"كما يليق بحفيد".. رواية تراقب الجبل والأسطورة ورائحة القمر
دراسة بقلم د. هاني حجاج
تتعرض رواية (كما يليق بحفيد) للكاتب (أحمد قرني) ، آخر أعماله والصادرة من الهيئة العامة لقصور الثقافة لمداخل سياسية واجتماعية وتاريخية في مسح شامل لهذا المنعطف الحرج الذي تمر به البلاد، وذلك من خلال الأحداث التي تمر بالبطل عندما يترك له جده ميراثاً، ربما يكون ذلك الميراث هو الذي جعل الجد يتعرض لهول الاعتقال قبل وفاته.
تتعرض رواية (كما يليق بحفيد) للكاتب (أحمد قرني) ، آخر أعماله والصادرة من الهيئة العامة لقصور الثقافة لمداخل سياسية واجتماعية وتاريخية في مسح شامل لهذا المنعطف الحرج الذي تمر به البلاد، وذلك من خلال الأحداث التي تمر بالبطل عندما يترك له جده ميراثاً، ربما يكون ذلك الميراث هو الذي جعل الجد يتعرض لهول الاعتقال قبل وفاته.
وقد
يجر عليه الكثير من المتاعب كما سيحدث في الرواية التي جعل عناوين فصولها
أطول من المعتاد مثل (هناك جثث كثيرة ملقاة في التاريخ لا يعرف أحد من
قتلها) -(لا تظنها نائمة..إنها تستعد لشيء آخر) -(ملعونة السياسة تبدو مثل
المرأة الجميلة تأخذك إلى حتفك) -(حياة الأسر تبدو وضيعة لا قيمة لها حين
يظفر بك أعداؤك) وهكذا. عبارات طويلة جديرة بالأقوال المأثورة لا فصول
رواية! لكن أحمد قرني لا يكتب للمرة الأولى، بل فاز من قبل بجائزة الشارقة
في الرواية عن (آخر سلالة عائلة البحار) -يبدو أنه مغرم بالعناوين
المُرهقة- وجائزة نادي القصة 2003، وجائزة دار الصدى عن رواية (حارس
السور) وجائزة مجلة الثقافة الجديدة عن رواية (مثل قطعة كريستال) 2009
كما كتب للأطفال كثيراً، وفائز بجائزة سعاد الصباح عن ديوان (لك العشق
والنيل لي) وله ديوان آخر هو (جسد بارد بلا تفاصيل) .
تبدأ روايته (كما يليق بحفيد) باقتحام البطل للمدينة الصاخبة بعد أن ينتهي به شريط قطار السكة الحديد في محطة سيارات الأجرة المزدحمة الصارخة، ويغرق في خواطره الخاصة مع رحلته في سيارة الميكروباص الضيقة، يحلم بجسده الشاب يغتسل ويسمع فيروز وينام من دون ثياب. ثم يدخل لوحة سريالية لتأكله الحرائق وتمتد العتمة إلى داخله. فنعرف أنه يعاني من اضطراب وجداني عنيف وبالرغم من تدقيقه في أبسط التفاصيل (دندنة السائق-سخونة الموتور-السعال) ؛ فهو كذلك يغوص في عالمه الخاص (نحن البشر لا نستطيع أن نفكر في شيء لا تسمح به كفاءتنا اللغوية، كما أننا لا نستطيع أن نتكلم عن أشياء لا نستطيع التفكير فيها. نحن محكومون على مدى بعيد باللغة التي نعرفها) . هذه الدقة تصاحبها في العادة حالة بُعد واكتئاب، وهو بالفعل يعاني رغم الصخب من فراغ محروم من اللغة، فراغ هائل الحجم يسكنه غبار كثيف وكائنات شائهة بلا عيون تسقط مثل ديناصور مخيف بالرغم من أحلام الطفولة المدهشة (وأنا صغير كنت أحلم أن يسقط القمر في حجري وأحمله إلى دارنا الواسعة، أفرغ ما به من فاكهة وأتركه يعود) ويستمر في الذكريات والحنين حتى يصل إلى بيت الجد وعندما يخاطب أحدهم الرجل الكبير (حفيدتك عائشة ستكون فتاة جميلة عندما تكبر) يختل توازنها وترتج أطرافها ويبرد جسدها لتهرب من أمامهم سريعاً، لتتأمل وجهها في حجرة أمها، ونعرف أننا انتقلنا بسلاسة إلى حوار آخر يجتره البطل للبنت التي كبرت فتشكّل أنفها الصغير كقطعة من الكريستال تستقر فوق الفم حيث الشفتان تضغط عليهما بأسنانها فتمتلئان بالحمرة، العينان زرقاوان بريئتان كقمرين يطلان كلما رفعت عنهما غطاءهما. النهدان يستقران في وداعة. ينموان ببطء. الأنوثة تكمن في ملمسهما الناعم، وحتما ستكتمل استدارتهما وبعدها يسكنان في هدوء طويل. أما الخصر المتصل بالأرداف فلم تتشكل بعد تضاريسه لتصبح فتاة جميلة. المرء يحتاج إلى بضعة أعوام فقط تتابعها يوماً بيوم حتى يكتمل نحتها. تتأمل نفسها في المرآة كفينوس. تتراجع لتتأكد من تناسق كل أجزاء جسمها. ترفع الفستان كفتاة إغراء على غلاف إحدى المجلات. تبتسم في رضا وتتمنى أن تطفئ المصباح لكي ترى جسدها يضيء الحجرة كبدر مكتمل. والآن نعرف أنها أم البطل (أبوك علي الباسل وحده الذي امتلك هذا الجسد في ليلة ذات قمر ناعس..حضر أبوك إلى بيتنا وقابل جدك وتحدثا معاً) ..(حين أتيت إلى الدنيا أضاء جدك البيت كله حتى السراج الكبير الذي كان يخبئه في حجرته...أخرجه من أجلك..فكر كثيراً..وقال: سنسميه.. سراج) وأغرم الجد بالحفيد.
كان يبكي من فرط حبه له. يحكي له عن الغزلان والفراشات. يراقبان البط المهاجر فوق السطح والقمر الممتلئ بالفاكهة، (وأنت تنظر إليه وتبتسم. كنت صغيراً تحلم بجناحي يمامة لتطير بهما إليه. كنت رائعاً وأنت صغير يا سراج) ومزاج الجد كان مرتبطاً باكتمال القمر ومعه يحتجب عن الرؤية ويقبع في حجرته البحرية يتصفّح أوراقه ويدخن ويفتح (الجريمة والعقاب) و(الأرواح الميتة) والخصائص والبيان والتبيين. خبز جاف وشرود. كانوا يفكرون بالجد كثيراً منشغلين بالأسئلة التي لاحقتهم عنه. هل كانوا يجهلونه؟ لم يكونوا يعرفوه..الفزع كان يلاحقهم ليل نهار..كان خروجه من الدار لا يمكن تفهمه.(أمي روت لي تفاصيل كثيرة لكنها لم تقدم لي تفسيراً لما حدث) . ينحرف به السائق في طرق مظلمة غير ممهدة إلى ناحية اليسار حيث المدق الترابي. يسقط خطابه ويرى الأفاعي مُحلّقة بعيون جاحظة وألسنة مسمومة، كمين في الطريق إلى القصر(كيف وصل جدي إلى هنا منذ زمن بعيد) يوجد هنا تعبير يقرر ذكريات وكآبة (كلما تذكرت خطابها أخجل كثيراً من ولاء. كانت تتصورني أتقيأ الآن ماضياً ملوثاً وحدي أتجرع مرارته الآن ووحدي أسير في طريق لا أعرفه..وراء جدي) . بطل القصة يجلس كفيل الشطرنج يمضغ كومة من الحسرات..ولاء ملائكية لها ابتسامة طفل. (كيف استطاعت أن تكتب هذه الكلمات المنتزعة من رأس شيطان؟!) ويستمر في رحلته (متوازية مع رحلة ذكرياته) وثمة من يسأله في الطريق: يا أستاذ. هل تريد سعيد عقرب؟..بيته من هذه الناحية لا تسأل كثيراً، كل ما تريده ستجده..., سعيد لن يعود من الجبل حتى ينجز مهمته، يقترب وهو مستمر في ذكريات جده وبيته (أمي هي الوحيدة التي تصدق أن أبي سيعود، أما أنا وولاء فلا نصدقها..من المؤكد أنه قد مات..لا يمكن أن يبقى حيا كل هذه السنين) إذن فثمة حلقة مفقودة وجيل ضائع بين الجد والحفيد (الحرب انتهت..لو كان حياً لعاد..أبى مات..مات..هي لا تريد أن تصّدق..أبي لن يعود لكي ينقذ بيت جدي من يد الحكومة..إنه مات مثل كل الذين يذهبون إلى الحرب ولا يعودون منها أبداً.)
بدأ أحمد قرني روايته (كما يليق بحفيد) بهذه العبارة الخالدة لدى لافينيه (كل خطوة في الحياة هي خطوة نحو الموت) ، وعندما يعنون الفصل الثاني (هناك جثث كثيرة ملقاة في التاريخ لا يعرف أحد هن قتلها) ينتابك شعور يقيني أن مسار الأحداث قاتم نوعاً. في رحلة البطل لبيت جده طريق أسفلتي مخيف يمتد من المدينة إلى (كيمان فارس) وسراج غارق في رؤى من الماضي، ومواقف بعينها هددت حياته طفلاً، وذكريات سطح البيت والقمر، وحلمه بطواويس تطير. والجد المُصر على العزلة بينما تمسح أمه فوق رأسه وهى تردد كلماتها عن رغبتهما للعيش وسط الناس هناك في المدينة:"لماذا نترك كل أحبائنا ونأتي إلى هنا لنطارد الكلاب الضالة أو نتحمل هذا العواء؟ لو كان أبو سراج موجوداً لساعدك لكن أخذته الحكومة إلى الحرب..الحرب الملعونة التي لا تنتهي سيرتها أبداً."وسراج يرتجف في حجرها وقد اعتاد هذه المفردات، والجد يستثمر الوقت في التجهيز للمعركة مع الذئاب. ثم يحكى كيف تعرّف على ولاء التي لم تعش هذه السنوات بل حضرت مع المدينة والسيارات والكهرباء.الطرق السريعة لا تعي الحقيقة. كان يقف في الشباك ورأى فتاة تتسلق سور البيت من الجانب الشرقي حيث سقط جزء منه بلا سبب معروف منذ زمن بعيد ولم يصلحه أحد. تابعها في هدوء وهي تتحرك بحذر كلص محترف. قفزت إلى حديقتهم في خفة غزالة رشيقة. سقط شالها فطار الشعر الأسود في الهواء. تعثرت في حجر. استجمعت قواها في إصرار ووقفت أمام قرنفلة جلست وراحت تقبلها. أخرجت زجاجة صغيرة بحجم إصبع الكف وسكبت منها على أوراق القرنفل. (كيف تخلت عن حذرها ونسيت أنها في حديقة بيتنا) حين أحست بقدمه تتحرك خلفها. التفتت سريعاً واحمر وجهها خجلاً وفزعاً (لست لصة. شقتنا في العمارة عند أول الشارع. نحن جيران..حضرت من أجل القرنفل) . استنفر كل طاقته ليجد الرد المناسب دون جدوى. هل ينهرها؟ هل يقطف زهرة لقرنفل ويقدمها لها؟ فتاة القرنفل سلبت راحته. سكنت داخله كصوت فيروز. كلغز رحيل الجد عن أرض الكيمان التي اختارها ليبني هذا البيت، رحل الباشا تاركاً الحفيد وأمه سنوات طويلة في أرض بعيدة وحيدة. تحمّلت الأم متاعب كثيرة حتى جاء العمران (لو كان يعيش بيننا الآن لما صدق ما نشاهده! أصبح لنا جيران ونشترى كل ما نحتاج إليه من السوق) ..
وصل سراج إلى قصر رشوان، وعانى الأرق. أفكاره تتدلى كحبل مجدول، ووجه ولاء يضحك كفراشة في سقف الحجرة. يضيفه من يدعى (حسين حرب) كانت أمه قد كتبت له اسمه على ورقة وقالت إنه يعرف جده. والناس في قصر رشوان مشغولون به. أفكار بدينة تتكوم في رأس سراج، أفكار بحجم رأس العنقاء، قتل الأفكار التي رددتها ولاء في خطابها الذي مازال يحتفظ به في جيبه ويتحسسه. مثل خطاب أبيه الذي أحضره الصليب الأحمر وسلمه لأمه. حروف مائلة للصفرة بررتها الأم بأنه في الأسر. وقبل صلاة الفجر يدخل حسين حرب وهو يبسمل ويحوقل ويتحدث عن زوار الفجر. كانت أمه تردد أن السياسة أفسدت حياتها. وأول كتاب يحصل عليه كهدية هو (الرسائل) لحسن البنا. أمه صرخت عندما رأته. قال لها إنه في الدين وليس في السياسة. أغمى عليها. يقابله سعيد عقرب في بيت حسين حرب ويعرف أنه سراج حفيد الواجدي (وهل يعرف سعيد عقرب جدي الواجدي؟) تلاشت أمامه الأشياء. تماهت وصغرت وتكشفت عوالم غامضة. يركض كتنين. يطلع أمامه وجه ولاء وهي تتلو الآيات من كتابها الذي تسميه الأقدس. قالت: أنا أدعوك لديني. فسألها: وما دينك؟. فقالت كلاماً لم يفهمه، وأطاحت به أمواج عاتية. سقط في الفراغ وجحظت عيناه (أنت يا ولاء؟ أترك كل نساء الدنيا وأحبك أنت؟) رقد أسبوعاً بأمر الطبيب. قعدت ولاء على حافة السرير. جاء والدها كامل الجوهري وردد كلمات لم يفهمها عرف منها أنه على دين ابنته. قال إنهم أقاموا دعوى ضد الدولة أمام المحكمة لأنها لا تريد أن تعترف بدينهم ولا تسمح بوضع دينهم في خانة الديانة في البطاقة الشخصية. امتلأ سراج بالحزن وظن أنه حطب يبني به الشيطان جهنم. ما هي علاقة الجد بسعيد عقرب؟ أصر أن يصحبه معه إلى بيته. رأى زوجته فرحة. سرت عندما عرفت أنه حفيد الواجدي. فرحة تختلف عن ولاء. ملابسها بلدية وأزياء ولاء تأتي من الخارج. وأهل القصر طيبون مثل النبات الضعيف الذي يشتد عوده يوماً بعد يوم.
ولكن لماذا يذهب سعيد عقرب إلى الجبل؟ هل هو ناسك أم يبحث عن كنز؟ وربما كانت الحكومة تعرف وتطارده وقد يقبضون عليه وبالطبع سيأخذون سراج معهم."عبثاً حاولت إقناعهم أنني بريء ولا أبحث عن الآثار وأنني جئت من أجل أوراق جدي والمستندات التي تثبت ملكيتنا لبيت جدي الذي هناك في الكيمان."هذه العبارة تلخص موقف البطل، الذي سوف يضعه القارئ تحت طائلة شكوك عديدة أبسطها الحيرة، لكنه يحدد هدفي واضع هنا، أو هو يبلور رؤيته من البداية حتى هذه النقطة. ولم يفهم لماذا تركه حسين حرب، إذ يفكر في طلب شهادته، متعللاً بأنه ذاهب إلى الصلاة. دوار. ويصف لنا حاله بكلمات مماثلة لتلك المتناثرة في أرجاء الصفحات السابقة. ديدان. غربان. رأس عنقاء. عقرب. حيات. جو صحراوي، أسطوري، يزيده موضوع رائحة القمر سحراً. ترتبط بالأشياء التي تخص والده واحتفظت بها أمه: الباريه. السترة العسكرية. الكتافات. الحذاء الميري. الكاب. المخلة العسكرية. حتى قمصان بدلة الفسحة والكرفت. وكل شيء تركه في مكانه منذ رحيله. حتى يجيء الحلم في منام الأم:"رأيت أباك أمس. هل تظنني جننت؟ أنا رأيته في الحلم وسيماً كما هو كأن السنوات التي مرت لم تؤثر فيه. ربما لم يعرفني. كنت أجمل من هذا بكثير. أمك عائشة يا سراج كانت رائعة الجمال".
مباشرة قبل بداية الفصل الرابع الذي يحمل عنوان: (عبد الناصر أعلن خطاب التنحي وترك أبي في الأسر وحيداً) حيث أحب سعيد عقرب وتعلق به، وزار معه البحر والصفصاف ويقابلان عجوزاً ينظر إلى الجبل ويحكي لهم أسطورة تناسب الجو العام للرواية غير الأسطورية: في بلاد الصين وفي كتبهم القديمة كلام عن الديك السماوي، ووفقاً لمعتقدات أهل الصين بأنه طير بلون أرجواني مذهب يصيح ثلاث مرات في اليوم، الأولى حين تأخذ الشمس حمامها في البحور صباحاً، والثانية حين تصير الشمس في الأوج، والأخيرة حين تغطس في الغرب. أول صياحه يهز السماوات ويقلق البشر من النوم، وتقول الأسطورة إنه من بين نسل الديك الذي يدعى اليانج أساس الكون الذكر، وفي وصف الديك يقولون إنه له ثلاث أرجل ويجثم على شجرة تدعى فوسانج التي تنبت في أراضي الشروق، ويحسب طولها كما تقول الأسطورة بآلاف الأقدام. صياح الديك السماوي مرتفع وصاخب جداً بحيث يسمع كل الكائنات. وانطلاق صوته جليل وعظيم وهو يضع بيضاً كما تزعم الأسطورة الصينية، وهذا البيض يفقس حين تحتضنه دجاجات ذات أعراف حمراء ترد على غنائه كل صباح، والصينيون يعتقدون أن كل ديوك الأرض قد انحدرت من هذا الديك السماوي الذي يدعي اليانج أن له اسماً آخر هو طائر الفجر. وتدخل الأسطورة حيز الواقع الحي، فعندما يتحدث العجوز عن ثعبان السمك الطائر الذي يصوره الصينيون ثعباناً على شكل سمكة، لكن له جناحا طائر وهم يعتقدون أنه ينذر من رآه بفترة جفاف. سعيد عقرب كان مولعاً بكل شيء عن الثعابين، وهناك بعض مراكز السموم تتصل به لتوفير الأمصال ولتدبير سموم بعض الثعابين، ويقصده هواة تربيتها ومشاهدتها، فلديه مجموعة نادرة منها. كان يتعامل معها كأنها حيوانات أليفة. وذكر له كيف أن جده -جد سراج -كان يضطر للتعامل مع ثعابين الجبل طيلة هذه الفترة وكيف اكتسب الخبرة في اصطيادها رغم شراسة بعضها (قال: هل تصدق أن الجبل كان يحن لجدك، كان يطعمه ويسقيه، وكان جدك ماهرا بدروبه وفكاهاته ومدقاته..الجبل أحب جدك وكشف له عن أسراره وكنوزه وروض له الوحوش والثعابين والأفاعي.)
في مواضع كثيرة ترى أن الكاتب يقدم مجاملات لشخصيات الرواية ومع أن ظاهرة الكتابة في المفكرات الشخصية تبدو كغيرها من الظواهر الأدبية الجديدة من حيث إمكان إخضاعها للدراسة والفحص لفهم طبيعتها الخاص وطبعها الذاتي جداً ومعرفة دوافعها وخلفيات تشكّلها، فثمة إشكال يعوق دراسة هذه الظاهرة، ما يجعلها تهبط بمستوى العمل ليغيب عن مجال الدراسة والنظر، وحسب تلميحات عبد العزيز حمودة في كتابه (المرايا المحدّبة) فإن عمل المرايا يتوقف أساسا على أساس نوعها، وهو بالجملة يقود إلى نتيجتين اثنتين: فإما أن تكون المرايا مستوية وهي في هذه الحالة تعكسها جوانب مختلفة للذات، فتُحدث نوعا من التوازن والاستقرار الذاتي للنفس. وإمّا أن تكون المرايا محدبة أو مقعّرة، وهي في هاتين الحالتين، قد تعكس جانباً أو آخر، وتسعى إما إلى تضخيمه أو إلى تصغيره، وتكون النتيجة هنا اختلال توازن الذات وفقدانها القدرة على الإدراك الحقيقي لنفسها ولموقعها ودورها.
http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&id=8041 تبدأ روايته (كما يليق بحفيد) باقتحام البطل للمدينة الصاخبة بعد أن ينتهي به شريط قطار السكة الحديد في محطة سيارات الأجرة المزدحمة الصارخة، ويغرق في خواطره الخاصة مع رحلته في سيارة الميكروباص الضيقة، يحلم بجسده الشاب يغتسل ويسمع فيروز وينام من دون ثياب. ثم يدخل لوحة سريالية لتأكله الحرائق وتمتد العتمة إلى داخله. فنعرف أنه يعاني من اضطراب وجداني عنيف وبالرغم من تدقيقه في أبسط التفاصيل (دندنة السائق-سخونة الموتور-السعال) ؛ فهو كذلك يغوص في عالمه الخاص (نحن البشر لا نستطيع أن نفكر في شيء لا تسمح به كفاءتنا اللغوية، كما أننا لا نستطيع أن نتكلم عن أشياء لا نستطيع التفكير فيها. نحن محكومون على مدى بعيد باللغة التي نعرفها) . هذه الدقة تصاحبها في العادة حالة بُعد واكتئاب، وهو بالفعل يعاني رغم الصخب من فراغ محروم من اللغة، فراغ هائل الحجم يسكنه غبار كثيف وكائنات شائهة بلا عيون تسقط مثل ديناصور مخيف بالرغم من أحلام الطفولة المدهشة (وأنا صغير كنت أحلم أن يسقط القمر في حجري وأحمله إلى دارنا الواسعة، أفرغ ما به من فاكهة وأتركه يعود) ويستمر في الذكريات والحنين حتى يصل إلى بيت الجد وعندما يخاطب أحدهم الرجل الكبير (حفيدتك عائشة ستكون فتاة جميلة عندما تكبر) يختل توازنها وترتج أطرافها ويبرد جسدها لتهرب من أمامهم سريعاً، لتتأمل وجهها في حجرة أمها، ونعرف أننا انتقلنا بسلاسة إلى حوار آخر يجتره البطل للبنت التي كبرت فتشكّل أنفها الصغير كقطعة من الكريستال تستقر فوق الفم حيث الشفتان تضغط عليهما بأسنانها فتمتلئان بالحمرة، العينان زرقاوان بريئتان كقمرين يطلان كلما رفعت عنهما غطاءهما. النهدان يستقران في وداعة. ينموان ببطء. الأنوثة تكمن في ملمسهما الناعم، وحتما ستكتمل استدارتهما وبعدها يسكنان في هدوء طويل. أما الخصر المتصل بالأرداف فلم تتشكل بعد تضاريسه لتصبح فتاة جميلة. المرء يحتاج إلى بضعة أعوام فقط تتابعها يوماً بيوم حتى يكتمل نحتها. تتأمل نفسها في المرآة كفينوس. تتراجع لتتأكد من تناسق كل أجزاء جسمها. ترفع الفستان كفتاة إغراء على غلاف إحدى المجلات. تبتسم في رضا وتتمنى أن تطفئ المصباح لكي ترى جسدها يضيء الحجرة كبدر مكتمل. والآن نعرف أنها أم البطل (أبوك علي الباسل وحده الذي امتلك هذا الجسد في ليلة ذات قمر ناعس..حضر أبوك إلى بيتنا وقابل جدك وتحدثا معاً) ..(حين أتيت إلى الدنيا أضاء جدك البيت كله حتى السراج الكبير الذي كان يخبئه في حجرته...أخرجه من أجلك..فكر كثيراً..وقال: سنسميه.. سراج) وأغرم الجد بالحفيد.
كان يبكي من فرط حبه له. يحكي له عن الغزلان والفراشات. يراقبان البط المهاجر فوق السطح والقمر الممتلئ بالفاكهة، (وأنت تنظر إليه وتبتسم. كنت صغيراً تحلم بجناحي يمامة لتطير بهما إليه. كنت رائعاً وأنت صغير يا سراج) ومزاج الجد كان مرتبطاً باكتمال القمر ومعه يحتجب عن الرؤية ويقبع في حجرته البحرية يتصفّح أوراقه ويدخن ويفتح (الجريمة والعقاب) و(الأرواح الميتة) والخصائص والبيان والتبيين. خبز جاف وشرود. كانوا يفكرون بالجد كثيراً منشغلين بالأسئلة التي لاحقتهم عنه. هل كانوا يجهلونه؟ لم يكونوا يعرفوه..الفزع كان يلاحقهم ليل نهار..كان خروجه من الدار لا يمكن تفهمه.(أمي روت لي تفاصيل كثيرة لكنها لم تقدم لي تفسيراً لما حدث) . ينحرف به السائق في طرق مظلمة غير ممهدة إلى ناحية اليسار حيث المدق الترابي. يسقط خطابه ويرى الأفاعي مُحلّقة بعيون جاحظة وألسنة مسمومة، كمين في الطريق إلى القصر(كيف وصل جدي إلى هنا منذ زمن بعيد) يوجد هنا تعبير يقرر ذكريات وكآبة (كلما تذكرت خطابها أخجل كثيراً من ولاء. كانت تتصورني أتقيأ الآن ماضياً ملوثاً وحدي أتجرع مرارته الآن ووحدي أسير في طريق لا أعرفه..وراء جدي) . بطل القصة يجلس كفيل الشطرنج يمضغ كومة من الحسرات..ولاء ملائكية لها ابتسامة طفل. (كيف استطاعت أن تكتب هذه الكلمات المنتزعة من رأس شيطان؟!) ويستمر في رحلته (متوازية مع رحلة ذكرياته) وثمة من يسأله في الطريق: يا أستاذ. هل تريد سعيد عقرب؟..بيته من هذه الناحية لا تسأل كثيراً، كل ما تريده ستجده..., سعيد لن يعود من الجبل حتى ينجز مهمته، يقترب وهو مستمر في ذكريات جده وبيته (أمي هي الوحيدة التي تصدق أن أبي سيعود، أما أنا وولاء فلا نصدقها..من المؤكد أنه قد مات..لا يمكن أن يبقى حيا كل هذه السنين) إذن فثمة حلقة مفقودة وجيل ضائع بين الجد والحفيد (الحرب انتهت..لو كان حياً لعاد..أبى مات..مات..هي لا تريد أن تصّدق..أبي لن يعود لكي ينقذ بيت جدي من يد الحكومة..إنه مات مثل كل الذين يذهبون إلى الحرب ولا يعودون منها أبداً.)
بدأ أحمد قرني روايته (كما يليق بحفيد) بهذه العبارة الخالدة لدى لافينيه (كل خطوة في الحياة هي خطوة نحو الموت) ، وعندما يعنون الفصل الثاني (هناك جثث كثيرة ملقاة في التاريخ لا يعرف أحد هن قتلها) ينتابك شعور يقيني أن مسار الأحداث قاتم نوعاً. في رحلة البطل لبيت جده طريق أسفلتي مخيف يمتد من المدينة إلى (كيمان فارس) وسراج غارق في رؤى من الماضي، ومواقف بعينها هددت حياته طفلاً، وذكريات سطح البيت والقمر، وحلمه بطواويس تطير. والجد المُصر على العزلة بينما تمسح أمه فوق رأسه وهى تردد كلماتها عن رغبتهما للعيش وسط الناس هناك في المدينة:"لماذا نترك كل أحبائنا ونأتي إلى هنا لنطارد الكلاب الضالة أو نتحمل هذا العواء؟ لو كان أبو سراج موجوداً لساعدك لكن أخذته الحكومة إلى الحرب..الحرب الملعونة التي لا تنتهي سيرتها أبداً."وسراج يرتجف في حجرها وقد اعتاد هذه المفردات، والجد يستثمر الوقت في التجهيز للمعركة مع الذئاب. ثم يحكى كيف تعرّف على ولاء التي لم تعش هذه السنوات بل حضرت مع المدينة والسيارات والكهرباء.الطرق السريعة لا تعي الحقيقة. كان يقف في الشباك ورأى فتاة تتسلق سور البيت من الجانب الشرقي حيث سقط جزء منه بلا سبب معروف منذ زمن بعيد ولم يصلحه أحد. تابعها في هدوء وهي تتحرك بحذر كلص محترف. قفزت إلى حديقتهم في خفة غزالة رشيقة. سقط شالها فطار الشعر الأسود في الهواء. تعثرت في حجر. استجمعت قواها في إصرار ووقفت أمام قرنفلة جلست وراحت تقبلها. أخرجت زجاجة صغيرة بحجم إصبع الكف وسكبت منها على أوراق القرنفل. (كيف تخلت عن حذرها ونسيت أنها في حديقة بيتنا) حين أحست بقدمه تتحرك خلفها. التفتت سريعاً واحمر وجهها خجلاً وفزعاً (لست لصة. شقتنا في العمارة عند أول الشارع. نحن جيران..حضرت من أجل القرنفل) . استنفر كل طاقته ليجد الرد المناسب دون جدوى. هل ينهرها؟ هل يقطف زهرة لقرنفل ويقدمها لها؟ فتاة القرنفل سلبت راحته. سكنت داخله كصوت فيروز. كلغز رحيل الجد عن أرض الكيمان التي اختارها ليبني هذا البيت، رحل الباشا تاركاً الحفيد وأمه سنوات طويلة في أرض بعيدة وحيدة. تحمّلت الأم متاعب كثيرة حتى جاء العمران (لو كان يعيش بيننا الآن لما صدق ما نشاهده! أصبح لنا جيران ونشترى كل ما نحتاج إليه من السوق) ..
وصل سراج إلى قصر رشوان، وعانى الأرق. أفكاره تتدلى كحبل مجدول، ووجه ولاء يضحك كفراشة في سقف الحجرة. يضيفه من يدعى (حسين حرب) كانت أمه قد كتبت له اسمه على ورقة وقالت إنه يعرف جده. والناس في قصر رشوان مشغولون به. أفكار بدينة تتكوم في رأس سراج، أفكار بحجم رأس العنقاء، قتل الأفكار التي رددتها ولاء في خطابها الذي مازال يحتفظ به في جيبه ويتحسسه. مثل خطاب أبيه الذي أحضره الصليب الأحمر وسلمه لأمه. حروف مائلة للصفرة بررتها الأم بأنه في الأسر. وقبل صلاة الفجر يدخل حسين حرب وهو يبسمل ويحوقل ويتحدث عن زوار الفجر. كانت أمه تردد أن السياسة أفسدت حياتها. وأول كتاب يحصل عليه كهدية هو (الرسائل) لحسن البنا. أمه صرخت عندما رأته. قال لها إنه في الدين وليس في السياسة. أغمى عليها. يقابله سعيد عقرب في بيت حسين حرب ويعرف أنه سراج حفيد الواجدي (وهل يعرف سعيد عقرب جدي الواجدي؟) تلاشت أمامه الأشياء. تماهت وصغرت وتكشفت عوالم غامضة. يركض كتنين. يطلع أمامه وجه ولاء وهي تتلو الآيات من كتابها الذي تسميه الأقدس. قالت: أنا أدعوك لديني. فسألها: وما دينك؟. فقالت كلاماً لم يفهمه، وأطاحت به أمواج عاتية. سقط في الفراغ وجحظت عيناه (أنت يا ولاء؟ أترك كل نساء الدنيا وأحبك أنت؟) رقد أسبوعاً بأمر الطبيب. قعدت ولاء على حافة السرير. جاء والدها كامل الجوهري وردد كلمات لم يفهمها عرف منها أنه على دين ابنته. قال إنهم أقاموا دعوى ضد الدولة أمام المحكمة لأنها لا تريد أن تعترف بدينهم ولا تسمح بوضع دينهم في خانة الديانة في البطاقة الشخصية. امتلأ سراج بالحزن وظن أنه حطب يبني به الشيطان جهنم. ما هي علاقة الجد بسعيد عقرب؟ أصر أن يصحبه معه إلى بيته. رأى زوجته فرحة. سرت عندما عرفت أنه حفيد الواجدي. فرحة تختلف عن ولاء. ملابسها بلدية وأزياء ولاء تأتي من الخارج. وأهل القصر طيبون مثل النبات الضعيف الذي يشتد عوده يوماً بعد يوم.
ولكن لماذا يذهب سعيد عقرب إلى الجبل؟ هل هو ناسك أم يبحث عن كنز؟ وربما كانت الحكومة تعرف وتطارده وقد يقبضون عليه وبالطبع سيأخذون سراج معهم."عبثاً حاولت إقناعهم أنني بريء ولا أبحث عن الآثار وأنني جئت من أجل أوراق جدي والمستندات التي تثبت ملكيتنا لبيت جدي الذي هناك في الكيمان."هذه العبارة تلخص موقف البطل، الذي سوف يضعه القارئ تحت طائلة شكوك عديدة أبسطها الحيرة، لكنه يحدد هدفي واضع هنا، أو هو يبلور رؤيته من البداية حتى هذه النقطة. ولم يفهم لماذا تركه حسين حرب، إذ يفكر في طلب شهادته، متعللاً بأنه ذاهب إلى الصلاة. دوار. ويصف لنا حاله بكلمات مماثلة لتلك المتناثرة في أرجاء الصفحات السابقة. ديدان. غربان. رأس عنقاء. عقرب. حيات. جو صحراوي، أسطوري، يزيده موضوع رائحة القمر سحراً. ترتبط بالأشياء التي تخص والده واحتفظت بها أمه: الباريه. السترة العسكرية. الكتافات. الحذاء الميري. الكاب. المخلة العسكرية. حتى قمصان بدلة الفسحة والكرفت. وكل شيء تركه في مكانه منذ رحيله. حتى يجيء الحلم في منام الأم:"رأيت أباك أمس. هل تظنني جننت؟ أنا رأيته في الحلم وسيماً كما هو كأن السنوات التي مرت لم تؤثر فيه. ربما لم يعرفني. كنت أجمل من هذا بكثير. أمك عائشة يا سراج كانت رائعة الجمال".
مباشرة قبل بداية الفصل الرابع الذي يحمل عنوان: (عبد الناصر أعلن خطاب التنحي وترك أبي في الأسر وحيداً) حيث أحب سعيد عقرب وتعلق به، وزار معه البحر والصفصاف ويقابلان عجوزاً ينظر إلى الجبل ويحكي لهم أسطورة تناسب الجو العام للرواية غير الأسطورية: في بلاد الصين وفي كتبهم القديمة كلام عن الديك السماوي، ووفقاً لمعتقدات أهل الصين بأنه طير بلون أرجواني مذهب يصيح ثلاث مرات في اليوم، الأولى حين تأخذ الشمس حمامها في البحور صباحاً، والثانية حين تصير الشمس في الأوج، والأخيرة حين تغطس في الغرب. أول صياحه يهز السماوات ويقلق البشر من النوم، وتقول الأسطورة إنه من بين نسل الديك الذي يدعى اليانج أساس الكون الذكر، وفي وصف الديك يقولون إنه له ثلاث أرجل ويجثم على شجرة تدعى فوسانج التي تنبت في أراضي الشروق، ويحسب طولها كما تقول الأسطورة بآلاف الأقدام. صياح الديك السماوي مرتفع وصاخب جداً بحيث يسمع كل الكائنات. وانطلاق صوته جليل وعظيم وهو يضع بيضاً كما تزعم الأسطورة الصينية، وهذا البيض يفقس حين تحتضنه دجاجات ذات أعراف حمراء ترد على غنائه كل صباح، والصينيون يعتقدون أن كل ديوك الأرض قد انحدرت من هذا الديك السماوي الذي يدعي اليانج أن له اسماً آخر هو طائر الفجر. وتدخل الأسطورة حيز الواقع الحي، فعندما يتحدث العجوز عن ثعبان السمك الطائر الذي يصوره الصينيون ثعباناً على شكل سمكة، لكن له جناحا طائر وهم يعتقدون أنه ينذر من رآه بفترة جفاف. سعيد عقرب كان مولعاً بكل شيء عن الثعابين، وهناك بعض مراكز السموم تتصل به لتوفير الأمصال ولتدبير سموم بعض الثعابين، ويقصده هواة تربيتها ومشاهدتها، فلديه مجموعة نادرة منها. كان يتعامل معها كأنها حيوانات أليفة. وذكر له كيف أن جده -جد سراج -كان يضطر للتعامل مع ثعابين الجبل طيلة هذه الفترة وكيف اكتسب الخبرة في اصطيادها رغم شراسة بعضها (قال: هل تصدق أن الجبل كان يحن لجدك، كان يطعمه ويسقيه، وكان جدك ماهرا بدروبه وفكاهاته ومدقاته..الجبل أحب جدك وكشف له عن أسراره وكنوزه وروض له الوحوش والثعابين والأفاعي.)
في مواضع كثيرة ترى أن الكاتب يقدم مجاملات لشخصيات الرواية ومع أن ظاهرة الكتابة في المفكرات الشخصية تبدو كغيرها من الظواهر الأدبية الجديدة من حيث إمكان إخضاعها للدراسة والفحص لفهم طبيعتها الخاص وطبعها الذاتي جداً ومعرفة دوافعها وخلفيات تشكّلها، فثمة إشكال يعوق دراسة هذه الظاهرة، ما يجعلها تهبط بمستوى العمل ليغيب عن مجال الدراسة والنظر، وحسب تلميحات عبد العزيز حمودة في كتابه (المرايا المحدّبة) فإن عمل المرايا يتوقف أساسا على أساس نوعها، وهو بالجملة يقود إلى نتيجتين اثنتين: فإما أن تكون المرايا مستوية وهي في هذه الحالة تعكسها جوانب مختلفة للذات، فتُحدث نوعا من التوازن والاستقرار الذاتي للنفس. وإمّا أن تكون المرايا محدبة أو مقعّرة، وهي في هاتين الحالتين، قد تعكس جانباً أو آخر، وتسعى إما إلى تضخيمه أو إلى تصغيره، وتكون النتيجة هنا اختلال توازن الذات وفقدانها القدرة على الإدراك الحقيقي لنفسها ولموقعها ودورها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق