مطارات طاهر البربري صدرت عن أرابيسك للنشر والتوزيع
بعد خمس سنوات من صدور روايته الأخيرة ظلالهم كانت هنا التي فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي صدر للروائي والشاعر والمترجم طاهر البربري، رواية المطارات (عن مأوى الطريدة) عن دار أرابيسك للنشر والتوزيع بالقاهرة.
من أجواء الرواية:
أكملت عامي الخامس والستين قبل خمسة أيام فقط. لكنني بالأمس على وجه الدقة اكتشفت ما أصابني بالفزع. بالتأكيد سيبدو الأمر في غاية التفاهة لو أعلنت الاكتشاف الذي أفزعني. لكنه مرعب بالفعل. فقد وقعت عيناي لأول مرة على أول شعرة بيضاء في رأسي. خمسة وستون عامًا برمتها ولم تبيض ولا شعرة في رأسك إلا منذ أيام؟! نعم هذا صحيح، وبإمكاني أن أقسم بكل ما هو مقدس؛ و... ولن أكون كذابًا أو مدعيًا كعادتي لأنني لم أعد بحاجة إلى كليهما؛ أعني الكذب والادعاء. فأنا على مشارف النهاية، وقد أديت دوري بمنتهى النجاح من وجهة نظري. الدور الذي، كما ظننت، أو أقنعت نفسي، بأنني لا أستطيع غيره. صحيح، أنا لم أكن أستطيع غيره.
قبل أربع سنوات بعد أن تجاوزت الستين بعام واحد أدركت أنني صاحب طفرة جينية غير مسبوقة في العائلة. فأنا أول من بلغ سن التقاعد وهو على قيد الحياة. هاجس الموت المبكر بين رجال عائلتي جعلني جبانًا. جبانٌ بالدرجة التي دعتني لتجنب الكحول مثلاً والسجائر والنرجيلة. حتى حينما اخترعت شركات الدخان معسل التفاح ظننت أنها اخترعته خصيصًا لغوايتي بالتدخين ولكنني بطبيعة الحال لم استجب للغواية. ولأنني لم أتوقع مطلقًا فكرة البقاء على قيد الحياة طويلاً، تمامًا مثل كل الرجال في عائلتي، فأنا لم أقترب من فكرة الزواج على الإطلاق، وكذلك لم اكترث بفكرة الإنجاب ولم أنشغل بالخلف أو السلف أو سنة الحياة كما أنني تعاملت بازدراء مع كل أولئك الرجال الشغوفين بفكرة الإنجاب لحمل أسمائهم وأسماء عائلاتهم. علامة تعجب كبيرة كانت تقفز من رأسي كلما مررت بخميس حارس بيتي الذي طلق زوجته التي أنجبت له خمس بنات ولم تنجب له الولد. طلقها وهو في أواخر الأبعينات من عمره ليتزوج فتاة صغيرة من سنورس ـ المشهورة على حد قول خميس بإنجاب الذكور.
لم أهتم كثيرًا أو قليلاً بفكرة الاحتفال بعيد ميلادي؛ ولماذا علي أن أمتثل ببلاهة لمثل هذا الطقس طالما أنه بلا قيمة. من السذاجة، بكل تأكيد، أن تحتفل بانصرام إحدى سنوات العمر؛ خاصةَ إذا ما كانت تلك السنة المنصرمة تعني سقوط ورقة من السنوات القليلات المتبقيات. أنا أتحدث عن السنة الخامسة والستين. فأنا منذ أن تجاوزت حاجز الخمسين وأنا أنظر إلى كل يوم أتنفس فيه الحياة على أنه وجبة دسمة استطعت أن أظفر بها من بين أنياب الأسد.
أنا ابن عائلة لا يعمر رجالها كثيرًا؛ على النقيض تمامًا من نسائها. أمينة، أكبر العمات مثلاً، لم تزل على قيد الحياة؛ ولم تزل تحكي وتفكر، وتُمسك بزمام البيت وتوزع المصروف باليوم على زوجات الأبناء وأزواج البنات، وعلى الأحفاد والحفيدات. فقد استطاعت أن تؤسس بيتًا كبيرًا يلم شمل الجميع، ولم تبرح غرفتها في شقة الطابق الأرضي أبدًا إلا للضرورة القصوى. والعزاء هو الضرورة القصوى عندها؛ بالإضافى إلى زيارة المقابر مرة في صباح عيد الفطر وأخرى في صباح عيد الأضحى؛ تمامًا كما كانت تفعل، خضرة الشيمي، جدتي قبل نصف قرن.
خالص التهاني للجميل طاهر البربري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق