التجربة
الإبداعية للكاتب العماني محمد بن سيف الرحبي
في
رابطة الكتاب الأردنيين.
عمّان-
نظّمت "الآن ناشرون وموزعون" بالتعاون مع
لجنة القصة والرواية في رابطة الكتاب الأردنيين يوم الخميس 30 أغسطس ،2018 ندوة
احتفائية بالتجربة الإبداعية للقاص والروائي العُماني محمد بن سيف
الرحبي.
واستعرضت
الندوة التي شارك فيها كل من القاص والمترجم د.باسم الزعبي، والناقد الشاعر د.خلدون امنيعم، والكاتبة هيا
صالح، ومديرعام الآن ناشرون وموزّعون القاص جعفر العقيلي، والكاتبة حليمة الدرباشي، أبرز
المحطات في تجربة الرحبي الإبداعية، وأكّدت على فرادة تجربته في مجال السرد.
وقف د. الزعبي في مداخلته على البعد الدلالي لعنوان
رواية (حيتان شريفة)، مشيرًا إلى مفردة حيتان التي درج استعمالها للإشارة إلى الفاسدين،
وتساءل كيف يمكن أن يكون هناك فاسدون شرفاء إلا من باب السخرية السوداء؟ لكنه وجد
أنه ما أن يلج القارئ الرواية حتى يكتشف أن الحيتان جمع حوت، والحوت هنا هو اسم
لبطل الرواية ماهل الحوت، وأن شريفة هي زوجته( وهي ليست من سلالة الحيتان، لكنها
قبلت به زوجاً وأنجبت له حيتاناً، وبالتالي فإن المقصود بالحيتان هنا هم أبناء
ماهل الحوت.
ورأى أننا إذا
تعمقنا في عنوان الرواية نكتشف أن تأويلنا له لم يكن بعيدًا عن المعنى الذي توصلنا
إليه، وقد كان ذكاء من الكاتب أن جعل العنوان يُقرأ على وجهين، لا يختلفان عن
بعضهما، فأبناء ماهل الحوت هم حيتان بمعنيين: أبناء ماهل الحوت، أبناء شريفة، وهم
حيتان فساد في الوقت ذاته، ويدّعون الشرف.
وحول لغة الرواية رآى أنها تتميّز بنفس شعري عال، فقد
استطاع الكاتب توظيف خبراته بكتابة النصوص الشعرية لإضافة لمسة جمالية على أسلوبه
السردي، لا تتوافر لكثيرين من كتاب الرواية العرب. كما جاءت الحوارات فيها مكثفة
اللغة، غير مباشرة، معبّرة وموحية، مشبعة بالصور، تدفع القارئ لتأويل الكلام،
لقراءة مدولالته التي يخفيها خلف الكلمات والتعابير.
أما الكاتبة هيا صالح قالت في مداخلتها، إن الكاتب محمد
بن سيف الرحبي يوظّف فيما يقدّمه من سرد روائي تجاربه في العمل الصحفي والإعلامي
وثقافته الطليعية واختباراته الحياتية وتأملاته وأفكاره، بهدف الخروج بأعمال تعرّي
جوانب عدّة في المجتمع العُماني -الذي لا ينفصل بحال من الأحوال عن حال المجتمعات
العربية- محاولاً الخوض في غمار قضايا تلامس التابوهات الثلاثة (المحرمة). وهو
بذلك يؤكد أن الكاتب الذي قد يتجنب الحديث عن هذه التابوهات لن يستطيع تقديم أعمال
فارقة ومؤثرة وخالدة، وفي تجربة الرحبي ثمة إشارة واضحة إلى أن هذه التابوهات
الثلاثة هي ما قادت مجتمعاتنا إلى حالة التفكك والتشرذم والاحتراب والجهل وانسداد
الأفق التي نعيشها في الوقت الراهن، فكيف يمكن لكاتب يحمل فكراً أن يتجنبها ويغض
الطرف عن مقاربتها وفضّ المسكوت عنه فيها؟
ورأى الناقد د. خلدون امنيعم أنه ليس من المجاز أن تعد
رواية الرحبي "حيتانُ شريفةَ" سيرة ذاتية لآليات تشكّل السلطة
وامتداداتها وهيمناتها المتحولة والمتوحشة، وهي بذلك تحفر في خفايا اللامفكر فيه
والمسكوت عنه في الخطاب السياسي العربي المعاصر، من خلال الاشتغال
على تقنيات فنية أبرزها المفارقة، لقدرتها على فتح آفاق الخطاب السردي على مصراعيه
بغية إجراء الحفر وصولا للكشف، وأضاف أنه يعتقد أن أخطر
مقولات الرواية في محمولها السياسي انبنى على فرضية الصراع الجدلي في شقّيه:
الصراع" الطباقي" والصراع" الوفاقي"، وما يجدر ذكره لديه
أن ذكورية السلطة وشراستها في الرواية أخضعت الأنثوي وفعّلت من دونيته لمصلحتها.
أما القاص جعفر العقيلي الذي قدّم قراءة في مجمل تجربة
الكاتب، وركز على رواية" اسمها هند"، التي رأى فيها مختلفة عما أصدره
الرحبي في الرواية ، حيث يقارب فيها بين
عالم الواقع وعالم الافتراض، وكأنه يريد القول إننا بتنا نعيش، على الصعيد
الإنساني، في عالمٍ هو نتاج عالمين مختلطين؛ كليهما واقعٌ وكليهما افتراض في الآن
نفسه.
وألقى العقيلي الضوء على النظرة الفلسفية التي ينطوي
عليها إهداء رواية "اسمها هند" الذي جاء فيه: "إلى العام الخمسين
من عمري، جئتني بعد نصف قرن، كم بدوت لي قبلئذٍ.. بعيداً جداً.. جداً.. كأنك
المستحيل"، ورأى أن الرحبي يوضح أن الرواية تبدأ بمقاربة العمر، وأسئلته،
وحضوره، والبحث عن هوية خلف كل هذه الهويات التي تربكنا، والمهاوي التي تتعقبنا
وتحاصرنا. ويضيف أن الإهداء توضيح للشخصية الفاعلة في الرواية، شخصية الكاتب/
السارد، حيث حالة الإيهام حول الكاتب؛ هل هو ذاته بطل الرواية، أم إنها مجرد حالة
تشابه أو تماهٍ بشكلٍ ما يذيب الفواصل بين الواقعي والافتراضي؟
وتحدث الكاتب الرحبي
في نهاية الحفل عن ما يسمى بـ"رسالة" العمل
الروائي مؤكدًا عل ىأنه ليس من وظيفة الأدب نقل الرسائل، بل كشف الواقع الذي ربما
يصدمنا، موضحاً أن هذه الأمور "نسبية"، وأن هناك "من يخشى من بضع
كلمات عن علاقة جسدية، ويتوقع أنه برفضها سيمنع تياراً هادراً من الحديث عن جسدٍ
تأتي به الشاشات، حتى العربية منها، عدا الهواتف المحمولة في المخادع".
كما
أوضح الرحبي أنه لم يسعً إلى أن يكون كاتباً شمولياً، فالكتابة بالنسبة إليه
"حياة شمولية" يستمتع فيها بالكتابة، والفكرة كما يقول: "تختار
مسارها، لأنني عوّدت نفسي على فتح كل المسارات أمام الاشتغالات الكتابية بحثاً عن
التجريب على مستوَيي الفكرة والشكل.. هو بحثي الدائم عن شيء جديد تمنحني إياه هذه
الحياة/ الكتابة"، متسائلاً: "هل هو بحث عن الذات من خلال الكتابة
وأشكالها، أم بحث الحياة عن نفسها في داخلي كوني كاتباً يريد أن يجرّب أشكالاً من
الحياة".
وأوضح
أيضًا أن الصحافة كانت مهنته، فأخلص لها منذ دخلها "فني مونتاج" في
المطبعة، حتى خروجه من صحيفة "عُمان" مديراً للتحرير، ثم حقق حلمه
القديم أن يكون رئيس تحرير مجلة شاملة، هي "التكوين"، والتي تكمل عامها
الأول في نوفمبر المقبل. لكنه يعود ليؤكد: "الكتابة الأدبية مزاجي الخالص
والخاص، أجرب في الأدب ما تريده ذاتي، أما الصحافة فهي مهنة لكسب لقمة العيش
والكتابة وفق رغبات أخرى لا علاقة لها بمزاج الذات وتجلياتها".
واختُتمت الندوة التي حضرها جمهور كبير من النقّاد
والكتاب والمثقفين، بتكريم الضيف من قبل مدير عام الآن ناشرون وموزعون القاص جعفر
العقيلي، ورئيس رابطة الكتاب الأردنيين الأستاذ محمد الضمور، وسميحة خريس التي اختارها
اتحاد الناشرين الأردنيين الشخصية الثقافية لمعرض عمان الدولي للكتاب في دورته
المقبلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق