فتنة الصحافة
سيد الوكيل
كان آلهة الأغريق في صراع دائم فيما بينهم ، يكيدون لبعضهم، ويتناحرون من أجل تأكيد سلطتهم، وقدرتهم على التحكم في مصائر البشر، آلهة بلا ضمير أو شرف كل ما يهمها تأكيد وجودها حتى ولو على حساب البشر الذين كانوا وقوداً لمعاركهم في كل مرة. وهذا هو الاتفاق الوحيد بينهم لتأكيد سلطتهم.
هكذا تبدو لى الحرب الدائرة الآن بين الصحافة الخاصة والصحافة القومية أو النظامية، تختلف طوال الوقت، ولكنها تتفق على تضليل وابتزاز القراء، ليس ابتزاز أموالهم فقط، ولكن ابتزاز مشاعرهم وانتهاك أدميتهم أيضا وكأنهم مجرد دمى. لدى عشرات الأمثلة التى رصدتها لسلوكيات صحفية بمثابة جرائم في حق مصر والمصريين، ارتكبتها الصحافة الخاصة والنظامية على السواء. ولكنى سأكتفى بواقعة أخيرة، بطلها إنسان عادى جدا، ليس رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء ولا حتى رئيس اتحاد الكرة.
الصحافة سلطة رابعة، ولكن هناك مبدأ معروف اسمه تحالف السلطات، والذى يقرأ واقعة المواطن الطبيب طارق عبد الغفار يتأكد له هذا. لسبب ما لفق ضابط البوليس للطبيب قضية بدعوى أنه يدير شبكة دعارة من عيادته، ولن أدخل في تفاصيل المهانة والبهدلة وخراب البيوت التى تعرض له الطبيب وبناته وزوجته قبل أن تخلى النيابة سبيله وتعلن عدم ثبوت الأدلة.
تجاوزات البوليس وشطارته في تلفيق التهم ظلما وعدوانا معروفة ومفهومة، لكن غير المفهوم أن الصحافة تؤكدها وتتولى عمليات الفضح والتشهير بلا دليل غير محاضر الشرطة. هذا مافعله صحفى الحوادث الذى أبلغه الضابط ( عندى لك خبر بمليون جنيه ) وبسرعة انتقل الصحفي إلى مركزالشرطة ونقل الخبر بيديه الكريمتين من دفتر الأحوال، وشرب الحاجة الساقعة وانجعص في كرسى ضابط المباحث، حتى يخرج له المخبر الطبيب من الزنزانة، ويوقفه بنفسه وظهرة للحائط ليلتقط له صورة باجتهاد خاص ليبدو مثل قواد. وبسرعة البرق كانت فضيحة الطبيب بجلاجل على صفحات الجرائد القومية والخاصة على السواء، فالصحفي لم يكذب خبراً، ولم يتوخ الحقيقة، ولم يتكلم إلى المتهم، ولم ينتظر عرضه على النيابة، ضاربا عرض الحائط بالمقولة الشهيرة (المتهم برىء حتى تثبت إدانته ) وبهذه الطريقة، يكون الصحفى قد استكمل جريمة ضابط الشرطة، وتحالف معه على ذبح الطبيب بسكين بارد، وتفريق دمه على صفحات الجرائد، ليعيش الرجل البرىء بوصمة عار بقية العمر. ناهيك عن الأثر السلبي، والفتنة التى أحدثها الخبر في نفوس القراء، عندما يفقدون الثقة في بعضهم البعض، وفي أنفسهم، وفي بلدهم، لأن كل نماذج المجتمع صارت فاسدة مهما كانت مكانتهم أو درجاتهم العلمية.
الغريب أن سيادة نقيب الصحافيين يدافع عن زميله صحفي الحوادث ويعتبر أن من حق الصحفى أن يجرى وراء السبق الصحفي، وإنه من الوارد أن تقع بعض الأخطاء المهنية. وأن الصحفى لاسلطة عليه إلا ضميره، وأن هناك ميثاق شرف صحفى يضبط إيقاع المهنة. وهكذا يستطيع الصحفى أن يرتكب أى خطأ في حق أى إنسان ولايمكن لأحد أن يحاسبه، بل حتى لايمكننا أن نوجه له تهمة القتل الخطأ، كما هو الحال مع سائق ميكروباس متهور أو جراح مهمل أو ضابط شرطة غبى، رغم أن خطأ الصحفى في كثير من الحالات يكون نوعا من الفتنة، والفتنة أشد من القتل كما تعرفون.
أنا شخصيا أشعر بالخوف والذعر، من يضمن لى أن لا أجد نفسى بين يوم وليلة، مفضوحا على صفحات الجرائد بتهمة دعارة أو شذوذ جنسى أو تهريب مخدرات، أو على الأقل، سرقة قصة أو رواية.
طبعا نحن لانسارع باتهام كل الصحافيين، كما لانسارع باتهام كل ضباط الشرطة، ولكننا نشير إلى أن التجاوزات متبادلة، وإن الصراع بين الإعلام والنظام هو صراع جبابرة وصراع مصالح، وأنهم في لحظة يمكنهم أن يتحالفوا علينا مع باقي السلطات التى لايستطيع المواطن محاسبتها بينما يعانى طوال الوقت من ظلمها أوجهلها أو غرورها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق