روائيون كثر ولا روايات
إبراهيم فرغلي
تستهويني منذ فترة فكرة إعادة النظر في مفهوم الرواية ،خصوصا عقب سيادة حالة من فوضى النشر، والنقد، وانتصار رأس المال لما يضاعف الأرباح، مستثمرا مناخا جديدا تتحقق فيه موجة جديدة من الرغبة في المعرفة تترجمها معدلات توزيع الكتاب، لكن راس المال الأعمى، كالعادة يدفق باتجاه كتابات ساخرة خفيفة، وروايات مسلية، أو مضجرة بوصفها أم الإبداع، متكئا على عمى أكبر لمجتمع يستطيب التفاهة إلى حد السفه، مستغلا رغبة جيل جديد في المعرفة بالتدليس عليه بترويج السطحية وقلة القيمة بوصفها القيمة طالما أنها تحقق العلامة السحرية "بيست سيللر"
إن السؤال عن معنى الرواية ينطلق من العديد من الظواهر وبينها سيادة مفهوم البيست سيللر كمعيار لنجاح الكاتب وقيمة ما يكتبه، على الرغم من التناقض الفج بين المعيارين
كما ينطلق من التهليل لنواقص عدة في نصوص مكتوبة بنفس قصير، ولغة، بالكاد تكتشف خصوصيتها، وأفكار ورؤى ضيقة، مضببة، تعبر جميعا عن روح هاوية لا روح محترفة كما شان الكتابة عند رواد عظام ممن نقرا لهم عن لغات لا نعرف عنها شيئا
هذه النصوص المبتسرة تقدم بوصفها روايات، وتقبل بنفس التصنيف لدى القاريء،
ويكتب عنها من نقاد كسالى فيرسخون للنقص بامتداحه
مع التسليم لجيل سابق بألقاب من قبيل كاتب كبير وما يشبهها لكتاب يمثلون ظاهرة عجيبة وهي خفوت درجة الكيفية والنوعية الفكرية لنصوصهم على عكس ما يشيع لدى الكتاب ثقالى الموهبة في الغرب، حيث تكتسب نصوصهم القوة والرؤى العميقة كلما توغلوا في غابة الكتابة، واقتحموا أدغالها وكشفوا لقرائهم، ولأنفسهم، ما لم يسبقهم إليه أحد
وفي مناخ كهذا أصبحت اليوم "الحدوتة" رواية، كما اصبح كاتبا لا علاقة له باللغة من قريب أو بعيد في مقتبل عمره وموهبته مرشح للترجمة لأنه مدعوم من قبل كاتب من ذاك الجيل
واليوم أيضا يمكن التهليل لكاتبات متوسطات القيمة لكونهن جميلات، في عيون النقاد، أو لأن لا يرتجى منهن خيرا من ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها
ثم إن النقاد الذين عاشوا على قراءة النصوص بأدوات محدودة وموهبة غائبة عاثوا في ارض النقد فسادا باللغو الذي لا يضيف شيئا لا لكاتب النص أو للقاريء، ولا للنقد بحال من الأحوال
والناتج هو كتاب كثر ، ولا نصوص،
وروائيون طامحون للجوائز ولقاءات التلفزيون والشهرة المزيفة، ولا روايات
وموظفون على درجة "كتبة" يتبادلون منافع الإعلام المتبادل عن نصوص يكتبونها لا خير فيها ولا أمل لها ولا مستقبل
إنه الخراب في الحقيقة
خراب يوجهه رأس المال، ويتضامن معه كتاب ينشر لهم راس المال مقابل سكوتهم أو تضامنهم
ومناخ عام يسوده الأنصاف والبين بين، يمدح كل منهم الآخر حتى تنتفخ روحه ويصدق نفسه، فلا يؤدي الأمر برمته إلا إلى لون من ألوان مهرجانات احتفالية بالتفاهة
إن نظرة على ما ينتجه العرب من روايات يحتاج، مرة أخرى، إلى استعادة السؤال الاساسي والجوهري؟ ما الرواية؟
وهو ما أظنه يحتاج لنقاش عميق ومطول ساعود إليه قريبا
نقلا عن مدونة الكاتب إبراهيم فرغلي
http://ifarghali.blogspot.com/2010/07/blog-post.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق