قصة "وجه أخي" بالمجموعة
القصصية "جمل عتاقة" لمحمد خليل.. نموذجاً للأدب الذاتي والحرب
محمود سلامة الهايشة
صدرت المجموعة القصصية "جبل عتاقة"
للقاص الدقهلوي محمد خليل، الطبعة الأولى عام 2016، عن فرع ثقافة الدقهلية، التابع
لإقليم شرق الدلتا الثقافي – الهيئة العامة لقصور الثقافة، تقع المجموعة في 102
صفحة من القطع المتوسط، راجع المجموعة لغويا الشاعر الأستاذ/ أحمد الحديدي، أخرجها
فنيا الأستاذ/ أيمن محمد عيد – مدير دار الإسلام للطباعة والنشر، مدير تحرير
السلسلة الأديب/ طارق العوضي.
وقد جاءت القصة الأولى بالمجموعة بعنوان
"وجه أخي"، وهو عنوان موفقة بشكل كبير جداً، فهو متسق مع فكرة القصة وما
تناولته، فقد خبه الكاتب سر العنوان إلى قرب نهاية قصته، وبالتالي جعل القارئ يبحث
طوال قراءته للقصة عن الوجه الذي يقصده القاص.
بطلا القصة هما هو/الراوي وأخيه
"منتصر" الذي يصغره بعام واحد فقط، ترسخ القصة لمجموعة من القيم
الإيجابية والأخلاق الرفيعة كالتفاؤل والابتسامة والكرامة والثقة بالنفس والقدوة
الحسنة والإخلاص في أداء الواجبات الدنيوية والفرائض الدينية...الخ. لذا فيمكن أن
نطلق عنوانا بديلا للقصة بـ "وجه منتصر".
تعد القصة من القصص التي ترصد لفترات الحرب
"قبلها، وخلالها، وبعدها"، لذا فيمكننا أن نقول عن هذه القصة أنها من
أدب الحرب، فهي ترسم ملامح المشهد على الجبهتين الداخلية "بين المواطنين في
الشوارع والبيوت"، والخارجية "وهي ساحة ومسرح العمليات العسكرية، أي
الجبهة المقابلة لجبهة العدو مباشرة".
رصد الكاتب المشاعر الإنسانية الجياشة للأم
التي لها أبناء محاربين على جبهة القتال بصورة عميقة ودقيقة وواقعية، ولم يكتفي
بتصور ما يجول في نفسية هذه الأم، بل غاص في مشاعر المتلقي لكلمات هذه الأم
الحزينة القلقة، فلأول مرة أقرأ لكاتب يشرح الجهاز النفسي لإحدى أبطال قصته بل
ويصف أحساس قارئ تلك المشاعر، منتهى الإبداع الممزوج بالخيال التصويري.
كتبت القصة باللغة العربية الفصحى، عدا من
بعض الكلمات البسيطة العامية، والتي كان لابد وأن تكتب عامية لضرورة السرد، لأنها
موظفة داخل النص القصصي، ولا يجوز كتابتها بالفصحى، لأنها ستخل بالمعنى ولا تصل
الرسالة التي كان يريد الكاتب إيصالها، وهي في الغالب تأتي داخل الحوار بين شخوص
القصة.
يستطيع أن يحدد القارئ مكان حدوث القصة وزمان
حدوثها، إلا أن الكاتب قد زيل قصتها بالزمكانية في بطاقة القصة، حيث يقول
"تولدت الفكرة من موقف حقيقي حدث في صحراء "السويس" قبالة
"جبل عتاقة" عقب انسحاب القوات الإسرائيلية بعد محادثات الكيلو 101
والكتيبة التي كنت أنتمى إليها تتهيأ؛ لاستعادة الجبل بعد احتلال القوات
الإسرائيلية له"، ومن خلال ما كتبه الكاتب محمد خليل في السطور القليلة
السابقة، نستطيع أن نقول أن القصة من أدب السير الذاتية للكُتابّ، فكتبنا هنا يرصد
ما حدث له في الحرب وما دار في الكواليس، وأن الراوي بالقصة هو نفسه الكاتب محمد
خليل، ومنتصر الشهيد الذي رائه صدفه بترتب رباني هو شقيقه وأمه ابن البطل وأم
الشهيد والتي كان تطلق على العدو الصهيوني "أولاد الهرمة". فتدور أحداث
القصة ما بين مكانين أساسي وفرعي، أساسي أو المكان الرئيس حيث يعد المكان أحد
أبطال القصة ألا وهو منطقة وقمة جبل عتاقة بالسويس، والمكان الفرعي أو الثانوي وهو
قرية البطل الراوي.
يتشابه مشهد اختلاف الجنود وحيرتهم ماذا
يفعلون بالساق التي خرجت من باطن الأرض، وانقسامهم على أنفسهم وعدم الاتفاق على
قرار ورأي واحد، ويذكرني بمشهد اختلاف أهالي القرية التي ظهر فيها أصحاب الكهف بعد
أن بعثهم الله واستيقظوا من نومهم بعد 309 سنة، هو تشبيه مع الفارق، هم كانوا
أحياء ولكنهم نائمون عدة مئات من السنين، ولكن المقصود بالشبه أنه دائما يختلف الناس
على اتخاذ القرار النهائي خاصة عندما يتعلق الأمر بأشقائهم من بني آدم، فالتجارب
الإنسانية في هذا الشأن متكررة منذ لحظة قتل قابيل لأخيه هابيل وقصة تعليم الغراب
للإنسان كيفية الدفن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
يصور الكاتب مشهد العثور على جثة أحد الشهداء
بالصدفة البحتة كأنه مشهد سينمائي درامي مهيب ومؤثر، يركز الكاتب على الجانب
النفسي للراوي البطل وباقي الشخوص من حوله، لدرجة أنه وصل إلى أعماق النفس
الإنسانية. فقد خرج جميع أبطال القصة فائزون منتصرون:
-
الجيش المصري منتصرا في الحرب على العدو
الصهيوني مستردا الأرض.
-
الأم منتصرة: رجوع ابنها الأكبر سالما غانما،
واستشهاد ابنها الأصغر منتصر، فأصبحت أم الأبطال وأم الشهيد.
دائما ما أبحث خلال قراءتي لأي عمل سردي عن
جملة مأثورة صاغة الكاتب، وبالفعل قد وجدتها في بداية صفحة 8 عندما كتب محمد خليل
قائلا: "كان الظلام قد ابتلع نور الشمس في جوفه".. عبارة في منتهى
الروعة من حيث التشبيه والبلاغة، فهي ذات دلالة وعمق نفسي كبير جداً.
جاءت القصة خالية من الأخطاء الإملائية
والمطبعية عدا من كلمة واحدة فقط جاءت في صفحة 8، وبالتحديد في السطر الرابع وهي
كلمة (عصية) وقد وردت بالقصة المطبوعة بالكتاب (صعية) أي سبق حرف (الصاد) حرف
(العين).
تعتبر هذه القصة – قصة بين قوسين- نعم قوس
البداية متمثل في أول جملة بالقصة "لم نفترق – منذ رأيت" وهو يشبه ضربة
بداية المباراة ويمثل بداية الحياة الدنيا؛ وقوس النهاية ألا وهو عبارة الخاتمة
للقصة "عما يصنعون بجثة الشهيد" وهو يشبه صفارة حكم المباراة معلنا عن
نهايتها، ويمثل بداية حياة البرزخ والموت، ولكن هنا الميت شهيد، والشهداء عند ربهم
أحياء، أي أن قوس النهاية هو قوس من نوع جديد يمثل حياة دائمة مستمرة جديدة لشخص
مات شهيداً مدافعا عن أرض وطنه مجاهدا في سبيل الله. تعد جملة البداية هي
(المبتدأ) وجملة النهاية هي (الخبر).
أدعو كل محبي فن القصة القصيرة لقراءة محمد
خليل، فقصته "وجه أخي" قمة في الحبكة، روعة في العقدة، تميز في التركيب
ثم الفك ثم التركيب، السرد لدى خليل ليس بالطويل الممل أو القصير المخل.
علما
بأن الكاتب/ محمد محمد خليل، من مواليد 28 سبتمبر 1946، البصراط-مركز المنزلة –
محافظة الدقهلية، عضو اتحاد كُتابّ مصر، رئيس العلاقات العامة بالغرفة التجارية
بالدقهلية حتى انتهاء مدة خدمته نهاية عام 2006، مقرر شعبة الغرف التجارب بالنقابة
العامة لعمال التجارة بالقاهرة، وقد شارك في حرب أكتوبر 1973.
يقول
الكاتب محمد خليل في بطاقة تعرف القصة بأنها كتبت عام 2011، أي أنها ظلت فكرتها
وأحداثها مخزنها في عقله منذ عام 1973 وما قبله إلى عام 2011 أي لما يقرب من
أربعين عاما كاملة، مجرد رؤية وفكرة في ذهن الكاتب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق