2017/11/09

ثأر.. بقلم: وفاء شهاب الدين

ثأر..
وفاء شهاب الدين 
مصر

توقفت الحياة بغته وهي تنظر إليه، تساقطت لهفتها أمامه، توقفت الأيام،تجمدت الساعات، وتسارعت نبضاتها حتى كادت تتوقف، وضعت يدها على فمها لتكتم صرخة حان أوانها بعد طول تأجيل، انكفأت على جسده المسجى في عرض الطريق تبكي محاولة إعادة الدماء التي لفظتها شرايينه ، خذلتها قوة استمدتها من تسليمها بأمر واقع، تمتمت باسمه في ذهول، رجته أن يجيب فخذلها بعد وعود قطعها بهجر عادة الخذلان، ضمته إلى صدرها فامتزجت الدماء بصدرها الذي أطعمه الحب منذ أنفاسه الأولى .

بعد غياب دام نصف عمره عاد فابتسمت بعودته الحياة وعادت الدماء تسري في أوردتها، تمنت لو محت ماضيه، تمنت لو كان بيدها القدرة لتغير أحداث يوم واحد، يوم  لو تغيرت وقائعه لتغير وجه حياتها.

يوم أمسك بفأسه ليهشم به رأس شقيقهاــ خاله ــ يوم غادرته  كل شموس الحياة وتحولت أشعتها إلى صرخات الثكالي ونحيب الموتورين.

لم يشفع له مرضه الذي حول الجميع ــ من وجهة نظره ــ إلى أعداء.

تكالبت عليه الوساوس وآمن بها فكفر بالحب واتهم زوجته بالخيانة وحاول ذبحها وكاد يقتل طفليها لولا تدخل الخال المغدور.

فقدت بفعلته ولديها الآخرين بعد  أن طاردهما الثأر، استوطن هو السجن وتبرأ منها إخوتها فتوقفت حياتها بعدما اصطبغت بلون دماء شقيقها .

بكت حتى هجرت الدموع مآقيها، ولفظتها الحياة فعاشت على أطرافها مهمشة تقتات الخوف وتشرب الذعر وتنام على بسط الفزع.

فقدت شفتاها الحروف؛ فاستبدلتهم بلغة الصراخ فكانت طوال الليل تتكلم باللغة الوحيدة التي أضحت تعرفها؛ فتثير رعب الجيران حتى أغلق الجميع نوافذهم التي تحتضن صحن بيتها لتصبح أكثر تفردا حتى هجرت ملامحها نكهة الحياة وباتت جسداً تخلت عنه الروح كما تخللى عن روحها كل من سكنها، فلا أحد صار يسكنها، عواصمها مهجورة ومدنها خراب .

يوماً ما  دق بابها حفيدها ــ ولده ــ  ليلاً وسألها أن ترافقه فقد آن لشملهم أن يجتمع بعد خروج الوالد من سجنه  وبعد قهره لكل الوساوس وتحوله إلى إنسان شبه آدمي.

اندفعت خارجةًً معه حافية القدمين حاسرة الرأس ترتدي أسمال النوم، كادت تجري لولا أوصالها التي هزمتها النوائب فحملها الحفيد كعروس إلى أن  زفت إليه  وسط بكاء الجميع.

حارت بين أن تضمه بين ذراعيها  وتحتويه كما كانت تفعل وهو صغير وبين أن تطبق على عنقه لتدقها  وتتخلص من  مخاض كل تلك السنين التي أفقدتها القدرة على الحياة.

قابلها بطوفان دموع  فقبلت أن تحول قلبها لسد يحسر كل تلك الدموع ويعيدها لمصدرها. احتضنته وحوته ضلوعها وتوسدت ذراعه بعدما عزت الوسائد .

كادت تزدان الحياة وتعلن صفوها لولا شاب موتور أبى أن يعيش هو بعد أن أسكن والده التراب، فترصده أثناء خروجه من المسجد  و أغمد به كل حقد السنوات الفائتة وأغمد بها نيران ما أن أطفئت حتى تحول الرماد إلى سعير .

وضعت يدها على وجهه تمسح تراب علق بجبينه  وأخذت تقبله فغسلت وجهه دموعها  فالتقط رادار الأمومة بداخلها  أنة خافتة صدرت عنه  .

ليست هناك تعليقات: