قراءة في رواية (يزن)
للكاتبة ابتهال الشايب
بقلم: مصطفي سليمان
ابتهال الشايب كاتبة
واعدة من مواليد مدينة الأقصر، حاصلة على ليسانس آداب لغة فرنسية من جامعة جنوب
الوادي، فازت بجائزة الدولة التشجيعية في الآداب فرع القصة القصيرة عن مجموعتها
الأولى (نصف حالة)، نحن الآن بصدد روايتها الأولى (يزن) الصادرة عن دار النسيم
للنشر، الجميل أن النص لا يقع في مشاكل العمل الأول، ينقسم النص إلى أثنين وثلاثين
مقطعا ، يستغرق من الصفحات مائة وست وعشرين صفحة ، أولى عتبات النص هو الغلاف ، في
هذا النص لا يتفق الغلاف مع النص حيث شخصية يزن شخصية ذكورية ولكنني أرى أن الغلاف لا يعد مسئولية الكاتب ،
بقدر ما هو مسئولية مصمم الغلاف ، في المقاطع الأولى تأثرت الكاتبة بأسلوب القصة
القصيرة فالمقاطع قصيرة مكثفة ، تركز على حدث واحد وتهتم بجانب الوصف ولكنها في التعمق في الرواية اندمجت معها و
تحررت من ذلك، يبدأ النص بوصول يزن إلى أرض الموتى في كفنه الأبيض، لنرى بعينيه
عالم افتراضي، في المقطع الأول تقدم الشخصيات الأساسية و سبب قدومهم إلى عالم
الموتى، إيما00 حادثة اغتصاب، لذا تحب ارض الموتى و لا تهتم بالعودة إلى الحياة،
وسام احد أطفال الشوارع، الذي يأكل الطين، فهد الباحث عن بيته ، بتول 00حادثة دراجة بخارية و تبحث خلال النص
عن رفيق الدراجة نزار ، الذي يمثل الأمل الضبابي في العودة للحياة وزياد الذي يبحث
عن ابنه المعتقل في سجون الاحتلال، نلاحظ أن الشخصيات كلها بأسماء عربية ربما لتضع
كافة الأزمات داخل النص أو تعمم أزمات النص على كل الوطن العربي ، إذا المكان
افتراضي متخيل فالشخصيات شديدة الواقعية ولكن الأحداث تتلاءم مع هذا المتخيل ، يتتابع النهار والليل فالصغار يتسلقون الشجر
ويهبطون، لغة الحوار بين الموتى هي الإشارة، و تشير إلى إن قدرتنا على التعبير من
الأشياء الهامة في حياتنا "لكن البوح و التعبير عن طريق الرسم استطاع ان يبدل
وجوههم الشقية إلى وجوه جزلة" صـ97 " صادف سامو أثناء سيره وجوه الموتى
المليئة بالضياء والراحة بعدما استطاعوا إخراج كل ما بداخلهم من مشاعر و طاقة في
الرسم و التواصل و العمل" إن كانت المقاطع الأولى تتصف بالوصف دون وجود أفعال
تؤدي إلى تقدم حركة السرد ، أفلتت الكاتبة من هذا التراخي الطفيف ولا نغفل اهتمامها بجانب الزمن فهناك فصول
السنة "جاء خريف مؤقت برماد جاف" 0
يبحث يزن في هذه الأرض عن ثلاثة أشياء محددة الحلم00زهر الياسمين00الوطن في
صـ55 تشير إلى تلك الأشياء على إنها رمز للحياة حيث تقول "لم يجد سوى كلمة
حزن التي سمعها وهو نائم وزهر الياسمين وذكراه الوحيدة عما يسمى وطن" الأشياء
الثلاثة في عالم النص هي رموز للحياة فعالم الموتى موصوف جغرافيا، شمالا البحر
ويحاط من كل جوانبه بجدار شفاف، يبصر من خلاله الموتى عالم الأحياء ، نكتشف فيما
بعد إن ما يرونه هو ماضيهم ، نجحت الكاتبة في بناء نصها بلغة جميلة ، تجبرنا على
حب الحياة على تلك الأرض ، فنرى الموتى يعيشون في تجاويف داخل صخرة محددة مستسلمون
لواقعهم حتى قدوم يزن الذي قرر أن يغير هذا الواقع ، فهي تشير بطرف خفي إلى أن
الاستسلام للواقع نوع من الموت فالبطل المحوري للنص يرفض الاستسلام ، يبحث عن صخرة
أخرى لعلاج مشكلة الموتى القادمون من الحياة" أضحى التجويف الواحد حاويا
لعشرة أموات أو أكثر" كما أحسنت وصف المكان و لم تغفل عن الزمن من ليل ونهار
و من فصول السنة صيف شتاء خريف0
دائما الموتى يأتون عن
الطريق السريع، موتى متنوعون، فمنهم أشلاء ممزقة00اخرون مغطون بالرصاص و
الدم00الاف الجثث الجديدة على الطريق الرئيسي لنساء عاريات مصلوبات00الموتى الجدد
ثقيلين للغاية و يبدو عليهم الانتفاخ، كانت أجسادهم مليئة بالمياه، التي غرقوا
فيها حتى الموت00تنوع صور الموتى تخبرنا إنهم ضحايا هذا الوطن، يعد أبرزهم سامو
الذي مات اثر التعذيب الوحشي ويناصب يزن العداء فهو يحاول قتله رفضا بذلك النور
الجديد للحياة رافضا العودة إلى عالم عذبه حتى الموت، يمثل سامو التعاسة البشرية
وعلى العكس يصر يزن على خلق الحياة في هذا المكان في صـ 107 " تغيرت ارض
الموتى في عيونهم ،لم تعد كئيبة ومتعبة ووحيدة ، بل أصبح لها معنى وهدف وكيان
وواقع، الموتى حققوا أشياء " هذا محور ارتكاز العمل فارض الموتى هي واقعنا
المعاش، من اجل مواقف النص انتحار سامو حيث تقول (يقف على قمة الصخرة القديمة
مقدما على الموت" سأبحث عن الموت و سأصل إليه كم تمنيته من قبل ؟" .
أدرك ذلك ..ثم سقط من أعلي الصخرة ). يستعيد يزن ذاكرته يعود لواقعه " أنا لم
امت00انا حي0الحزن 00الكلمة التي اسمعها في أحلامي ، جميعهم هنا حزانى لأنهم لا
يملكون ما يستترون به، جميعهم لا يملكون ما يستترون به ، جميعهم بلا ظل – لاحظ
تورية الستر – جميعهم بلا ستر 00بلا وطن مثلي ، جميعنا هنا أحياء لكننا ميتون من
الحزن00ارض الموتى التي تضم كل المقهورين كل الضحايا هي الوطن إيما تبتسم00الحياة
هنا 00الوطن هنا على ارض الموتى" 0
للنص قراءات متعددة منها قراءة دينية وغيرها ،
فالعمل متعدد الرؤى وما اكتبه هو انحياز فالنص جيد وكاتبة تستحق الدعم والتشجيع
لمواصلة رحلتها الأدبية.
هل ارض الموتى هي أرضنا !
مهما أصابنا من حزن فنحن ننتمي إليها ، هنا الحزن وزهر الياسمين واحلم ، ربما
افحلت في قراءة النص و لكني ادعو لقراءاته والتواصل معه ربما يسعفني الوقت لقراءته
مرة اخرى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق