بالعربية والفرنسية.. صدور "هواء
جدير بالقراءة" للشاعر شريف الشافعي عن "لارماتان" في باريس
باريس – خاص:
"وبعد رَفْعِ الستار
صَفَّقَ الممثلون لي
وأنا على مقعد المتفرِّج/
وَلَمْ أصفِّقْ لأحد منهم،
كانوا يُمَثِّلون بتكلُّفٍ"
هكذا يقول الشاعر
المصري شريف الشافعي في أحد مقاطع ديوانه السابع "هواء جدير بالقراءة"،
الذي صدرت طبعته الأولى حديثًا (يونيو 2014) عن دار "لارماتان" العريقة في
باريس (L'Harmattan)، باللغتين العربية والفرنسية، في أربع وثمانين صفحة.
يضم الديوان أكثر من
سبعين مقطعًا، تندرج كلها تحت عنوان وحيد، هو عنوان الكتاب، وتشتمل كل صفحة في
أعلاها على الترجمة الفرنسية للنص، وفي أسفلها على النص الأصلي بالعربية. وقد نشر
الشافعي (42 عامًا) عددًا قليلاً من هذه المقاطع في وقت سابق، في صحف ودوريات
مصرية وعربية.
ديوان "هواء
جدير بالقراءة" (UN VENT
DIGNE D’ÊTRE LU)،
ترجمته إلى الفرنسية الشاعرة المصرية، المقيمة في كندا، منى لطيف. وفيه يواصل
الشاعر بحثه عن موضع أرضي، أو فضائي، يصلح لقدم، بل وعن قدم تصلح للوصول إلى موضع
دون أن يبددها الفقد، حيث تشابكت ألغاز الحياة وغدت لعبة غير مقبولة، وتجمدت
الآمال كسحابات معلقة، لم تمطر منذ زمن. يقول في أحد مقاطع الديوان:
"ليست سحابة بيضاء/
هي ضحكة طائرة،
تبحث في الوجوه،
عن مدرجٍ آمنٍ للهبوط".
ويكاد التعبير الشعري ينشغل في النص
بمحاولة أن تكون اللغة هي ذاتها "ماهية" ما تقوله، وليست رصدًا أو وصفًا
لما تتناوله الكلمات. وهنا، تتعرى لغة قصيدة النثر من صور الزينة، بما فيها
الإيقاع الظاهري، وحليّ المجاز، مستندة إلى الاختزال الشديد، والتجريد، والشعرية
الخام، والتصالح التام مع الذات، لتفصح عن الحالة البريئة الطازجة (كما هي)، وليس
بالحكي عنها. يقول الشاعر في أحد المقاطع:
"قولوا ما تتمنون،
عن البرد/
سأصفه بكلمة واحدة،
ترتجف".
وجاء غلاف الديوان فرنسيًّا خالصًا في
حروف عنوانه وعباراته المثبتة عليه، ومصريًّا في لوحته الفنية التي صممتها مي شريف
(طالبة عمرها 14 عامًا). ويهيمن اللون الكحليّ الداكن تمامًا على فضاء المشهد
الجامد، لكنْ تنفتح فيه نافذة سماوية، تطل منها عين الرائي على سحب بيضاء طائرة،
فضلاً عن مناطيد وبالونات وطيور تحمل كل منها حرفًا أبجديًّا مقروءًا بوضوح لافت،
في حين تستشعر الحواس الخفية كائنًا ألطف، تليق به القراءة المتعمقة، اسمه
"الهواء".
ويحمل ظهر الغلاف ترجمة فرنسية لنبذة عن الشاعر،
وقائمة إصداراته السابقة، وبعض المقاطع الشعرية الدالة من النص، منها المقطع
المستقى منه عنوان الكتاب:
"فقط في طبعته الأولى/
الهواء جديرٌ بالقراءة".
ومثلما أن القراءة تليق بهواء أصلي لم يتم
تصنيعه ولا تدويره، فإن غيابًا جزئيًّا أو تامًّا قد يكون حماية من عالم يتلون
كثيرًا، ويتبدل من حال إلى حال. الحياة وقتئذ هي التلاشي، والتمزق هو التحقق،
والغياب هو الكمال. يقول:
"التي مزّقتْ أصابعَها،
رسمتْ بعضَ ملامحي/
والتي مزّقتْ لوحتها،
رسمتني كاملاً".
ويبقى النظر، تحت أية حال، إلى الصدق بوصفه
منجاة نسبية، أو فهو أقل الخسائر، حتى إن أتى بفضيحة لا يمكن مواراتها. يقول:
"الأقبحُ من العوراتِ المفضوحةِ/
إصرارُ البعضِ على أن يكونوا: أوراقَ توتٍ".
في مثل هذه الأجواء، ربما: "ترتجُّ
الأرضُ بشدةٍ"، فلا يشعر أحد بشيءٍ، و"ينقبضُ
قلبُ طفلٍ"، فيقال: "زلزال".
أما
الموت، فإنه لا يعني شيئًا، إلا إذا كان موتًا للفكرة. يقول:
"لا خوفَ من الموت كفكرة/
الخوف من موتِ الفكرة".
وإذا كان كثيرون يرون أن انقشاع الظلام على
نحو ما، ليس له من معنى غير حلول ضوء ما، بشكل من الأشكال، فإن ديوان "هواء
جدير بالقراءة" للشافعي يطرح في أحد مقاطعه أن الظلام قد لا يرثه إلا ظلام،
حتى إن لم يكن بلون السواد. يقول:
"البهجة الكبرى/
بصرفِ العفاريتِ اللعينةِ من المنزل/
لا يجب أن تنسينا/
أن ألف دجّالٍ على الأقلّ/
صارت معهم مفاتيحُ كلِّ الغرف".
ومن تجليات الـ"هي" في النص، ولعله
التجلي الأبسط والأقرب إلى العذوبة: "صيغة الأنثى"، الأنثى التي منها هو
يأتي، وإليها يعود، وبدونها لا يكون:
"بيتي لا يتهدَّمُ أبدًا/
بيتي هو أنكِ تسكنينني".
تلك هي حالة الكلام، التي لا
يجدي فيها الكلام: "ومن عذوبة كلامي فيكِ/ أبتلعهُ،
ولا أقوله". تلك هي الرحلة التي تبتدع كل شيء على نحو استثنائي،
حتى الطريق، وما يقود إليه:
"رحلتي إليكِ أنجبتْ قدمي/
ومصافحتي إياكِ أنتجتْ يدي".
يشار إلى أن الشاعر
شريف الشافعي من مواليد مدينة منوف في دلتا مصر عام 1972، وقد صدرت له ستة دواوين
سابقة، هي: "بينهما يصدأ الوقت" (القاهرة، 1994)، "وحده يستمع إلى
كونشرتو الكيمياء" (القاهرة، 1996)، "الألوان ترتعد بشراهة" (القاهرة،
1999)، "الأعمال الكاملة لإنسان آلي1/
البحث عن نيرمانا بأصابع ذكية" (ثلاث طبعات في القاهرة ودمشق وبيروت: 2008،
2009، 2010)، "الأعمال الكاملة لإنسان آلي2/ غازات ضاحكة" (بيروت، 2012)،
"كأنه قمري يحاصرني" (بيروت، 2013).
والشاعرة منى لطيف، مترجمة
الديوان، محسوبة على الثقافة الفرانكفونية، كونها تكتب قصائدها بالفرنسية مباشرة،
وقد صدر لها أكثر من ديوان في مصر بعد ترجمته إلى العربية، منها
"ابتهالات" (دار الهاني، 2009)، و"عنبر وضياء" (المركز القومي
للترجمة، 2012). وصدر لها بالفرنسية: "عطر الحرية"، و"لحظة.. يا
آن"، وأعمال أخرى، ولها رواية قيد النشر.
ودار "لارماتان"
(L'Harmattan) هي إحدى كبريات دور النشر في فرنسا، وتعنى بنشر الأدب العالمي. ومن
المنتظر أن يوقع الشاعر شريف الشافعي ديوانه الجديد "هواء جدير
بالقراءة" يوم 20 من يوليو المقبل، في مقر الدار في باريس.
من ديوان
"هواء جدير بالقراءة" للشافعي، نقرأ هذه المقاطع المتفرقة:
على حافة البئر،
أستمعُ لندائي العميق/
وحين تخطر لي فكرةُ النزول،
تخطفني سماءٌ إلى أعلى،
وتصير الفكرةُ سحابةً هشّة
*
* *
أيها المختبئونَ بداخلي
اكسروا زجاجَ عيوني
واخرجوا،
أنا لستُ كهفا
*
* *
لأن الشمسَ جارحتي،
ينزف الجُرْحُ نورًا
*
* *
ساعتي الحمقاءُ تدورُ،
رغم أن الوقتَ معكِ/
ساعتي التي كانت معطلةً،
أصْلَحَهَا دَوَرَاني المنتظمُ،
حول المتاعبِ نفسِها
*
* *
حين تبدو السماءُ مثل قفصٍ
يتساءلُ الطائرُ الحرُّ
عن معنى الطيران
*
* *
مجنونة
من تظنني أعِدُها
أو أعدُ أحدًا بشيء/
أنا راعي الطائرات الورقية،
ولا خيط في يدي..
أنا الطائرات الورقية،
ولا خيط في يد الأرض
*
* *
أين تختبئين يا طفلتي؟/
اختبئي في أي مكان،
سأجدكِ/
إلا أن تختبئي في طفولتي
*
* *
كانت الأرض تأكل غداءها
وكنتُ جائعًا أكثر،
فأكلتُها/
ثم لم أجد موضعًا
أرقدُ فيه
*
* *
كان تمثالاً طيبًا
يضحكُ معي في الصباح
يبكي معي في الليل/
وحينما صرتُ تمثالاً
تصدَّع هو كإنسان
*
* *
وسادتي المحشوَّة بالريش
شأنها شأني
لم تعدْ تحلمُ بأن تطيرَ/
نحن ذبحناكَ يا طائر السماء
لكنكَ كنتَ أشدَّ قسوة
من ظنوننا
*
* *
أصدِّقُ كل جديدٍ يَحْدُثُ هنا
إلا ما يقوله البشر
وحين رأيتُ سمكةً تعبر الطريقَ
سَمَّيْتُ الحياةَ غرقًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق