الشاعرة والكاتبة " الكونية " تغريد فياض
أكتب للإنسان وعنه في كل العالم
كل قصيدة هي بمثابة طفل يولد على ورق القلب خارجًا من طبقات الروح الشفافة
أجرى الحوار: مصطفى الحمداوي
تغريد
فياض شاعرة وروائية ومترجمة، أصدرت ديوانها الأول " قلب على سفر"
سنة 2006، ثم نشرت ديوانها الثاني "
هل من مرافئ " سنة 2009 وقامت بترجمة مشروع القصة القصيرة التابع لوزارة
الثقافة المصرية من العربية إلى الإنجليزية، وصدر الكتاب بعنوان " لحن الحنين
" سنة 2010. كما أنها تستعد لإصدار روايتها الأولى " تسبقني الريح فقط
" خلال عام 2014 بالتزامن مع نشر
ديوانها الثالث.
تغريد فياض كاتبة بارعة تضبط إيقاع كتاباتها على الهموم الإنسانية بمختلف تجلياتها، وهي مبدعة تلغي الحدود الجغرافية أو الإثنية، لتُبقي فقط على الكلمة كعنوان وبيت مشترك لكل أبناء البشرية. هكذا هي فلسفة الشاعرة والكاتبة المتميزة تغريد فياض التي أنجزنا معها الحوار التالي:
* من الشعر تنتقل تغريد فياض، فجأة، إلى الرواية،
وهذا الترحال يلاحظ على نحو ملفت لدى الكثير من الشعراء، هل هذا الاختيار يمثل
بالنسبة إليك اختيارا محضا، أم أنه نتيجة حتمية
لتراكم تجاربك المتعددة في الكتابة الشعرية، وبالتالي تريدين الانتقال إلى تحد آخر
ربما تجدين فيه ذاتك أكثر؟
** في الحقيقة أن الرواية كانت في البداية هي حلمي
الأول للتعبير عن أفكاري وفلسفتي في الحياة، لكن شاءت الظروف أن يكون أول إنتاج
مكتوب لي هو القصة القصيرة والمقال التحليلي، ربما لصغر سني وقتها، فقد بدأت
الكتابة في سن الثالثة عشرة، ونشرت مقالاتي وقتها في جريدة "الوطن"
الكويتية، وأنا بالأساس ولدت في الكويت، ثم جاء الشعر بعد ذلك دون قصد مني، ولربما
كان هو البوتقة الأصلح حينها لاحتواء المشاعر والأحاسيس الفياضة التي كانت تغمرني،
وكأنها كانت تمسك بيدي لأخط هذه الأحاسيس المتفجرة على الورق.
وكنت
بعدها أحس بإرهاق شديد، وعلمت بعد ذلك أنها كانت مخاض الولادة، فكل قصيدة بمثابة
طفل يولد على ورق القلب خارجًا من طبقات الروح الشفافة، طفل هو قصيدة صعبة المنال
لرقتها اللامحتملة، لكنني توقفت بعد ذلك عن الكتابة لمدة طويلة لظروف معينة، لأعود
لكتابة الشعر والمقال والترجمات بعد عام 2002.
*
ولدت في الكويت، وأنت لبنانية الأصل، والآن تقيمين في مصر، هذا الترحال الجغرافي
هل كان له أثر ما على تغريد فياض الإنسانة، وتغريد فياض المبدعة، وما هي الفروقات التي وقفت عليها خلال
كل هذه المحطات الجغرافية؟
**التوق
للانتماء طوال الوقت، وبشكل ملحّ هو النتيجة الأولى لهذا الخليط الذي عشته منذ
بداية حياتي، والشعر خاصة والكتابة بشكل عام، هي ثمرة هذه المشاعر المختلطة، وهكذا
اندفعت للكتابة لأجد مكانًا خاصًا بي في هذا العالم، وهكذا أعتبر نفسي كاتبة
" كونية " قبل أي شيء آخر. وقد أضاف ترحالي إلىّ غنى روحي واجتماعي كبير، ما وسّع مداركي في عمر مبكرة، ولهذا كتبت
ونشرت باكرًا وفي عمر صغيرة.
*
حسنا، دائما الكتابة، أو غالبا على الأقل، تكون حاجة ملحة، في وضعك، ما الذي
ترغبين إضافته إلى مسيرتك الأدبية من خلال كتابة الرواية؟
**
لم يخطر ببالي قط عندما أمسكت بالقلم الذي أصبح رفيقي الدائم المخلص، أن أكتب لأي
سبب إلا لأن ذلك يفرحني ويريحني، ولأنني كنت أحلم بأن أشارك مشاعري وأفكاري
وأحلامي مع كل الكون، فقد كانت هناك فكرة تلاحقني دومًا منذ طفولتي وكلما نظرت إلى
البحر، أو الشجر، أو الصحراء الممتدة أمامي، وهي أن هناك أشخاصًا يفكرون مثلي
ويحسون بنفس أحاسيسي، يتألمون ويفرحون وينفعلون مع الأشياء ذاتها التي تؤثر فىّ،
كنت أحلم وقتها بأن أكلمهم لأقول لهم ذلك ولأسمع ردود أفعالهم، فكتبت على الورق كل
ما شعرت وفكرت فيه، فجاء شعرًا وقصصًا ومقالات، وأحسست بالراحة بعدها، فعشقت
الكتابة، والكتب التي كانت تنقلني إلى الكون الفسيح الممتد، وأصبح ذلك عالمي
الحميم الذي شاركت العالم به حين طبع ذلك في صحف ومجلات وكتب.
*
نصوصك الشعرية تتوزع بين الهم الذاتي للأنثى في الوطن العربي، وهم الفرد في
المجتمع على اختلاف هذه الهموم، هل يمكننا
تصنيف شعرك في خانة معينة؟
**
بالطبع لا يمكن تصنيف شعري في خانة واحدة، فلا هو رومانسي بحت ولا وطني بحت، أو
فلسفي، وهو المفضل عندي، بل هو خليط من كل ذلك لأنه إنساني بالدرجة الأولى،
والإنسان عبارة عن مزيج خلاّق من هذا كله، وأنا أكتب للإنسان وعنه في كل العالم.
والإنسان هو هبة الله لهذه الأرض.
* تصديت أيضًا للترجمة، والترجمة، هي إبداع
ثان للنص، إلى أي حد أفادتك الترجمة في إغناء تجربتك الشعرية والروائية؟
**
أحببت الترجمة ودرستها لأتقنها، فلقد درست الأدب الإنجليزي والترجمة حتى حصلت على
درجة الماجستير فيهما، كما درست علم النفس والصحافة وحصلت على البكالوريوس فيهما،
كل ذلك لأني أتلذذ بالمعرفة وأحس أنها تُغنى روحي وعقلي، وحتى خيالي المسافر عبر
الأكوان، والترجمة كانت أداة رائعة للاطلاع أولاً على أفكار ومشاعر الكتاب الآخرين
الذين يفكرون مثلى ويعانون كمعاناتي، وأنا على يقين بأن الكتابة لا تكون إلا نتيجة لانفعال معين،
أو لحفظ معلومات ونصوص نريدها أن تصل إلى الآخرين، وهنا استمتعت جدًا بقراءة
المترجَم من اللغات المختلفة كمرحلة أولى، ثم جاءت ترجمتي أنا لكتب ومقالات
مختلفة، سواء أدبية أو علمية أو طبية، وأثناء الترجمة كنت أعيش في عوالم هؤلاء
الكتاب وأتقمص أفكارهم وأحاسيسهم ومشاعرهم ، بطريقتي الخاصة، حتى أنسى نفسي، ويصبح
عندي هدف واحد هو نقل هذا الغنى الإنساني لأبناء لغتي العربية أو العكس، أن أنقل
أفكارنا ومشاعرنا نحن العرب للغرب، حتى يتعرف على مدى الغنى والعمق الروحي والفكري
عند الآخر المختلف عنه، ومدى التقارب الإنساني من ناحية أخرى، فالترجمة إبداع من
نوع آخر، بالإضافة لكونها خدمة للإنسانية.
*
تجربتك في الترجمة نقلتك إلى عوالم إبداعية مختلفة، وهنا نستحضر السؤال التقليدي
الدائم: ما هو موقع الأدب العربي من خارطة الأدب العالمي، وكيف نستطيع خلق أنموذج
أدبي متميز مشابه، على نحو ما، لأدب أمريكا اللاتينية؟
**
في رأيي أن الأدب صفة إنسانية لمنتج إنساني بحت، ولذلك فإن التسيمات بأدب عربي أو
غربي هي غير دقيقة، المشاعر والأحاسيس هي نفسها عبر العالم، الأحلام، الأحزان،
الآمال، الطموحات، موجودة في كل بلدان العالم وشعوبه، الفارق في طريقة التعبير عن
هذه المشاعر، وذلك وفقًا للثقافات المختلفة، والخاصة بكل بلد على حدة، حيث العادات
والتقاليد المحلية تصبغ طريقة التعبير بصبغة مختلفة، ونكهة مميزة لكل قومية،
وبالنسبة للأدب العربي فهو أدب غني، بمكوناته الثقافية من حرارة المشاعر، والعواطف
الجياشة، والتي قد لا توجد في مجتمعات أخرى، ربما يقترب المجتمع اللاتيني من
العربي في هذه الناحية، لكن ما جعل الأدب اللاتنيي يتوهج عالميًا هو التصاقه
بمشاكل وأساطير وأحلام شعوبه، والتعبير عنها بواقعية وصدق وحرفية فنية، والأدب
العربي يحتاج إلى هذا الصدق الفني، وعدم الخوف من التجريب كي يحصل على ما يستحقه
عالميًا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق