2016/10/23

للعمر حد .. قصة بقلم: محمد نجيب مطر



للعمر حد
محمد نجيب مطر
أحبها حتى صارت كل حياته، انصرف من المعمل على عجل ليكون في الموعد الذي ضربه لها منذ أيام ليشاهدوا مباراة في كرة القدم في الاستاد.
قابلها على الباب بكل الود والحب، أحس أنه يطير وهو يمسك بيديها وينظر في عينيها، سحبها في حماس حتى كادت أن تقع، جلسا على المقاعد يتضاحكان في سعادة.
كان الأمر يبعث على الفرح، وكأن الجماهير في عرس جماعي، الجميع يرتدي أجمل ملابسه، الاستعراضات الجميلة من فرق الموسيقى والفن الشعبي، أجواء احتفالية صاخبة، تؤديها الجماهير بكل براعة وجمال
سجل الفريق الأول هدف في مرمى الفريق الثاني الفائز بالكأس السنة الماضية، هاجت الجماهير وماجت على أساس أن الهدف كان من تسلل واضح للمهاجم. بدأت الجماهير في إشعال الصواريخ وإلقاء لأحجار داخل الملعب، اضطرت الشرطة إلى إخلاء المدرجات، كان من سوء حظهما أن ينجرفا وسط تكتل جماهيري فوضوي، أسفر التزاحم على الأبواب عن سقوط العديد ومن بين الضحايا كانت حبيبته.
بالكاد استوقف سيارة بعد نزف حبيبته الكثير من الدم ودخولها في طور الإغماء، ذهب بها إلى مستشفى ولكن الوقت كان متأخراً، فلفظت أنفاسها الأخيرة وهي بين يديه. حزن عليها حزناً شديداً.
انكب على أبحاثه في معمل الفيزياء حتى طالت لحيته، وعكف على الكتب والحاسب حتى أنجز مشروع عمره، وهو السفر إلى الماضي ليقابل حبيبته ويتفادى ما حدث لها من نهاية مأساوية
ركب الماكينة التي جمعها في بيته، من جهاز مستخدم للأشعة المقطعية، قام بتغيير الملفات النحاسية التي تولد المجال المغناطيسي القوى، ووضع مكانها لفات من سبيكة من المواد فائقة التوصيل، برد الملفات لدرجة حرارة منخفضة بواسطة النشادر المستخدم في الثلاجات
الطاقة الرهيبة المتولدة حققت له شروط المعادلة التي وضعها، أما اتجاه المجال فقد ضبطه لكي يسافر إلى الماضي، ضبط التاريخ على تاريخ موعده الأخير مع خطيبته.
بعد وصوله ترك الماكينة واتصل بحبيبته ليكون الموعد في حديقة عامة ليجلسا ببساطة تحت شجرة، في مكان هادئ، وصلت فعانقها بحرارة لأن أحس أنه كاد أن يفقدها إلى الأبد، تركها هنينهة ليشترى تذاكر دخول الحديقة، سمع صوت اصطدام كبير، وجد سيارة طائشة خرجت عن الطريق وصعدت فوق الرصيف، واختارت حبيبته دون غيرها.
بعد وداعها، عاد سريعاً إلى مكان الماكينة حيث تركها، وأعاد الزمن إلى ما إلى ساعات قبل اللقاء وأخبرها أن اللقاء سيكون في المنزل بعيداً عن كل البشر، ضحكت وسألته لماذا يخاف؟ أكد لها أنه يريد أن يشغله أي شئ عنها، يرغب ألا يراها غيره و ألا يرى غيرها، وافقت وبدأت الإعداد لتلك المناسبة السعيدة.
ذهب إليها في أحلى زينة، وقلب يخفق من الخوف، كانت تنتظره بفرح وسعادة لم يذهب قلقه، وجلس يتوجس خيفة، بينما يتناولان الطعام أحساً باهتزاز المبنى، فانطلقا إلى الخارج، وبينما يهبطان على الدرج انهار المبنى.
استيقظ في المستشفى، فسأل عن الواقعة فأخبروه بوقوع زلزال شديد وقع على أثره المبنى، وأن حبيبته في غرفة العناية المركز، طلب زيارتها، وكأنها كانت تنتظره، فارضت روحها وهي بين أحضانه.
ضاق ذرعاً من المحاولات السابقة وعاد إلى ماكينة الزمن وقام بضبطها في اتجاه المستقبل، ولم يحدد سنة معينة، بدأت المشاهد تتوالى بسرعة يوماً بعد يوم، وفجأة توقفت الماكينة وظهرت رسالة تقول : لا يمكن أن تتقدم أكثر من ذلك، وإلا فإنك لن تعود.



ليست هناك تعليقات: