بقلم : عبد القادر صيد
في قلبي كلّه ليس هناك شعور أسوء من الوحدة ، فهي
لا تواجهني و لا تهاجمني ، و إنما أجدني أنفذ إليها شيئا
فشيئا ، و لا أحد يستطيع إنقاذي ، و لكن ما عساي أفعل إن لم أنخرط في هذا الشعور المحزن حد اللذة ؟ ما الذي
سوف يملأ عليّ فراغي سوى همهمات غير مفهومة تداولت على جدّي و أبي رحمها الله ؟ و
بقي جزء من نصيبهما ، أنا الآن أضطلع بالتكفل به قضاء للدين ، و وفاء لا اضطرابا
في الأعصاب و لا خللا في الطباع كما يتمتمون بشأني ،سأقوم بتعديلات على هذه
المشاعر لتحسّ بي قليلا ، فأنا أحملها ، سأحاول أن تحملني في مستقبل الأيام ،ماذا
سيكون شكلي لو أنني لم أكن مجتاحا من قبل هذه الوحدة العابثة التي تحكمني
بدكتاتورية ساخرة ؟ ما مصلحتها من جسم نحيف لشخص يعيش على الهامش ؟ لا يتقاطع مع
الناس إلا في فنجان القهوة المرّة صباحا ، أكره التدخين لأني أريد ان أصير مصنعا
ملوّثا، ،لا أريد أن أحظى بالسبق في أي شيء ، ربما أخشى العين ؟ أو أخاف من التحدي
؟ أو أترفع عنه؟ لأن النتيجة دائما محسومة ، فأنا الأفضل في كل شيء ،يكفي أن
أتنحنح حتى أدخل الرعب في قلوب المنافسين الوهميين ، لا وجود لهم أمامي ، أحدهم
يكرهني لسبب تافه ، زوجته مدحتني له ، أصبحت عدوا لدودا بمجرد أن قالت له :
ـ ذلك الصامت يبدو
رجلا جادا..
كان ثرثارا و مزّاحا
، عقد المقارنة داخله ، و ترجمها إلى غيرة و كره ، و يترقب اليوم الذي سيصطدم فيه
معي ، لن أمنحه الفرصة ليموت بغيظه و يسبح في بحيرة الإحباط ما تبقى من أنفاس تبغه
البغيض . هل سيصل به الامر إلى قتلي يوما ؟ لا أعتقد ، فهو ليس مجنونا مثلي ،ثم هو
لا يعرفني ، و قد لا يكون أصلا من بلدتي ، و الحادثة ترجع إلى أكثر من سنة ، لست
مسؤولا عن إحساسه بالإهانة ، لن أصبح في أواخر سنين عمري مسؤولا عما يحدث للناس
بسبب خصالي المتميزة ، هل فعلا مدحتني ؟ أم تراني توهمت ذلك ؟ قد يكونان قد تحدثا
في موضوع آخر ، لست متأكدا تماما من الموضوع ، لكنني أجزم أنه يكرهني ،لذلك سأنسى
الأمر كلية ، و سأقصي كل الأفكار السامّة
التي تحاول أن تجعلني مختلفا عن الآخرين ، لن تنفجر هذه الأفكار لأنها كرصاصة في
جيبي ، لن تجد منفذا لمسدسها ، ستنتهي صلاحيتها بوصول أجلي ، و ليقع ما يقع بعد
موتي ،هذا هو تكتيكي .. أحس أن ما يدور في ذهني مسجل في دفاتر عند غرباء ، أو
هيئات غير رسمية ، لذلك سأخفض من صوت نفسي ، و سأتحايل في التفكير لأخدعهم ، قد
يعدل من فكر في مشروع الانتحار عنه إذا رأى فضاعة من أقبل عليه و لوم الناس له ،
لكني لم أفكر في الانتحار يوما ، فلم هذه الأفكار؟ إنها وسوسة لا أكثر و لا أقل ، و أمر الوسوسة جلل ، لأنه قد يتطور
الأمر إلى تهيئات و ربما حتى التلفظ بعبارات لا إرادية ، أعرف شابا لاحق مجموعة من
البنات يعاكسهن ، طلبت منه إحداهن أن يرقص إن كان رجلا و لا يخشى من عيون الناس ،
تجرأ و رقص ،و منذ ذلك الوقت أي خمس و عشرين سنة و هو يؤدي نفس الرقصة ، المسكين لم يعد يرجع إلى منزله ، يقولون عنه
مجنون مثلي ، مشكلتي أنا أنني لم أرقص تلك الرقصة منذ نفس المدة ، متى سأرقصها ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق