2010/07/25

أوديب وشفيقة: علاقة بين الشرق والغرب بمنظور جديد



أوديب وشفيقة: علاقة بين الشرق والغرب بمنظور جديد
في إطار اللعبة المسرحية قام الأبلج باستدعاء حكاية 'شفيقة ومتولي' وتعامل معها كما تعامل مع الأسطورة الإغريقية.



ميدل ايست اونلاين
بقلم: أحمد طوسون
تجسد أسطورة "أوديب" للشاعر سوفوكليس فكرة القدر الذي لا فكاك منه ولا سبيل إلى التملص من أحكامه، لكن الكاتب المسرحي أحمد الأبلج في استلهامه للأسطورة بنصه المبدع "أوديب وشفيقة" الذي عرضه البيت الفني بمسرح الغد في عرض من إخراج عاصم رأفت هدم الفكرة التي تقوم عليها الأسطورة الأصلية والتي بنى عليها فرويد نظريته عن التطور الجنسي وأثره في السلوك الإنساني وتنطوي على الكبح الغريزي بين الابن وأمه وهي ما تعرف بـ "عقدة أوديب".
طهر الكاتب أوديب من خطيئتي قتل الأب والزواج بالأم، بأن جعل "أوديب" يكتشف حقيقة قتله لأبيه دفاعا عن نفسه، وزواجه بأمه لحظة زفافهما وقبل الدخول بها وبالتالي وهبه القدرة على أن يتعافى من فقأ عينيه فتعود له القدرة على الإبصار ليستطيع أن يرى مصيره ويحدد اختياراته بدون أن تقوده "أنتيجون" الابنة إلى مصيره المجهول.
وفي إطار اللعبة المسرحية قام الكاتب باستدعاء الحكاية الشعبية (شفيقة ومتولي) وتعامل معها كما تعامل مع الأسطورة الإغريقية، حيث برأ شفيقة من تهمة العار الذي ألحقته بشقيقها متولي في الحكاية الشعبية واقتبسها من الحكاية الشعبية ليصنع لها حكايتها الخاصة داخل النص حيث تبحث عن هويتها وأبيها الحقيقي دون وجود لمتولي في حكاية الأبلج.
وتقف شفيقة ممثلة للجماعة الشعبية ضد رغبة العمدة (بما يمثله من فساد السلطة) بالزواج منها، والذي نكتشف في نهاية العرض أنه عمها وأنها إن كانت انساقت لرغبته في الزواج منها كانت سترتكب خطيئة أشبه بخطيئة أوديب في نص سوفوكليس بالزواج من أمه (زواج المحارم).
أيضا من أهم ملامح النص موقف أوديب من التعامل مع وحش طيبة، حيث استطاع أوديب في نص سوفوكليس الانتصار على الوحش بحل اللغز مما أدى إلى موت الوحش واعتلاء أوديب ملك طيبة، أما في نص الأبلج فقد استعمل أوديب المنطق الميكيافيلي واستخدم الحيلة للوصول إلى الحكم بأن تعهد للوحش بأن يكون طوع أمره حين سأله عما سيفعله إن تولى حكم طيبة، فأجاب: "سأفعل ما تأمرني به!"، وحين سأله أحد المحيطين به عن مشروعية الوصول إلى الحكم بالتحايل على الوحش أكد المنطق الميكيافيلي بأن مشروعية الغاية تبرر استخدام الحيلة طالما سيصبح حاكما عادلا!
ويبقى السؤال الأهم عن الجديد الذي تقدمه المعالجة الدرامية التي يقدمها أحمد الأبلج لأسطورة تناولتها أقلام عالمية ومحلية في الكثير من النصوص، لعل أبرزها لأندريه جيد وجان كوكتو وتوفيق الحكيم وعلي أحمد باكثير، وعلى سالم والكاتب العراقي فؤاد التكرلي.
في اعتقادي أن العرض المسرحي يطرح في سياقه الدرامي سؤالا عن التلاقي الثقافي بين الثقافتين الغربية ممثلة في أسطورة أوديب والثقافة الشرقية ممثلة في استدعاء الحكاية الشعبية شفيقة ومتولي. ورغم مغايرة الزمن بين الحدث في الحكايتين إلا أن الكاتب باستخدام تقنية العرض داخل العرض نجح في الجمع بينهما وبقيت الرسالة التي مررها الكاتب بدون خطب رنانة تشير إلى أن التقاء الثقافات وارد شريطة أن تتحلى كل ثقافة بمراجعة مسلماتها وتصحيح أخطائها للتعايش بسلام مع الثقافة الأخرى، فقد نجح نص الأبلج في أن يهز إيماننا بقدرية مصائر شخوصه، ونجح أوديب في أن يرى طريقه بعد أن تخلص من خطاياه التاريخية، واستطاع أن يبدأ حياته من جديد مع شفيقة غير محمل بأوزار الماضي في وقت تثور فيه الكثير من الأسئلة عن الهوية الثقافية والعولمة وتصادم الحضارات.
وإذا كان إرك فروم في كتابه "الهرب من الحرية" يرى أن أسطورة "أوديب" يجب أن تفهم كرمز لثورة الابن ضد سلطة الأب في العائلة البطركية، فإن أحمد الأبلج في نصه يؤمن بفكرة التسامح مع السلطة شريطة أن تتخلص من فسادها، فالجماعة الشعبية تتصالح مع العمدة وتغفر له خطاياه في نهاية النص وتصر شفيقة على أن يطلب أوديب يدها من العمدة باعتبار أنه كبير العائلة! بينما أوديب نفسه جرده من الرمز الذي أشار له إرك فروم بتطهيره من خطاياه وجعله أقرب لفكرة الديكتاتور العادل الذي يحقق غايته بأي وسيلة.
وإذا كان أوديب معني بالبحث عن هويته وتشاركه شفيقة ذات الهم، فالثقافة الشرقية معنية بدرجة أكبر بالبحث عن هويتها وتعديل مساراتها لتتخلص من أزماتها وخطاياها التي تبرز في غياب الديمقراطية وانتشار الفساد.
المخرج عاصم رأفت ومصمم الديكور حرصا على أن يحتل وحش طيبة حيزا كبيرا من خشبة العرض، وظل جاثما بحضوره الرمزي داخل العرض بما يمثله من القوة الاستعمارية الغاشمة التي تفرض سيطرتها على المنطقة وتتحكم في سير الأحداث، ونجحا في تقسيم المسرح إلى نصفين أحدهما تقدم فيه الفرقة المسرحية أسطورة أوديب، والقسم الثاني متمثلا في المقهى حيث تعيش شفيقة وجماعتها الشعبية من خلال ديكور بسيط معبر يسهل تحريكه.
ويحسب للمخرج ومصمم الرقصات د. هاني جعفر نجاحهما في المزج بين الثقافة الغربية والشرقية من خلال الأداء الحركي في الاستعراضات بما يتوازى مع نهج العرض في الجمع ما بين الأسطورة الإغريقية والحكاية الشعبية.
ويحسب لمخرج العرض أنه قدم معالجة للنص لم تمس بجوهر النص ومقولته الأساسية ولم يخل بعناصره.
الأداء التمثيلي برزت فيه العناصر النسائية حيث تبارت الفنانتان ناهد رشدي (صاحبة المقهى) وعايدة فهمي (جيوكاستا) في إمتاع المشاهدين بأدائهما المسرحي الراقي. كذلك نجحت الممثلة سماح مبارك التي قامت بدور العرافة في لفت الانتباه إلى أدائها التمثيلي والحركي بشدة.
كذلك تميز الفنان مصطفى طلبة بأدائه السهل الممتنع في دور الأستاذ نجيب، عادل رأفت بدور أوديب، رضوى شريف بدور شفيقة، أحمد البنهاوي في دور المخرج، شادي أسعد في دور أمشير ونصوب، أحمد أبوعميرة في دور المعلم، محمد عبدالفتاح في دور العمدة.
عرض اجتهد صانعوه فخرج بصورة جيدة وأعطى بارقة أمل في عودة المسرح الجاد إلى حياتنا الثقافية.
تحية واجبة إلى كل العاملين به
أحمد طوسون
http://www.middle-east-online.com/?id=95505

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

رغم ماقيل عن العمل الأول (عقدة أوديب ) وحصره في شرنقة الجنس لكنه حمل أكثر من دلالات ثقافية وفكرية..
وأما العمل الثاني فقد كان مقيدا في دلالاته والسبب كثرة الأسيجة والتابوات المحيطة ..وهذا هو داء الإبداع العربي ليبقى مدى معطياته الدلالية محدودا..

د. محمدصالح الحافظ