أرصفة الذات
بين الانكسار، وسراج العقل
في ديوان
"شمس الليل" للشاعرة اللبنانية دلال يوسف غصين
بقلم: هدلا القصار
يقول :
ليس سراً لو وضعنا ركن العشق في برده المحموم،
وليس سراً أن نعشق دون نزوات، أو نرفرف دون أجنحة، وليس سراً أن نخبئ سرنا في علبة
الأصابع، أو نُجرح دون شظايا، وليس سراً أن نَزرع أحلامنا في الوسائد، وخيباتِ شهوة
العبور، وليس سراً أن نَلدَ ابتكاراتنا، أو نتوضأ دون غاية، أو تستهدفنا الحياةُ دون
متعة...
وليس سرا أن نكونَ حيثُ تربعتْ كاريزما الشاعرة
اللبنانية دلال يوسف غصين، في قاعة عصام فارس في جامعة "سيدة اللويزة " التي
احتفلت بتوقيع ديوانها الصادر في حزيران 2013 المحمل باثنتان و خمسين (52) قصيدة تحت
اسم " شمس الليل" وهو الديوان الأول، الذي احتل ما يفوق 300 مقعد توج بنخبة من الوجوه العامة والأدبية
الشعرية الثقافية والفنية والإعلامية والشعراء ...
لنكونَ شاهدين على مسلكيات شعر دلال غصين،
التي وزعت نصوصها الشعرية ما بين الصوفية والوجدانية، وبين الجدلية والرمزية، ومحاورة
القدر، والواقع الذي حُشر بين الحب والموت، وبين انكسار الوجدانية، الاحتفالية بالفكر
الإنساني داخل المخيلة، التي دخلت مميزات نصوصها، مما أبرزت تعددات صوت الأنثى من خلال
رموزها بمختلف مفاهيم عشق الروح الناتجة من خريطة المرأة والعالم من حولها في ديوان
شمس الليل، لتبدو نصوصُها كحكايات شهرزاد ألف ليلة وليلة كما في نصها الأول الذي وضعته
أمام المتلقي لتُسهلَ على القارئ وصول رسائل نسمات الأمكنة والمحطات في " شهرزاد الحكاية" وحورية الأساطير"
و لقاء بعثرني" كما في نص بصمة" ومئوية العمر" الذي دمج بنص "
اندماج" و وحيدة" كما في " الأمل المخدوع" و" سجينة"
لذا اجتازت كالمطر خط المكان بتلقائيتها المبثوثة بلغة " شمس الليل، وما يتعلق بالبناء الاجتماعي الثقافي "الفيزيولوجي" بالإضافة للقيم الإنسانية، وما لم يراه العقل الذي طوقته الأخلاق والقيم
وإمكانية الحياة المتعلقة بإعادة النظر في علاقة الإنسان
بمسألة الوعي الذي حددته طبيعة الوحي عند الكاتبة، من زاوية الاختلاف البيولوجي لدي المرأة، في رسائلها
التي تحاكي من خلالها شخصاً استدل على رسائل صمتها وقدرها الذي نثرته في قصيدة :
لا
تتأخر" " رنة في عودك" "وحصاد المشاعر" التي وضعتها في قصيدة
" تاج الكبرياء" وغجرية عاشقة" وانتصرت" " ومتى استرد روحي؟!"
وأين أجدك " إلى أن وجدت الشاعرة نفسها في قصيدة " شمس الليل"
.
وبهذا المعنى أتت الشاعرية دلال غصين، كي لا
تقف عند ما هو ظاهر في وجدان عشقها، المتجاوز الضمني، والتعبيري الموضوعي، لحممها الهادرة
على عتمة البوح في تجربتها الإنسانية المحملة
بصنوج الروح...، وتقيدها بماء سجانها النفسي وعشقها الذي يسعي إلى التحرر والإنتصار
على العقل والمعرفة، ورهبة الوجود
الهارب من تعقيدات الروابط وتراجيديا الحياة .... الحاضرة بأوجاعها وابتسامتها
النحيلة .
لذا نجحت الشاعرة دلال غصين برسم سيرتَها الذاتية على مرآة ذاتيِها
لتبدوَ الصور في ذاكرة ديمومة بوحها فوق صمت عقل الماضي، والنظر من جديد الى الحياة الحاضرة باللامرئي في
جغرافية وجودها، تروي لنا قصص الذات في
سطور تحدد معالم الشاعرة المتجسدة خلف قصائدها وأرصفة تأملاتها الحضانة وجدانيات
وتشظيات شواطئ موطن وكينونتها الخاصة، وبرسم علامات الماواة بين النجاح والخسارة ...
بالتصور الذهني والرموز والاستعارات وما يوجد بين التفكير بالأفق ومناخات أدراج
الوحدة
كما في قصيدة " حين ينتشي قلبي"
وقدري أن التقيك" و" تعالى يا أملي"و " من أكون " ينبت الحب"
و"عزف ثلاثي الأبعاد" و " بيروت
وجه المدائن ......
من خلال هذه العناوين رأينا ذات الشاعرة ترغب
في فضاءات الاستقرار الآمن بدل أن تنخرط
في معاناتها مع الوجود والفناء في الزمان والمكان الذين اظهروا ملامحها وقسمات
الكائن المخلص... وأهمية الإنسانية ودور الأنثى في مكاشفات شؤون الحياة والروح العاشقة
لتحيي ما أتلفه الزمن بكأس جنون دهشة الدمع والخوف من رئتي الألم واسمراره دون فائدة ، كما أوردت لنا في قصيدة
" شريدة العشق" " قصيدتي أنت يا...." وشهريار الأساطير" وحقيبة
الذكريات" كن غيمتي" "الضياء" " شكرا لعشقك " شوق قلبي" وصولا إلى " من أرسلك " و " ترانيم
عشق "
هكذا نجد ذات الشاعرة تحمل فضائها الوطني والأنثوية
كالدم في شرايين الكتابة التي امتصها صوت صدرها المحلق في سماء العشق، كنورسةٍ عائدة
من الرحيل إلى حيث تهتدي عرائس طفولتها المغتربة في الركن الأنثوي، الذي اختلط بطبقات
الجرح والغناء معاً، لينظموا نُصوصَها المنتشية بهم حركة نزوح الذات السابحة في معاني
الجسد، وفواجعه المنهكة من فناء روحها السيمائية التي تجادل زمنها الرمادي، ومتطلبات
الإنسانية التي تاهت في محيط كينونتها التي شكلت التحدي الأكبر أمام الذات العاشقة
للغناء الروحي والإنساني الذي انطلق من أزهار فرادتها المنسوجة بماء الألم والأمل والعشق
والفرح على أوراق ديوانها " شمس الليل، الذي سلط الضوء على قناديل سطور قصائدها
المتمايلة مع نسيم طموحاتها الذاهبة مع نسمات الأثير، وخلجات النفس الخارجة من ظلمات
الصمت الذي طمسته بالشجاعة،... ليسقط النص:من بين أصابعها كوحدة المطر، حيث هول حبر
القلم على الورق اللذان لا يكتمان خربشات الشاعرة، التي زرعت بذورها من نفحات سر البوح الذي أدركها. روحها
المعانقة الحب في الأفق بعيدا عن صخب الجراح، لتصبح كفطرة تحقق لذة الذات الإنسانية
في المعنى الشعوري والحسي والروح السامية لتتطهر من انفعالات الخوف والاقتراب من الرحمة،
والرأفة، والحب، وعشق الروح وحنين الجسد و ما إلى ذلك من مشاعر مواجهة الحياة، التي...
كما في نص :
" قاهرة الحياة " "عرس البركة"
" لحظة أبدية" و " ظلي " و" عناق الأرواح " أيها الحزن
ارحل" ورحل المارد" إلى أن ذهبت صور تلك الألم إلى قصيدة " الذكرى الخامسة..
لحزني" و" عندما ينتحر الموت" " تقدم" إرث النهار"
" الربيع الأسود "
بهذه الخاتمة رأينا دلال غصين، كيف انتصرت
على حالات الكآبة وجنون العزلة لتذكرنا بمقولة الفيلسوف الدنماركي اللاهوتي "
كيرك جارد،" حين قال إن الرغبة في معرفة الحياة
تعطينا معنى الوجود"، من هذا الموقف تسعى الشاعرة المضي في الباطن المتغلغل في
أعماق سطور ديوانها "شمس الليل" الذي أيقظ بعض من كلماتها الايروتيكية، البسيطة
الدافئة الصادقة التي تكفي لإثارة ذائقة الناقد والمتلقي... ولتبقى مخيلة الشاعرة، في ركاض محموم وراء تدفق فكر، ورؤى
لا تهدئ ولا تنام عند شاعرتنا اللبنانية دلال يوسف غصين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق