية«التوأمان» لعبد القدوس الأنصاري، والتي عالجت قضية
العلاقة الحضارية بين الشرق والغرب،إلى غاية أواخر الأربعينيات(1948م)، وذلك بظهور
رواية«البعث»لمحمد علي مغربي،وما لاحظه المؤلف على هذه المرحلة هو أن الرواية
السعودية،ولفترة عقدين من الزمن واكبت بدأ تكوين المجتمع السعودي، وما صاحب هذه
الفترة من استقطابات سياسية، وقبلية، وبناء مؤسسات الدولة الفتية،إلى غاية مرحلة
استقرار المجتمع السعودي، وتميزت أغلب الروايات التي ظهرت في هذه المرحلة بنزعتها
الإصلاحية الاجتماعية، ومن أهمها رواية«فكرة»لأحمد
السباعي،وأما فترة الخمسينيات فقد طبعها الجمود،بحيث لم تصدر سوى رواية«الانتقام
الطبعي» لمحمد الجوهري سنة:1954م،ويرى الباحث بأنها قريبة من الناحية الفنية
لروايات مرحلة النشأة. وقد ابتدأت المرحلة الثانية،والموسومة ب:«مرحلة التأسيس»
سنة:1959م،بصدور رواية«ثمن الضحية»لحامد دمنهوري،إذ يرى المؤلف أن هذه الرواية
شكلت قفزة فنية،وبداية واعدة للتطور الفني في صناعة الرواية، وفي هذه المرحلة صدرت
الرواية الثانية لدمنهوري سنة:1963م،وقد عنونها ب:«ومرت الأيام»،وفي حقبة
الستينيات يظهر إبراهيم الناصر الحميدان،فأصدر روايتين هما: «ثقوب في رداء الليل»سنة:1961م،و«سفينة
الموتى»عام:1969م.
وأما المرحلة الثالثة،فقد
أسماها المؤلف:«مرحلة الانطلاق»،وقد انطلقت هذه المرحلة مع بداية الثمانينيات، وما
يُلاحظ عليها تسارع إيقاع الإنتاج الروائي، وزيادة تراكمه على عكس المرحلتين
السالفتين(التأسيس والنشأة)،إذ يرى المؤلف أن الرواية السعودية في الثمانينيات
عبرت نفق التباطؤ، وتجاوزت هشاشة التجربة الفنية، والفكرية،وهذا التجاوز لم يتحقق
دفعة واحدة،بل إنه تميز بالتدرج في الحضور على أكثر من مستوى، وفي هذا الشأن يمكن
اعتبار روايات عبد العزيز مشري مرحلة انتقال من
البطء في صناعة الفعل الروائي إلى إيقاع أكثر تسارُعاً ،وذلك من جانين، من جانب التراكم
الروائي الذي قدمه الكاتب ،ومن جانب الرؤية المقدمة،والتي اتسمت بالبحث عن نقاء
الإنسان في واقع متغير.
وأما المرحلة الأخيرة فهي
مرحلة:«التحولات الكبرى»،فقد احتلت الرواية في هذه المرحلة مساحة كبيرة في المشهد
الأدبي،وهذا يعود إلى جملة من الأسباب،من أبرزها قدوم أسماء جديدة من خارج الكتابة
السردية التقليدية للإسهام في كتابة الرواية مثل تركي الحمد الأكاديمي،وغازي
القصيبي الشاعر، إضافة إلى حضور المرأة بصفتها الروائية مثل رجاء عالم، ونورة
الغامدي، وليلى الجهني، ومها الفيصل، ونداء أبو علي، ورجاء الصانع، وبدرية البشر،
وأميمة الخميس، وغيرهن .
وقد اختتم
المؤلف هذا الفصل بإشارته إلى أن المتابع للرواية السعودية يلاحظ بأنها قد بدأت
إصلاحية، وانتهت كاشفة للواقع ومتقاطعة معه،وقد انطلقت توفيقية في رؤيتها،
وإصلاحية في رسالتها،بيد أنها كانت أقل حضوراً من الناحية الفنية،وفي لحظة تركيزها
على أزمة الفرد، وهواجسه، وبحثها عن فهم تركيبة المجتمع تميزت بتطور فني ملموس.
التجربة النسوية في المشهد الروائي السعودي:
تحت عنوان:«الرواية النسائية وشرط الوجود
التاريخي» يتوقف المؤلف ملياً مع التجربة النسائية في المشهد الروائي السعودي،إذ
يرى أن قراءة الإنتاج الروائي النسائي في المملكة من خلال شرط التحول
التاريخي،يؤكد أن الرواية هي حركة في قلب التاريخي،ولا تندرج خارجه،وبالتالي فإن
الدراسة تقتضي فهم أرضية الحركة الاجتماعية الجاذبة،أو الطاردة لعطاء المرأة في
سياق تاريخ تطور الرواية السعودية،وقد توصل الباحث إلى أن الروايات النسائية التي
صدرت في الستينيات حتى مطلع الثمانينيات الميلادية ليست نتاج البيئة الاجتماعية
والتعليمية للمجتمع السعودي،بل نتاج تجارب نسائية فردية تنورت تعليمياً وثقافياً
في بيئة خارج المجتمع السعودي،وقد ضرب المؤلف مثالاً برواية«البراءة المفقودة،1972م»لهند
باغفار،ورواية«غداً سيكون الخميس،1977م»،حيث تدور أحداث الروايتين في بيئتين
خارجيتين،غير أن الروايات النسائية التي صدرت في فترة التسعينيات الميلادية، وما
بعدها عرفت تغيراً جذرياً،حيث تميزت بعمق المعالجة، والقدرة على الصلة بالواقع
اليومي،وهذه الصلة هي نتاج حركة طبيعية لسياق ثقافي بدأ تشكله في أوائل
الستينيات،حيث تم وضع تنوير المرأة في الحسبان،وهذا ما تجلى من خلال مجموعة من
الروايات،من بينها رواية«الفردوس اليباب،1998م»لليلى الجهني،ورواية نورة
الغامدي،الموسومة ب:«وجهة البوصلة،2002م» ،ورواية«بنات الرياض،2005م» لرجاء
الصانع،فالمتأمل في هذه الروايات يكتشف مدى أهمية التكوين الثقافي في توجيه مسار
هذه الروايات،وجعلها ذات قيمة داخل السياق الاجتماعي والثقافي.
مضمون
الخطاب الروائي:
في الفصل الثاني من الكتاب يُلقي المؤلف الضوء
على مضامين الخطاب الروائي،ويرمي الباحث من خلال هذا الفصل إلى الكشف عن أهم
المواضيع المهيمنة على التجربة الروائية السعودية،وما لاحظه المؤلف هو أن هناك
عناية من قبل مجموعة من الكُتّاب، والكاتبات بعدد من القضايا التي تتسم
بالشمولية،كما أن هناك معالجات تميزت بالتفرد في التناول،وبناء الرؤية الإبداعية،
ويشير الباحث إلى أنه يجب الإقرار بأن هناك قواسم مشتركة تحدد المنطلقات التي
يتخذها الكُتّاب،أو الكاتبات حيال قضية معينة،ومن أبرز الموضوعات التي تكرر ورودها
في الرواية السعودية موضوع الآخر،فقد شغل هذا الموضوع حيزاً معقولاً،وقد وجدت
الرواية السعودية في هذا الموضوع مادة ثرية للتناول، ولا يمكن الاقتصار في النظر
إلى هذا الموضوع،على أساس أنه مجرد مضمون روائي،بل إنه مشكلة حضارية كبرى،ويتسم
بالديناميكية الفاعلة،نتيجة لعمق التحولات الكبرى التي مر بها المجتمع،ووقع أثرها
المباشر على الرواية،ومن أهم الروايات التي تبدى من خلالها هذا الموضوع،رواية«التوأمان»لعبد
القدوس الأنصاري،ورواية «البعث»لمحمد علي مغربي، و«ثمن الضحية» لحامد دمنهوري،ويرى
المؤلف إلى أن حضور الآخر في هذه الروايات اتسم بالتنوع والاختلاف،والقاسم المشترك
بينها هو أن الرؤى تميزت بأنها رؤى قلقة،ولم يقتصر حضور الآخر على هذه الروايات
فحسب،بل امتد وتجدد في عدد من الروايات التي ظهرت في الثمانينيات،مثل رواية«غداً
أنسى» لأمل شطا، ورواية«السنيورة» لعصام خوفير، و«حالة ضعف» لفؤاد صادق مفتي.
وقد احتل موضوع موقع الرجل حيزاً كبيراً في
كتابات الروائيات السعوديات،وذلك في إطار الموضوعات التي شكلت رؤية روائية عميقة الدلالة،إذ يشير المؤلف
إلى أن هذا الموضوع أضحى ملازماً للرواية النسائية،ولا يمكن الفكاك منه إلا
بتويعات مختلفة،وهو أحد المحركات الأساسية للمشهد الروائي النسائي،حتى غدت علاقة
المرأة بالرجل خطاباً مهيمناً على منظورات الرواية النسائية،فحضور الرجل في
الرواية النسائية يبدأ من الصفة الفردية للرجل،ليصل إلى الرجل بوصفه المؤسسة أو
السلطة،ويرى الباحث أن هذا الموضوع ومن كثرة تكراره خسر مصداقية الطرح
الروائي،وخرج من خانة التعبير الفردي إلى خطاب عام طبع معظم الكتابات الروائية
النسوية،فقد تميز هذا الموضوع باتخاذه سلبية مسبقة عن الرجل في معظم الروايات.
وأما موضوع العلاقة بين القرية والمدينة،فيرى
المؤلف بأنه قد اتسم بنوع من الجدل في الطرح،فانحاز بعض الروائيين للقرية،بينما
نظر آخرون للمدينة نظرة طبعتها الواقعية،دون تجاوز القيم المتبدلة،ومن أوائل الذين
طرحوا هذه العلاقة إبراهيم الناصر الحميدان في رواية«ثقوب في رداء الليل»،وقد شكل
هذا الطرح بداية لهذا الموضوع،وبعد ذلك عرف حضوراً قوياً في الكتابات الروائية في
الثمانينيات، ولاسيما في روايات عبد العزيز مشري، بالإضافة لمجموعة من الروايات
التي جسدت القرية بطريقة محايدة بعيدة عن البحث في جدليتها مع المدينة، ومن بين
هذه الروايات«الحزام»لأحمد أبو دهمان،و«فيضة الرعد»لعبد الحفيظ الشمري، و«أنثى
تشطر القبيلة»لإبراهيم شحبي.
تطور البناء السردي:
في الفصل الأخير من
الكتاب تتبع المؤلف تطورات البناء السردي منذ نشأة الرواية السعودية،مُركزاً على
مدى استفادة الكُتّاب من التقنيات السردية،وتوظيفها لخدمة العمل الروائي،فرصد
مختلف القضايا السردية،والتطورات الجمالية لدى الروائيين بناءً على المراحل التي
أشار إليها في الفصل الأول،فقد اتسمت الرواية السعودية في بدايتها بضعف فني
طبيعي،وذلك شأن كل انطلاقة ،ثم شهدت نضجاً فنياً يلمسه القارئ في كتابات المرحلة
الثانية.وفي مرحلة التحولات الكبرى-أي المرحلة الأخيرة- شهدت الرواية السعودية
طفرة فنية تحسب للمنجز السردي العام، وقد قدم الباحث من خلال هذا الفصل مجموعة من
التحاليل الهامة،فرأى أن روايات مرحلة النشأة تتقارب من حيث مستواها الفني،فأغلبها عني بالشخصية،
وتتابعت فيها الأحداث بناءً على حركة الشخصيات،وتميزت معالم الأمكنة بعدم الفاعلية
في تكوين الأحداث، وغلبت عليها الأفكار الموجهة، واتسمت بالجاهزية إلى درجة أن
القارئ يحدد مصائر الشخوص مسبقاً.
وفي مرحلة التأسيس، ومن خلال الرواية الأولى«ثمن الضحية»التي استهل بها
حامد دمنهوري المشهد الروائي،أجمع النقاد على أنها قد تميزت ببنائها المحكم،
وعمقها في المعالجة،إضافة إلى توظيفها الجيد لحركة الزمن في سياق تطور الحكاية،كما
اختلفت عن سواها من روايات مرحلة التأسيس بالاعتناء بوصف المكان، وأما رواية«ثقب
في رداء الليل» لإبراهيم الناصر،فقد تميزت بمباشرتها في طرح الأفكار والرؤى، ولم
تستخدم وسائل وتقنيات الخطاب الروائي،إضافة إلى أنها تعتبر التجربة الأولى
للكاتب،ولذا فهي تقترب من الناحية الفنية من روايات البدايات الأولى،وقد توصل
المؤلف إلى أن مرحلة التأسيس في الرواية السعودية لم تقدم شيئاً جديداً على مستوى تطور الخطاب الروائي،وظلت المعالجات
ضعيفة السردية، واتسمت المواقف المطروحة بالمباشرة، والحماسية، والخطابية. وقد
اعتبر الباحث أن المرحلة الأخيرة تشكل أخصب المراحل من حيث التطور السردي والجمالي
والمعرفي، ومن حيث نسبة المنشور الروائي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق