قصة بقلم : عبد القادر صيد
لم أدّع إتقاني للتّحديّ يوما ،و لا
أزعم أنّني أدمنته في فترة من مراحل عمري ، و إنّما مهارتي أن أنساب مع العاصفة ،
و أتركني أتهادى ، حتّى أبدو ثملا ، و ما إن تتوقّف حتى أرجع أحسن ممّا كنت ..
يلومونني على رقصتي هذه ، و لكنّني أتذكّر آخر هبّة مرّت عليّ ؛ كنت حينها بمفردي أواجه السّموم بخدّي ،أين كانوا يا ترى ؟ مختبئين في مخابئ لم
يصرّحوا بها قبل أن يترشحوا للبدلة الجديدة،وحدها جحور الضّبّ تحسدهم على خنادقهم
.. مجرّد تذكّرهم يجعلني أحسّ بأريحيّة عظمى ،أتمثّلني أنحت تمثالا من نار.. أخدش
خدّ النّور بريشتي المرهفة .. أشقّ طريق الأشباح دون مساعدة الأشباح ذاتها ، بل و
دون حتّى رضاها أو تبريكاتها .. شيئا فشيئا سأجدني قد اجتزت عتبة جبهتي بكثير ، و
سأعترف بنفسي ، و أختم بختم الصّوت ، نعم سأختم بالهمهمات التي يخشونها في حين
أعبث أنا بها بيمناي هذه يوميّا .. أيّها الحاوون ، توقّفوا عن خدعكم ، و اعلموا
أنّ عهد رشوة ريق الأفاعي بحبّات السّكّر قد ولّى ،لا مجد إلا للنّسمات الباردة
المتسرّبة من نافذة قطار بخاريّ عتيق .. يستأنس الحرف بالفحم لأن بين الفحم و
الحبر نسبا بعيدا و رضاعة بشهود عدول،
كلاهما يلطّخ صاحبه ، و يحرقه ..كيف حال طاقم الأسنان المستعار عندكم ؟ كيف حال
الذّوق على ألسنتكم ؟ ألم تملّوا من الانتشاء بالوكالة ؟ تعرفون أنّني دفنت أسناني
كلّها دون مراسيم في مقبرة حيّكم، و أنتظر نموّها بين الفصل و الآخر ، لم تنمُ سوى
الفواصل المشبوهة ذات النّفوذ المقيت .
مللت من التّمسّح على أعتاب عيون
بخيلة حتّى باللامبالاة ،
إلى درجة يصبح المرور عليها دون ازدراء انتصارا .. كيف تحشرني في زاوية التّحدّي ،
و تضعني في موقف الزّاهد الذي هو مطالب ألّا يضع عينيه أمام بائعة الهوى ؟فإن
خفضهما طُعن في رجولته ، و
إن فعل العكس شُكّ في نسكه .. تتبرّأ النقاط المهاجرة ممتطيّة حروفها من نحّاتها ،
و تخونه آلاف المرّات خيانة شرعيّة من
عين إلى أخرى ، و لا ترتجى توبتها حتّى الغرغرة .. أيّ عذر يمكن أن تبرّر به الخيانة ؟ فليكن ، فآخر ما
نلجأ إليه دائما هو حجّة الضّعف البشريّ ، و لكن أيّ بشر نحن ؟ ! لا نسأم من
اختراع الأعذار إلى درجة اختلاط براءات الاختراع فيما بينها ، و بالتالي سقوط هذا الحق ،
ليتني كنت قاسي القلب لأنتقم منهم ، و أحجب نقاطي في دفاتري كريفيّ متعصّب ،
أجلببها بالقشور الفضفاضة ،و أقسو عليها إلى درجة الانتحار ،ثم أرفض كلّ طلبات
الخطبة بحجّة أنّها مختلّة عقليّا ..لا مناص من التّرفّع أحيانا لتثبت وجودك ، و
هذا أوانه ، فخذ بضاعتك على كتفك و ارحل من وجدانهم ، و احذر من تساقط نقاطك خلفك
فلن ينادوك لالتقاطها ، و رغم ذلك سينجو بعضها لتزيّن طريق المقبرة اخضرارا و
زخرفا إلى حين ،سيستظّل تحتها الهائمون و يرسلون زجلهم في الليالي الذئبيّة الهوى
. . ستصلني آهاتهم لأنّي لم أستودع مفتاحي حارس المقبرة المفزوع .
لماذا يعادون الحرف المنزوع الدّسم
؟ربّما لأنّه لا يلهج بتلميع أحذية سدنة المعبد المتحجّرة التي لن تتحرّك أبدا
..يجهلون أن روح الحرف تأنف أن تسكن وثنا ، و لا تقنع إلّا أن تعلّق فوق الكعبة ،
حتّى و إن كان صاحبها وثنيّا .. المجد للرّوح داخل الحرف و خارجه ، و لا حياد بين
ذلك ..
كيف يهيّئون حروفهم ليحترفوا القضاء
أمام من رضي بأقصى العقوبة؟
أيّ فنّ يمكن أن تمارسه معه و
قد أعلنها جهارا أنّه يرفض القسم أمام القاضي ؟ بل و يرفض أن تلتقي عيناه بمن
يحاكمه إدانة أو براءة ..فلتتركوا روحه تتنفّس بسلام ، فأنتم تتعاملون مع مَعِين
ميّت منذ زمن ، و ما هذه الحروف إلا تنهدّات سابقة بدأت في الوصول حديثا ، لقد انطفأ
صاحبها ، و لم يعد يرجو إلّا منها رسائل مضمّنة بين أسارير العذارى البلهاوات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق